هزني خبر اٍغتيال فيكتوري أريغوني المتضامن الايطالي في غزة بنفس القوة حين سمعت في حينها خبر الحرب على غزة وما جَرّت من ويلات ومآسي لازلنا نعيشها وستبقى في الذاكرة لأجيال قادمة .
لازلت أذكر كم كانت تلك الحرب فظيعة حيث جربت اٍسرائيل حفنة من وسائلها التدميرية لكل شيء يعلو عن سطح الأرض من مباني أو زرع أوحيوان أو بشر . ويومها أخذنا نستصرخ العالم دولا وشعوبا لكي نوقف هذه الهجمة الاسرائيلية الشرسة على شعبنا في غزة .
وكان أن هب الكثير من المتضامنين مع شعبنا وقضيتنا العادلة . وما موجات التضامن المتعاقبة لفك الحصار اٍلا تعبيرا عن وصول قضيتنا لتتلاحم مع قضايا الانسانية العالمية .
وكان فيكتوري أريغوني المتضامن الايطالي من أكثر المتضامنين التصاقا بالهم الذي يعيشه الشعب الفلسطيني في غزة ، حيث حضر الى غزة مع قاربي كسر الحصار " الأمل والكرامة " نهاية عام 2008 م وبقي في غزة .
ان مقالات فيكتوري أريغوني _ الذي يعمل مراسلا لصحيفة "مانفستو _
كانت تفضح الممارسات الاسرائيلية في غزة وتكشفها للعالم أولا بأول .وكان لمقالاته وكتاباته الأثر الكبير في جذب الكثير من المتضامنين لكسر الحصار الاسرائيلي لغزة .
هذا الرجل المعطاء العالمي الانساني بكل معنى الكلمة تطاله يد الغدر والنكران لمسيرته الانسانية والثورية .
اٍنها فعلة تتعارض مع كل القيم الانسانية والدينية والاجتماعية التي تراعي كرم الضيافة .
وبالقياس ان يد الغدر التي امتدت الى فيكتوري قد أوضحت الخط الفاصل بين الوطني واللا وطني ، الانساني واللا انساني ، الثوري ضد كل ظلم للانسان ، واللا ثوري المتواطىء مع الظلمة والظالمين .
ان المردود القريب والبعيد لهذا العمل الاٍجرامي يصب فيما يريده الاحتلال الذي يبذل كل جهد لاٍيقاف موجات التضامن الشعبي الدولي مع قضيتنا العادلة .
ان ما جرى ليس تشويها للمسيرة الوطنية ، و تشتيتا للجهد والهدف وزيادة وطأة الاحتلال ، بل هي أيضا تجعل المسيرة أطول بما لا يقاس وتزيد المعاناة والهم فوق هموم التشرد والتشتت في شتى بقاع العالم .
اٍن مثل هذه الأعمال تزرع حالة من عدم الثقة وعدم المصداقية في الشعارات الوطنية والدينية والانسانية التي ترفعها الحركة الوطنية الفلسطينية .
وبالمقابل ، ان ما فعلته الجرافات الاسرائيلية الغادرة التي قتلت المتضامنة " راشيل " قد أشعل موجات من التضامن الدولي والشعبي مع قضيتنا وحقوقنا الوطنية والانسانية .
في حين يأتي هذا العمل الغادر ليصب في الجهة المعاكسة والتي لا تخدم الا المصالح الاسرائيلية داخليا وخارجيا ، كما وتشوه الصورة الانسانية للشعب الفلسطيني ، وتظهرنا أننا شعبُ متوحشُ وبربريُ ولا نستحق الحياة ، و تشوّه الأهداف الوطنية و الثورية و الإنسانية للتحرر الوطني و بناء المجتمع الذي يحفظ للإنسان كرامته و حقه في الحياة الحرة الكريمة .
و لكن مَن هي الجهة التي امتدت يدها لفيكتوري و غدرت به ؟ إنها مجموعة تطلق على نفسها "جماعة التوحيد والجهاد السلفية " ،
و هي مجموعة متطرفة دينياً لا تعترف لا بوطن ، و لا بمجتمع ، و لا بالتعددية الدينية ، و لا بقيم إنسانية ، و لا بكرم الضيافة ، و لا بعلاقات بين الشعوب ، و لا بالتضامن العالمي المشترك ضد الاستعمار و الظلم على المستوى القُطري و العالمي .
إن هذه المجموعة هي إفراز ديني يائس من كل الاتجاهات السياسية التي تعمل على الساحة الوطنية ، و بهذا العمل الإجرامي الذي ينشر المزاج النفسي اليائس و يزكي الصراع و عدم الثقة بين شرائح المجتمع الفلسطيني المتعدد الأطياف .
إن هذا الغدر يُخرج المسيرة الوطنية عن طريقها الوطني ليضعها في طريق الصراعات الدينية الأصولية الحرفية .
إن الصراعات الدينية هي الأكثر تدميراً لمقدَّرات الشعوب و حضارتها على طول التاريخ .
و في الجانب الداخلي للحدث الغادر الذي يعود بنا إلى حالة الفلتان الأمني ، و الاجتماعي ، و يخلق حالة من الإرهاب السلاحي ، و حالة من الخوف الفردي ، و يُعَزِّز العشائرية و النزعات البلطجية ، و ما تَجُرُّه هذه الحالة من خلل علاقاتي و نفاق و غياب معرفة الحق و قيم الاحترام ، و نشر حالة من اليأس العام من كل شيء وطني و ديني .
إن سيادة إرهاب السلاح ، أو الأجهزة التابعة لمؤسسات سياسية دينية أو وطنية يزيد من الخلل في البنيان الاجتماعي و المؤسساتي و يضع الرجل الغير مناسب في رأس الحركة و يسود الخطأ و يضيع مقياس الحقيقة و الصواب ، و بالتالي يعيش المجتمع حالة من الخطأ المتراكم الذي يبعدنا عن بناء مجتمع سليم حرّ خالِ من الظلم الاجتماعي و الإنساني و الإرهاب الفكري . و يجب التعامل مع هذه الجماعة المنحرفة بحزم و لا يجب اعتبارهم فتية " مُغَرَّر بهم " ، و يجب ردُّهم إلى جادَّة الصواب و عفا الله عما سلف ، كما حدث في أحداث سابقة ، حيث وضعت مجموعة ذات أصول دينية عبُوَّات ناسفة تحت منصة فرح في خان يونس أسفر انفجارها عن جرح العديد من الناس أغلبهم من الأطفال . و بعد معرفة الجناة و اعتقالهم ، لم تمرّ مدة وجيزة حتى أُطلِق سراحهم و كأنّ شيئاً لم يكن .
إن هذه الفعلة الشنيعة تختلف كمّاً و كيفاً باعتراف المسئولين ، انها تضع الحكومة وخصوصا وزارة الداخلية في غزة أمام امتحان اذا تأخر القبض على الجناة وتكون بداية لفلتان من نوع آخر ، متطرف وأصولي وضرره يخرج عن المستوى الداخلي .لهذا من الواجب أن يسمع الناس في القريب العاجل ،عقابا يتناسب مع الضرر الذي ترتَب على الحدث ، من قتل بريء إلى الأثر السلبي على الوطن و المجتمع الفلسطيني .
لن ننساك يا فيكتوري ، وستبقى في الذاكرة الانسانية والفلسطينية ما دام على الأرض انسان .
وأخيرا ، سيبقى مكانك شاغرا !!! .
التعليقات (0)