العرب ونظرية التطور
إن نظرية النشوء والارتقاء لداروين لم تُوضع كفرضية مُسبقة تحتوي على أسانيد مسبقة سلفية تم تجميعها من هنا وهناك , بل جاءت من الشواهد التي رآها داروين في رحلته الاستكشافية الهادفة ومن خلال المراقبة الدقيقة لسلوك الحيوانات ، فقد لاحظ التشابه بينها وطريقتها في الحصول على الغذاء , ومن خلال مشاهداته الحية في الغابات , وما تم اكتشافه في الحفريات المطمورة على مر السنين .
ان داروين في كتابه "أصل الأنواع" سنة 1859م ، والذي هو خلاصة لنتائج ما يزيد عن 27 سنة من الأبحاث والتأملات والترحال حول العالم، يعني أن الرجل بعد جهد جهيد وصل الى النموذج التطوري للأنواع وليس عن طريق العبث ، ولم يكن من هدف له الا العلم ، ومن أجل العلم وإظهار الحقيقة العلمية . لقد ساهم كتابه "أصل الأنواع" في تحرر العلوم البيولوجية الحديثة من التصور الميتافيزيقي اللاهوتي الثباتي.
كان داروين أول من طبق الاستقراء والاستنباط لدراسة التطور، وقد حدد لنفسه هدفين اثنين : أثبات عملية التطور واكتشاف الآلية التى تتم بها عملية التطور .
إن الربط بين المشاهدات في الواقع لأنواع عديدة من الحيوانات هي التي أوحت لداروين بالقوانين التي تحكم التطور العضوي للكائنات الحية من أصغر كائن عضوي أُحادي الخلية الى أضخم ديناصور, مرورا بكل أصناف الحيوانات على تنوعها من كائنات بحرية أو برمائية أو ثدييات وصولا الى الإنسان .
إن الهدف من هذا الطرح هو وضع الإنسان أمام مسئولية فعلية تتطلب منه موقفا صارما لا هوادة فيه من الحقيقة ، من المعطيات العلمية ، وأن تكون دافعا له لكي يملك الجرأة والشجاعة لكي يقول لا لغير العلم , لا للامعقول , لا للتراث الغير واقعي , والمختلط بأساطير الأقوام الغابرة .
فمثلا إذا طُرحت أمامه حقيقة علمية تقول: أن المعادن تتمدد بالحرارة , وقد ثبت هذا بالتجربة العملية والمشاهدات المتكررة , فلا يجب أن يعزل معدنا بعينه ويجعل له استثناء – الذهب مثلا – فبينما يقول العلم ، المعادن , يقصد جميع المعادن ، فكل المعادن تخضع لهذا القانون .
وحينما يقول العلم ، أن الكائنات الحية خضعت لطريق تطوري دام ملايين السنين ، فلا يجب أن يستثني الثعبان أو القرد أو الإنسان .فيجب أن نعترف أن جميع الحيوانات خضعت للتطور دون استثناء أي منها .
إننا نرى أن البعض ولأسباب من الموروث الفكري يقف موقفا متميعا وبطريقة ساخرة متسائلا : كيف تكون مارلين مونرو أو صوفيا لورين أو نانسي عجرم في شراكة فعلية بيولوجيا مع الحيوانات اللبونة أو القردة العليا .
وعليه نجيب أننا نجد تشابها بيولوجيا لدرجة كبيرة بين الإنسان والقردة العليا , وليس هذا وحسب ، بل تشابها في الشكل وعلامات الوجه بين فصيلة من القرود وبعض ساكني أفريقيا الأصليين من حيث بروزات الوجه وشكل الجمجمة , إلا أنه في الواقع هذا إنسان وهذا حيوان بكل معنى الكلمة .
فالفرق الذي يحسم الموضوع ويحدد لنا درجة اختلاف الإنسان عن غيره من العضويات البيولوجية هو درجة تطور الدماغ , والمقدرة على النطق .
لهذا فالموقف من المعطيات العلمية لا يجب أن يختلط مع الخرافة , فالأبيض ، أبيض والأسود , أسود . إن العلم لا يقبل الميوعة , ولا يقبل التردد , إنه يتطلب التحزب ووضوح الموقف والانحياز للحقيقة والبحث عنها والتمسك بها خارج أية اعتبارات أخرى .
فحينما نتواجه بالسؤال : هل هناك تغير وتطور في الطبيعة والعضويات ؟ فإن الجواب : نعم , ويجب أن يكون نعم دائما , ولا يجب أن يستثني أي كائن عضوي على سطح الأرض .
هناك نظرتان تطرحان لنا تصوران يفسران كيفية ظهور الكائنات العضوية على سطح الأرض . الأولى تبرر ظهور النباتات والحيوانات والإنسان كل بشكله ونوعه دون تغير أو تطور , نتيجة لتدخل قوى غيبية لها قدرات خارقة .
والثانية تنظر الى الحياة بكل تنوعاتها وأشكالها بوصفها نتاج لعملية تطورية متسلسلة دامت ملايين السنين الى أن اتخذت فيها العضويات والإنسان هذا الشكل الذي نراه عليها الآن .
الأولى , تبدأ من أمر غيبي تم فيه إيجاد ، تكوين ، " خلق " , أي تشكيل أجساد ، أشكال , كل بشكله ومُسماه ، ثم إيداع الحياة في هذه الأجساد , والتي تم تشكيلها بشكل منفصل بعضها عن البعض , كل على حدة , وهذه الكائنات العضوية لا تتطور ولا تتغير , فهي بنفس التركيبة والتشكيلة , ونفس الحجم منذ الإيداع الأول وحتى الآن . أي أن الأسد والقط والتمساح والزرافة والحصان والإنسان وجدت بهذا الشكل منذ الأمر الأول بوجودها ولم تتغير ولم تتطور . أما القرد فلم يوجد ضمن العملية الأولى للخلق , إنه إنسان " مغضوب عليه " , أي إنسان ، " مُرجع " ، " ممسوخ " . فلم تكن هناك قرود حسب النظرة الدينية , بل وُجد القرد نتيجة لغضبة إلهية على الإنسان الغير مطيع في زمن ما , فأرجعه الى درجة أقل , وهو القرد . فقد ورد في سورة البقرة " ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم فى السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين } البقرة :65)
وهذه النظرة الى العضويات لا تفسر لنا التشابه الفائق الدرجة في التركيبات الداخلية والشكلية بين الحيوانات البحرية , ولا التشابه بين الحيوانات البرية في التركيب ولا في الشكل . ولا تبين لنا أسباب الاختلاف في الأحجام ولا الألوان , ولا تفسر لنا لماذا هناك حيوانات بلا أرجل ولا عيون , ولا توضح لنا لماذا انقرضت حيوانات , وبقيت أخرى , ولا لماذا تظهر حيوانات وطيور لم تكن موجودة من قبل . فقد وجدت حيوانات بدون عيون في أعماق البحار وفي الكهوف المظلمة وتكيفت في حياتها مع الظلام . ولا تستطيع ان تجيب على السؤال : لماذا توجد في جزيرة مدغشقر حيوانات تختلف عن الحيوانات الأفريقية والآسيوية ؟ وهل جرى خلق حيوانات مدغشقر بطريقة تختلف عن حيوانات القارات الأخرى ؟
إن النظرة الدينية لتبرير سبب وجود الكائنات العضوية هي " غائية " , أي لكي تجعل إمكانية أن يعيش الإنسان " وهو هدف الخلق " أن يعيش على الأرض . وحتى الإنسان " خلق " لأسباب غائية , وهي العبادة والاختبار ,فقد ورد في القرآن " (وما خَلَقتُ الجنَّ والإنس إلاَّ ليعبدونِ) , وفي الحديث القدسي "خَـلَـقتُ الخلق لكي أُعرف" ، ومن ثم سيواجه هذا الإنسان الموت , ثم البعث من جديد . فإذا نجح في الاختبار فهناك الحياة الأبدية , في جنة عدن , حياة النعيم بعد الموت , أما اذا رسب , فسيلقى العقاب الشديد وسيزج به في أُتون نار حامية ,تمور من شدتها , حيث تأكله النار ويعاد خلقه من جديد لتأكله مرة أُخرى وهكذا دواليك .
أما نظرية النشوء والارتقاء لداروين فتنطلق من أن :
1- كل الكائنات الحية الموجودة لم تكن كذلك , وإنما تطورت للأفضل وتشكلت عبر ملايين السنين , عبر طريق طويل ارتقت فيه من الأدنى الى الأرقى , وكان هذا محكوم بقانون الصراع من أجل البقاء ، والبقاء للأفضل ، والانتخاب الطبيعي .
2- عبر هذا الطريق الطويل للتطور تخلصت أو أهملت هذه الحيوانات بما فيها الإنسان كل عضو لا يجري استعماله , وتعززت لديها الأعضاء الأكثر أهمية واللازمة في صراعها من أجل البقاء وفي تكيفها مع ظروف حياتها .
3- عبر هذا الطريق الطويل للتطور الذي مرت به هذه العضويات وعبر التزاوج , كانت تحدث طفرات جينية تحمل خواص جديدة مما أغنى العملية التطورية بظهور فصائل وحيوانات جديدة لم تكن موجودة من قبل .وأوجد التمايز بين الحيوانات في الشكل والحجم والفعالية , والقدرة على التكيف, وهذا ما يفسر التفرعات المتعددة في الشجرة البيولوجية ,ويفسر الحلقات التطورية التي تربط بين الحيوانات من برمائيات بخياشيم وبين برمائيات تتنفس برئتين , وبين زواحف بياضه وبين الثدييات المشيمية .
4- عاشت هذه الحيوانات في بيئات مختلفة البرودة والحرارة , وللمحافظة على بقائها , تطورت عندها أعضاء وتعززت لتتكيف مع ظروف حياتها حسب البيئة التي هي موجودة فيها . فظهرت حيوانات بيضاء وذات شعر كثيف في البيئة الثلجية , وسوداء ومخططة في الغابات الكثيفة , وصفراء في البيئة الصحراوية . وهذا ما أُطلق عليه ظاهرة العقلانية , أي تكيف العضويات مع بيئتها .
موقف الغرب من نظرية التطور
منذ ظهور نظرية دارون أحست أنظمة الحكم الملكية والطبقات الحاكمة في القرن التاسع عشر بالخطر، لكونها خالفت أرائهم التي أصرت على أن العبد الأسود خلق لكي يبقى عبدا يخدم سيده الأبيض، ولا يمكن تطويره بالحرية والتعليم، وبأن الفقير خلق لكي يبقى فقيرا، لكونه مولود بمورثات لا يمكن تغيرها، وبأن المستعمرات خلقت بأرضها وشعوبها لخدمة ملوك أوروبا. كما شاركهم هذا الإحساس ممثلي المؤسسة الدينية بوصفهم الممثلين للخالق ، وأن نظرتهم المستوحاة من سفر التكوين الى الأحياء أصبحت في خطر بظهور نظرة علمية منافسة بل وناسفة لتفسيراتهم عن الخلق الأول .
كان الاسقف ولبرفورس في مقدمة من هاجموا نظرية التطور وصاحبها داروين ، اذ رأى أن قانون الانتخاب الطبيعي يتعارض مع كلمة الله ويناقض العلاقة بين الخليقة وخالقها ... وفي اجتماع للمجتمع البريطاني لتقدم العلم ، أعلن أنه يشعر بالغبطة لأنه لم ينحدر من القردة , فقال هكسلي في الرد عليه : لو خُيرت لآثرت أن أكون من سلالة قرد وضبع , على أن أكون ابن رجل من البشر يُسخر علمه وفصاحته للإساءة الى من أفنوا حياتهم في البحث عن الحقيقة ! .
كان جان بول الثاني رائدا في مجال الاعتراف الديني بنظرية التطور الداروينية عندما اعترف أمام أكاديمية العلوم الخاصة بالفاتيكان سنة 1966م : " نظرية التطور أكثر من فرضية " , بل هي علوم دقيقة لا مفر للمؤمنين من الاعتراف بها , والانتقال من القراءة الحرفية لنصوصهم المؤسسة الى القراءات المجازية والرمزية والصوفية والتاريخية ..
ونورد موقف آخر هو موقف أُستاذ في جامعة باريس السابعة , صاحب كتاب " أمريكا بين التوراة وداروين " 2007 م , يقول دومينيك لوكور " كنا نحسب أن المسألة قد حُسمت , اذ مُني أصحاب " نظرية الخلق " بالهزيمة تلو الأخرى أمام المحاكم العادية ، وفي النهاية أمام المحكمة العليا في الولايات المتحدة الأمريكية , وهكذا , ففي باب أصل الإنسان ، لم يعد مفروضا على أساتذة البيولوجيا في المدارس العمومية تدريس نص " سفر التكوين " الى جانب نظرية التطور , لقد تم إلغاء آخر قانون ضد نظرية التطور 1987 م .
وموقف ثالث : لقد حذر بروس البرتسن عميد كلية العلوم في الولايات المتحدة الذي حذر علنا : " يوجد أحد دعائم العلم مهملا بل مقصيا من دروس العلم " , نجد في موقف التلاميذ من التمرد بقدر ما نجد من خضوع . على الأساتذة أن يقنعوهم أنهم ليسوا في موقف خيار بين روايتين متنافستين ، التوراة رواية منذورة للإجابة على تساؤلات كل واحد منا حول هويته ومصيره , أما نظرية التطور ، فهي ليست حكاية , وإنما هي قلب البيولوجيا المعاصرة التي تنتج كل يوم معارف وتطبيقات جديدة " .
وموقف آخر له دلالة من نوع آخر ، نرى فيه كيف تطور الأمم نفسها ، ففي مطلع السنوات 1980م اكتشفت الولايات المتحدة الأمريكية تخلفها التربوي عن اليابان , فشكلت لجنة تقص للحقائق لمراجعة المناهج وطرق التدريس وتكوين المدرسين لتصبح أكثر استجابة لحاجات الأمة الأمريكية . استهلت اللجنة ديباجة تقريرها للحكومة الفيدرالية بهذه الكلمات : " لو أن دولة معادية فرضت هذا البرنامج التعليمي العقيم على الشعب الأمريكي , لاعتبرنا ذلك سببا موجبا للحرب عليها . لكن ما العمل ، ونحن الذين فرضناه على أنفسنا ؟
والسؤال هل لدى صناع القرار العرب الجرأة والنضج الكافي للوقوف اتجاه أنفسهم مثل هذا الموقف المعبر عن النضج النفسي والفكري والشعور بالمسئولية اتجاه شعوبهم ؟ والبدء بتدريس العلوم الإنسانية والفلسفة والعلوم الطبيعية على أصولها في المدارس والجامعات في المنطقة العربية .
العرب ونظرية التطور :
عرف العرب نظرية داروين من خلال الكتب التي تشرح هذه النظرية بطريقة مزاجية ، الا القليل منها ، وفي الأغلب كانت هذه الكتب يتم التقديم لها بآراء معارضة تشوه مضمون نظرية داروين للقارئ العربي . فانتشر النقد لهذه النظرية أكثر من وضوح مضمونها العلمي .
وقد تنبه لهذا الفهم إسماعيل مظهر فقام بترجمة كتاب " أصل الأنواع " سنة 1918م , وكان من أكبر المتحمسين لمذهب داروين حتى مات سنة 1963م .وكان يكتب في صدر مجلته " العصور " : " حرر فكرك من كل التقاليد الموروثة , حتى لا تجد صعوبة في رفض رأي من الآراء , أو مذهب من المذاهب اطمأن اليه نفسك وسكن إليه عقلك , إذا انكشف لك من الحقائق ما يناقضه " .
فهل سمع العرب نداء إسماعيل مظهر ؟
لا , لم يسمعوا , غير نداء الجهل والتشويه , وبالجهل والتشويه يتصدى العرب لكل جديد , لكل حضاري , واذا لمسوا فوائدا من نتاج الحضارة تعاملوا معها بشكل فظ , ينم عن جهل وأحيانا غطرسة واستعلاء كاذب .
ان معارضة العرب للداروينية يبدأ من حساسيتهم المفرطة من أي أفكار أو نظريات أو علم يجري تفسيره على أنه يقترب من الموروث المقدس , سواء كان عُرف أو عادة أو طقوس دينية . ويرجع هذا الموقف الى كتاب شبلي شميل " شرح بخنر على داروين " , وهو الكتاب الذي روج للنظرية على قاعدة الإلحاد المستقى من فكر الطبيب والفيلسوف الألماني " بخنر " . وقد تلقت الأحزاب والمؤسسات الدينية هذا الفهم وروجت له ، فأصبح التشويه يسبق المعلومة أو النظرية , وأصبح الموقف من نظرية الانتخاب الطبيعي واضح في العقلية العربية ، ما دامت هي هكذا , فلا داعي لمعرفة ماذا تقول . وهذا الموقف المشوه عن الداروينية قد عزز منع تدريسها في المناهج الدراسية , أو المرور عليها بالاسم مضافا له النقد من وجهة نظر موروثاتنا المقدسة .
حاولت أن أبحث في قوقل عن شرح لنظرية داروين , فكتبت " نظرية داروين " ، فظهر أمامي أحد عشر عنوانا عن نظرية داروين , وهي :
1 -نظرية داروين حقيقة ، من أكثر النظريات التى انتشرت في الأوساط العلمية...
2 - نظرية التطور - ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
3 - الجزيرة نت : ."أردي" تطعن بصحة نظرية داروين .
4- قناة الجزيرة - نظرية داروين سقطت
- 5 - شاهد انهيار ( نظرية التطور ) وحقيقة الخلق , سبحان الله .
6 - نقد نظرية دارون
7 – أسباب تعارض نظرية داروين مع القرآن الكريم
8- نظرية داروين عن التطور خيال ساذج .
9- نظرية داروين – أصل الإنسان قرد .
10– نظرية داروين – من الجانب الديني
11 - نظرية داروين للتطور تتعارض مع الكشوفات العلمية الحديثة .
ماذا نستنتج من هذا ؟ نستنتج أن أي قارئ عربي يريد الاطلاع على النظرية سيحدث عنده لجاجة وفقدان اتجاه ولن يصل للحقيقة , لأنه سيجد تسعة مواقع عن نظرية داروين تقول انها فشلت , وسقطت وتتعارض مع الموروث المقدس , وسيسأل نفسه ، الأكثرية تقول أنها خاطئة . ولما لم يكن لديه أرضية علمية , فسيكون موقفه : اذا هي خاطئة . فهو لا يعرف سبب هذه الهجمة على هذه النظرية , ومن يقف وراءها , ومن من الأنظمة الديكتاتورية والملكية والأحزاب ذات التوجه الأصولي ، والدين السياسي ، يدعم هذا التوجه المضاد للعلم ، ومن له مصلحة في أن لا تصل الأجيال الى فهم هذه النظرية عن التطور , ولا يعرف ماذا تقول النظرية ولا مدى تطابقها مع العلم وكم من العلوم انبثقت عنها , وكم من الأبحاث العلمية تنطلق من استنتاجاتها .
ان العرب والشرق الإسلامي يعيش حالة من القفر والعجز الحضاري , فليس لديهم وسيلة الا الاستعلاء باسم الموروث المقدس وتشويه معطيات الحضارة ومظاهرها ونظرياتها العلمية , ومن ضمنها " نظرية داروين " .
رب سائل يسأل : ما دام العرب المسلمين عندهم العلم والموروث المقدس ، ويرفعون شعار " القرآن موسوعة علمية " , وأن القرآن ملئ بأمثلة الإعجاز العلمي , فلماذا لم يكتشفوا مثل هذه النظريات العلمية , ويسمونها بأسمائهم ؟ ولماذا يعشش الظلم والجهل في ربوعهم , ولماذا لم يصنعوا أي شيء ممكن يفيد البشرية ؟ فكل ما هو موجود حولهم ليس من صناعتهم ، وحياتهم تغص باللا معقولية , ودوما في حالة اضطراب ، وتفسيرات للأحداث لا تمت للواقع بصلة .
وحول هذا الموضوع يقول أحد الكتاب : " في زمن الفراغ الفكري والعجز عن الإنجاز الحضاري الذي يعيشه المسلمون تبرز الحاجة لتعويض هذا الفراغ . وهذا ما نجده في موضة الإعجاز العلمي التي شاعت في عصرنا هذا وبولغ فيها الى درجة التكلف والتلاعب بآيات القرآن ولي أعناقها حتى توافق المكتشفات العلمية " . ( إعجاز علمي أم عجز حضاري – ايلاف ).
وفي مقالة للباحث عبد الرحمن حللي "من العجز الحضاري في الواقع إلى الإعجاز العلمي في النص" حيث يقول في تفسير ظاهرة الإعجاز العلمي :
" ان ظاهرة التفسير والإعجاز العلمي ظاهرة ظرفية تعكس الوهن الحضاري والثقافة السائدة وستبقى في حالة مد وجزر ، وهي الآن في حالة طفرة ورواج سيعقبها زوال وكمون لانكشاف هشاشتها وعدم تأثيرها في دفع الحراك الحضاري للمسلمين ، بل إنها تؤدي دورا سلبيا خادعا , وهو تضخيم وهم الأسبقية واعتبار الإعجاز العلمي نصرا إسلاميا في زمن الهزائم الحضارية " .
ان تضخيم وهم الأسبقية ووهم الاكتفاء بما لدينا , وبما عندنا , وتشويه النظريات العلمية في وعي الجيل , لا يعكس العجز الحضاري وحسب , بل ويُخرج الجيل من زمن العصر، ويؤخر مجيء الصحوة الحضارية , ويطيل فترة الذيلية الحضارية عند العرب .
فنظرية داروين في جوهرها هي إرساء فكرة التطور في الأحياء , وان الأنواع تتعاقب ولا تتجاور فقط , وإنها ليست ثابتة , ولن تبقى ثابتة , وإنها تمتلك ماض وحاضر ومستقبل , وأنها تتغير وتتطور .
وفكرة التطور تنطبق على نظرية داروين نفسها حيث لم تبق كما صاغها داروين ، بل هي نفسها تطورت، فبعد داروين تطورت العلوم و التكنولوجيا واستطاع العلماء اكتشاف دور الحمض النووي في تمرير العوامل الوراثية من جيل إلى جيل. وهذا ما أدى في منتصف القرن العشرين الى جمع و استيعاب كل المعلومات الجديدة لتحديث نظرية التطور. والى يومنا هذا يرى علماء البيولوجيا أنه لابد من مراجعة أخرى لتحديث النظرية، والتي يسميها البعض "النسخة الثانية " من نظرية التطور.
فعلى سبيل المثال شبه داروين التطور "بشجرة الحياة" وبان التطور ينمو مثل نمو الشجرة، تبدأ لشجرة بجذر واحد أصلي وبعدها يتفرع الى عدد لا يحصى من الجذوع المتفرعة. أما علماء البيولوجيا المعاصرين يقولون أن التطور يشبه الشبكة أو غابة بدلا من الشجرة. حيث قال جورج فورد دوليتل، مؤيد داروين وعالم الأحياء في جامعة دالهاوزي في هاليفاكس ( نوفا سكوتيا- كندا) "إننا نفهم التطور جيد لكن التطور أكثر تعقيدا مما تصوره داروين"...
..
وبعد مرور مائتي عام على مولد العالم البريطاني شارلز داروين، قام البروفيسور البريطاني بيتر غرانت، الأستاذ بجامعة برنستون الأمريكية، وخريج جامعة كامبريدج البريطانية. وزوجته بارابار، الحائز على جائزة كيوتو لعام 2009 في العلوم الأساسية، بعد أن قضيا خمسة وثلاثين عاما على جزر غير مأهولة بالبشر، تسمى بجزر الجالا باجوس، الواقعة في جنوب شرق المحيط الهادي. وقد درسا على هذه الجزيرة، التي زارها داروين في عام 1835 وأكمل فيها أبحاثه، علاقة المناخ بالتطورات الطبيعية البيولوجية، باختيارهم طيور البرقش لدراسة علاقة التغيرات المناخية بتطور 13 نوعا من هذه الطيور خلال الثلاثة ملاين سنة الماضية. وقد ركزت أبحاثهم على إجابة الأسئلة الثلاثة التالية: كيف تتشكل الأنواع الجديدة من طيور البرقش؟ وما علاقة منافسة البقاء في تشكل أنواعها المختلفة؟ ولماذا تختلف في صفاتها كشكل المنقار وحجم الجسم؟
لقد كانت أهم نتيجة لدراسة البروفيسور جرانت هو اكتشافه، بأن ظاهرة التطور بالاختيار الطبيعي، متعلقة بالتغيرات المناخية، ويمكن مشاهدتها وقياسها وتفسيرها في فترة زمنية قصيرة، مخالفة بذلك نظرية داروين بأن هذه التغيرات تحتاج لقرون طويلة لملاحظتها. وقد كانت من أهم اكتشافات البروفيسور جرانت، هو علاقة التطورات في شكل منقار وحجم هذه الطيور بالتغيرات المناخية. فلاحظ البروفيسور بأنه في فترات الجفاف، تقل كمية الماء في نباتات الجزيرة، فتجف بدورها، ويصعب على طيور البرقش تفتيتها، فيكبر حجم منقارها، لكي تستطيع التغذية على هذه الحبوب الجافة الخشنة. بينما في فترات زيادة الأمطار، تلين البذور النباتية، لزيادة كمية المياه فيها، مما يؤدي لضمور حجم المنقار. كما اكتشفت زوجة البروفيسور، باربارا، ترافق التغيرات البيئية بتغيرات في مورثات وجينات هذه الطيور أدت لتغيرات في حجم المنقار وقوة عضلاته.
وقد شاركت اليابان بشكل كبير في تطوير نظرية النشوء والارتقاء، ففي عام 1968 قام العالم الياباني، موتو كيميورا، بطرح نظرية الحياد والتطور النووي، حيث أكتشف بأن مادة "الدي إن إيه" البروتينية، المكونة لجينات المورثات، لا تبقى في شكل ثابت، بل هي في تغير وتطور مستمر، وبأن 80% من طفرة هذه التغيرات الفجائية في جينات المورثات ليست ضارة ولا نافعة، ولكن تبقى بعضها مهمة للتخلص من الصفات الوراثية السلبية، كما أن القليل منها تلعب دورا إيجابيا في تحسين هذه الصفات وارتقائها. وقد أصبحت هذه الفرضية أحد الأعمدة الداعمة لنظرية دارون في الارتقاء مع الانتقاء الطبيعي.كما أثبتت أبحاث البروفيسور الياباني، ماريكو هاسيجاوا، بأن هذه الطفرات في جينات المورثات تنشط مع التغيرات البيئية.
فالداروينية أصبحت في عصرنا مذهبا ليس للتطور العضوي , بل تفرعت تطبيقاتها الى كافة مناحي الحياة الفكرية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية والعلمية , فالأفكار التي لا تتناسب مع الحياة الجديدة تسقط ولو تسندها كل الأجهزة القمعية والمخابرات . والمجموعة الاجتماعية أو الحزبية اذا لم تطور نفسها وتكيف أساليبها وآرائها مع الواقع الجديد , ستعاني من انشقاقات وتكتلات جامدة تؤدي الى تفككها واضمحلالها . وأي مؤسسة اقتصادية لا تطور منتجها وتعمل على تحسينه باستمرار , لا بد أن تتوقف مبيعاتها وتكسد بضاعتها , وبالتالي تغلق أبوابها . كذلك وصلت الداروينية الى التكنيك العسكري , فالجيش الذي لا يمتلك التكنيك العسكري الجديد والمتطور , ولا يعمل على تطوير قدرات أفراده باستمرار , ولم يستوعب التكنولوجيا العسكرية المتطورة , فانه سيصاب بالهزيمة عند أول مواجهة مع جيش حديث التكنيك والتكتيك .
كذلك تنطبق الداروينية على الأفكار العلمية الجديدة والتي تمحو الأفكار الغير واقعية والمختلطة بالأساطير من عقول البشر , وذلك لكونها تملك قوة الجديد والمتطور والمتناسب مع الحياة في الشكل والمحتوى .
وفي الحياة الفردية من يملك قدرات فردية أكثر – كل في مجاله - يتفوق على أقرانه ويسود عليهم .
التعليقات (0)