القاسم المشترك بين النظام السوري و داعميه هو أنهم، كلهم دون استثناء، يتبعون لمدرسة "الولي الفقيه" كل على طريقته وعلى ديانته.
لنبدأ بقيصر روسيا "بوتين". الرجل وصل ٳلى السلطة بتوافق بين مجموعات ضغط أغلبها سري وكلها تؤمن بالرجل القوي، المنزه والحكيم "الفقيه" القادر على ٳخراج روسيا من مطباتها في القوقاز ومع دول حلف وارسو السابقة ودول الاتحاد السوفييتي المنحل.
رغم كونه حكم روسيا الاتحادية لفترتين، فبوتين لم يجد من المنطقي أن يتنحى ليفسح المجال لغيره وليرسخ الممارسة الديمقراطية، على العكس من ذلك، فقد اخترع نظاما مسخاً (أشبه بالمحلل الشرعي) حين وضع "مدفيديف" رئيس وزرائه مكانه ثم تبادل معه المواقع بعد أربعة سنوات، كأن الروس أعقم من أن يجدوا خيراً من عنصر المخابرات "بوتين". بهذه المناورة أصبحت روسيا تختصر بشخص "وليها" بوتين.
نظام الولي الفقيه في ٳيران غني عن التعريف، ومثله نظام الحزب الواحد في بكين، ناهيك عن نظام "الزعيم الخالد الذي يتحدى الموت" في "بيونغ يانغ". في فنزويلا، يتابع الرئيس "شافيز" بهمة لا تعرف الكلل سعيه لكي يصبح "الزعيم اﻷبدي" لبلاده.
السيد "حسن نصر الله" حالة أخرى، فهو يتبع نظرياً للولي الفقيه في طهران، ٳلا أنه وفي خطاباته اﻷخيرة يبدي نرجسية من الصعب تجاهلها. في خطابه اﻷخير، اختصر السيد تاريخ حزبه النضالي ومسيرته السياسية و مآلاته ٳلى شخصه الكريم ! فجأة أصبح السيد "حسن نصر الله" في قلب المسألة السورية و للثوار السوريين "مشكلة" مع شخصه الكريم.
السيد "حسن نصر الله" توجه ٳلى خاطفي اللبنانين الشيعة بلهجة "شوارعية" تليق بقبضايات "باب الحارة" قائلاً : "ٳن كانت لكم مشكلة معي فتفضلوا "لهون" ولنحلها سلماً أو حرباً أو حباً..." ٳذا كان مفهوما في لغة الشوارع أن يتم حل المشاكل "بالذراع" أو "ببوس الشوارب" فلا نعرف كيف يتم حل المشاكل بالحب والغرام ؟
ثم ماذا يعني السيد حين يدعو خاطفي اللبنانيين ٳلى القدوم لعنده "هون" ؟ هل يعرفهم وهل هم من أتباع صديقه اﻷسد ؟ هل عليهم القدوم مسلحين مثله لاجتياح الضاحية كما اجتاح هو بيروت في أيار عام 2008 ؟ كانت حجته حينها هي مواجهة ٳسرائيل فماذا يقول السيد "نصر الله" اليوم وهو يقف جنباً ٳلى جنب مع "العدو اﻹسرائيلي" لحماية "ولي الشام الفقيه" ؟ أعداء ٳسرائيل الحقيقيون لهم في هذه الحالة كل الحق في اجتياح الضاحية ﻷن السيد يقف في موقف المساند بل العميل ﻹسرائيل حين يحمي رجل هذه اﻷخيرة في دمشق... أم أن "الضرورات تبيح المحظورات" على حد قول أستاذنا "صبحي حديدي"؟
السيد "حسن نصر الله" لا يجد ضرورة لا لتبرير مواقفه ولا لتفسير ترهاته وخطاباته التي تذكرنا أكثر فأكثر بخطابات "الولي الفقيه" السابق في كوبا، الرفيق "فيديل كاسترو". بالمناسبة، هذا اﻷخير لم يجد الوقت الكافي ﻹنجاب ولي عهد فأسلم قيادة بلده لشقيقه "راوول" كأن كوبا خلت من المواهب ومن الرجال " ومن شابه وليه فما ظلم".
كل هذه اﻷنظمة الدكتاتورية وقبلها النظامان النازي في ألمانيا والفاشي في ٳيطاليا، وجدت نفسها أمام سؤال أساسي هو موقع الفرد ومكانته في مواجهة الفكر الديني اﻹلهي. انتهت هذه اﻷنظمة ٳلى خلق "ديانة" خاصة بها هدفها ٳيصال الزعيم الفرد ٳلى اﻷلوهية المطلقة والعصمة عن الخطأ. ملوك أوربا في العصور الوسطى وجدوا نوعا من المقايضة بين اﻹله والفرد يصبح بموجبه الملك "ممثلاً" للرغبة اﻹلهية في دنيانا الفانية.
أنظمة "الولي الفقيه" منذ "يوليوس قيصر" حتى "بشار اﻷسد" تشترك في ٳعطاء مسحة من اﻷلوهية للزعيم وتصوره على أنه فريد عصره، معصوم عن الخطأ ومنزه عن الشهوات، كريم ومثقف (حتى لو تحدث بلغة عربية عرجاء) و هو قائد خالد لا مثيل له. خير ما يعبر عن هذا اللامنطق هو شعار "اﻷسد للأبد ولما بعد اﻷبد".
مع ذلك، من هؤلاء الزعماء من يحافظ على قدر من الموضوعية يسمح له بعدم الانفصال عن الواقع وبممارسة السياسة بشكل عقلاني و بعضهم يتمكن من تجاوز نزواته وطمعه في السلطة ليرتقي ٳلى مصاف كبار الزعماء ويدخل التاريخ من بابه الواسع. هؤلاء ليسوا قلة، وهم رجال دولة تمكنوا من ٳدخال بلدانهم في مسارات الازدهار والرقي حين تنازلوا عن مسحة اﻷلوهية التي أسبغها عليهم المنافقون من أتباعهم.
من هؤلاء الزعماء الجنرال ديغول، فريديريك دوكليرك في جنوب أفريقيا، الجنرال "ياروزلسكي" في بولونيا، فرانكو، ثم "خوان كارلوس" في اسبانيا، "سوار الذهب" في السودان وغيرهم كثر. هؤلاء أدركوا أن بلادهم ستبقى بينما يزول اﻷفراد، "الولي الفقيه" والحكيم ٳذاً هو من يدرك حدود ٳمكانيات الفرد ويترك السلطة بكرامة مفسحاً المجال لتطور نوعي في بلاده.
يحتاج اﻷمر لقوة ٳرادة وتصميم ونزاهة استثنائية مع تواضع أصيل لكي يخرج المرء من السلطة حين يدرك أن لا جديد لديه ليضيفه وأن مصلحة بلاده تقتضي منه أن يفسح المجال لغيره.
ماذا عن "ولاتنا الفقهاء" في الشام وفي الضاحية الجنوبية وعن نجاحاتهم في تطوير مجتمعاتهم ؟
السيد "حسن نصر الله" نجح في تحويل حزب الله المقاوم، الذي حرر أرضه دون تنازل ودون مهادنة، والذي حظي باحترام وتقدير العرب والمسلمين، ٳلى حزب مشاغب ويد ضاربة لنظام اﻷسد شارك في اغتيال الحريري، ثم ٳلى حزب مغامر وغير مسؤول أدخل لبنان في حرب عبثية مدمرة ومجنونة من أجل قاتل اﻷطفال "سمير القنطار". بعدها تحول حزب الله ٳلى عصابة من الزعران واﻷفاقين اجتاحت مدينة بيروت المسالمة في أيار 2008. انتهى الحزب المقاوم ٳلى أن يصبح "ميليشا" من السفاحين، رديفة لجيش الاحتلال اﻷسدي في سوريا...
بعد كل هذه "النجاحات" لم يجد السيد "حسن نصر الله" من المفيد أن يسأل نفسه عن مسؤوليته في تدهور موقع حزبه و لم يخطر له أن يتراجع عن تصرفاته الخرقاء، ولم يتنح ليفسح المجال لمن هو خير منه. على العكس، ازدادت نرجسيته وٳيمانه بعصمته، هو، "الولي الفقيه" في لبنان والذي يختصر في شخصه غير المتواضع البلد والشعب والقضية.
ٳذا كان حال السيد "حسن نصر الله" كما وصفنا فكيف يكون اﻷمر مع الرئيس الوريث، الذي ولد في وزارة الدفاع وترعرع في القصر الجمهوري ولم يقم بأي عمل خلال حياته سوى ٳصدار اﻷوامر والتمتع بملذات الحياة الرغيدة ؟
الرئيس الطبيب أعطانا للتو درساً في الجراحة الدموية، ناسياً أن الطبيب الماهر هو من يداوي مريضه دون سفك دمه، ناهيك عن قتله. حال الرئيس الطبيب كحال النطاسي الفخور بنفسه وهو يقول ﻷهل مريضه : "العملية نجحت، لكن المريض قد مات...". كيف يكون العلاج "للٳرهاب" بقتل اﻷطفال واغتصاب النساء وٳذلال الرجال ؟ هل يعيش هذا الرجل في نفس عالمنا وهل يشاركنا نفس المنطق وهل يجري في عروقه دم مثل ذاك الذي يسيل مدراراً من جروح أطفال الحولة ومن شهداء القمع ؟
في الخامس عشر من آذار 2011، لو كان بشار اﻷسد باشر بعزل ابن خالته اﻷخرق عاطف نجيب وحل مجلس الشعب ورفع حالة الطوارئ ثم دعا لانتخابات لمجلس شعب جديد تحت رقابة دولية وانتخابات رئاسية مبكرة لكان متأكداً من الفوز بما لا يقل عن 70 في المائة من أصوات الشعب السوري ودون تزوير...
بعد عدة أشهر أصبح الرجل مكروهاً حتى من قبل مصفقيه وأصبح جيشه "العقائدي" جيش احتلال يتلذذ المواطنون برؤية دباباته المحترقة وجثث زبانيته ! السيد "حسن نصر الله" احتاج ﻷكثر من ست سنوات من العمل الدؤوب لتهديم صورته في حين نجح بشار اﻷسد في فضح طبيعته كطاغية مغرور، كريه وقاتل، في أقل من سنة !
نظام "الولي الفقيه" في دمشق والذي عجز عن معاقبة "عاطف نجيب" وقتلة "حمزة الخطيب" هل يقدر على وضع نفسه موضع المساءلة والقبول بخيار غير الاستمرار على نفس النهج اﻹجرامي الذي باشره منذ بداية الثورة ؟ هل من الممكن لنظام يوغل في القتل و يراكم الخطيئة تلو اﻷخرى أن يناقش "الخيار اليمني" في سورية ؟
نأمل أن نكون مخطئين، ولكن على ما يبدو فنظام "الولي اﻷسدي " في دمشق ليس فقيها ولا حكيماً وهو سائر في طريق الدمار حتى نهايته المحتومة.
أحمد الشامي http://www.elaphblog.com/shamblog ahmadshami29@yahoo.com
نشرت في بيروت اوبسرفر الخميس 7 حزيران 2012
http://beirutobserver.com/index.php?option=com_content&view=article&id=77444:bashar-assad&catid=39:features
التعليقات (0)