هناك متفائلون "مرضيون" يعتبرون أن اﻷمور ستسير، في النهاية، ٳلى مآلات ٳيجابية وأن الانتظار والتصرف "كأن اﻷمور ستسير في آخر اﻷمر على مايرام" يكفيان لتحقيق الآمال دون الحاجة لبذل جهود استثنائية وتضحيات خارقة. يستشهد هؤلاء بانتصار العالم الديمقراطي على النازية وبانهيار جدار برلين وسقوط "بول بوت" في كمبوديا. حسب رأيهم ففي النهاية سيلتحق حزب "نصر الله" بالسبيل القويم ويكفي عدم التحرش به وتركه "يتبع المسار الطبيعي للتطور" وهو ما سيؤدي، عاجلاً أو آجلاً ٳلى مافيه خير الجميع.
هذه الطريقة في التفكير "بالتمني" تتجاهل أن سقوط النازية لم يأت من فراغ بل من تحالف واسع بين الشرق والغرب كلف 40 مليون ضحية. كذلك اﻷمر، لم ينهر جدار برلين لو لم يورط "ريغان" السوفييت في سباق تسلح واسع خسره هؤلاء لكنه كلف اﻷمريكيين أيضاً على الصعيد الاقتصادي. أخيراً، "بول بوت" لم يسقط "لوحده" بل أسقطه أحد أكثر اﻷعمال أخلاقية ونبلاً في التاريخ الحديث حين قام "العدو" الفيتنامي بتحرير الكمبوديين من جزارهم وساعدهم على النهوض ببلدهم.
هل تصح هذه النظرية مع زعران " نصر الله"؟ هل يكون من نتائج الانفتاح اﻹيراني على العالم، وهو في كل التقويمات أمر جيد خاصة للشعب اﻹيراني، أن يصبح حزب الله حزباً طبيعياً؟
هذه الفكرة تفترض أن "حزب الله" هو مجرد أداة مطيعة بيد ٳيران وأن لاهامش حركة أمام هذا الحزب الذي سينتهي به اﻷمر للدخول في حظيرة السياسات الشاملة لطهران.
هذا الكلام لايأخذ بعين الاعتبار حقيقة أن الانفتاح المأمول الذي رافق انتخاب "روحاني" قد يلاقي ذات مصير "انفتاح" السيد "خاتمي" اﻷكثر سلاسة من "روحاني" ولايلاحظ أن كلفة استمرار "ٳيران" في دعم حزب الله قد تكون أقل من كلفة المساهمة في تهميش هذا الحزب الذي لن يتنازل عن مكاسبه بسهولة، فمن سيقوم بنزع سلاح "المقاومة"؟ ومن سيتصدى ﻷشاوس "نصر الله" المدججين بالسلاح ٳن قرر هؤلاء أن "روحاني" قد "حاد عن الطريق القويم" وأنهم، هم، على العهد باقون؟
حتى لو توقفت ٳيران عن مد الحزب بالسلاح واﻷموال فلن تنتهي سطوة الحزب اﻹلهي بين ليلة وضحاها، ٳيران ستستمر "مرغمة" في معاونة الحزب "على أمل الاحتفاظ ببعض النفوذ على الولد العاق" ولن تغلق حنفية الدعم بشكل كامل. من جهة أخرى، فقد راكم حزب "المقاومة" نفوذاً لايستهان به عبر تدخله ﻹنقاذ النظام العلوي في دمشق وليس من المؤكد أن ينظر الشيعة بعين الرضا ﻷي موقف ٳيراني يريد قصقصة أجنحة الحزب.
بٳمكان "حزب الله" أن يستمر ويتمدد حتى مع تضاؤل الدعم اﻹيراني الرسمي له وذلك اعتماداً على "اقتصاد الحرب" الذي بناه الحزب واعتماداً على شبكة علاقاته الاخطبوطية في كل من سوريا ولبنان وفي المنطقة ككل. بكلمة أخرى، مع انتقال الحزب ٳلى موقع لاعب يتمتع بنوع من الاستقلالية فهو قد "كبر" بما فيه الكفاية بحيث لم يعد يحتاج للأمصال اﻹيرانية واﻷسدية بشكل مستمر، على العكس من ذلك، أصبح اﻷسد رهينة في يد "نصر الله" وٳيران تحتاج للحزب الذي تجاوز مرحلة اﻷداة وهو في طريقه ليصبح شريكا في القرار الشيعي. في التقييم اﻷخير، فهذا يمنح "الولي الفقيه" هامش مناورة أكبر تجاه الغرب وخاصة في وجه من يسمون أنفسهم "ٳصلاحيين".
الدخول "اﻹلهي" ٳلى سوريا، على عكس مايظن البعض، قد قوّى الحزب وأعطاه بعداً دولياً واستقلالية نسبية عن طهران بحيث يتشكل تدريجياً دور خاص للحزب. علماً أن دخول حزب "نصر الله" ٳلى سوريا تم بغطاء ٳسرائيلي أمريكي وغض بصر دولي بحيث "يضمن" الحزب أن لا يتجاوز الرئيس اﻷخرق "بشار" الحدود المرسومة له بضمانة الحزب الذي أصبح "وصيا" على النظام العلوي في دمشق وليس فقط ضامناً لبقائه.
ما يؤكد هذا التحليل هو التقارير الاستخباراتية اﻷخيرة حول الخلاف بين "مصطفى بدر الدين" و"ماهر اﻷسد" قائد الفرقة الرابعة، حيث يعتبر قائد قوات "حزب الله" في سوريا أن دور قوات الحزب ليس "خدمة" نظام اﻷسد والموت دفاعاً عنه في حين تبقى الفرقة الرابعة مختبئة ومحتفظة بكامل قوتها في جبل قاسيون. "بدر الدين" يرى أن من يجب أن يكون في الطليعة، ويموت قبل غيره، هم جند اﻷسد وليس زبانية "نصر الله". بالنتيجة، تتم "سورنة" الحرب ويبقى "حزب الله" في المؤخرة ليحتفظ بكامل قوته وليبقى مهيمناً على القرار السوري أياً تكن مسارات المعارك.
مالم يتلق حزب "الله" هزيمة ماحقة في الشام، يتبعها سقوط حصونه في الضاحية الجنوبية، بيد السوريين أو اللبنانيين أو غيرهم، بحيث يتم اجتثاث "السرطان اﻹلهي" من جذوره، فهو مستمر في صعوده الصاروخي وفي سيطرته على القرار السوري بعد القرار اللبناني وربما يشكل قطباً شيعياً "مستعرباً" هذه المرة وسينتهي اﻷمر بأن يقبل العالم باﻷمر الواقع لكي لايلوث يديه و"ليقتل العرب والمسلمون بعضهم بعضاً كما يشاؤون..".
هذا ماعلمتنا ٳياه تجربتنا مع نظام الممانعة في دمشق، فحافظ اﻷسد دخل ٳلى لبنان وفق صفقة معروفة وغامر بصلاته الوثيقة مع الاتحاد السوفييتي. في النتيجة وعبر تمكنه من السيطرة على بلاد اﻷرز لصالح سادته الجدد في "تل أبيب" و"واشنطن" استعاد ليس فقط علاقاته الحسنة مع السوفييت الذين اضطروا للعودة، خانعين" ٳلى دمشق. انتهى اﻷمر بحافظ اﻷسد، عبر لعبة التوازنات والخيانات التي أتقنها، ٳلى تقديم الخدمات للجميع وٳدامة نظامه وهو مازال السوريون يدفعون ثمنه حتى الساعة.
تبدو "عصابة" حسن نصر الله سائرة على ذات الطريق الذي مهده لها اﻷفاق اﻷول، مؤسس نظام العصابة في دمشق، وهي تحقق نجاحات لابأس بها في وجه خصوم مهزوزين، فاقدي الكفاءة وبعد النظر.
قد يظن البعض أن "السعودية" لن تسمح بهكذا سيناريو كارثي يضع لبنان وسوريا في جعبة "دجال المقاومة" لكنهم ينسون أن السعودية "ابتلعت" مجازر "حماة" عام 1982 دون أدنى "عسر هضم" وأنها ظلت وفية للأسد بحجة "منعه من الالتصاق بٳيران..." حتى وقع "سفاح اﻷقارب" بين بشار والولي الفقيه. رغم ذلك، لازال السعوديون مترددين في وضع كل بيضهم، ٳن كان لازال لديهم من بيض، في سلة معارضي اﻷسد الجديين رغم مئات آلاف الشهداء "من السنة" الذين انتظروا المدد من الشقيق السعودي اﻷكبر.
من يدري، ربما بعد بضعة أعوام قد يزور "حسن نصر الله" الرياض ويستقبله فيها "خادم الحرمين الشريفين" استقبال الفاتحين...
الرئيس المصري المخلوع "حسني مبارك" قال يوماً "من يعتمد على اللحاف اﻷمريكي سوف يبرد" ونحن نقول : من لايعتمد أولاً على نفسه وينتظر المدد من اللحاف السعودي وحده فهو يخاطر بأن يصيبه ما هو أسوأ من البرد بكثير.
أحمد الشامي فرنساahmadshami29@yahoo.com http://elaphblogs.com/shamblog.html
http://www.beirutobserver.com/2013/12/88918/
التعليقات (0)