قبل تفجيرات دمشق اﻷخيرة، تذكّرت وسائل ٳعلام نظام الممانعة في دمشق اﻷصل السوري لزعيم القاعدة الراحل "أسامة بن لادن" و أن "والدته من اللاذقية". بعدها أتت تفجيرات جمعة "بروتوكول الموت" اسماً على مسمى وسط "فرحة" عارمة و تهليل أبواق النظام على مبدأ "لو لم تكن القاعدة موجودة لوجب خلقها ". لا نستطيع أن نؤكد هنا أن النظام هو الذي أرسل هذه الرسائل الملغومة، فليس لدينا القدرة على التثبت من اسم الفاعلين و لا ندعي قراءة الغيب، لكن من الصعب استبعاد تورط جهات من النظام في العملية، فنظام الشبيحة في دمشق "يعملها و يعمل أكثر منها...".
"فرح" أجهزة ٳعلام النظام لم يكن خافياً على متابعي هذه الوسائل. بدا مذيعو اﻷقنية السورية التلفزيونية في غاية السعادة وهم يعلقون على مشاهد جثث الشهداء وهم "يعتذرون" من المشاهدين لفظاعة هذه الصور، ومع ذلك يعيدون بثها بسادية غريبة. هؤلاء شهداء ولو كانوا من أجهزة اﻷمن، ﻷنهم كباقي أفراد الشعب، ضحايا لنظام لن يتوانى عن التضحية بأي منهم، بل وبهم جميعاً للحفاظ على السلطة.
المستفيد اﻷكبر، والوحيد على ما يبدو، من هذه التفجيرات هو نظام اﻷسد لدرجة تجعل فرضية أن أحد أجنحة النظام هو من "عمل طلبية" للعملية هي اﻷقرب للتصديق، لنفترض مع ذلك أن القاعدة (أو مجالس الصحوات ) قد تعاطفت مع آلام الشعب السوري و قررت "افتتاح" فرع لها في بلاد الشام "للمساهمة في تحرير البلاد والعباد من العدو المجوسي وأذنابه" و أنها باشرت نشاطها المحلي بحركة مسرحية تهدف للفت اﻷنظار لوجودها. في هذه الحالة يصح أن نقول لها بلهجة أهل الشام : "الله لا يعطيكم العافية فوق تعبكم...".
القاعدة التي تبدأ نشاطها بعمليات " انتحارية " في قلب دمشق هي قاعدة مدسوسة و متخلفة عقلياً فهي اختارت يوم جمعة تظاهر لكي تقتل مدنيين أبرياء و عناصر أمن شبه متعفنين، يرابطون على أبواب و حراسات مراكز استخباراتية ، لا لهم في العير ولا في النفير ٳلا ما ندر. ثم أنها باشرت عملها يوم وصول مراقبي الجامعة العربية ! و هؤلاء كسالى و متعاونون مع النظام و سيكتفون بزيارة مواقع التفجير و عيادة الجرحى قبل أن يعودوا لبلادهم مؤكدين أنهم "قد شاهدوا تفجيرات قامت بها عصابات ٳرهابية تهاجم عناصر اﻷمن المساكين وأن النظام لا يفعل سوى الدفاع عن نفسه !". مع أعداء مثل هكذا قاعدة لا يحتاج النظام السوري ﻷصدقاء. الثورة السورية بغنى عن " أصدقاء " من هذا النوع لن يجلبوا معهم سوى الخراب.
مع ذلك، لننتظر رأي قادة "القاعدة" التاريخيين من مثل الظواهري، فٳن هم أظهروا دعماً لهذه الممارسات المجنونة فسيصح حينها أن نقول مع طارق الحميد "أن القاعدة تدعم اﻷسد...". حينها يكون نظام الممانعة اﻷسدي قد جمع المجد من أطرافه ووحد النقائض على دعمه ! تكون حينها ٳيران و روسيا و الصين وٳسرائيل مع أمريكا و العراق والقاعدة في صف نظام اﻷسد...
إن لم تكن القاعدة هي المسؤولة فمن فعلها إذاً ؟ هل يكون النظام السوري هو من "حضّر" مسرحية التفجير ذات الفائدة الكبيرة له، أو سهّل وقوعها، وهو ذو الباع الطويل و الخبرة التي لا تضاهى في هذا المضمار ؟
ٳن صحّ هذا فهو يعني تغييراً في استراتيجية النظام لمواجهة اﻷزمة، بعدما أعاد ٳعلام اﻷسد وكرر "مؤامرة و خلصت" ها هو يغير اللازمة ٳلى "مؤامرة و بلشت وهذي دلائلها ". في تفسير أحاجي الخطاب اﻷسدي هذا يعني "اعترافاً " على طريقة النظام بوجود أزمة جدية و بضرورة حشد الطاقات لمواجهتها وهو ما يفتح الباب على مصراعيه للتصعيد العسكري من قبل قوات اﻷسد . في الثمانينات كانت تفجيرات اﻷزبكية و مجزرة مدرسة المدفعية من مبررات الحل الاستئصالي الذي مارسه النظام في حماه فيما بعد، فهل ينوي النظام الانتقال ٳلى حرب مفتوحة ضد شعبه بعدما "فبرك" ما يلزم لتأكيد أنه يتعرض لهجمة ٳرهابية ؟
ثم علام يستعجل النظام ؟ فالقاعدة و"ما بعد القاعدة " ستأتي و معها كل من هب ودب من الراغبين "بمواجهة الغزو المجوسي لأرض أهل السنة" و سيكون لأسد الشام كل ما يرغب من أدلة حول تدفق الانتحاريين إلى سوريا، بفضل همجية نظامه و عنجهيته و بفضل مجازره التي لا تنتهي.
لا أحد يدعم الشعب السوري الذبيح لكن هل بقي هناك أحد لا يدعم الأسد ؟ حتى أردوغان أصابه الخرس بعدما شاهد مدى نفوذ الأسد! إذ كيف نفسر الصحوة المفاجئة للضمير العالمي تجاه مجازر الأرمن بعد مئة عام على هذه المجازر، بالضبط حين يرفع الأتراك عقيرتهم معترضين على مجازر تقع اليوم في سوريا. العالم يبكي و بحق على مجازر الأرمن و هولوكوست اليهود التي جرت القرن الماضي و هو يتعامى تماماً عن " الهولوكوست " السوري المستمر منذ الثمانينات وعن آلاف الضحايا الأبرياء الذين سقطوا منذ اندلاع الثورة السورية.
يبدو أن لا أحد يرغب في التورط مع نظام القتلة في دمشق كرمى لعيون الضحايا السوريين. لا أحد يهتم حتى بمحاولة تخفيف معاناة الشعب السوري البطل مما يقوم به هذا النظام من جرائم، أقصى ما يقدمه هؤلاء هي " قذائف " و "مناطق آمنة" إعلامية تتحرش بالنظام ولا تزعجه فعلاً، من قبيل رفع العتب ، إن لم يكن بهدف الضغط على النظام لكي يصحح سلوكه فيما يخص تحالفاته الإيرانية ، الدم السوري رخيص على هؤلاء جميعاً ، لا أستثني منهم أحداً.
آخر المنضمين لجوقة المدافعين عن اﻷسد هو رئيس فريق "المشاهدين" العرب، السوداني الفريق "الذابي" الذي وجد الوضع في حمص "مطمئناً" بعد سقوط مئات الشهداء و رغم وجود "بعض المدرعات" في شوارع المدينة ! هذا ليس بمستغرب من قبل رئيس مخابرات دولة انقسمت نصفين و تعيش حربين أهليتين في وقت واحد و رئيسها و أكثر مسؤوليها، بما فيهم الفريق الذابي نفسه، مطلوبون للعدالة الدولية لارتكابهم مجازر ضد اﻹنسانية !
العالم كله، بقضه و قضيضه، مُجمع على محاولة إنقاذ نظام الأسد من نفسه. كلهم، بما فيهم القاعدة ، يأتون زرافات ووحداناً و ينتظرون دورهم لتقديم الهدايا للعصابة الحاكمة في دمشق ، آن اﻷوان كي ندرك أن للنظام السوري عدواً واحداً هو شعبه.
أحمد الشامي http://www.elaphblog.com/shamblog
نشرت في بيروت اوبسرفر الخميس 29 كانون اﻷول 2011
http://beirutobserver.com/index.php?option=com_content&view=article&id=68215:kaeda-syria&catid=39:features
التعليقات (0)