" انتوا مين ! واحنا مين ! وبنعمل إيه ، وفيه إيه ! "
هذه العبارة التي ترددت كثيراً على قناتي العربية والجزيرة أطلقها ذلك الفلاح المصري البسيط اخترتها عامدا وعن قصد لتكون مستهل مقالتي لما تخفي من دلالات كثيرة ومضامين عن حالة الفوضى التي قوضت مصادر التنمية للشعب المصري الشقيق ، وهو ما لا نريده أن يحصل في أي مجتمع .
لا يساورني شك في تطلعات وزير التعليم في سعيه نحو تحسين منظومة التعليم، وتذليل جميع العقبات التي تحول دون تحقيقها – والكلام في هذا الجانب يطول- إلا أن عيني وقعت على تعميم عاجل خرج من مكتب معالي الوزير بشأن الصلاحيات التي فوضها لمديري التعليم بشأن تأخير الطابور الصباحي ، والحق وأنا أقرأ هذا التعميم أسقط ما في يدي ! فأشعلت قنديل "هيوجين" لأبحث عن تبرير منطقي يعلل خروج مثل هذا الخطاب العاجل من مكتبه فطرحته في مجموعات ( الواتس أب ) وتعمدت أن تكون الأسئلة موجهه لكافة الشرائح من الزملاء المعلمين أو مدراء المدارس أو ممن هم في مستوى أعلى، بغية أن أصل لمستوى فهم معقول لتبريرات أكثر عقلانية، وكان السؤال الموجه لهم كالتالي : كيف تقرأ خطاب وزير التعليم من وجهة نظر قيادية لا إدارية ؟! .
الحق أن الإجابات جاءت متفاوتة كلُّ بحسب فهمه للموضوع بعضهم يمتدح، وبعضهم يرى أنه خطاب عادي لا يتطلب التفكير فيه! وعدد قليل كان لديه حساسية عالية، ونظرة بعيدة المدى بنيت على أساس هذا الخطاب، ومن بين تلك التعليقات هو أن معالي الوزير قد وقع – من غير قصد - في شراك البيروقراطية ! حيث تنبأ البعض بأنه لا زال محاطاً بفريق يعمل على نظم إدارية بائدة، وقرارات مبرمجة ! بينما عزى البعض ذلك إلى أن الخطاب جاء جواباً لتساؤل أحد مدراء العموم ! وبعضهم عزى ذلك إلى مركزية القرارات ... إلخ .
وأياّ كانت تلك التخمينات والافتراضات صحيحة أو كانت عكس ذلك؛ فمثل هذا القرار وغيره من القرارات التي تصب في صالح المدرسة هي من أبجديات ومسلمات صلاحيات قائد المدرسة سواء منح أو لم يمنح، والتدخل في ذلك يقود إلى ما يسمى بغموض أو صراع الدور، ومن الطبيعي أن يضع قائد المدرسة في حساباته تبني عنصر المخاطرة المحسوبة في كل قراراته التي يضعها، ولديه الشجاعة الكافية للدفاع عن قراراته، فالقادة لا يفعلون إلا الأشياء الصحيحة بعكس المدير الذي يقوم بأعماله بطريقة صحيحة.
وارتكازاً على ما سبق، يمكنني أن أقول بأن القائد وظيفته تكمن في صناعة القيادات وبالأخص في الميدان التربوي الذي ترتكز عليه عملية التربية التي تعد أهم أداة اجتماعية ترسم لنا ملامح المستقبل فمن خلالها يتم تحديد مسيرة الإصلاح من أجل بناء الأفراد والجماعات على حد سواء ، فطبيعة العصر الذي نعيشه يتطلب منا اليقظة التامة في طريقة، وتشكيل القرارات، كوننا في عصر المعرفة، والتي على ضوءها يفترض بمن يكون في منصب قيادي أن يكون نافذ البصيرة يسعى نحو التغيير في الأنظمة والقوالب الجامدة، لديه حساسية تجاه كل التهديدات المحتملة التي تهدد المنظمة ويخلق من تلك التحديات والتهديدات فرص تضيف حافزاً على أعلى المستويات لكل العاملين في الميدان التربوي ، معتمداً في ذلك على منظومة عالية من القيم المتسامية، فمثل هؤلاء القادة هم من يصنع النجاح ، وهم من نريد العمل معهم سعياً وراء تحقيق نهضة لبلدنا .
ختاماً أتطلع لأن أرى رؤية جذابة بصورة غدٍ مشرق صنعها معالي الوزير أو" أبو محمد" - كما يحب أن يطلق عليه- تكون بمثابة مصدر إلهام لجميع العاملين في الميدان التربوي ليس من أجلنا فنحن كما يقولون بالعامية "راحت علينا"! ولكنها تكون لأجيالنا القادمة كونهم يستحقون منا أن نبذل ما بوسعنا من أجل أن ينعموا بمستقبل خلاق يكملوا من خلاله مرحلة قادمة من مسيرات التنمية في بلدنا الغالي .
التعليقات (0)