مفهوم مصطلح التصوف
1 – جنيالوجيا :
- في اللغة الفرنسية : ( MYSTICISME , MYSTIQUE)
هو المقابل للمصطلح الصوفية ، له عدة مفاهيم منها أنه " هو المعرفة على حسبها يوجد ترتيب للحقائق فائقة الطبيعة التي لا تستطيع الوصول بالإدراك الغريب للتجربة المؤدية إلى المعرفة العقلانية " كما أنه أيضا " حالة سيكولوجية للذين لهم الحس بالدخول مباشرة في علاقة مع الرب " .
و بمعنى آخر : " هو المعرفة أو الإيمان مضاد للعقل يرفض الذكاء و الملاحظة ، و يقوم على الإحساس و الخيال " (1) .
كما نجدها في قاموس آخر تعني : " مجموعة الإيمانيات الدينية أو الفلسفية ، و التي عن طريقها يتوصل الإنسان إلى مستوى الكمال ، هذا الأخير يتمثل في نوع من التأمل يوصل صاحبه إلى المستوى الوجدانية التي يمكن أن تتيح عملية إتجاد الإنسان بربه (الإله) (1) .
و المفهوم هنا لا يخرج عموما على أنه التأمل أو التبصر الروحاني الخاص بالإنسان .
- في اللغة العربية :
أن كلمة التصوف و صوفية مأخوذة من الصوف لأن الصوف كان منذ زمن قديم اللباس الغالب على الزهاد (3) .
كما أنه علم يعرف به كيفية السلوك إلى حضرة ملك الملوك، و تصفية الوطن البواطن من الرذائل و تحليتها بأنواع الفضائل، أو غيبة الخلق في شهود الحق أو مع الرجوع إلى الأثر فأوله علم و وسطه عمل و آخره موهبة .
و الصوفية اسم مشتق أما من الصفاء لأن مداره على التصفية، أو من الصفة لأنه اتصاف بالكمالات ، أو من صفة المسجد النبوي لأن الصوفية متشبّهون بأهل الصفة في التوجه و الانقطاع أو من الصوف - كما هو مشار إليها سابقاً - لأنه جل لباسهم الصوف تقللاً من الدنيا وزهداً فيها اختاروا ذلك لأنه كان لباس الأنبياء - و حسب رأي ابن عجيبة الحسني -
أن هذا الانشقاق أليق لغةً و أظهر نسبة فيقال تصوف إذا لبس الصوف كما يقال تقنص إذا ليس القميص و النسبة إليه صوفي (4) .
و في الاصطلاح :
قال "خليل أحمد خليل" :" الصوفية أو التصوف : طريقة روحية دنية مذهب فلسفي خاص قوامه القول إن المعرفة اتصال مباشر بين الروح و المطلق، دون استعانة بالعقل العملي؛ أما الصوفية مذهب ديني يرمي إلى إتحاد الإنسان بخالقه من طريق التأمل و التوحد و الوجود و الفناء" (5).
و يقول" محمود يعقوبي" : " النظرة التصوفية هي دعوى مشاهدة حقائق الأشياء و الأمور مشاهدة باطنية عن طريق الحدس و الوجدان اللذين لا يمكن التعبير عنهما باللغة و التفكير العقلي" .
وعن علاقة مصطلح الإنسان و الصوفية بالكمال لا بأس أن نشير هنا إلى ضبط مختصر لهذا المصطلح:
فـ كمال أول ( Entéléchie ) مفردة ابتكرها " أرسطو" و عرفت في اللاتينية بعبارة المنجز، الكمال الناشئ من هذا الإنجاز و هو الشكل أو العقل الذي يجد إنجاز قوة ما.
و الكمـال الأول هو الجوهر الفرد ( Monade) عند" ليبنتيز" القائل في كتابه (monadalogie , p 18 leibnez): " يمكن إطلاقه على كل الجواهر اللطيفة أو الجواهر الفردية المخلوقة لأن فيها كمالاً معيناً و فيها اكتفاء يجعلها مصادر لأفعالها الداخلية و للآليات الذاتية، اللاجسمية إذ جاز القول"(6) .
أما " معروف الكرخي" ( ت 200 هـ / 815 م ) قال: " التصوف هو الأخذ بالحقائق و اليأس مما يدي الخلائق " ، و قد انتشرت كلمة الصوفي في العالم الإسلامي بعد أن قالها " أبو هشام الكوفي" ( ت 156 هـ / 715 م ) (7) ، ومن المواضيع التي اختلف فيها الدارسون هي أصل التصوف : هل هو هندي أو رهينة مسيحية ، أو هل هو رد فعل لعقلية الآرية ضد الدين الإسلامي و حضارته في فارس أو هل هو إمتداد للفلسفة اليونانية أم نابع من البيئة العربية الإسلامية؟ يقول الأستاذ عميراوي : " قد يكون التصوف الإسلامي مشتق من الكلمة اليونانية ( Théosophie ) التي تعني إله الحكمة ، في حين يقول المتصوفة المسلمون إن التصوف مؤسس عن الكتاب و السنة و قائم على سنة الأنبياء الأصفياء (8) .
2- كرنولوجيا :
إذا كان النظر إلى الإنسان نظرة روحية فإنها ليست وليدة التفكير الحديث أو المعاصر ، و لكن ترتبط مفاهيمها بعمق التفكير الإنساني(9) .
حيث نشأة الصوفية كحركة رد فعل و نفرة في مطلع العصر العباسي حينما عما الترف و كثر انغماس الناس في الإسراف و الملاذ من ذلك كله و اتجهوا إلى حياة الزهد و لقد كان قبله العصر الأموي زهاداً لم يكن قد بلغوا من حيث التطرف و الإتجاه العقلي إلى أن يسمى تصوفاً .
و التصوف الإسلامي نشأ في بيئة إسلامية ثم تسربت إليه عناصر أجنبية (10) نختصرها هنا :
أ- من المذهب الإسكندراني : الرياضة الروحية وغايتها التأمل الدائم في الله تعالى حتى تدخل النفس في حال من الذهول و الوجد .
ب- من الهنود : تعذيب النفس بالإيغال في التقشف و بالتطرف في العبادة مثال ( النرفانا ) .
ت- من الفلسفة الصينية : إنتقلت له كثير من التعابير طريق سفر و التصوف بهذا المعنى ليس أحوالاً عارضة للإنسان و لكنه " سفر في طريق " " السلوك مستمر على منهج معين " .
ث- من النصرانية : إنتفل إليه عنصران تعذيب النفس ( و هو شيء موجود في الهندوكية ) أو التبتل ( ترك الزواج و ترك السعي في الدنيا ) . و أثر هذا واضح في المتصوفة البغداديين و هو مخالف للحياة الإسلامية برأي أغلب المتصوفة المسلمين أن ذاك .
و التصوف الإسلامي مر بخمس مراحل (11) نذكرها هنا باختصار :
1- مرحلة الزهد : القرن 1 و 2 هـ إستمرت عدة قرون ( رابعة العدوية ) .
2- مرحلة التصوف الخالص : القرن 3 و 4 هـ كعلم مكتمل و طريق لمعرفة بعدما كان مجرد طريق للعبادة ( الحارث المحاسبي ، البسطامي ، الحلاج ) .
3- مرحلة التصوف الإسلامي السني : القرن 5 هـ ( القشيري و الغزلي ، مذهب أهل السنة و الجماعة ) .
4- التصوف الفلسفي : القرن 6 و 7 هـ ( شهاب الدين السهروردي الإشراقي ، محي الدين ابن عربي ) .
الطرق الصوفية : و قد تكونت الطوائف الصوفية بشكل واسع كاد يعم العالم الإسلامي و أصبح " الشيخ " ( شيخ الطائفة ) له منزلة بين مريديه وقد اختلفت الطرق الصوفية باختلاف شيوخها .
الإحالات و الهوامش :
1- DICTIONNAIRE de philosophie, OP. sit . p . 267 .
2- La rousse pluri dictionnaire , P . 927 .
3- فروخ عمر ، المنهج الجديد في الفلسفة العربية ، دار العلم للملايين ، بيروت ، ط 1 ، 1970 ص 180.
4- الحسني ابن عجيبة ، مصطلحات التصوف ، أ ع و تق : عبد الحميد حمدان ، مكتبة مد بولي ، القاهرة ، ط 1 ، 1999 . ص 3 و أنظر أيضاً : الفاخوري حنا و خليل الجر، تاريخ الفلسفة العربية ، ج1 ، دال الجيل ، بيروت ، لبنان ، ط3 ، 1993 .
5- معجم المصطلاحات الفلسفية ،خليل أحمد خليل،ص 103.
6- المرجع نفسه،ص 155.
7- راجع ، خميستي سعد ، أبحاث في الفلسفة الإسلامية ، دار الهدى ، الجزائر ، دط ، 2002 ، ص 24 و ما بعدها .
8- حميدة عميراوي ، بحوث تاريخية ، دار البعث ، قسنطينة ، دط ، 2001 ، ص 60و ما بعدها .
9- زرارقة عطاء الله ، ملامح التيار التربوي الروحاني ، " الأسس و الأهداف " ، مجلة دراسات العدد 09 جوان 2008 ، جامعة عمار ثليجي بالأغواط ، ص 109 .
10- راجع ، عمر فروخ ، المنهاج الجديد في الفلسفة العربية ، ص 181 و ما بعدها ، أنظر أيضاً : عبد الغني قاسم عبد الحكيم ، المذاهب الصوفية و مدارسها ، مكتبة مدبولي ، القاهرة ، ط 2 ، 1999 ، ص ( 27 – 38 ) ، راجع أيضاً : محمد تركي ابراهيم ، فلسفة الموت عند الصوفية ، دار الوفاء لدنيا الطباعة و النشر ، الإسكندرية ، ط 1 ، 2003 ، ص ( 19 – 21 ) .
11- فلسفة الموت عند الصوفية ، محمد تركي ابراهيم ، ص ( 29 – 33 ) .
التعليقات (0)