مواضيع اليوم

مفهوم التأصيل في الإبداع الفلسفي

ناجم مولاي

2010-02-28 20:46:15

0

مفهوم التأصيل في الإبداع الفلسفي

1-1-1-لغويا: "لفظة الأصل" لها معاني متعددة في اللغة والاصطلاح"لاحتواء تحديد مفهوم الفلسفة"لا نقف على جميعها بل على ما يفيد في تحديد مقصودنا حيث عبارة الأصول الفلسفية ،ونحن هنا نلتزم بما حدده" طه عبد الرحمن" نفسه لهذا المفهوم من المعاني اللغوية لهذا اللفظ .
1-1-2-في اللغة العربية:الأصل:«ما يبتني عليه غيره من حيث أنه يبتني عليه غيره وإن كان بالنظر و الإضافة إلى أمر آخر فرعا .ألا ترى أن أدلة الفقه من حيث أنها تبتني عليها مسائل الفقه أصولا ،ومن حيث أنها تبتني على علم التوحيد فروعا».
والأصل هو:«أسفل كل شيء وجمعه أصول ،لا يكسر على غير ذلك وهو اليأصول.يقال : أصل مؤصل ،واستعمل "ابن جني" الأصلية موضع التأصل فقال:الألف وإن كانت في أكثر أحوالها بدلا أو زائدة فإنها إذا كانت بدلا من أصل جرت في الأصلية مجراه ، وهذا لم تنطق به العرب إنما هو شيء استعملته الأوائل في بعض كلامها.وأ صل الشيء،صار ذا أصل،ويقال:استأصلت هذه الشجرة أي ثبت أصلها،واستأصل الله بني فلان إذا لم يدع لهم أصلا واستأصله أي قلعه من أصله».
يترتب على هذا المعنى اللغوي لوازم مختلفة،أحدها:أن الأصل يفتقر إليه غيره،ولا يفتقر هو إلى غيره أي أنه مكتف بذاته.
والثاني:أن الأصل معروف بنفسه من غير ما حاجة إلى التوسل في معرفته بغيره أي أنه بين بنفسه.
والثالث:أن الأصل هو أسفل الشيء الذي به يستحكم ويثبت أي أنه أساس لغيره .
ويقال:«رجل أصيل له أصل.ورأي أصيل:له أصل ورجل أصيل ثابت الرأي وعاقل وقد أصل أصالة ،مثل ضخم ضخامة ،وفلان أصيل الرأي وقد أصل رأيه أصالة،وإنه لأصيل الرأي والعقل ،ومجد أصيل أي ذو أصالة،والأصيل أي العشي ،والجمع أصل وأصلان مثل بعير وبعران وآصال وأصائل كأنه جمع أصيلة ».
وهو نفس الشيء عندما نقول :«أثل:أثلة كل شيء :أصله،وأثل يأثل أثولا وتأثل: تأصل.وأثل ماله :أصله.وتأثل مالا :اكتسبه واتخذه و ثمره .وكل شيء قديم مؤصل:اثيل ومؤثل ومتأثل والتأثيل :التأصيل .وتأثيل المجد بناؤه والأثال بالفتح :المجد،وبه سمى الرجل ،ومجد مؤثل :قديم ،ومجد أثيل أيضا».
وعليه :«الأصلي صفة من أصل،أما الأصيل :فهو الراسخ في أصل تقال:الأصالة على حالة أومقولة عين الأصل ،وتقال :الأصولية على مذهب يدعي العودة إلى الأصول».
1-1-3 – وفي اللغة الأجنبية :
الأصل( Origine ):كلمة لاتينية(Origo ) تعني الأصل حيث:«يقدم هذا اللفظ معنيين ،وهناك فائدة في عدم الخلط بينهما حتى نتجنب المشاكل الخاطئة أو خلط الواقع مع الحق.فهو يعني من جهة،البروز الأولي لظاهرة أو حدث ما (وهكذا يمكن التساؤل عن أصل العالم )،ومن جهة أخرى يعني مجموعة الشروط والظروف التي تسمح بتفسير التشكل أو التطور التاريخي لظاهرة ما (وهكذا نتسائل عن أصول الثورة الفرنسية)».
-يطرح التساؤل الفلسفي على الميتافيزيقا عند ما يتقارب من التساؤل عن الأسباب الأولى:
إذا كان الرجل العلمي يوجد نظريات ليفسر ظهور العالم أو الإنسان (ويجيب على أسئلة كيف؟)فإن الفيلسوف يستطيع أن يتسائل بـ: لماذا؟. وهكذا فإن التفكير في الأبعاد الخاصة للوجود الإنساني يضيف، إلى ما يمكن أن تدرسه العلوم،اعتبارات حول نهاية الظواهر أو حول قيمتها :إن مثل هذا التفريق يسمح بإبقاء إلى جانب المعلومات التي تقدمها العلوم الاجتماعية التفكير الفلسفي المحض والذي من شأنه أن يقدم الكثير عن الأخلاق وعن الحق. هذا كما هو مشروح في (القاموس) نفسه.
كما نجد أن عبارة الأصل قد استعملت بمعنى آخر تضمنته كلمة (lorigéne ) التي كانت تطلق على من :«جاء بعد الآباء الرسوليين للقرن الأول من المسيحية،وهو ينتمي إلى جيل من الكتاب المسيحيين الذين لهم ثقافة جد عالية ،وبوصفه عالم إنجيلي وفيلسوف فإنه ينتمي إلى مدرسة الإسكندرية التي شهدت التثاقف التدريجي للمسيحية مع العالم الثقافي الإغريقي الروماني».
يوضح (lorigène ) على الخصوص أن الإيمان بالمسيحية لا يتناقض مع النموذج الهيليني الذي يؤكد أن وجه الحقيقة يرجع في أصله إلى الوحي الإنجيلي .إنه يتأصل ضد أصحاب المذهب الغنوصي ويدحض الكتاب الوثنيين خاصة"Celes" –القرن الثاني- فيلسوف الإلهام (الإيحاء) الأفلاطوني الذي يرى أن المسيحية ما كانت إلا عبارة عن مجموعة من التنظيرات البذيئة.هذه المزاعم يؤكد (lorigène )أن الإيمان المسيحي ليس مصدره السحر ولا سرعة التصديق من طرف المسيحيين ولكنه مع إعطائه شهادات متنوعة فإنه مع ذلك يبقى جديرا بالثقة.إن تهجمات "Celes"على المسيحية والردود التي يقدمها (lorigène ) تفيد على المستوى القاعدي ونموذج المفكرين اللاحقين في جدالاتهم الخاصة بالمسيحية. هذا كما هو مشروح في القاموس نفسه .
ويخلص التعريف اللغوي إلى أن مفهوم التأصيل أو التأثيل الذي قد يضم في معناه مفهوم الأصل:إنه يعني أن الأصل:هو ما يبرز لأول مرة متصفا بخاصية الاستقلال و البداهة و التقدم عن غيره ،وبأنه مكتف بذاته ما يثبت أصالة وتأصل واصلية هذا البارز من جهة،
ومن جهة أخرى يعني مجموعة الشروط و الظروف السامحة بتفسير التطور التاريخي لظاهرة ما .وعليه ينبغي أن يكون تحديد الأصول الفلسفية العربية الإسلامية كفلسفة حقة ،مستقلة ومبدعة .
1-1-4-التأصيل في الاصطلاح:
1-1-4-1-الأصل في الاصطلاح الفقهي : هو ما يقاس عليه ، كما يطلقه الفقهاء و الأصوليين على معاني عدة :أحدهما الدليل يقال: الأصل في هذه المسألة الكتاب والسنة .وثانيهما القاعدة الكلية: وهي اصطلاحا على ما يجيء قضية كلية من حيث اشتمالها بالقوة على جزيئات موضوعها، وتسمى تلك فروعا ، واستخراجها منها تفريعا. وثالثها الراجح : أي الأولى و الأحرى يقال الأصل الحقيقة ، ورابعها المستصحب ، يقال تعارض الأصل والظاهر و خامسها مقابل الوصف على ما يجيء في لفظ الوصف.
وعند أكثر علماء الأصول والفقه نجدهم يستعملون أصل القياس :الذي محله الحكم المنصوص عليه .وهذا ما نجده في مثال تحريم بيع الأشياء بأجناسها متفاضلة مثل :قيس الأرزعلى البر في تحريم بيعه بجنسه متفاضلا،كان الأصل هو البر عندهم لأن الأصل ماكان حكم الفرع مقيسا عليه ومردود إليه كما نجد شرحه في ( الكشاف ) .
و عند المتكلمين :أصل القياس هو:الدليل الدال على الحكم المنصوص عليه من نص أو إجماع. مثل قوله عليه السلام:«الحنطة بالحنطة مثلا بمثل»كما هو مشروح في ( الكشاف) أيضا نستنتج من هذا الكلام هنا وعلاقته بالمعنى الثاني في الاصطلاح الفقهي أن النص هنا هو بمثابة القاعدة الكلية والمتفرع عن هذه القاعدة هو الحكم المنصوص عليه ،وإذا كان الأصل هو ما يتفرع عليه غيره فكان النص هو الأصل والحكم المنصوص عليه من النص هو المتفرع عنه إذن .
وعلى غرار ذكر علاقة الأصل بالفرع بتطرق هنا إلى مفهوم أولفظة الأصول لتقارب هذه الأخيرة في الوضع ما بين الدين والفلسفة فيقال أصول الدين وقد شرحت في (الكشاف ) على أنها علم الكلام. والأصول هو موضوع علم الكلام، والفروع هو موضوع علم الفقه .وكما قال بعض العقلاء عن الأصول :«كل ما هو معقول ،و يتوصل إليه بالنظر والاستدلال،فهو من الأصول وكل ما هو مظنون أو يتوصل إليه بالقياس والاجتهاد فهو من الفروع». وبهذا يمكن القول إن الأصول في الفلسفة هي ما يحكم فيها العقل الذاتي ،و يتوصل إليها بالنظر والاستدلال ، ولفظة العقل الذاتي جاءت هنا كدليل عن شرطية استقلال العقول أو العقل عن غيره ،مما يكسبه معنى الأصل أو الأصالة إن صح التعبير.
3-التأصيل في الفلسفة :
الأصل في الفلسفة القديمة هو«البدء الأمثل،المثالي بدء الجوهر ولطافته.معرفة الأصل تقوم على بناء سجل فرضيات تأذن باستخلاص صحة التمثل الراهن للموضوع المتمثل ». وهذا ما نجده في فلسفة أفلاطون . لكن مع تقدم الدراسات الفلسفية قد تغير معنى مفهوم الأصل فمع "هيجل" Hegl Friedrih Georg Wilhelm(1771-1831م) نزعت الفلسفة إلى الفصل الدقيق بين البدء التاريخي بوصفه عرضا محضا ،وبين الأصل باعتباره:إما صدورا جوهريا وإما جملة ظروف موضوعية دائمة ،تشكل مجالا تجريبيا معطى (المجتمع،اللغة،الحياة ) فتجعله موضوع علم ممكن . كما هو مشروح(في المعجم الفلسفي لخليل أحمد خليل ) .
كما أن الأصل قد يعني بدء الشيء ، أي أول ظهوره ونشأته ،كما في قول "ابن خلدون" (1332-1406م) في ( مقدمته ،ص 284):"زعم أنه الفاطمي المنتظر تلبيسا على العامة هناك بما ملأ قلوبهم من الحدثان بانتظاره هناك ،وإن من ذلك المسجد،يكون أصل دعوته " وقد يطلق الأصل على أقدم صورة لشيء متبدل ،فيكون مبنى وأساس لذلك الشيء كمافي قول "رينان"ERNEST-JOSEPH RENAN (1823-1890م) :«يجب أن يشتمل تاريخ أصول المسيحية على تاريخ العهد المظلم الذي امتد من أوائلها إلى الوقت الذي أصبحت فيه حدثا عاما شائعا ،ومعلوما لدى الجميع».
و لماكان للأصل علاقة بالمبدأ الأول القديم فنجد عند المناطقة:يطلق على المبدأ أو القاعدة فإذا أطلق على المبدأ سمي أصلا منطقيا بخلاف الأصل الزماني والتاريخي ، الذي يمكننا استنتاجه مما سبق ،وإذا أطلق على القاعدة دل في المنطق على قضية كلية من حيث اشتمالها بالقوة على جزيئات موضوعها ،وتسمى تلك الأحكام الجزئية فروعا هذا على أساس أن القاعدة هي الأصل واستخراجها منها –الأحكام-يسمى تفريعا كما نجد شرحه في المعجم (الفلسفي"جميل صليبا") .كما نجد أن الأصل في الفلسفة أصل الموجود ،يعني الإمكان المتعين لوجود شيء ما ،والإمكان المعين أو المحدد لجوهر الشيء كما يطلق اصل الأسماء (Onomastics ,Onomastique ) على فرع من علم المعاجم يدرس الأسماء الحقيقية ويفرق في هـذا المنحـى بين درس أسماء الأشخاص (Anthroponymie) ودرس أسماء المكان (Toponymie) .
ولما كان لمفهوم الأصل علاقة بالتأصيل فقد اشتق منه مفهوم الأصالة(Athenticité-Originality) التي هي حالة من يمتنع عن التقليد الثقافي الذي يؤدي لزوال الشخصية و إلى الاندماج في الثقافة الأجنبية.
وهو الذي نراه أقرب إلى الإجابة عن سؤال الأصالة في الفكر الفلسفي و الذي يحمل في مضمونه عدة معان نذكر هنا معنيان أساسيان ذكرهما "جميل صليبا" (معجمه الفلسفي ص96،95)هما :الصدق (Authentictié) ويقال على الوثيقة أو العمل الصادر حقا عن صاحبه ويقابله المنحول(Apocryphe) .
والأصالة في علم مابعد الطبيعة :هي المطابقة التامة بين ظاهر الوجود وحقيقته، وفي علم الأخلاق هي الصدق والإخلاص ،وفي علم التاريخ يطلق اصطلاح نقد الأصالة على نظر المؤرخ في الوثائق والروايات، والأصالة عند "هيدغر" Heidegger Martin(1889-1978م) هي الأفكار والعواطف الصادرة حقا عن صاحبها...المتصلة بالواقع ومن كان عن غير ذلك فلا يقال إنه إنسان أصيلا .هذا كما شرحه "جميل صليبا" في (معجمه الفلسفي ص96.) والذي نجده يذكر فيه أيضا إنها قد تعني الجدة أو الابتداع (Originalité) وهي أن يكون الشخص له صفة الامتياز عن غيره بصفات جديدة صادرة عنه،فالأصالة في الإنسان إبداعه، وفي الرأي جودته وفي الأسلوب ابتكاره وفي النسب عراقته. ومن خلال التعريف اللغوي والاصطلاحي والفلسفي نصيغ هذا المفهوم لتأصيل الفلسفي الذي نراه
كمطلب لتحديد مقصدنا في المرحلة المتقدمة من هذا المقال وهو:التأصيل الفلسفي أو الأصل الفلسفي هو ما يتجسد في ما أبدع الإنسان في مجال الفلسفة ، والذي يجعل إبداعه الفلسفي هنا يمتاز بصفات صادرة عنه مثل صفة الاستقلال والبداهة والتقدم،ومن هنا يمكنا أن نطلق عليه إنه إبداع فلسفي أصيل أو متأصل عند هذا دون غيره ،لأنه قد يكون موجودا مستقلا في الوقت نفسه عن الموجود الآخر. فإذا كانت الفلسفة تمتاز بصفة الاستقلال والبداهة والتقدم لحقائقها من إنسان لآخر فيمكننا أن نقول إن لهذا تأصيل فلسفي مبدعا وعند الآخر أيضا تأصيلا فلسفي مبدعا ومتجددا لأن وجود فلسفته إلى جانب فلسفة الآخر لا يستلزم التقليد أو الإتباع بشتى أشكاله.إذن إذا كان مفهوم التأصيل مشتركا بين كل الفلسفات فإن طريقة تناوله مختلفة اختلاف الوقائع التي يمر بها الإنسان في تاريخه الحي.لكن نلاحظ أن بعض الفلسفات أوالكتابات الفلسفية بالأحرى والمعاصرة منها أنها قد نفت التأصيل كشيء ثابت نظرا لتغير الزمن والواقع،فكل تاريخ إلا و له تأصله الخاص ومنه لا ينبغي للمنتوج التأصيلي أن يكتسب نوعا من القداسة.

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !