مواضيع اليوم

مفهوم الإنسان الكامل قي الفكر الصوفي

ناجم مولاي

2010-02-26 21:23:04

0

I. مفهوم الإنسان الكامل في الفكر الصوفي
تمهيد :
يكثر الحديث في هذا القرن على فكرة الإنسان ، هذه الأخيرة لا يمكن فهمها خارج المجال التداولي له ؛ و المقصود هنا (اللغة ، المجتمع و الدين .... ) و المطلوب عندنا هو : دراسة العلاقة الجدلية بن مفهوم الإنسان الكامل و الصوفية من وجهة دينية و علمية . فما معنى الإنسان و ما معنى الصوفية ؟ و هل من السهولة و السرعة أن أطبق ذلك ؟
التأثيل المفاهيمي :
و إذا كنا قد حددنا عنوان هذه المداخلة بـ : مفهوم الإنسان الكامل في الفكر الصوفي ، فإن الاشتغال بهذا العنوان يتطلب منا أن نحدد في البداية مصطلحاته الأساسية و التي التزمنا في تحديدها بمصطلحين أساسيين لضرورة تداولهما في مقدمة هذه المداخلة ؛ و هما مصطلح " الإنسان " و "الصوفية " .
1- مفهوم الإنسان :
1-1- لغويا (جنيالوجيا) :
أ - في المفهوم العامي :
الإنسان مخلوق آدمي ، وهي نظرة ساذجة و سطحية لخلوها من الأبعاد و اقتصار النظرة على الأعراض لا الجوهر (1).
ب - في اللغة الأجنبية (الفرنسية) :
بصفة عامة نستطيع تسمية "الإنسانية" (HUMANISME) : كل ما يتعلق بكرامة الإنسان ، و القيمة العليا ، مما يجب تحفيز أكثر من الدفاع على الأخلاقيات الاقتصاد ، الدين و بشكل كلي نستطيع التكلم عن الإنسانية المسيحية ...إلخ .
بهذا المعنى الإنسان يتواجد في مجالات فلسفية متعددة ( شخصانية و وجدانية) غير مجدية في تاريخ المجتمعات ، إضافة إلى هذه المفاهيم ظهر مفهوم الإنسان مما يشكل خطر بإقصاء بعض الأفراد خارج المفهوم الراقي ؛ هذا ما يتضح لنا من الإنسانية التقليدية التي رفضت بشدة من طرف الفلاسفة مثل"ماركس" و"نتشة" مفهوم مختلف للإنسان أو ما يجب أن يكون عليه الإنسان (2) .
ج‌- في اللغة العربية :
فالإنسان أصله اللغوي إنسيان ، و أصل الكلمة عند العرب القدامى تأخذ معنيين الأول : أنسيان على وزن أفعلان و تعني النسيان ؛ و العلة عند معتقديها ترجع إلى كون أدم نسى ما عهد إليه من قبل الله ، و عليه سمي بذلك ؛ و المعنى الثاني : ينطبق من الأنس أي الألفة و يكون على وزن فعليان(3)
كما أن الإنسان من الإنس مثنى بصيغة المفرد (إنس - إن) فالإنسان جنس ، آدم و حواء ، الرجل و المرأة نوعان من جنس واحد(4) ، و من (أنس )اشتقت إنسانية ( Humanité )( كمصدر صناعي من كلمة إنسان) و هي تعني جملة الخصائص التي تتميز بها البشرية عما سواهم من الحيوانات مثل العقل و السيطرة على الهوى و تقديم المصلحة العامة على المصلحة الشخصية ، أو هي عطف الإنسان على أخيه الإنسان و احترامه و تقديره بقطع النظر عن وضعيته الاجتماعية و السياسية، و هي بهذا المعنى تقابل التمييز العنصري ومنه أنسية (humanisme) مذهب من يجعل الإنسان في صدارة القيم أما بالنسبة إلى الحكمة الإلهية كما هو الشأن لدى المؤمنين ، و إما على وجه الإطلاق كما الشأن لدى الملحدين ، و منه أيضا تأنس (sociabilité) بمعنى محبة العيش مع الجماعة و الميل إلى معاشرة الآخرين بالحسنى ، و يقابله التوحش(5) .
د‌- أما في الاصطلاح (6)
1- المنطق :
الإنسان من الوجهة المنطقية جنس قريب ، و عند بعض النوع (ESPECE)، و إذا اعتبرنا الحيوان جنس (GENRE)، و قد يختلط مفهوم الإنسان مع الرجل ؛ والفرق بينهما أن الإنسان جنس و الرجل نوع و بتالي فالإنسان يخص الذكر و أنثى .
2- عند البيولوجيين :
كائن حي من المنظور أنه يقوم بوظائف كالتغذية ، الإحساس ، الحركة ، التناسل ، و الحيوان و تترتب عنه عدة فلسفات سفلت الإنسان تسفيلاً .
3- أما في الفلسفة :
نجد تعار يف متعددة حيث إن الفلاسفة وضعوا عدة مفاهيم :
أ- الإنسان الصانع (HOME -FABER) من جهة أنه يصنع نفسه ، و يصنع الموجودات التي يتم بها وجوده .
ب- الإنسان العاقل SAPIENS ) ( Homo – من حيث كونه يفكر ، و يتولد وجوده من تصوره من حيث كونه موجود لذاته ( être pour soit ) .
ج- الإنسان الاقتصادي ( Homo – Economicus)
4 – و عند فلاسفة الإسلام :
نجد ابن سينا (980- 1037م) يعرفه في كتابه (النجاة) : " ليس الإنسان إنسانا بأنه حيوان ، أو مائت ، أو أي شيء أخر بل إنه مع حيوانيته ناطق"و يضيف في كتابة (الشفاء) : " الإنسان جوهر له إمتداد في أبعاد مادية تفرض عليه الطول و العرض و العمق ، و من جهة أخرى يمتلك نفساً بها يتغذى و يحس و يتحرك ، و مع ذلك يمتلك عقلا به يفهم الأشياء و يتعلم الصناعات ... و عندما يتحدى كل ما سبق نحصل على ذات متحدة هي الإنسان .
كما نجد عند " الفارابي" (874م – 950م) : " أن الإنسان منقسم إلى سر وعلن ، أما علنه فهو الجسم المحسوس بأعضائه و أمشاجه ، وقد وقف الحس على ظاهره و دل التشريح على باطنه أما سره فقوى بروحه ".
5- و عند المسلمين :
لا يخرج مفهوم الإنسان عند ثنائية الجسد و الروح التي هي كوحدة تمثل ماهية الإنسان و جوهر ، و أن الخلل إذا حدث في سير علاقتهما حدث الإنتكاس ، و سارت الذات نحو العالم البهيمية أو نحو الهمجية .
6- وعلى غرار ذلك : نجد الفلسفة الإلهية (THEODICEE) ترى مفهوم أن الإنسان لا يخرج عن المعنى القائم بالبدن و لا يخص بذلك الهيكل و إنما الشيء الذي يحرك البدن و لعل مقولة " الأشعري" مأخوذة من نظرتهم حين يقول : " إن الإنسان هو هذه الجملة المصدرة ، ذات الأبعاض و الصور " .
7- و عند الصوفية عمومأ :
" لا يخرج هذا المفهوم عن كونه برزخ بين الوجود و الإمكان ، و المرآة الجامعة بين صفات القدم و الحدثان ، و الواسطة بين الحق الذي هو الله و الخلق " .
8- و عند الفلاسفة الغربيين :
نجد "الإنسان الشمولي" (total man)مصطلح فلسفي ، ورد في النصوص " كارل ماركس " (k- markx , les manuscrits de 1849) و يدل على العلاقة المتبادلة بين الفرد و المجتمع من جهة ، و صورة مثالية معينة من جهة ثانية .
كما ورد عند الإناسي الفرنسي " مارسيل موس " (بحث في الوهب) في سياقه عرفه " الواقعة الاجتماعية الشمولية أو الكلية المتحققة باختيار فردي شمولي " .
و كتعريف جامع مانع يمكن أن نقول : " أن الإنسان كائن حي عاقل ، يأنس ، ويتآنس و هو أيضا واسطة جوهرية – من الروح و البدن – بين الحق الذي هو الله و الخلق " ، كمفهوم نحاول أن نتقرب به إلى مفهوم الإنسان الكامل في الفكر الصوفي .
1-2- تاريخياً (كرنولوجيا) :
إن جدلية الإنسان و التاريخ تجعلنا نرتبط دوما بفكرة الإنسان الكامل ، أو ما يسميه البعض الإنسان النموذج باعتبارها فكرة تطرح نفسها عبر صيرورة التاريخ . ففي فلسفة " أفلاطون " كان الإنسان الفاضل نموذجا جديد يحاول إحداث القطيعة مع الإنسان السفسطائي الذي لم يعد مرغوباً فيه حتى مع " سقراط " نفسه .
كما أن مشكل الانحطاط في عمقه الحقيقي هو الإنسان ، لأن الحلول الأخرى تبقى عاجزة إذا أهمل الإنسان و هذا ما يفسر في انحطاط العالم الإسلامي و العالم الثالث بأجمعه ؛ هذا و إن كان العالم الإسلامي في مطلع القرن 20 م شهد حركة إصلاحية نهضوية لكنها لم تستطع تحقيق القطعية و لا النهضة كونها إهتمت بالعقيدة و أهملت الإنسان كمشكلة ، و هذا ما يمكن أن يفسر السؤال الحاضر في الخطاب الإصلاحي باستمرار لماذا تأخر المسلمون و تقدم غيرهم ؟ (6) .
فإذا كانت الحركة الإصلاحية النهضوية إنطلقت من حديث الرسول (ص) : " ما أنا عليه و أصحابه " ، فإن القومية كتيار ارتبط ظهورها بالتواجد التركي جعلت نموذجها المركزي الإنسان الغربي فأغلب أدباء الخمسينيات إمتازوا بهذه النزعة ؛ و إن كان لها دعاة غربيون أمثال : فلاسفة الألمان " فيخته " و " فيورباخ " و" نتشه " و " هيدغر " ، و في تصورها هذا تنطلق من نماذج جاهلية " كعمر و بن كلثوم " ، " عنتر العبسي " أو نماذج إسلامية كـ " هارون الرشيد " ، و " المعتصم بالله " و غيرهم من عظماء و نواب العرب (7) .
فاختيار النموذج الماضوي الراجع لبعد الذات العربية عن واقعها مما لم يساهم في إيجاد حل لمشكلة الإنحطاط التاريخي التي عرفها العرب عبر مرور الزمن .
و في مرحلة متقدمة ظهرت محاولة لإحداث القطيعة مع ماضوية عصر النهضة شعارها كان علمانياً متأثر بالفكر الشيوعي الماركسي ، و متخذةً من الإنسان النموذجي الماركسي أصلاً و مثل هذا في فكر العرب كل من " حسين مروة " ، " الطيب تيزني " و غيرهم ، و إن كان هذا النموذج لا يمت بصلة لواقعنا ، وهذا واضح أيضاً عند الأستاذ " بوعرفة " في كتابه " الإنسان المستقبلي في فكر مالك بن نبي " .
كما نجد أسطورة الفهم المادي للإنسان القائلة : " إن الطبيعة تشكل نقطة انطلاق التطور الإنساني " فالإنسان جزء من الطبيعة ، وهو لذلك بحاجة إليها كشرط طبيعي لوجوده كما هو عند كارل ماركس في كتبه (k- markx , les manuscrits de 1844 – Trad bottigelli – Ed .Soc .Paris . 1969.P. 61) ، و من هذا نستنتج إنه حتى العمل الذي يرى البعض بأنه جوهر هذا الإنسان هو في الأصل من منطلق مادي بيولوجي ، و بالتالي يمكن القول عن الإنسان أنه يملك " طبيعة هي تاريخية و تاريخياً هو طبيعي" كما قال ماركس أنجلز في كتابه ( L’idéologies allemande – Trad – Aiger- Ed . Soc.Paris 1968 ) ، و المقصود هنا أن التطور التاريخي منطلقه هو الطبيعة ؛ و الإنسان ليس بجوهر مختلف عنها فتفاعلهما مع بعض يساهم في تحقيق الإنسان بجوهره الكامل و الفكرة نجد شرحها عند كارل ماركس في كتابه (Manuscrits , Op. sit. P.96 ) ، إذ يقول : " إن التاريخ نفسه هو جزء فعلي من تاريخ تكوين الإنسان للطبيعة " .
و" فرانكلين " عندما يعرف الإنسان " حيواناً يصنع الأدوات " كما هو مشار له عند كارل " ماركس " في كتابه (Le capital – trad . Roy . Ed . soc . Paris . 1977 . p . 138)، تم العلاقة بين الإنسان و الطبيعة و المجتمع ، " فكارل ماركس " يرى أن في الطبيعة شرطاً لا للوجود الفيزيائي فحسب بل و بالدرجة الأولى للوجود الاجتماعي حتى أنه فسر علاقة الإنسان بالمرأة هي العلاقة الأكثر طبيعية للإنسان و الإنسان ، إذن الطبيعة أصل الإنسان و المجتمع و علاقة الإنسان بالإنسان (8) .
كما أن بالعمل وحده ارتقت اليد الإنسانية إلى هذا المستوى الرفيع من الكمال الذي استطاعة فيه و بقوة تكاد تكون سحرية توجد لوحة " رافائيل " و تمثال " تورفالدسين " و موسيقى " باغانيني " كما قال " ماركس أنجلز " في كتابه ( مختارات ، دار التقدم ، موسكو ، د ط ، 1970 ، ص 07 و ما بعدها) .
فالإنسان الكامل بهذا المنظور هو الشخص الذي يستطيع تحقيق ذاته من منطلق تلبية حاجياته أو السيطرة على الطبيعة من منطلق عملي ، عبر صيرورة الزمن مما يعطي لتاريخ مشروعية تأسيسه و هذا هوتفسير جوهر الإنسان بمنطلق ماركسي يقر تمييز الإنسان الحقيقي عن اللإنسان .
و فكرة الإنسان الكامل تقود لعهد موغل في القدم في كتب الدين المقارن ، و قد جعلت إبتدائها من أساس سكونية ستاتيكية آرية ، إنما ترى فيه خصوصاً أنه " الإنسان الأول " فهو " الكيومرث " عند المزدكية و" آدم قدمون " في كتبه القبالة اليهودية ، و الإنسان القديم عند المانوية المستعربة ، و لم يكن هنا توحد في تصور الإنسان على أساس أنه (إنسان عين الوجود ) فقد أحل كلمة مستجدة عند النصارى هي " صورة نموذجية " (9) .
كما نجد أن الإنسان الكامل الحقيقي الذي ينتظره المسلمون هو نوع من البشير (Un Messie) و هنا يتسائل الباحث " المصري الوجودي " قائلاً : " أليست الفكرة اليهودية عن البشير المسيح ترجع إلى أصل إيراني ، و تبعاً إلى هذا إلى أصل آري " ريتيسنشتين " ( Reitzensten) ، و الفكرة الديناميكية الإسلامية عن الإنسان الكامل ألم تكن منذ البداية ذلك المهدي المنتظر الذي قالت به " الشيعة الإمامية " ، و هم كان معظمهم من الموالي الداخلين في الإسلام و كانوا من الفرس و بالتالي كانت هذه الفكرة آرية الأصل كذلك .
نشاهد منذ فجر الإسلام تنشأ الفكرة البشرية في اليمن العربي لابسةً الفكرة القائلة " بالمخلص " منتظر يعيد العدل إلى نصابه ... (10) .
لكن بدوي عبد الرحمان يرى أن هذه القسمات و أمثالها من شأنها التضليل ، فشاهد أن النظرية الإسلامية الخالصة في الإنسان الأول إنما تمت هي في مقتضياتها النشورية { ... } عن طريق القرآن نفسه ، و ذلك بتدبير نصه العربي تدبيراً سنياً مستقيماً .
الإحالات و الهوامش :
1- بوعرفة عبد القادر، الإنسان المستقبلي في فكر مالك بن نبي ، دار الغرب ،د (ط،س)، ص 05.
2- DICTIONNAIRE de philosophie –Gérard Durozoi .André Roussel Nathan . imprime en France par I.M.E 2003 .P.P185-186 .
3- المرجع الأسبق ، ص 05
4- خليل أحمد خليل ، معجم المصطلحات الفلسفية، دار الفكر اللبناني،ط 1،1995،ص (25،26)
5- المرجع نفس ، ص 155 .
6- الإنسان المستقبلي ، بوعرفة عبد القادر ، ص ( 8 – 20).
7- المرجع نفسه ، ص ( 8 – 20 ) .
8- عباس فيصل ، الإنسان و الفلسفة ، دار الفكر العربي ، بيروت ، د ط ، 1996.
9- بدوي عبد الرحمان ، الإنسان الكامل في الإسلام ، وكالة المطبوعات الكويت ـ ط 2 ، 1976.
10- المصدر نفسه ، ص ( 113 – 115 ) .

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !