*استهلال:
لقد تنكر "عبد الرحمن طه" للرشدية ورفض أن يكون رشدياً، حين أتخذ متفلسفة العرب من الرشدية قبلتهم ووجدوا في عقلانيتها ضالتهم من أجل مشروع إحياء "الفلسفة العربية الإسلامية"، وكان تنكره هذا من جملة الأسباب التي جعلت أغلب الرشديين من المتفلسفة العرب المسلمين ينتقدون مواقفه من الفلسفة والفلاسفة بغض النظر عن جهوده، واعتبروا حملته على الفلسفة العربية والفلاسفة العرب المسلمين شبيهة بحملة الإمام أبي "حامد الغزالي" التي عبر عنها في مؤلفه (تهافت الفلاسفة)، وعلى الفلسفة الغربية شبيهة بحملة الإمام "جمال الدين الأفغاني" في مؤلفه (الرد على الدهريين)، لكن تقصي الحقيقة في طرح المواقف الفلسفية، يقتضي منا معرفة حقيقة موقف "عبد الرحمن طه" من الفلسفة والفلاسفة العرب والمسلمين من جهة أولى؛ وموقفه من الفلسفة الغربية من جهة ثانية، وموقف هؤلاء الفلاسفة منه من جهة ثالثة؛ لإيضاح هذا التصادم بينه وبينهم.
*مشروع طه عبد الرحمن من منظوره ناقداً إلى منظوره منقوداً:
لقد قام المشروع الفلسفي "لعبد الرحمن طه" على دراسة مشاريع فلسفية سبقته إلى تناول مسألة الإبداع في الفكر الإسلامي المعاصر، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر مشروعان من أبرز المشاريع الفلسفية في علاقتهما بالتراث والحداثة: الأول يمثله "محمد أركون"، والثاني يمثله "محمد عابد الجابري"؛ إما منتقداً أو مكملاً لما هو ناقصاً فيها وسنتناول ما تعلق منها بالنقد في ما سيأتي.
*أولاً: طه عبد الرحمن ناقداً لمشاريع فلسفية:
وضع "عبد الرحمن طه" نظرية جديدة في تقويم التراث في مطلع الستينيات من القرن العشرين الميلادي، حيث ظهرت مشاريع قراءات تراثية جديدة اختلفت مرجعيات أصحابها ورهاناتهم التحديثية، لكنهم جميعاً يدعون إعادة قراءة التراث العربي في ضوء ما جد من مناهج ونظريات «فازدادت الأزمة استفحالاً، وأزداد الوجدان العربي قلقاً وتفككاً، والوجود الحضاري تأزماً، ونسجت غالبية المفكرين على منوال الغربيين، فاستفحلت التبعية، وأصبح الاستسلام لها قدراً مقدوراً، عجزوا عن تمثل الأدوات الإجرائية والمنهجيات العلمية التي وضعها الغرب الذي يقلدونه، فراحوا يستنسخون المناهج ويسقطونها على التراث الإسلامي، كما فعلوا – مثلاً- في قراءاتهم الحديثة للنص القرآني»[1].
من هنا كانت نقطة الصدام بين "عبد الرحمن طه" ومعاصريه، هذا الصدام كان في البدء منهجياً لينتقل فيما بعد الى مضمون هاته القراءات الحديثة وانعكاسها على الخطاب العربي الإسلامي "منهجياً ومعرفياً وعقائدياً".
يقول"عبد الرحمن طه" عن موضوع مشروعه ومعارضته لمعاصريه، بأنه لم يُقابل الهدم بالهدم، بل صار إلى مقابلة الهدم بالبناء، وهذا يتمثل في «إنشاء نظرية مستقلة في تقويم التراث، حرصنا فيها أشدالحرص علىأن تستوفي مسائلها مقتضيات المنهجيةالتي يزعم أصحاب هذه الدعوة القيام بها»[2]. ولما كانت المشاريع السابقة في تقويم التراث قد وقعت في "النظرة التجزيئية التفاضلية"، فإن مشروعه الفلسفي قام على نظرية "تكاملية للتراث الاسلامي العربي"، وكان هذا جانب من جوانب الخلاف بينه وبين المفكر المغربي "محمد عابد الجابري"-رحمه الله-.
لقد أتت "التداولية" في زمن بات فيه اندفاع الكثير من الدارسين العرب إلى حسبان أن "الفلسفة العربية الإسلامية" فيها من المعاني والأفكار ما تضاهي به فلسفات الغرب والواقع أن هذه "الفلسفة الإسلامية" فيها من المعاني والأفكار ما لا تخرج في رأي "عبد الرحمن طه" عن ضروب ثلاثة: إما النسخ، ومؤَّداه ليست "الفلسفة الإسلامية" إلا نقلاً منتحلاً للفلسفة اليونانية يحفظ منها اللفظ والمعنى معاً، وإما المسخ، ويعني ليست "الفلسفة الإسلامية" إلا مُلماً بالفلسفة اليونانية يبدل اللفظ دون أن يبدل المعنى، وإما السلخ، ليست "الفلسفة الإسلامية" إلا نقلاً مُغِيراً على الفلسفة اليونانية، يبدل اللفظ كما يبدل فروع المعنى لا أصوله[3].
بل أكثر من ذلك فقد سقطت "الفلسفة الإسلامية" في مطبات التلفيق والانتقائية، حينما سعت نحو عملية الجمع بينها وبين الشريعة، إذ جاء «حفظ الفلسفة على مُقتضاها اليوناني مُجتمعاً إلى حفظ الشريعة على مُقتضاها الاسلامي، هو كالجمع بين نقيضين كلاهما جلي وحقيقي»[4]. ما أدى بهم- أي فلاسفة الإسلام- إلى الوقوع في فسادين كبيرين هما: فساد تداولي، وفساد منطقي[5]. فتكوَّن صنم فكري لديهم، فلا إبداع إلا"بالانقطاع عن المنقول الفلسفي"، أي لا «إبداع في "الفلسفة الإسلامية العربية" ما لم تأت بفلسفة تختلف في إشكالاتها وأدلتها عن المنقول اليوناني»[6].
وكان المتفلسف العربي يرى أيضاً في "الانقطاع عن المأصول الديني" السبيل إلى تحقيق التجديد وتحصيل الابداع، وهو تصور موروث من المنقول اليوناني الذي ناضل في سبيل الانقطاع عن الأسطورة والمعتقدات الخرافية نحو ميلاد "العقل" و"الفلسفة"؛ اللذان سيعملان على تقديم تفسير علمي وطبيعي لنشأة العالم وتكوينه، وبالتالي يرى "عبد الرحمن طه" أنه لا إبداع «فلسفي في الفكر الاسلامي العربي ما لم يستوف قطع الصلة بالاعتقادات الدينية»[7].
ولقد قدم "طه عبد الرحمن" مُبررات لاعتراضاته على أصحاب مشروع "القراءة التجزيئية للتراث"، تتمثل في الآتي:
- عدم القدرة على البرهنة في تحصيل الدُّربة في استخدام الآليات العقلانية المنقولة فضلاً عن غياب الإحاطة التامة والكافية بتقنياتها وإجراءاتها.
- غياب التمهيد لإنزال هذه "الآليات العقلانية" على التراث بنقد كافٍ وشامل لهذه الآليات قصد تبيين كفايتها الوصفية وقدرتها التحليلية وقوتها الاستنتاجية.
- عدم إخضاع "العقلانية المعاصرة" للنقد من حيث كونها اختياراً منهجياً مخصوصاً مع العلم أن النسق التداولي لهذه "العقلانية" أصبح يعرف المراجعة والتقويم والنقد، فمن باب أولى من أراد استيرادها إلى نسق تداولي آخر.
- استناد "القراءات المعاصرة" إلى مبدأ "التسيس" واختزال التراث فيما يحمله في سياقه الاجتماعي والتدافعي من دلالات الصراع من أجل ممارسة السلطة، وتوجيهه بهموم نضالية صرفة (التحرر، التقدم، التوحد، التطور).
- إغفال "القراءات المعاصرة" فكرة إن التراث هو أقرب إلى "التأنيس" منه إلى "التسيس"، أي أن التراث يولي الجانب الأخلاقي والمعنوي والروحي وظيفة رئيسية في النهوض بالفكر، فتكون قيمة النص المقروء من جهة التأنيس في الفوائد العملية والآثار المعنوية التي يُولِّدُها عند القارئ، أكثر من الجوانب التسيسية والمادية، وهي معانٍ تمتد آفاقها إلى الإنسان حيثما كان[8].
ومن نقاط خلاف "عبد الرحمن طه" مع معاصريه في قراءة التراث أيضاً، نوجز باختصار ما يلي:
أ- الخلاف في المنهجية والتراث:
إن المفكر المغربي "محمد عابد الجابري" يقترح القطيعة الإبستيمولوجية لفهم التراث والتعامل معه على أساس مبدأ التجزيء الذي انتقده "عبد الرحمن طه" في التعامل مع المعرفة الاسلامية كما جسدها "الجابري"، ودعوى "عبد الرحمن طه" القائمة على "النظرية التكاملية" مفادها أن فهم المعرفة الاسلامية لا يتم إلا بتركيب علومها فيما بينها تركيباً متكاملاً، ولا يتم هذا إلا من خلال نموذج نظري متكامل هو النظرية التكاملية والنظرية الاصطلاحية القائمة على التكامل والتداول المُتجاوز لنظرية التجزيء والتجريد. وهذا المنهج سماه طه بـ"فقه تأثيل المفاهيم". كما أن "الجابري" يعتبر العقل العربي عقلانياً من خلال التنصيف الثلاثي : البيان، العرفان، البرهان[9].
ويعتبر هذا التنصيف الثلاثي الذي أقامه "الجابري" على العلوم والمعارف التي شيدها العقل العربي الاسلامي تصنيفاً جديداً مُتجاوزاً التصنيف الثنائي القديم للعلوم الاسلامية إلى علوم عقلية ونقلية، أو فلسفية ودينية، رافضاً التصنيفات الحديثة المُسقَطة على الفكر العربي الإسلامي من دون مُراعاة لخصوصية من نحو مادية و مثالية، أو قديم وحديث، أو ثابت.
كما لاحظ "عبد الرحمن طه" منهجياً أيضاً أن الآفة الخطابية التي وقع فيها المُقلدة من المُتفلسفة العرب أنهم فصلوا بين الفلسفة والمنطق نتيجة تصور خاطئ للمنطق، وكأن الفلسفة تصح بغير منطق يضبطُها وبغير منهج يوجهها في الاستشكالات والاستدلالات. وكان هذا الفصل أيضاً – في رأيه قائم- بسبب قلة زاد المفكرين العرب من المنطق وقصور نظرهم «على المضامين الفكرية لمفاهيم "الحداثة" وأحكامها، دون الأصول المنطقية التي انبنت عليها، ولا الوسائل المنهجية التي استعملت في تبليغها، فينقلون هذه المفاهيم والأحكام تقليداً لغيرهم»[10]، وهذا معناه أن "المنطق"، كأداة منهجية، يُعتبر مدخلاً من المداخل الضرورية لفهم علوم ومعارف العقل العربي الإسلامي.
كما أتضح "لعبد الرحمن طه" أن جُل الدراسات المعاصرة للتراث ذات قصور في التحقق بمعاني التراث، أو قصور في معرفة أسرار المناهج التي سلطوها عليه، لأن أصحاب هاته الدراسات التراثية الحديثة يعتبرون برأيه من دعاة الانقطاع عن التراث؛ فقد لجأ إلى تمحيص ما أدعوا استعماله من الوسائل المنهجية فما وجد في أكثرها ما تُناسب مقتضياته مقتضيات الممارسة التراثية، وإذا بها تفضي إلى الحكم بالانقطاع عن التراث إن كلاً أو جزءاً![11].
واتضح له أيضاً أن النظر في مقاصد المنهج العقلي الحديث - ذو الأصل الديكارتي- الذي سارت عليه جُل الدراسات المعاصرة، قد تطلب النسبية والتفاضل بدل الوحدة والتكامل في الخطاب التراثي، وتطلب الاسترقاق بدل التحرير، وتطلب الفوضى بدل النظام[12].
أما المنهج المقترح من طرف "عبدالرحمن طه" في بحث التراث فينطلق من الكشف عن آلياته العميقة، وهو عمل يدخل في باب فقه العلم أو الابستمولوجيا والتأسيس المنهجي فاكتشافه مثلاً « لنجاعة الخطاب التداولي في دراسة النص التراث، بلاغياً وأصولياً، تأتي من تعمقه في بنية النص التراثي، والذي أظهر ارتباط إشكالاته بالخطاب. كما تأتي من خلال خبرة دقيقة ومعرفة شاملة لمناهج القدماء، ومن خلال تكوين كاف في مناهج المحدثين في التداوليات والمنطقيات بشكل تداخلي مثمر»[13]. وهذا ما يبين وقوف "عبد الرحمن طه" على مظاهر النقص في المعرفة، والخلل في المنهج في الدراسات المعاصرة حول التراث.
هذا ومن سبل النهوض بالممارسة التراثية في فكر "عبد الرحمن طه" "المنهج التقويمي" المرتكز على مبادئ نظرية وعملية معلومة: أما المبادئ النظرية، فتتجلى في مجملها في التخلص من الأحكام المُسبقة والمُسيسة، وتحصيل المعرفة بعلوم الأوائل ومُنجزات المُتأخرين من المعاصرين، أما المبادئ العملية، فهي ضرورية للتخلي عن آفة تقرير الانفصال بين القول والعمل، أو بالأحرى بين الجانب النظري والجانب العملي، وهو بهذا قريب من منهج المناظرة الإسلامية عند العرب والمسلمين، التي لم تكن إلا وسيلة من وسائل تنمية المعارف الصحيحة وممارسة المُعاقلة السلمية، مما يعني قدرة "العقلانية الكلامية الحوارية" على بيان القيم العملية والسلوكية بين المتناظرين[14].
وبناء على ما سبق نرى أن منهجية "عبد الرحمن طه" في قراءة التراث تستند إلى "الفلسفة التداولية" باعتبارها المنهج المناسب لتحليل وتقويم التراث الإسلامي العربي بجميع قطاعاته البلاغية والنحوية والكلامية والصوفية والفلسفية والأدبية وغيرها، التي تنظر في الآليات أكثر مما تنظر في المضامين.
ومن هذا المنطلق إن نقاد التراث العربي الإسلامي غلب عليهم التوسل بأدوات البحث التي اصطنعوها من مفاهيم الغربيين ومناهجهم ونظرياتهم؛ فقلدوها وما ملكوا ناصية تقنياتها ولا تفننوا في استعمالها[15]، وهذا سبب انقطاعهم عن التراث حيث ذهبوا في قراءته كل مذهب، ووضعوا له مشاريع جديدة لقراءته؟ فوجد "عبد الرحمن طه" أنهم « قطعوا أوصاله، خطأوا أصحابه اجتزأوه، اقترضوا من غيرهم طرائقهم المُستعملة في النقد، كما ظلت كتاباتهم دعوة إلى تقليد الفكر الغربي وتقليد أهله»[16].
ب- الخلاف حول المفاهيم:
إن أكثر الباحثين العرب يَغِلبُ عليهم في وضع مصطلحاتهم العلمية، من اللغات الأجنبية عبر عمليات نقل حرفي لمصطلحات أجنبية، ومن دون وعي بأصول بعضها وبلغ سلطان هذه المعايير على هؤلاء درجة أصبحت محلها ألفاظهم أشكالاً منقطعة الصلة بدلالاتها اللغوية وفاقدة لأسباب الإنتاج والتغيير في الفكر العلمي[17]. ومن هنا تصادمت أفكار "عبد الرحمن طه" مع المفاهيم التي أشاعها دُعاة الحداثة على امتداد الوطن العربي؛ ووقع في خلاف عميق مع أسماء كثيرة بسبب بعث المفاهيم، وعلى رأس هاته المفاهيم نذكر منها مفهوم "الحداثة" ومفهوم "العقلانية".
- أولاً: الخلاف حول مفهوم الحداثة
ذكر "عبد الرحمن طه" أن هذا المفهوم تطور في الأقطار الأوروبية، وكان مرادفاً لمفهوم التنوير، وعرف طريقه إلى الجمود حين نقل إلى المجال التداولي العربي؟!إذ ظل الحداثيون من مثقفي العرب «لا ينفكون يرددون بشأنه في سياقه العربي الجديد ما علموا من أوصافه وأطواره في مجاله الأصلي[...] لتسلميهم بمبدإٍ منقولٍ هو الآخر، وهو "مبدأ التاريخ الإنساني الكلي"[18]، فقد انخدعوا "بالحداثة" وجعلوها سبب الارتقاء بالإنسانية و«توهموا أنها واقع لا يزول، وحتمية لا تحول، و أنها نافعة لا ضرر فيها، وكاملة لا نقص فيها»[19]، رغم اختلاف مبادئ "الحداثة" وخصائصها إسلامياً عن مبادئ "الحداثة" وخصائصها عند الآخر. وقد ذكر"عبد الرحمن طه" هاته المبادئ والخصائص في مؤلفين الأول: (روح الحداثة، مدخل لتأسيس الحداثة الإسلامية)، والثاني: (الحداثة والمقاومة)[20]. حيث ربط بين هذه المبادئ ودور القيم الإسلامية في درء آفات "الحداثة الغربية".
- ثانياً:الخلاف حول مفهوم القطيعة الإبستيمولوجية
إن مفهوم القطيعة الإبستيمولوجية في تصور "محمد عابد الجابري" جعله يُتهم في عدة نقاشات "بالشوفينية" والتعصب للمغرب، أثناء حديثه عن فلسفة "ابن رشد" العقلاني وفلسفة "ابن سينا" الغنوصي، والقطع بينهما كان من زاوية ابستمولوجية محضة.
كما يتناول مشروع "محمد عابد الجابري" نقد "العقل" وسؤال النهضة كموضوع « كان يجب أن ينطلق القول فيه منذ مائة سنة، فنقد "العقل" جزء أساسي من كل مشروع للنهضة [...] وهل يمكن بناء نهضة لعقل غير ناهض، عقل لم يقُم بمراجعة شاملة لآلياته ومفاهيمه وتصوراته ورؤاه؟»[21]. ومرجعية "الجابري" في اعادة كتابة التاريخ الثقافي العربي هو الفيلسوف "كانط" والفيلسوف "غاستون باشلار"، فالأول من خلال كتابه (نقد العقل الخالص)، والثاني من خلال كتابه (تكوين العقل العملي) المصطلح على تسميته بـ"الابستمولوجيا"[22].
وعليه فإن "عبد الرحمن طه" أعترض على "الجابري" حينما لم يقم بتمحيص إجرائية بعض المفاهيم التي أشتغل بها في مشروعه النقدي مثل "العقلانية"، فاستنكاف "الجابري" عن النظر في الآليات جعله يلقى اعتراض "عبد الرحمن طه" على المفاهيم المنقولة التي استثمرتها "الجابري" في بحثه مثل: "القطيعة، النظام المعرفي، البنية، اللامعقول والاكسيومية وغيرها؛ وقد انعكس مفعول هاته المفاهيم سلبياً بما لا يوافق بنية التراث في كليتها.
فهذه المفاهيم والآليات حسب "عبد الرحمن طه" وضعت في أصلها لموضوعات مغايرة لموضوع التراث وعلى مقتضى شروط مُخالفة لشروطه، فيكون إنزالها على التراث من غير ممارسة النقد عليها سبباً في التصرف فيه بغير أحكامه اللازمة له[23].
- ثالثاً: الخلاف حولمفهوم العقل و العقلانية
يعتقد "عبد الرحمن طه" أن "أركون" يتبنى المفهوم السكوني للعقل والممارسة العقلانية، المفهوم الذي يجمد العقل ضمن نموذج وإطار مرجعي متأثراً بدوره بنظرية "العقل" عند اليونان باعتباره جوهراً قائماً بالإنسان يفارق به الحيوان ويستعد بواسطته لتلقي المعرفة[24]؛ وقد اعترض "عبد الرحمن طه" عن هذا المفهوم عند "أركون" قائلاً: «كان من الأجدى والأقوى[...]الاستناد إلى التصور الوظيفي والتحولي الذي يقضي بأن تكون "العقلانية" فاعلية إدراكية لا جوهراً ثابتاً، وأن الفاعليات الإدراكية بدورها تختلف باختلاف الزمان والمكان والمعايير والمقاصد التي تواجهها، وما المفهوم الغربي للعقل وما إنتاجاته سوى تجلٍ من تجليات "العقلانية" الوظيفية والتحولية»[25].
كما يعترض "عبد الرحمن طه" على "أركون" في ما ذهب إليه من أن الحدود والمسافات بين العقلانية واللاعقلانية كبيرة جداً. فالعكس هو الصحيح في نظر "عبد الرحمن طه". حيث أن تلك الحدود والمسافات قد زالت تماما في ضوء تراجع العقلانية كما صاغتها ثقافة القرن التاسع عشر الميلادي، وظهور لا عقلانية في مجالات التصوف والأسطورة والتفكيرات اللاعلمية[26].
وما يمكن الإشارة إليه أيضاً، هو اختلاف "عبد الرحمن طه" عن غيره في مسألة العقل في الفكر الإسلامي العربي، من حيث اعتبار "العقل" على خلاف ما جرى به الاعتقاد، ليس ذاتاً قائمة في الإنسان، وإنما هو فعل من الأفعال يصدر عن الإنسان، كما يصدر عنه السمع والبصر والكلام[27]. وبهذا لا يكون للعقل معنى واحد بل معانٍ متعددة، كما أن هناك حدود لدعوى شرعانية "العقل الإسلامي"، وإن المباحث الفكرية حول "العقل" في الخطاب العربي المعاصر تشترك في رفع دعاوٍ تميزت بالقول بوجود عقل خاص بالتراث العربي والإسلامي، ووقوف هذا "العقل" الخاص حائلاً دون قيام التراث بأسباب العلم والتقدم، ما دفع "عبد الرحمن طه" إلى القول بضرورة تجاوز هذا "العقل"، والأخذ بغيره[28].
إن وضع حدود لشرعانية العقل الإسلامي والقول بعقلانية خاصة بالتراث، ترتب عنه تصورين أساسين هما:
- أولاً: أصحاب تصور العقلانية الخاصة بالتراث يصفون "العقل" العربي بالصورة البيانية، و"الجابري" على رأس هؤلاء.
- ثانياً: أصحاب تصور شرعانية العقل الإسلامي يصفون "العقل" بالصورة الشرعانية و"أركون" على رأس هؤلاء.
لذا انتقد "عبد الرحمن طه" "أركون" في القول بشرعانية "العقل الإسلامي"، حيث يرى إن قول "أركون" بالصفة "الشرعانية للعقل الإسلامي" راجع إلى تأثره بالإنتاجية المنهجية التي بلغتها العلوم الإنسانية المعاصرة في الغرب مثل "التحليل اللغوي، والمنهجية النشؤية الجينيالوجية، والملاحقة الاركيولوجية لأصول الأشياء، والتحليل النفسي للمعرفة، والتفكيك...على اختلاف فروعها، وتعدد مجالاتها هذا التأثر أخرج خُلاصات معرفية تميز مشروع "أركون" كله، نذكرها فيما يأتي:
- تمييز "أركون" بين مكونات النظر الإسلامي ومكونات النظر الحديث.
- مقابلة "أركون" بين خصائص الخطاب القرآني، وبين معايير "العقلانية"، مع الاحتكام في تقويميه هذه الصفات القرآنية إلى "العقلانية" دون الاحتكام إلى القرآن نفسه.
- اعتبار "أركون" مذاهب الفقهاء ومدارس المتكلمين مجرد حركات تساند تناحر الجماعات السياسية للهيمنة في مجال السلطة من جهة و تساهم في التنكر لمقتضيات التاريخ من جهة أخرى، سواء ما تعلق منه بتعاقب الأحداث، أو ما ارتبط بتجدد أحوال الإنسان.
- إنكار "محمد أركون" ما قام به الفكر الإسلامي من توجيه ديني لتصوراته وأنساقه النظرية[29].
فمنهج "أركون" في قراءته للتراث الإسلامي يقوم على الدمج بين المعرفة والسلطة باعتبارهما وحدتي تحليل ونقد تاريخي للإنتاجية المعرفية التراثية الإسلامية. و"العقلانية" في المنظور التداخلي جملة من المناهج التي تتسم بالفعل والمفاعلة في تحصيل المعرفة من هنا لم تعد شرعانية "العقل الإسلامي" التي أدعاها "أركون" معوقاً معرفياً، بقدر ما تعبر عن سلوكه لمنهج "تلفيقي" لا "تحقيقي"، وغير علمي، إضافة إلى كونه ألغى الشرعانية الاسلامية ليسقط في شرعانية أخرى[30].
وعليه ليس صحيحاً فصل (الجابري ، وكذلك أركون) بين ما هو عقلي وما هو ديني ذلك أن كثيراً مما يعتبر مكوناً ذاتياً للنظر العقلي، يتبين - بعد إمعان النظر فيه- أنه مستمد من معان دينية صريحة.
*ثانياً: الانتقادات المُقدمة لمشروع "عبد الرحمن طه" الفلسفي:
يرى الباحث المغربي "عبد النبي الحري" بأنه لا نكاد نجد جديد عند "عبد الرحمن طه" في قراءته لتراثنا الفلسفي سوى أنه أستبدل التسمِيات مع المحافظة على نفس المُسميات وهي: العقل المجرد(=البرهان)، والعقل المسدد(=البيان)، والعقل المؤيد(=العرفان)، كما عمل من خلال "نظرية التكامل المعرفي" - القائمة على فكرة "التداخل المعرفي" - على إسقاط ادعاء "الجابري" ببرهانية المشروع الأصولي الصوفي "للشاطبي"، من خلال بيان أثر "علم الأخلاق" على "نظرية المقاصد" عند "الشاطبي"، كما يتعدى السعي هنا إلى تقويض برهانية "ابن رشد" نفسه من خلال مقاربته "للتداخل المعرفي" الخارجي من خلال بيان أثر "علم الكلام" في فلسفة أبي الوليد[31]. وإذا كان هذا المدخل هو الذي بنى عليه -عبد الرحمن طه- أفكاره في نقد الحداثة، فإنه قد تسبب في تقديم جملة من الانتقادات مست مشروعه الفلسفي في جوانب عدة، نشير إليها كما يلي:
أ- انتقادات على مرجعية فكرة الحداثة:
إن مرجعية مقولة "الحداثة" عند "عبد الرحمن طه" قد استثمرها« من الفيلسوف الألماني "يورغن هابرماس"، لكنه أعاد إبداعها حسب منظوريته، عندما أراد أن يجد لها تجلياً من داخل المجال التداولي العربي الإسلامي»[32]، وعليه فإن مقولة "عبد الرحمن طه" عن "الحداثة" إنها مشروع ناجز غير مكتمل، هي مقولة منقولة، وليست مقولة مأصولة فالفيلسوف الألماني "هابرماس" هو من ميز بين فكرة "الحداثة" وروحها في كتابه (القول الفلسفي للحداثة)، « وقصد بها إنقاذ تراث الأنوار وقيم التنوير الفلسفي من المُساءلات التدميرية بخاصة لدى "فوكو"، و"جيل دلوز"، و"جورج باطاي"، و"موريس بلانشو" وغيرهم"، وأدخل "هابرماس" قسمة ثنائية بين "الحداثة" أفرزت عقلاً همه النجاعة والفعالية»[33].
ب- انتقادات على مواقفه من الأشخاص:
كما يَنْعِتُ الباحث المغربي "يوسف بن عدي" موقف "عبد الرحمن طه" من "ابن رشد" بالإيديولوجي، لأنه لم يقف عند حد أن "ابن رشد" كتب لغيرنا بلغتنا، «بل أنه سيخلع عباءة الباحث، والناقد المنطقي، واللساني، وسيغادر أرض الحوار الفلسفي العقلاني، من أجل الوقوف على أرضية ايديولوجية واضحة، تُقيم قريباً من "أبي حامد الغزالي"، وتنهلُ من مَعين انتقادات "تقي الدين ابن تيمية" "لابن رشد"، دون أن تصرح بذلك، مع فارق كبير وهو: أن "ابن تيمية" خلُص من نقده "لابن رشد" إلى أنه أقرب فلاسفة الإسلام إلى الإسلام بينما أعتبره "طه عبد الرحمن" أبعدهم عن الإسلام!»[34].
ت- انتقادات على المنهجية المتبعة في تقويم التراث:
1- انتقاد "عبد الرزاق بلعقروز":
يرى الباحث الجزائري "عبد الرزاق بلعقروز" أن "عبد الرحمن طه" «لا يعطي قيمة كبيرة "للحس التاريخي"، أو الأثر الزمني في تكوين الأفكار والمفاهيم، ففي الوقت الذي يُقحم فيه "الحس التاريخي" في قراءاته ونقده للتراث المعرفي الغربي، ويكشف لنا عن نسبيته ومحدوديته، نجده يستبعد هذه الآلية تماماً في تقويمه للتراث المعرفي الإسلامي ويضفي عليه أشكالاً من المعصومية مغلفة بصرامة منطقية وإحكام صوري»[35].
كما يؤكد صاحب كتاب(المساءلة النقدية للحداثة والعولمة في مشروع طه عبد الرحمن الفلسفي) أن هناك ثغرة في منهجية "عبد الرحمن طه" على مستوى الكتابة بصفة عامة في مؤلفاته، فهو يقوم بتقسيم المقسم وتجزئة المجزأ، حتى أن القارئ لنصوصه يتعذر عليه المتابعة الدقيقة لتحليلاته، هذا فضلاً على المرجعية الصوفية المستنبطة في مقارباته التي يريد أن يُخرجها لنا مخرجاً جديداً غير عابئ بتاريخيتها ولا بإهمالها للسنن الاجتماعية الكونية، التي تتكامل فيما بينها مشكلة "المنهج المتكامل" في فعل البناء والتعمير. فاختزال بناء الإنسان في البعد الروحي "نظرة تجزيئية" أثبت لنا التاريخ كيف تحولت اتجاهاتها إلى كيانات معرفية وثقافية متنافرة، في حين أن ميزة البناء الحضاري تكمن في التركيبة التكاملية أو البنائية المتوازنة[36].
2- انتقاد "ابراهيم مشروح":
كما نلمس نقداً آخر "لعبد الرحمن طه" من أحد معاصريه، الباحث "ابراهيم مشروح" الذي يعتبر تداولية "عبد الرحمن طه" المجاوزة لمشروع "الجابري"، ومنه "أبن رشد" ليست « سوى مقصلة تقمع كل انفتاح معرفي رشدي على الإنتاج الفكري الإنساني»[37]؛ هذا ويضيف الباحث "ابراهيم مشروح" إن الثمرة التي تنافح عن مشروعية "حداثة إسلامية" ما تزال مُحتاجة إلى إنضاج أكبر، بحيث ينبغي أن تستند إلى "المشترك الإنسي" أكثر من استنادها على المنطلق العقدي بمفرده وهو منطلق وإن رسخ اعتقاد المسلم به فقد لا يُسلِّم له به غيره[38]. هذا بالإضافة إلى إن فكر "عبد الرحمن طه" رغم مسعاه الفكري الإيجابي يبقى في نظر "ابراهيم مشروح" «فكراً جدلي مُناظر مُنشَدّ إلى أصول ثابتة تجعله فكراً مجتهداً يجيب عن أسئلة زمانه في نطاق ومنطق مرجعيته الإسلامية، وهو لا يخفي هذه المسلمات التي لم تُرْضِ، في كثير من الأحيان المثقفين والمفكرين من أهل النظر الفلسفي العربيّ؛ وهذا يدل على أن الفكر العربي المعاصر ما يزال يشهد مخاضاً عسيراً، وحده المستقبل كفيل بإبراز منعطافاته المحمودة أو منقلباته المذمومة»[39]. كما ذكر "ابراهيم مشروح" نقاط تأييد لمشروع "عبد الرحمن طه" الفلسفي، سيأتي البحث على ذكرها لا حقاً.
ث- انتقادات على مستوى الأحكام:
1- انتقاد "عبد النبي الحري":
يرى الباحث المغربي "عبد النبي الحري" أن حكم "عبد الرحمن طه" على "ابن رشد" «لا يختلف في نظرته "للفلسفة الإسلامية" عن عدد من المستشرقين الذين يعتقدون أنها لم تضف جديداً على ما قاله فلاسفة الإغريق، بل أنه يلتقي مع خصمه اللدود "محمد عابد الجابري" الذي يعتقد أن المحتوى المعرفي "للفلسفة الإسلامية" هو مجرد اجترار وتكرار لِمَا جاء به حكماء اليونان»[40]. "فعبد الرحمن طه" يبرر نظرته هاته بقوله: «أن "ابن رشد" لم يكتب لنا، بل كتب لغيرنا بلغتنا، فكما بدأت الفلسفة غريبة في الشرق الإسلامي، أعادها "ابن رشد" أكثر غُربة في العالم الإسلامي!»[41].
كما يُعاتب "عبد النبي الحري" "عبد الرحمن طه" على إصداره حكماً مُطلقاً في حق كل من سبقه من العرب والمسلمين، متمثلاً في نزع فضيلة التفلسف عنهم ونعتهم بالمقلدة سواء كانوا قدماء أم محدثين، لأنهم - في نظره- مجرد مُقلدين للفلاسفة اليونانيين القدامى أو الفلاسفة الأوربيين المحدثين، وهنا يتساءل صاحب الكتاب أيضاً عن مكانة الفيلسوف "عبد الرحمن طه" نفسه من بين هؤلاء المفكرين العرب الذين نعتهم بالمقلدة؟ هل ينطبق عليه ما ينطبق عليهم من تبعية فلسفية لـ "الآخر الأجنبي" أم يعتبر نفسه الوحيد الذي نجا من آفة التقليد المزمنة في فكرنا الفلسفي[42]. هذا في ظل الحكم القائل أن المشروع الفكري لـ"عبد الرحمن طه" ليس في حقيقة الأمر إلا مشروع "محمد عابد الجابري" مقلوباً، فما يقوم المفكر "محمد عابد الجابري" بالإعلاء من شأنه، يقوم "عبد الرحمن طه" بالحط من قيمته والعكس بالعكس[43].
هكذا قدم المفكر "محمد عابد الجابري" "الرشدية" في مشروعه الفكري كمخرج من التقليد ومفتاحاً للتحرر والتجديد، في الحين نفسه قدم "عبد الرحمن طه" تركيباً بين الغزالية و الخلدونية من شأنه إنقاذ الفلسفة العربية الإسلامية المعاصرة من التقليد الفلسفي، وتحقيق الإبداع الفلسفي القائم على التكامل بين البرهان والعرفان، أو بين النظر والتطبيق.
ج- انتقادات على مستوى قراءة "عبد الرحمن طه" للتراث العربي الإسلامي:
1- عبد النبي الحري:
يضيف الباحث المغربي "عبد النبي الحري " انتقاد على مستوى قراءة "عبد الرحمن طه" للتراث العربي الإسلامي، مفاده أن قراءة "طه عبد الرحمن" لهذا التراث سقطت في الفكرانية -الإيديولوجية- كونه «يُفاضل بين مفكري الإسلام، فينزل "ابن رشد" المرتبة الأدنى، ويُبوئ "ابن خلدون" المرتبة الأعلى، بينما يضع "الغزالي" في المنزلة بين المنزلتين، وما ذلك إلا لتشبت هذا الأخير مثل "ابن رشد" بالمنطق الأرسطي، وبهذا يقع في القراءة الفكرانية – أي: الإيديولوجية- التي عاب على "الجابري" اتباعها»[44].
2- ناصيف نصار:
رغم المسلك الذي سلكه "عبد الرحمن طه"، فإنه لم يسلم من الانتقاد أيضاً، حيث سجل المفكر "ناصيف نصار"* (1940م- ) على "عبد الرحمن طه"« أنه يُوجه نقداً لاذعاً "لابن رشد" من موقع قريبٍ جداً من "أبي حامد الغزالي"، وهو بذلك يُلمح إلى اقتراف صاحب دعوى "القراءة التكاملية" للتراث "لآفة القراءة التفاضلية" من خلال مفاضلة بين الرشدية والغزالية والانحياز إلى جانب الثانية في مواجهة الأولى واختيار الخلدونية من أجل تجاوزهم معاً»[45]، بالإضافة أيضاً إلى الوقوع في "آفة التجزيئية" ممثلة في أن "عبد الرحمن طه" في قراءته للتراث اللغوي المنطقي الإسلامي وقف عند تجزئة التراث إلى ثلاثة نماذج وهي: نموذج تكوثر القول الفلسفي عند "ابن رشد"، وتكوثر المضمون عند "أبي حامد الغزالي"، وتكوثر المنهج العلمي عند "ابن خلدون".
وفي تحليل "عبد الرحمن طه" لهذه النماذج لجأ إلى آليتين اثنتين طالما آخذ غيره من المنشغلين بالتراث العربي الإسلامي على اللجوء إليهما، وهما آلية المفاضلة من جهة، والاستفادة من الآليات المنقولة من الثقافة الغربية من جهة أخرى[46].
ح- انتقادات على علاقة الفلسفة بالخصوصية والكونية:
1-انتقاد "يوسف بن عدي":
أما من حيث علاقة الفلسفة بالخصوصية والكونية التي تناولها "عبد الرحمن"، يرى الباحث المغربي "يوسف عدي" أنه لم يقدم حلاً لهاته المشكلة المعرفية، بل أبدل الصراع القومي محل الصراع الإيديولوجي للفلسفة- بل تصبح أقرب إلى الذاتية من الإيديولوجية- حيث يعتقد الباحث "يوسف عدي" إن مهمة الفلسفة أجل وأرفع من هذا الصراع كطريق يسعى إلى معرفة اليقين أو الحقيقة الشاملة[47].
2- انتقاد "ناصيف نصار":
في نفس النقطة السابقة، يُضيف المفكر "ناصيف نصار" منتقداً "عبد الرحمن طه" قائلاً: «لا يمكن الحديث عن الخصوصية إلا في إطار الكونية، كما لا يتصور وجود الكونية إلا في إطار تعددية الخصوصيات، وبالتالي فلا يمكن التفلسف في المجال التداولي العربي، كما في غيره من المجالات التداولية إلا على أساس جدلية الكونية والخصوصية [...] وحينما يرفض "طه عبد الرحمن" هذه الجدلية بحجة الدفاع على أصالة المجال التداولي العربي فإنه يحكم على هذا المجال بالانعزال والتخلف»[48]. فإذا كان "ناصيف نصار" قد جعل الفلسفة الاسلامية في استقلالها منفتحة على الآخر، فإن العكس نجده بالنسبة لـ"عبد الرحمن طه" الذي اعتبر الانغلاق على الذات أساس هذا الاستقلال.
هذا ويضيف الباحث الجزائري "جلول مقورة" في دراسته التي تناولت قضية فلسفة التواصل في الفكر العربي المعاصر، عند كلٍ من: طه عبد الرحمن وناصيف نصار بين القومية والكونية، رأي آخر يصب في الموقف من الكونية والخصوصية، حيث رأى «أن فلسفة التواصل عندهما كانت ضمنيّاً ولم تكن تصريحاً، فقد بدأت عند طه عبد الرحمن قومية وانتهت كونيّة، فيما بدأت كونيّة عند ناصيف نصّار وانتهت قومية، وهي تعكس جدليّة القومي والكوني داخل المجال الفلسفي التداولي العربي»[49].
خ- انتقادات على علاقة الترجمة بالحداثة:
1- انتقاد "محمد سبيلا":
إذا أتفق الدارسون لنصوص "عبد الرحمن طه" على تسمية الانغلاقية في محراب التراث بشكل جعله ينتقل من نقده إلى تبجيله، فقد ذهب الباحث المغربي "محمد سبيلا" إلى «أن قراءة التراث من خلال ابستمولوجيا ذاتية مستقاة من التراث نفسه ربما كانت أقل من قراءة، إنها إطراء وتمجيد وامتداح لهذا التراث من خلال صورته عن نفسه، قد يسقط في نوع من النرجسية المعرفية التي تخدم وتدعم الوعي الذاتي المتطابق مع نفسه»[50]. وهذا الكلام مفاده دعوى إلى انفتاح القراءة التراثية على مناهج الآخر بأشكالها المتعددة، فربما تكشف ما هو غير مكشوف للقارئ بآليات منهجية تتصف بـ "الانغلاقية".
كما يعتبر الباحث "محمد سبيلا" أن "عبد الرحمن طه" خلط بين مفاهيم الترجمة والتعريب «فـ "الترجمة العلمية"، من حيث دقتها وأمانتها هي أقرب ما تكون إلى الصنف الأول أي "الترجمة التحصيلية"، أما النوع الأخير فهو تحرر كامل من النص وإبداع خارجه، إنه ليس "ترجمة علمية" أمينة يتولى فيها المترجمون، بأمانة ودقة نقل النصوص الفلسفية العربية إلى لغة الضاد، حتى تتوفر المكتبة العربية أولاً والثقافة العربية ثانياً، على النصوص الفلسفية الأساسية في الفكر العالمي، إذ بدون هذه الخطوة الأولى لا قيام لإبداع فلسفي عربي، ولا حتى لمجرد "فلسفة عربية"»[51].
فأصبحت صيغة "الكوجيتو" صيغة المخاطب بعدما كانت صيغة المتكلم، فصارت أقرب إلى المثل السائر منها إلى المقولة الفلسفية وللعلم لم ينف "عبد الرحمن طه" الاعتماد على "الترجمة التحصيلية" و"التوصيلية"، لأنهما تُقدمان نفعاً للمتلقي، فالأولى تمكنه من معرفة الطرق التعبيرية والأساليب اللغوية التي أنبنى عليها النص، والثانية تكشف له مضامين هذا النص؛ لكن لا يجب التوقف عند هذه الترجمات والاقتصار على ما تقدمه لأن ذلك يورث التقليد. لذا لا بد من الانتقال إلى "الترجمة التأصيلية" حتى يتمكن المتلقي من استيعاب المنقول وفهم مضامين المضامين التي توافق عاداته اللغوية والمعرفية، وهذا ما يسمح ببروز الخصوصية الثقافية للمُتلقي في النص الفلسفي المنقول[52].
2- انتقاد "علي حرب":
رفض المفكر "علي حرب" التأويل الطاهوي التداولي "للكوجيطو" الديكارتي القائم على إعادة تصحيحه، ليتطابق مع الكليات التداولية للمجال التداولي العربي الإسلامي، حيث أن الغاية عند "ديكارت" معرفية، بينما الأمر عند "عبد الرحمن طه" وجودي، فصيغة "هذا الأخير "أنظر تجد" تتضمن إقراراً بأن الإنسان كائن مخلوق أوجده غيره، مما جعل المفكر "علي حرب" يحكم على هاته القراءة بأنها "قراءة دينية" محضة، الفرق بينها وبين صيغة "ديكارت"، أن «الصيغة الديكارتية تصدر عن كائن يضع وجوده عبر مماثلة لفكره، وهنا يكمن مصدر الجدة والأصالة لدى "ديكارت"، أما ترجمة "طه عبد الرحمن" فإنها تستعيد العلاقة القديمة بين الفكر والوجود، فلا هي تصف ممارسة فكرية جديدة ولاهي تفتح علاقة مغايرة مع الوجود، ولهذا فهي تخلو من الجدة، ولا أثر فيها للاستنباط لا من جهة الحدس ولا من جهة الاستدلال»[53].
3- انتقاد "فؤاد بوعلي":
لقد قدم "فؤاد بوعلي" نقده "عبد الرحمن طه" على الحكم المطلق الذي أطلقه على الإنتاج الفلسفي العربي قديماً وحديثاً، والذي مفاده «أن القراءات الحداثية للنص الطاهوي تنطلق ليس من تفكيك للخطاب، بل من ابجديات النقد التي قدمها للتفلسف العربي القائم على التقليد، وليس الإبداع سواء في انبثاقه أو في لحظة الاستئناف الحديثة»[54]. فهو يعتبر هذا النقد نوعاً ما متطرفاً بدليل أصالة الفكري الفلسفي عند بعض الفلاسفة المُنتسبين إلى الإسلام جغرافياً أو عقدياً.
*مشروع طه عبد الرحمن بين الاستحالة والإمكان:
إن قراءة بعض الكتابات المتراصفة حول مشروع "عبد الرحمن طه" الفلسفي جعلتنا نتبين موقفان واضحان وبارزان، موقف يرى استحالة تطبيق هذا المشروع الفلسفي، أما الموقف الثاني يقول عكس الأول بإمكان تحقيقه؛ والغاية من هذا التصنيف تسهيل تقييم هذا المشروع من ناحيتين: الأولى علمية، والثانية منهجية.
أ - تأملات في استحالة تطبيق مشروع "عبد الرحمن طه":
لقد مثلت هذا الرأي في الفكر الإسلامي المعاصر عدة قراءات لمشروع "عبد الرحمن طه" الفلسفي، مثل قراءة كُلاً من:(علي حرب- محمد سبيلا- فتحي المسكيني- عبد الرزاق بلعقروز- عبد الجبار الرفاعي- هاني إدريس- عبد الله العروي):
1- انتقاد "علي حرب":
يقرر "علي حرب" أن امتلاك العدة المنطقية لا يكفي لممارسة العمل الفلسفي، لأن شرط الدخول إلى حقل الفلسفة هو امتلاك المرء القدرة على التحرر من أي رأي، أو قناعة، أو معتقد. وبين أن خطأ "عبد الرحمن طه" يكمن في مسألة "الترجمة التأصيلية" الخاصة بترجمته "الكوجيتو" الديكارتي"أنا أفكر إذن أنا موجود"، "Je pense donc je suis " بالصيغة "أنظر تجد" التي تجري في اعتقاده مجرى المواعظ والحكم والأمثال السائرة. واصفاً أيها بالهزال والخلو من الجدة، وأنها تستبعد الفكر بعد أن تستبعد الضمير وتحول الكوجيطو من قول غني ومركب، يفتح الحداثة الفلسفية، إلى مجرد موعظة حسنة بل إلى مجرد أمر يحتاج إلى التنفيذ لا إلى التفكير[55].
2-انتقاد "محمد سبيلا":
يعترض الباحث "محمد سبيلا" (1942 م- ) «على المقاربة الطهائية في شقها البديل للشق التجزيئي، والمنزع الإيديولوجي المُسيس، فهي دعوة إلى إقامة ابستمولوجيا ذاتية مُستقاة من التراث ذاته، وكأن الطريق الأمثل إلى فهم التراث هي المرآة الداخلية للتراث ذاته[...]»[56]، هذا ما كان سبباً في إثارة جملة من التساؤلات عن مدى علمية دعوة قراءة وتقويم التراث انطلاقاً من مرآته الخاصة عند "عبد الرحمن طه".
3- انتقاد "فتحي المسكيني":
ينطلق الباحث التونسي "فتحي المسكيني"*(1961م- ) في مؤلفه (الهوية والزمن، تأويلات فينومينولوجية لمسألة النحن) من نقد "العقل الهَوَوِي" بالانتقال من السجال الانثروبولوجي والثقافي حول الهوية إلى الاستشكال الفلسفي الصناعي لمسألة الهوية، وذلك دون تأسيس لمعنى الهوية على نموذج "الذاتية" الحديثة"، كونه انطلق من سؤال: كيف نطرح سؤال، من نحن؟ بوصفه سؤالاً فلسفياً صارماً، هذا ما جعله يحمل المثقف- الذي هو نحن- مسؤولية اتجاه ثقافته اللاهوتية في موقف من "الحداثة"، حيث يقول:« على المثقف الذي هو نحن أن نحترس احتراساً شديداً من عودة المكبوت اللاهوتي للثقافة العربية الاسلامية، فإن عديد المثقفين رغم قوة إرادة المعرفة التي تحركهم (مثل طه عبد الرحمن)، ما يزالون يستمدون خطط إشكاليتهم من الطمع في بناء علم كلام معاصر»[57]. وذلك يعني أن "عبد الرحمن طه" يؤسسون لمسألة "الحداثة" من موقف يتأسس على تصور ماضوي يقع خارج الإمكان التاريخي والزمني للأمة حالياً.
وفيما يتعلق "بترجمة الكوجيتو"، فقد رأى -"المسكيني" - أن ذلك يُحَول-"عبد الرحمن طه"- إلى فيلسوف المِّلة، فسرعان ما يفقد الكوجيتو الديكارتي أحد مكاسب "الحداثة" بوصفه حدثاً فلسفياً ومدنياً جذرياً في ترجمته للغة البراديغم التداولي للمِّلة، كما يشير إلى إن عبارة "أنظر تجد" عبارة خطابية قد عثر عليها –عبد الرحمن طه- في صيغة أولية في كتاب (أسرار البلاغة) "للجرجاني"[58].
ومن جهة أخرى يعتبر "فتحي المسكيني" أن موقف العرب المعاصرين من "الحداثة" يمكن تقسيمه إلى نمطين من "الدهشة"، «أحدهما، "لاهوتي"، وهو لايزال مسيطراً ليس فقط على عُلماء المِّلة، بل على شطر غير يسير من مثقفيها أيضاً، وما كُتب "عبد الرحمن طه" إلا عارضاً خطيراً على ذلك؟ أما النمط الثاني فهو "استطيقي" يقوم على احتفاء فني وأخلاقي بالحداثة، بوصفها ضرباً من التقدم الروحي الذي يجدر بنا أن نبشر به، وهو ديدان غالبية أدباء التحديث من مدرسة المهجر إلى مثقفي الجامعات منذ الثمانينات»[59]. بمعنى إن موقف "عبد الرحمن طه" لا يخرج عن موقف "جمال الدين الأفغاني" في مؤلف (الرد على الدهريين) كعلامة حادة على "دهشة لاهوتية" من "الحداثة" تنظر بوصفها لا تعدو أن تكون دهرية جديدة.
كما يرى الباحث "فتحي المسكيني" أن "الدهشة" المأمولة "دهشة فلسفية" أصلية بوصفها تجعل من "الدهشة التقنية"- المنتجة لمعنى كلي لشروط إنسانية الإنسان[60]- مدخلاً "للدهشة الفلسفية". وبهذا المعنى لا يمكن أن نعُد مشروع "عبد الرحمن طه" مشروعاً فلسفياً يتقدم بنا إلى الأمام بقدر ما هو تنظير إيديولوجي يعود بنا إلى الوراء، وما يُفرز هذا الاعتبار هو احتكام الظاهر في مؤلفات "عبد الرحمن طه" إلى العناصر التداولية خاصة العقدية في تعامله مع نتاج "الحداثة الغربية".
4- انتقاد عبد الرزاق بلعقروز:
إن الباحث الجزائري "عبد الرزاق بلعقروز" ينطلق في نقده لمشروع "عبد الرحمن طه" الفلسفي من عبارة "تأصيل المفاهيم" ملاحظاً بأنها لا تُعبر عن حقيقة هذا المشروع. لأن صاحبه في اشتغاله على المفاهيم العامة يرى أننا إما أن ننشئ مفاهيمنا ابتداءً، وإما أن نعيد إبداع المفاهيم المنقولة حتى تبدو وكأنها من ابداعنا ابتداءً، وهذا ما طبقه "عبد الرحمن طه" في تخريجه لواقع الحداثة الغربي، وكانت الثمرة إدخال ثنائية جديدة إلى فضاء الاشتغال الفلسفي العربي هي: ثنائية الحداثة باعتبارها واقعاً غربياً متحققاً؛ و"روح الحداثة" باعتبارها المبادئ الأساسية الموصوفة بالكونية "مبدأ الرشد- مبدأ النقد- مبدأ الشمول" لا تأصيل المفاهيم بخاصة أن "عبد الرحمن طه" قد هجر مفردة التأصيل بصورة نهائية، واستبدلها بمفردة التأثيل[61].
أما المقاربة الطهائية بخصوص ما تعلق منها بجدلية الكونية والقومية في الفلسفة وبرغم الإقرار الفلسفي بتراجع مقولة الكونية الفلسفية في الخطاب الفلسفي المعاصر، يقول "عبد الرزاق بلعقروز": « أن ذلك ليس حجة كافية لتحويل التفكير ضده إلى مناظرة كلامية، فهشاشة أطروحة الكونية اليوم ليس مناسبة لبناء علم الكلام المعاصر، بل لخوض تأصيل فلسفي عالمي بالعربية من أجل كونية جديدة[...]»[62]. وهذا يعني أكثر من دلالة، أقلها لا يمكن أن تكون كونية الفلسفة أحد موضوعات علم الكلام المعاصر، لأنها بالمعنى الذي يُقدمها به "عبدالرحمن طه" قد تحمل - في رأي الباحث "عبد الرزاق بلعقروز"- معنى الانغلاقية الفكرية المتعصبة لكل معاني الذاتية اللغوية والعقدية والمعرفية.
وفيما يخص الدفاع الكلامي عن انعدام أطروحة الكونية الفلسفية عند "عبد الرحمن طه" الذي يعتقد "عبد الرزاق بلعقروز" موقفه لئن كان ينطوي على اجتهاد منهجي وإرادة تأصيل عالية، فهو لا يؤدي في سره الرومنسي إلا إلى هيئة "المسلم الأخير" الذي قرر تغيير قبلة العالم بموته الخاص، باعتبار أعماله قائمة على ربط الفلسفة بفضاء اللاهوت الإسلامي الذي يصُب في أسقاط الفلسفة في بديل مُغاير لَمَا أراد إنقاذها من التهويد الخفي للعقل المعاصر[63].
كما يمكن إيجاز انتقادات أخرى قدمها الباحث "بلعقروز عبد الرزاق" لـ "عبد الرحمن طه" فيما يلي:
- في البداية يرىأن مشروع "عبد الرحمن طه" يعبر عن "الحداثة الرقائقية"، حيث بدا له أنه وقع فيما عمل على هدمه، وفيما ظل يُحاربه، لأن "الحداثة" ليست مسلكاً معنوياً أخلاقياً فحسب، وإنما هي مركب من مبدأ أخلاقي وذوق جمالي، ومنطق عملي وصناعة، هذا المركب يتحرك بمنهج تكاملي ومتوازن، ولأنه لدينا نماذج من تاريخنا الإسلامي ركنت إلى التربية الأخلاقية منفصلة عن دوائر الحياة الأخرى، فاستحالت إلى كيانات معرفية متنافرة تأبى الاندماج، وبعضها انتهى إلى التأويل الخُرافي لبعض مشكلات الحياة الإنسانية[64].
- أن التاريخ يبدأ ويتحرك بالإنسان المتكامل، الذي يطابق دائماً بين جهده ومثله الأعلى وحاجاته الأساسية حتى يحقق وظيفة التمثيل والشهادة، لكن العكس وقع مع "عبد الرحمن طه" في اعتقاد عبد الرزاق بلعقروز" الذي رآه يجعل الحداثة مسلك معنوياً اخلاقياً فقط بجعله الإيمان إيماناً جذبياً من دون إشعاع، وعليه فإن رسالة الإنسان التاريخية تنتهي على الأرض، إذ يُصبح عاجزاً عن دفع الحضارة وتحريكها، ويصبح إيمانه شبيه بإيمان رهبان، يَقطعون صلاتهم بالحياة، ويتخلون عن واجباتهم ومسؤوليتهم[65].
5- انتقاد "عبد الجبار الرفاعي":
يرى المفكر "عبد الجبار الرفاعي"* أن بعض الباحثين في دافعهم عن الحداثة راحوا ينفونها من حيث لا يدرون ذلك، باستخدام مصطلحاتها واستعارة مقولاتها بغاية اتهامها والتشهير بها ، ويعتبر "عبد الرحمن طه" واحد من هؤلاء الذين شبههم بمن « يستأنِفُون موقف "الغزالي" الذي راح ينفي الفلسفة بمنطق الفلاسفة، فوقع فيما هرب منه، من دون أن يدرك هؤلاء أنهم يجترحون المستحيل في مسعاهم للهروب من العصر واستدراك ما يتعذر استدراكه وإحياء ما لا يمكن إحياؤه»[66].
6- انتقاد "هاني ادريس":
لقد اختار المفكر المغربي "هاني إدريس"(1967م- ) عنوان مؤلفه "أخلاقنا" ليؤكد أن مسيرة التنسيق الضروري لمنظومة القيم الإسلامية مازالت تتطلع إلى مزيداً من الإنجاز وأنها مجموعة مشاريع همُها أن تؤسس للأنا ما ينهض به فكراً وفلسفةً، فلا شك من أن المقصود بالكلام "عبد الرحمن طه"[67]. الذي يرى "هاني إدريس" بأن نقده الأخلاقي للحداثة الغربية كان هدفه منطقياً، لكن الوسائل التي أنتهجها في الوصول إلى ذلك لم تكن عقلانية حيث يقول إن «النقد الطهائي للحداثة ليس حداثياً خالصاً، لأن غاياته ليست تجاوزية، بل هي ظلامية مقنعة بإجرائية منطقية بالغة الشقاوة والتعقيد»[68].
7- انتقاد "عبد الله العروي":
لقد تحامل المفكر "عبد الله العروي" (1933م- )، في كتابه (مفهوم العقل) على المنطق وأهله، والمقصود بتلك الحملة وبتلك التلميحات والإشارات هو "عبد الرحمن طه" وهو ممن يعُدهم "العروي" من أهل التقريرية والماضوية، وأصحاب البداهة الجاهزة التي انتهت وأصحاب منطق المناظرة أي ممن يشكلون عهد المناظرات اللفظية، ومما لا شك فيه أن صاحب "أعلم أن..."هو "طه عبد الرحمن" لا غيره! عند المفكر "عبد الله العروي"[69].
كما نجد المفكر "عبد الله العروي" يتبرأ من الفلسفة ومن علم الكلام ومن التاريخ الاخباري، بل نجده يدعو إلى الاستغناء عن الفلسفة، "فالعروي" لا يؤمن بالتحليل الفلسفي الذي يقوم على التحليل و البرهان؛ كما يرى "العروي" أنه لا إمكان لوجود فيلسوف بيننا رغم أنه ارتبط لقب الفيلسوف بـ"طه عبد الرحمن" دون سواه، منذ عقدين من الزمن، ويأت الباحثون في السنوات الأخيرة على تلقيبه "بالفيلسوف الكبير في المشرق والمغرب" على السواء، حيث قال في كتابه( تاريخ الفلسفة أم تاريخ العلم): «هذا غير ممكن بسبب المكان والزمان، والسبب هو تعارض الفلسفة بشيء يسمى التاريخ»[70]. وهذا ما يُعطي مبرراً لما سماه "العروي" "بالتاريخانية".
ب- تأملات في إمكانات تحقيق مشروع "عبد الرحمن طه":
لقد مثلت هذا الرأي في الفكر الإسلامي المعاصر عدة قراءات لمشروع "عبد الرحمن طه" الفلسفي، مثل قراءة كُلاً من:(علي سامي النشار- محمد الشيخ- خالد حاجي- عباس أرحيلة- محمد همام- محمد وقيدي- محمد الشبة- ابراهيم مشروح):
1- شهادة "علي سامي النشار":
تعتبر شهادة "علي سامي النشار"- رحمه الله – كلمة متواضعة في حق "عبد الرحمن طه"، وبمثابة رؤية استشرافية لتأثير -عبد الرحمن طه- المتوقع في الفلسفة العربية الاسلامية، حيث قال عنه لطلابه « في الوطن العربي يوجد فيلسوف واحد يا أبنائي، إنه الشاب العالم "طه عبد الرحمن"، هذا في وقت تبينت فيه الخطوط الكبرى للآفاق الفلسفية للرجل »[71]. خصوصاً من خلال مساهمته في الندوة الدولية حول "ابن رشد" الصادرة في كتاب عن منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة محمد الخامس بالرباط في سنة 1978م، بمقال بعنوان: لغة ابن رشد من خلال عرض لنظريات المقولات، والتي لم يكن متحمساً للمشاركة فيها لولا إلحاح الأستاذ "علي أومليل" عليه، وكانت تلك المشاركة منعطفاً حاسماً، بالفعل وسبباً، في زعزعة ما استقر في أذهان الناس حول "ابن رشد.
2- شهادة "محمد الشيخ":
يقول "محمد الشيخ" إن "عبد الرحمن طه" «تقدم في شأن فلسفته التداولية تقدماً عظيماً، وبلغ بها مرتبة من التنسيق والتنظيم، بحيث صارت هي في ساحتنا الثقافية المعاصرة شأناً لا غنى عنه»[72]، لأنه: جدد صلة الآلة المنطقية بالفلسفة، ولأنه استطاع أن يبسط نظرية تكاملية في قراءة التراث، كما سعى إلى تأصيل رؤية أخلاقية من منطلق القيم الإسلامية[73].
بحيث أنه انتقد "أخلاق الحداثة الغربية" بواسطة "الأخلاق الإسلامية"، التي تقوم على صلاح الحياة الإنسانية في الحال والمآل، ويمكن القول إن مشروعه أساسه الأخلاق، وهو أساس يفتقده الغرب في اندفاعاته نحو مظاهر "الحداثة" بدون ضوابط أخلاقية، وتفتقده الفلسفات الغربية الحديثة بتصوراتها لعقلانية غير مشروطة، وتفتقده الدول التي تتحدث عن تخليق السياسية والحياة العامة، بعد أن افتقدت تخلقها لحياتها الخاصة، وتخلقت بتخليق غيرها؛ فأصبحت مُضغة مُخلقة وغير مُخلقة!. وكأن "عبد الرحمن طه" أراد بالتمام والكمال إحياء ما أقبره "نيتشه"، أي إدارة الفكر البشري برمته على الخلق، وبالجملة اتفق الرجلان على إدارة الفكر البشري على القيم، لكن ما رام "نيتشه" محاربته هو ما تشبت به الفيلسوف "عبد الرحمن طه"[74].
3- موقف خالد حاجي:
ينطلق الباحث "خالد حاجي"* في تحديد موقفه من مشروع "عبد الرحمن طه" الفلسفي تدريجياً من حُكمين سابقين، الأول أصدره على العقل الغربي، مفاده: أن الفكر الغربي يشتغل بمقضي "مبدأ الثالث المرفوع"، ليُغيب كل إمكانية أخرى عدا إمكانية إصلاح "العقل" بالعقل، وإصلاح النسق بالنسق الأكبر منه حجماً وكماً، وفي هذا نوع من التمادي في التيه يحجب عين الإنسانية ومواجهة سؤال الأخلاق الذي يذكرها بمسؤوليتها في هذا الكون[75]. والثاني وجهه إلى العقل العربي، مفاده: أن العقل العربي ما يزال مُريداً يَسلِك طريق الغرب، مُتشوفاً إلى بلوغ كرامات النهضة، وكلما ظن أن وقت النهضة أطل وقع في حفرة فتعمقت المسافة بينه وبين غاياته[76].
ليبين لنا في النهاية موقفه من مشروع "عبد الرحمن طه" خصوصاً ما تعلق منه بعبارة "أنظر تجد"؛ فهو يعتبره مشروعاً يُراهن على "العقلانية المؤيدة" لإخراج الإنسانية من الورطة التي أوقعتها فيها "العقلانية المجردة" و"العقلانية المسددة". مقترحاً نسقاً عقلانياً أوسع لتجاوز النسق العقلاني الضيق للانعتاق من مضائق الخطاب الفلسفي الذي يُؤطر المعرفة في الحضارة المُعَولمة[77].
كما يُعد الباحث "خالد حاجي" من المثقفين الذين استحسنوا ترجمة "عبد الرحمن طه" " للكوجيتو"، ويعدها مكسباً عربياً جديداً، ويرى أن عبارة "أنظر، تجد" لا تدفع ثقل الترجمة السابقة "أنا أفكر، إذن أنا موجود" فحسب؛ بل تستشرف حلولاً لمشاكل المجتمعات الحديثة خارج إطار "العقلانية" التي أنتجت هذه المشاكل، وعبارة "أنظر، تجد" تدعو هذا الإنسان إلى فتح باب التأمل في التاريخ الذي صار عدماً بمقتضى الفكر القائم على "الكوجيتو" أو على "أنا أفكر إذن فأنا موجود"، الذي هو في حقيقة الأمر يفيد "أنا معدوم حتى أفكر"[78].
4- رؤية "عباس أرحيلة":
يذهب الباحث المغربي "عباس أرحيلة"(1949م- )، أن الذي يرى ظاهر مشروع "طه عبد الرحمن" الفلسفي، يبدو أنه منصرفاً إلى تحديد الآليات اللغوية والمنطقية، وبناء المصطلحات وتحديدها، وتوليد الأفكار من أجل بلورة نظرية جديدة، غير أن المتمعن في باطن هذا المشروع يجد فيه أيضاً، إدانة للوضعية الفكرية في العالم الاسلامي والعربي بوقوعه فيما سماه "الآفات التداولية"، ودفاعاً عن الجانب الروحي في الإسلام، بالجمع بين القيمة الروحية والعلم، والقيمة الخلقية والواقع[79].
كما يرى "أرحيلة" أن أخطر ما في هذه المشاريع الفكرية العربية هو فصلها بين المعرفة والسلوك، فأصحاب هاته المشاريع هم أصحاب علم منفك عن العمل، قطعوا الصلة بالشرع بالسلوك بالعمل. بينما تقويم التراث يقوم على قطبين: العلم والعمل لكن هذا الأمر غاب عن أصحاب هاته المشاريع[80].
5- شهادة "محمد همام":
يرى الأستاذ "محمد همام"* أن المشروع الفكري لـ "عبد الرحمن طه" يقوم على تأسيس المعرفة على "الأخلاق"، بل اعتبار "العقل" فعلاً من أفعال "الاخلاق". و كان لزاماً أن يعترض من الوجهة التداخلية على قراءة "الجابري" للتراث الاخلاقي الاسلامي، حيث يكون تقسيم "الجابري" للأنظمة المعرفية، وفصل بعضها عن بعض غير ذي جدوى، ويخل بالحقيقة التداولية والتداخلية للمعرفة الاسلامية، التي تجمع بين جانب المعرفة وجانب السلوك[81].
6- موقف محمد وقيدي:
ينطلق المفكر "محمد وقيدي" في اهتمامه بالفكر العربي المعاصر من سؤال رئيسي - يواجه في نظره كل من أراد التفكير في وضع الفلسفة ضمن الانتاج في العالم العربي- السؤال هو: هل هناك فلسفة عربية معاصرة؟
وهنا يتفق "محمد وقيدي" في إجابته مع "عبد الرحمن طه" في حديثه عن الترجمة بالمعنيين اللذين حددهما، فيرى أن "الترجمة الإتباعية" هي صيغة العائق، وأن "الترجمة الابداعية" هي صيغة الحل الذي يتجاوز ذلك العائق[82]، وهي نفس الصعوبة التي واجهت المتفلسف العربي المعاصر، إذن أن التقليد الذي يقع فيه المتفلسفون مقترناً دوماً بالترجمة.
كما يرى الباحث "وقيدي" أن "الترجمة الاتباعية" التي يدعوها "عبد الرحمن طه" في الوقت الحاضر، لا تختلف عن تلك التي قام المسلمون القدامى بها، فإن نقل الفكر الفلسفي إلى اللغة العربية يواجه اختلاف هذه اللغة من حيث التركيب عن اللغات الأوروبية، وهذا ما يقود المتفلسفين العرب- في الوقت الراهن- إلى تكرار الخطأ نفسه الذي قام به أسلافهم عندما كانوا بصدد نقل الفكر الفلسفي اليوناني إلى اللغة العربية. والسبيل لتجاوز عائق الإبداع الفلسفي الناتج عن هذا الترجمة، هي "الترجمة التأصيلية" التي تتجاوز ""الترجمة التحصيلية"، ولا تقف عند حدود "الترجمة الحرفية" للنصوص، ولا تتقيد الترجمة بمقتضيات النص، بل إلى مقتضيات المجال التداولي للمترجم بالتوسل بالآليات الخطابية الكفيلة بإنجاز هذا الإخراج[83].
إن المتأمل في مؤلفات "عبد الرحمن طه" يُدرك مسعاه في تحرير الممارسة الفلسفية العربية من هاجس التقليد، ولكي تصل إلى مثل هذا التحرر لابد أن نخطو بجد في سبيل إنشاء فلسفة خاصة بنا تحوز على قدر من الخصوصية العربية، لتختلف – أي تستقل - بذلك وتتميز عن الفلسفات الأخرى، خاصة الفلسفة الغربية التي تدعي بأنها فلسفة خاصة وشمولية.
لكن "محمد وقيدي" يعتقد رأي آخر مفاده إن الاستقلال لا يعني الانطواء على الذات والانقطاع على الغير والاكتفاء بالنفس، بل يعني الانفتاح والتفاعل الدائم والمشاركة الايجابية وهو موقف "ناصيف نصار" نفسه في تحديده لمعنى الاستقلال الفلسفي؛ الذي معناه أن فعل التفلسف يغيب عن المفكر العربي المعاصر الذي اتسم موقفه بالتبعية المذهبية لأحد المذاهب التي عرفها تاريخ الفلسفة، وإن ذلك الفعل – أي الاستقلال- يحضر إذ اتسم موقف المفكر بالحرية إزاء تلك المذاهب، وبالموقف النقدي بتحمل المسؤولية الفكرية[84].
7-شهادة الباحث "محمد الشبة":
يرى المغربي "محمد الشبة" أن المشروع الفكري لـ "عبد الرحمن طه" «لقد تميز باختراعه لعلم سماه ب "فقه الفلسفة"، وهو علم أراده أن يهتم بدراسة الفلسفة دراسة علمية وذلك من أجل الكشف عن خصائصها والقوانين المتحكمة فيها»[85]،حيث يعتبر "عبد الرحمن طه" الفلسفة ظاهرة مثلها مثل باقي الظواهر يجب أن نضع لها علماً يدرسها أيضاً، مثلما هو الحال بالنسبة للظواهر الانسانية التي وضعت لها علوم تهتم بدراستها وفقاً لمناهج محددة إذا أردنا أن نقوم بصناعتها فكرياً وفلسفياً.و إذا كان فقيه الفلسفة سيضطلع « بمهمة الكشف عن الأسباب التي تقف وراء إنتاج التصورات والأحكام الفلسفية المنقولة وتؤثر فيها، فإنه بإمكانه أن يستثمر ما يقابلها في المجال التداولي العربي من أجل إنتاج فلسفة عربية حية أصلية»[86]، فبذلك يرسم "طه عبد الرحمن" الطريق إلى: تأسيس فلسفة مستقلة مبدعة ومجددة، والتنظير لحداثة أخلاقية تتأسس على سؤال مسؤول وأخلاقي.
8- إبراهيم مشروح:
يرى الباحث المغربي "ابراهيم مشروح" أن قيمة المشروع الفكري لـ "عبد الرحمن طه" تتجلى في كونه قد راهن على الخروج من التقليد وطلب التجديد المفضي إلى الانتماء الواعي إلى الحاضر، مع استشراف مستقبلي لهذا الفكر. فقد كان أول سؤال واجهه "عبد الرحمن طه" هو سؤال حقيقة ومنهج التراث كسؤال مستقبل، والذي اتخذ الفلاسفة والمفكرين العرب المسلمين منه موقفاً مفاده الارتماء في أحضان الحاضر ممثلين لدعوة مفادها الانقطاع عن الماضي ورفض الانتماء بأي شكل للتراث؛ مُقلدين لحظة "الحداثة" التي لم يكن لهم فيها أي حضور. في حين نجد أن "عبد الرحمن طه" اعتبر تجديد المنهج في تقويم التراث سيعمل بلا ريب على تجديد صلتنا بالتراث الذي لا يمكن أن ننسلخ عنه لاستئناف إمكانات بناء فكرنا من جديد وما يتفاعل ومجالنا التداولي[87]. حتى لا نكون مجرد منفعلين بل فاعلين في الحضور الحداثي.
إن ارتباط المشروع الفكري لـ"عبد الرحمن طه" بسؤال المشروعية المقترن بالحق في الاختلاف الفكري والفلسفي، سيجعله يحتل يتميّزُ عن غيره من المشاريع الأخرى في الفكر العربي والإسلامي، والدليل قد تجسد في البديل الذي قدمه للفكر الإسلامي من أجل تجاوز أعطاب ونكسات الحداثة الغربية، والمتمثل في دعوى "تأسيس الحداثة الإسلامية"[88].
هذا المشروع سيتجاوز موقف الدهشة لكونه يستند إلى الحوار القائم على الاختلافين الفلسفي والفكري مع الآخر، وهذا معناه أنا الآخر سيكون حاضراً من خلال هذا المشروع في فكرنا بما يتأقلم ومجالنا التداولي وحرياتنا الاعتقادية ومدلولاتنا اللغوية والمعرفية ومتحرراً من كل أشكال السلطة. ولهذا يحق للمفكر الإسلامي أن يتقدم بالبديل الحداثي الذي يطلب فيه أكمل وأشمل تطبيق ممكن "لروح الحداثة" طالما أنه يصدر عن دين هو خاتم الأديان وأشملها، وهذا لا يمكن أن يتنكر له أي فِكر أو مُفكر.
*خاتمة:
وخلاصة القول مما سبق أن "عبد الرحمن طه" أستطاع أن يحطم صنم الرشدية في الفكر الإسلامي العربي المعاصر، وإبطال ادعاءات المستشرقين حولها، مُبيناً آفاتها الفكرية والمنهجية عند مُقلدة الفلاسفة العرب والمسلمين، سواء عند القدامى أو عند المحدثين، كما أن هذا كان سبباً في مواجهة معاصريه في قراءة التراث الإسلامي، بتقويم مناهجهم في قراءة هذا التراث، والتي وقعت في النظرة التجزيئية التفاضلية عكس نظريته التكاملية والتداخلية في المعرفة الإسلامية، بالإضافة إلى أنه بين سبب سقطة "الفلسفة الإسلامية" في مطبات التلفيق والانتقائية، حينما سعت إلى الجمع بين "الفلسفة اليونانية" والشريعة الإسلامية، مما أوقع المقلدة في فسادين: أحدهما تداولي، والآخر منطقي، والذي ربطه "عبد الرحمن طه" بمسألة الترجمة وعلاقتها بالفلسفة عندنا.
هذا دون أن ننسى أن وجه الخلاف بينه وبين دعاة "الحداثة" من معاصريه هو التعاطي مع المفاهيم الفلسفية برتبة النقل الحرفي المنقطع الصلة بدلالاتهم اللغوية والفاقد لأسباب التغيير مثل: مفهوم "الحداثة"، ومفهوم "القطيعة الإبستمولوجية"، ومفهوم "العقل" و"العقلانية".
أما على مستوى قراءته الفلسفية لتراثنا العربي الإسلامي، فنجد من النقاد من قال عنها أنها قسمت المقسم وجزأت المُجزأ لدرجة يتعذر على القارئ المتابعة الدقيقة لتحليلاته فضلاً عن المرجعية الصوفية في مقارباته والتي أوقعته في اعتقاد البعض في إهمال السُنن الاجتماعية الكونية ومساهمتها في فعل البناء والتعمير إلى جانب دور البعد الروحي في هذا البناء أيضاً. كما أثبت النقاد نتيجة أخرى تضاف إلى سابقاتها على مستوى الأحكام التي حملها مشروعه الفكري، والمتمثلة في إصداره حكماً مطلقاً في حق كل من سبقه من العرب والمسلمين متمثلاً في نزع فضيلة التفلسف عنهم ونعتهم بالمقلدة سواء كانوا من قدماء أو محدثين.
كما أن النقد الفلسفي لعلاقة الفلسفة بالخصوصية والكونية في مشروعه أوضح أنه لم يُقدم حلاً لهاته المشكلة المعرفية، بل أبدل الصراع القومي محل الصراع الإيديولوجي للفلسفة، مع العلم أن مهمة الفلسفة أجل وأرفع من هذا الصراع كطريق يسعى إلى معرفة اليقين أو الحقيقة الشاملة.
أما الدراسة النقدية لترجمة الكوجيتو الديكارتي عنده، أوضحت اختلافاً واضحاً بينه وبين كوجيتو "ديكارت"، فإذا كان الأول – أي كوجيتو "ديكارت"- ذو غاية "معرفية"، فإن الثاني-أي كوجيتو "عبد الرحمن طه"- غايته "وجودية"؛ كما بينت أن ترجمة هذا الأخير لكوجيتو "ديكارت" بعبارة "أنظر، تجد" لا تفتح علاقة مغايرة مع الوجود، لذا فهي تخلو من الجدة ولا أثر فيها للاستنباط ولا الاستدلال.
كل هذا الانتقادات الفلسفية وغيرها للمشروع الفكري لـ "عبد الرحمن طه"، جعلت ناقديه ينقسمون بين من قال باستحالة تحقيق مشروعه الفلسفي أمثال: "على حرب" "ناصيف نصار"، "يوسف عدي"، "محمد سبيلا"، "فتحي المسكيني"، عبد الجبار الرفاعي "هاني إدريس"، و"عبد الله العروي". ومن قال بإمكانات تحقيق مشروعه الفلسفي، وبالتالي تأسيس "فلسفة عربية إسلامية" مبدعة ومستقلة وأصيلة، وتأسيس "حداثة إسلامية" بناء على الفَرْقَان التداولي والتاريخي أمثال: "علي سامي النشار"، "محمد الشيخ"، "خالد حاجي" "عباس ارحيلة"، "محمد همام"، "محمد وقيدي"، "محمد الشبة"، "إبراهيم مشروح"...وغيرهم من أعجبوا بمشروعه.
لكن تبقى كل تلك الانتقادات والتقييمات نسبية في جوهرها والتاريخ وحده هو الكفيل بالكشف عن مدى مصداقيتها، ويكفي أصحابها فخراً أنهم كانوا قُراء للمشروع الطاهوي في زمن تعتبر فيه القراءة لأي مشروع جزءاً من إثرائه.
*ثبت المصادر والمراجع:
1- عبد الرحمن طه، تجديد المنهج في تقويم التراث، المركز الثقافي العربي، ط2، الدار البيضاء المغرب،1993.
2- عبد الرحمن طه،فقه الفلسفة،ج1، الفلسفة والترجمة، المركز الثقافي العربي، ط1،الدار البيضاء، المغرب، 1995.
3- عبد الرحمن طه، سؤال الأخلاق مساهمة في النقد للحداثة الغربية، المركز الثقافي العربي،ط1،الدار البيضاء، المغرب، 2000.
4- عبد الرحمن طه،في أصول الحوار وتجديد علم الكلام، المركز الثقافي العربي،ط2، الدار البيضاء، المغرب، 2000.
5- عبد الرحمن طه، روح الحداثة، المدخل إلى تأسيس الحداثة الاسلامية، المركز الثقافي العربي،ط1، الدار البيضاء، المغرب،2006.
6- عبد الرحمن طه، الحق العربي في الاختلاف الفلسفي، المركز الثقافي العربي، ط2، الدار البيضاء، المغرب،2006.
7- عبد الرحمن طه، الحداثة والمقاومة، معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية، ط1، بيروت لبنان،2007.
8- عبد الرحمن طه ، حوارات من أجل المستقبل، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، ط1، بيروت، لبنان،2011.
9- Abderrahmane Taha, langage et philosophie:Essai sur lesstructures linguistiques de l'ontologie ;publications de la faculté desletters et des sciences humaines ,Rabat, impremerie de Fedela, 1979.
10- ابراهيم مشروح، طه عبد الرحمن، قراءة في مشروعه الفكري، مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي، ط1، بيروت،2009.
1- أرحيلة عباس، فيلسوف في المواجهة، قراءة في فكر طه عبد الرحمن، المركز الثقافي العربي،ط1، الدار البيضاء المغرب، 2013.
11- إدريس هاني، أخلاقنا، في الحاجة إلى أخلاق بديلة، مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي، سلسلة الدراسات الحضارية، ط1، بيروت، لبنان،2009.
12- جلول مقورة، فلسفة التواصل في الفكر العربي المعاصر، طه عبد الرحمن وناصيف نصار بين القومية والكونية، مركز دراسات الوحدة العربية، سلسلة أطروحات الدكتوراه (116)، ط1، بيروت، لبنان، 2015.
13- خالد حاجي، من مضايق الحداثة إلى فضاء الإبداع الاسلامي و العربي، المركز الثقافي العربي، ط1، الدار البيضاء، المغرب، 2005.
14- عبد الرزاق بلعقروز،المساءلة النقدية للحداثة والعولمة في مشروع طه عبد الرحمن الفلسفي، منشورات مخبر البحث في الدراسات العقدية ومقارنة الأديان (4) قضايا الفكر الإسلامي،(4)، جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية قسنطينة- الجزائر، 2011.
15- عبد الرزاق بلعقروز، أزمة الحداثة ورهانات الخطاب الإسلامي، منتدى المعارف،ط1،بيروت،2013.
16- عبد الله العروي، مفهوم العقل، مقالة في المفارقات، المركز الثقافي العربي، ط3، الدار البيضاء، المغرب، 2001.
17- عبد النبي الحري، طه عبد الرحمن ومحمد عابد الجابري،صراع المشروعين على أرض الحكمة الرشدية، الشبكة العربية للأبحاث والنشر،ط1،بيروت، لبنان،2014.
18- علي حرب، الماهية والعلاقة، نحو منطق تحويلي، المركز الثقافي العربي، ط1، الدار البيضاء، المغرب، 1998.
19- فتحي مسكيني، الهوية والزمن، تأويلات فينومينولوجية لمسألة النحن، دار الطليعة للطباعة والنشر، ط1، بيروت، 2001.
20- محمد الشبة، عوائق الابداع الفلسفي العربي حسب طه عبد الرحمن، منشورات ضفاف، ط1، بيروت لبنان، 2016.
21- محمد عابد الجابري، تكوين العقل العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، ط10، بيروت لبنان،2009.
22- محمد همام، جدل الفلسفة العربية بين محمد عابد الجابري وطه عبد الرحمن، البحث اللغوي نموذجاً،المركز الثقافي العربي، ط1، الدار البيضاء، المغرب، 2013.
23- يوسف بن عدي،مشروع الإبداع الفلسفي العربي، قراءة في أعمال د. طه عبد الرحمن، الشبكة العربية للنشر والتوزيع،ط1،بيروت،لبنان،2012.
24- محمد وقيدي، مقدمات لاستئناف القول الفلسفي في الفكر العربي المعاصر،مجلة عالم الفكر، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب – الكويت، ع4، مج 30، 1 أبريل- يونيو 2002.
25- منظمة التجديد الطلابي،دراسات في أعمال الفيلسوف المغربي طه عبد الرحمن، ابداع فكري أصيل في تأسيس لنموذج معرفي بديل، أعمال المنتدى الفكري السادس جامعة سيدي محمد بن عبد الله، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، ظهر المهراز، فاس، المغرب، بتاريخ: 15-17جمادي الثانية 1433هـ/7- 9 ماي 2012، ط1،2013.
[1]-عباس أرحيلة، فيلسوف في المواجهة، قراءة في فكر طه عبد الرحمن، المركز الثقافي العربي،ط1، الدار البيضاء المغرب، 2013، ص (91-92).
[2]-عبد الرحمن طه، تجديد المنهج في تقويم التراث، المركز الثقافي العربي، ط2، الدار البيضاء المغرب،1993، ص12.
- عبد الرحمن طه،فقه الفلسفة،ج1، الفلسفة والترجمة،المركز الثقافي العربي، ط1،الدار البيضاء، المغرب، 1995، ص 50. [3]
[5]- يوسف بن عدي،مشروع الإبداع الفلسفي العربي، قراءة في أعمال د. طه عبد الرحمن، الشبكة العربية للنشر والتوزيع،ط1، بيروت، لبنان، 2012
ص143.
[8]- الحسن حما، القراءة التكاملية للتراث عند طه عبد الرحمن، في مطبوعات أعمال المنتدى الفكري السادس في أعمال الفيلسوف طه عبد الرحمن، حول: دراسات في أعمال الفيلسوف المغربي طه عبد الرحمن، ابداع فكري أصيل في تأسيس لنموذج معرفي بديل، بتاريخ: 7-9 ماي 2012، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، ظهر المهراز، فاس ط1، المغرب، 2013،ص183.
[9]-محمد همام، جدل الفلسفة العربية بين محمد عابد الجابري وطه عبد الرحمن، البحث اللغوي نموذجاً،المركز الثقافي العربي، ط1، الدار البيضاء، المغرب، 2013 ص(10-12).
- عبد الرحمن طه ، حوارات من أجل المستقبل،الشبكة العربية للأبحاث والنشر، ط1، بيروت، لبنان،2011، ص 41. [10]
[11]- عبد الرحمن طه، تجديد المنهج في تقويم التراث، ص (9- 10).
[12]-عبد الرحمن طه، سؤال الأخلاق مساهمة في النقد للحداثة الغربية،المركز الثقافي العربي،ط1،الدار البيضاء، المغرب، 2000، ص66.
-محمد همام، جدل الفلسفة العربية بين محمد عابد الجابري وطه عبد الرحمن، البحث اللغوي نموذجاً، ص129.[13]
[17]- محمد همام، جدل الفلسفة العربية بين محمد عابد الجابري وطه عبد الرحمن، البحث اللغوي نموذجاً، ص146.
[18]-عبد الرحمن طه، الحق العربي في الاختلاف الفلسفي، المركز الثقافي العربي، ط2، الدار البيضاء، المغرب،2006، ص75،
[19]-عبد الرحمن طه، روح الحداثة، المدخل إلى تأسيس الحداثة الاسلامية،المركز الثقافي العربي،ط1،الدار البيضاء، المغرب،2006، ص 15.
[20]- عبد الرحمن طه، الحداثة والمقاومة، معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية، ط1، بيروت لبنان، ،2007، (الفصل الرابع)، ص(26-34).
[21]-محمد عابد الجابري، تكوين العقل العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، ط10، بيروت لبنان،2009، ص5(المقدمة).
[22]- محمد همام، جدل الفلسفة العربية بين محمد عابد الجابري وطه عبد الرحمن، البحث اللغوي نموذجاً، ص 7.
- عبد الرزاق بلعقروز، أزمة الحداثة ورهانات الخطاب الإسلامي، منتدى المعارف،ط1، بيروت، 2013، ص172. [24]
[27]- طه عبد الرحمن، حوارات من أجل المستقبل، ص64.
[28]- طه عبد الرحمن،في أصول الحوار وتجديد علم الكلام، المركز الثقافي العربي،ط2، الدار البيضاء، المغرب، 2000، ص 145.
[29]- المصدر نفسه، ص149.
- محمد همام، جدل الفلسفة العربية بين محمد عابد الجابري وطه عبد الرحمن، البحث اللغوي نموذجاً، ص165.[30]
[31]- عبد النبي الحري، طه عبد الرحمن ومحمد عابد الجابري،صراع المشروعين على أرض الحكمة الرشدية،الشبكة العربية للأبحاث والنشر،ط1،بيروت، لبنان،2014، ص (118- 119).
[32]- عبد الرزاق بلعقروز،المساءلة النقدية للحداثة والعولمة في مشروع طه عبد الرحمن الفلسفي،منشورات مخبر البحث في الدراسات العقدية ومقارنة الأديان (4) قضايا الفكر الإسلامي،(4)، جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية قسنطينة- الجزائر، 2011. ص99.
- عبد النبي الحري،طه عبد الرحمن ومحمد عابد الجابري،صراع المشروعين على أرض الحكمة الرشدية، ص 167. [34]
[37]- عبد النبي الحري، طه عبد الرحمن ومحمد عابد الجابري،صراع المشروعين على أرض الحكمة الرشدية،ص 122.
[38]- ابراهيم مشروح، طه عبد الرحمن قراءة في مشروعه الفكري، مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي، ط1، بيروت، 2009، ص247.
- عبد النبي الحري، طه عبد الرحمن ومحمد عابد الجابري،صراع المشروعين على أرض الحكمة الرشدية، ص 137. [40]
[46]- المرجع نفسه،ص 172.
[48]- المرجع السابق، ص176.
[49]- جلول مقورة، فلسفة التواصل في الفكر العربي المعاصر، طه عبد الرحمن وناصيف نصار بين القومية والكونية، مركز دراسات الوحدة العربية، سلسلة أطروحات الدكتوراه (116)، ط1، بيروت، لبنان، 2015، ص 255، أنظر أيضاً: (الفصل الربع)، ص (207وما بعدها).
[50]- فؤاد بوعلي، سؤال الترجمة عند طه عبد الرحمن محاولة في التوصيف، في مطبوعات أعمال المنتدى الفكري السادس في أعمال الفيلسوف طه عبد الرحمن، حول: دراسات في أعمال الفيلسوف المغربي طه عبد الرحمن، ابداع فكري أصيل في تأسيس لنموذج معرفي بديل، بتاريخ: 7- 9 ماي 2012، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، ظهر المهراز، فاس ط1، المغرب، 2013، ص146.
[51]- المرجع السابق، ص147.
[52]- Abderrahmane Taha, langage et philosophie:Essai sur lesstructures linguistiques de l'ontologie;publications de la faculté desletters et des sciences humaines ,Rabat, impremerie de Fedela, 1979.P 59.(الباحث).
[53]- علي حرب، الماهية والعلاقة، نحو منطق تحويلي، المركز الثقافي العربي، ط1، الدار البيضاء، المغرب، 1998، ص(152-153).
[54]- فؤاد بوعلي، سؤال الترجمة عند طه عبد الرحمن محاولة في التوصيف، في مطبوعات أعمال المنتدى الفكري السادس في أعمال الفيلسوف طه عبد الرحمن،ص147.
[56]- عبد الرزاق بلعقروز،المساءلة النقدية للحداثة والعولمة في مشروع طه عبد الرحمن، ص106، نقلاً عن محمد سبيلاً، متى يعود زمن الإبداع الفلسفي، مدارات فلسفية، العدد1، 1998.ص184.
[57]- فتحي مسكيني، الهوية والزمن، تأويلات فينومينولوجية لمسألة النحن، دار الطليعة للطباعة والنشر، ط1، بيروت، 2001، ص64.
[59]- المرجع نفسه،ص (21-22).
[62]-عبد الرزاق بلعقروز،المساءلة النقدية للحداثة والعولمة في مشروع طه عبد الرحمن الفلسفي، ص (107-108)، نقلاً عن: فتحي المسكيني، الفيلسوف و الامبراطورية، في تنوير الإنسان الأخير، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ط1، ص168.
[63]- المرجع نفسه، ص (107-108)، نقلاً عن: فتحي المسكيني، الفيلسوف و الامبراطورية، في تنوير الإنسان الأخير، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ط1، ص168.
- [66]عبدالرزاق بلعقروز، المساءلة النقدية للحداثة والعولمة في مشروع طه عبد الرحمن، ص (109)، نقلاً عن: الجبار الرفاعي، مخاضات الحداثة، دار الهادي، بيروت، ط1، 2007، ص05.
3- إدريس هاني، أخلاقنا، في الحاجة إلى أخلاق بديلة، مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي، سلسلة الدراسات الحضارية، ط1، بيروت، لبنان،2009، ص(11،12).
[68]- ابراهيم أبو شوار، الفيلسوف طه عبد الرحمن ناقداً و منقوداً، في مطبوعات أعمال المنتدى الفكري السادس في أعمال الفيلسوف طه عبد الرحمن، ص 237، نقلاً عن: حوار حول موضوع الإسلام والحداثة، مجلة منتدى الحوار، العدد: 8، سنة أولى، أبريل – ماي2004، ص (11-30).
69-عبد الله العروي، مفهوم العقل، مقالة في المفارقات، المركز الثقافي العربي، ط3، الدار البيضاء، المغرب، 2001، ص(9-10).
[71]- ابراهيم أبو شوار،الفيلسوف طه عبد الرحمن ناقداً و منقوداً، في مطبوعات أعمال المنتدى الفكري السادس في أعمال الفيلسوف طه عبد الرحمن، ص219.
[72]-عباس أرحيلة، فيلسوف في المواجهة، قراءة في فكر طه عبد الرحمن، ص3، نقلاً عن: الشيخ محمد، مسألة الحداثة في الفكر المغربي المعاصر، منشورات النجاح الجديدة ، منشورات شرفات، الدار البيضاء، المغرب، 2004، ص(12-13).
[74]-المرجع نفسه، ص37.
[75]-خالد حاجي، من مضايق الحداثة إلى فضاء الإبداع الاسلامي و العربي، المركز الثقافي العربي، ط1، الدار البيضاء، المغرب، 2005، ص157.
[78]- المرجع نفسه، ص158.
[79]- عباس أرحيلة،فيلسوف في المواجهة، قراءة في فكر طه عبد الرحمن، ص(99-100).(بتصرف).
[81]- محمد همام، جدل الفلسفة العربية بين محمد عابد الجابري وطه عبد الرحمن، البحث اللغوي نموذجاً، ص (167- 170).
[82]- محمد وقيدي، مقدمات لاستئناف القول الفلسفي في الفكر العربي المعاصر، مجلة عالم الفكر، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب – الكويت، ع4، مج 30، 1 أبريل- يونيو 2002، ص126.
[84]- محمد وقيدي، مقدمات لاستئناف القول الفلسفي في الفكر العربي المعاصر، ص(120-121).
[85]- محمد الشبة، عوائق الابداع الفلسفي العربي حسب طه عبد الرحمن، منشورات ضفاف، ط1، بيروت لبنان، 2016، ص 13.
التعليقات (0)