مسألة التجديد الحضاري في فكـر مالك بن نبــي
(من الكشف عن معوقات البناء الحضاري...إلى معرفة سبل التغيير الحضاري)
من إعداد : د/ناجم مولاي و د/ نوال عباسي
جامعة عمار ثليجي الأغواط- الجزائر
- تمهيد:
لقد أصبح موضوع التغيير الحضاري، أو البناء الحضاري كما يفضل تسميته البعض الآخر، أو التجديد الحضاري كما يسميه طرف ثالث يحتل مكانة كبرى في كتابات أغلب المفكرين والفلاسفة المهتمين بقضايا التقدم والتطور لما للموضوع من علاقة مباشرة بصراع النماذج الإنسانية اليوم، فصدام الحضارات أو صراعها يعكس على الأقل وجود قطبين ندين لبعضهما البعض، يسعى كل منها نزع الاعتراف بالتفوق من الأخر.
وأغلب الفلاسفة يعتبرون أن التاريخ بدأ حين دخلت النماذج في دائرة الصراع، فالتاريخ حتماً بدأ بشخصين؛ لكن لم يمضي زمن حتى اتسعت الشبكة الاجتماعية فانقسمت المجتمعات إلى شعوب وقبائل متعددة الألوان والأجناس ومتنوعة الأفكار؛ الشيء الذي بالفعل أخرج الإنسان من بدائيته إلى مجال الأُلفة والتجمع وإبداع الحضارات.
لذا يحاول كل جيل إبداع فلسفة التفوق، وتأسيس مذاهب فلسفية وحركات وأحزاب لأجل وضع مفاهيم جديدة عن الإنسان المطلوب من معكوس ما هو عليه سعياً لإثبات وضعه الكوني اجتماعياً وسياسياً وثقافياً واقتصادياً...، ونزع الاعتراف بالوجود من الآخر وفق مبدأ التدافع القرآني، ونظرية التمكين و الاستخلاف.
ومنه نجد إن بناء "الإنسان النمُوذج" مشكلة جوهرية تجَشَم البحث فيها كُلاً من الباحث العربي الإسلامي والباحث الغربي، باعتباره الحُلم الحضاري الذي يراود كِليهما في إعادة بناء وصياغة نماذجهما الراهنة للتكيُف مع الوضع العالمي المتسارع ومنه بناء حضارة مأمولة مقابل الحضارة الموجودة.
ومنه تأتي هاته الورقة البحثة الموسومة بالعنوان التالي: "مسألة التجديد الحضاري عند مالك بن نبي" (من الكشف عن معوقات البناء الحضاري...إلى معرفة سبل التغيير الحضاري) لتجيب على جملة من التساؤلات أهمها:
1- ما المقصود بقولنا "حضارة"، و ما هي المدلولات التي يحمل معنى مفهوم "التجديد الحضاري"؟
2- فيما تكمن المنطلقات المرجعية والمقومات المنهجية في فكر مالك بن نبي الحضاري؟
3- ما هي المعوقات التي حددها "مالك بن نبي" للبناء الحضاري، وهل حدد سُبلاً لتجاوزها؟
4- أين تتمثل منطلقات التغيير الحضاري ولماذا يحتل الإنسان دوراً هاماً في إعادة البعث أو البناء الحضاري عند "مالك بن نبي"؟
1. التأثيل المفاهيمي: (الحضارة، التجديد الحضاري).
1- مفهوم الحضارة:
1-1- لغوياً (جنيالوجيا):
أ- في المفهوم العام: تعني كل ما يميز أمة عن أمة من حيث العادات وأسلوب المعيشة والملابس والتمسك بالقيم الدينية والأخلاقية ومقدرة الإنسان في كل حضارة على الإبداع في الفنون والآداب والعلوم[1].
ب- في اللغة الأجنبية (الانجليزية):كلمة (Civilisation) في الانجليزية كانت تدل على المدينة بدلالاتها الطبيعية ثم تطورت إلى معنى الحضارة بمعناه الواسع[2]. والبعض يرى في اللغة الانجليزية الحضارة ترجمت لكلمة (Civilisation) وهي بمعنى مدني، أو من معاني المدينة، أو ما يتعلق بساكن المدينة حيث تقوم الحياة الحضرية عادة في المدن[3].
ت- في اللغة العربية:
- هي الإقامة في الحضر (عن أبي زيد)، وكان (الأصمعي) يقول الحضارة، ورجل حضر: لا يصلح للسفر، وهم حضور أي حاضرون، والحضر والحضرة: خلاف البادية، وهي المدن والقرى والريف، سميت بذلك لأن أهلها حضروا الأمصار ومساكن الديار التي يكون لهم القرار فيها[4].
1-2- في الاصطلاح:
لا يوجد هنا تعريف واحد بل تعاريف مختلفة كُلاً حسب اهتماماته العلمية والفكرية، نذكر بعض التعاريف المهمة:
أ- عند الفلاسفة:
- "أندري لالاند" Lalande André (1867-1963م) لقد عرفها: «هي مجموعة ظواهر اجتماعية مركبة ذات طبيعة قابلة للتناقل، تتسم بسمة دينية، جمالية، فنية، تقنية أو علمية، ومشتركة بين كل الأجزاء في مجتمع عريض، أو في عدة مجتمعات مترابطة (الحضارة الصينية، الحضارة المتوسطية...)»[5].
- أما "إبراهيم مذكور" قال: «الحضارة ضد البداوة، وتقابلها الهمجية والوحشية، وهي مرحلة سامية من مراحل التطور الإنساني»[6].
- أما الباحث الجزائري "محمود يعقوبي" فقد حدده قائلاً: «هي جملة الخصائص التي تميز الظواهر الاجتماعية في مجتمع، أو عدة مجتمعات وتتناقلها الأجيال وتطبع تصرفاتهم الدينية والخلقية والفنية والعلمية والتقنية بطابع الوحدة»[7]. وللتعبير عن هذا المعنى تقريباً أستعمل "ابن خلدون"(732-808هـ) كلمة "العمران" التي كانت ترادف كلمة "المدينة" أي العيش في المدينة.
- أما "مالك بن نبي" (1905-1973م) فالحضارة عنده: «لا توضع في مقابل البداوة، كما يذهب إلى ذلك معظم المفكرين، لأن في ذلك طمس للمعالم التي تمثل روافد حضارة مجتمعنا العربي الإسلامي، والتي نتغنى بمحاسنها في أدبنا كقولنا: (وفي البداوة حسن غير مجلوب) وهي ليست مرادفة لكلمة المدينة كما يذهب إلى ذلك مؤلف كتاب "قصة الحضارة" "ويل ديورانت" William James Durant (1885-1981م)، فالحضارة عنده سياج حضانة للإنسان تحميه من الهمجية، كما أن الحضارة توضع في مقابل البدائية لا البداوة، وتصبح الحضارة عنده: مجموعة من الشروط الأخلاقية والمادية التي تتيح لمجتمع معين أن يقدم لكل عضو من أعضائه في كل طور من أطوار وجوده منذ الطفولة إلى الشيخوخة المساعدة الضرورية له في هذا الطور أو ذاك من أطوار نموه»[8].
1-2- مفهوم التجديد الحضاري:
إن مدول التجديد الحضاري يأخذ معاني ودلالات متعددة في فكر "مالك بن نبي"، فهو بمعنى البناء الحضاري، ويأتي بمعنى الإصلاح وإزالة المفاسد والعودة إلى حقل الحضارة، كما يعني البعث الحضاري؛ وهو في جميع الحالات شرط لقيام الحضارة وبناء المجتمع وتطورهما والمحافظة على بقائهما[9].
وبمعنى أدق إن التجديد الحضاري عند "مالك بن نبي" لا يتساوى مع التكدس، فالتجديد الحضاري هو فاعلية ومبادرة تُغير الإنسان والأفكار والأشياء بما ينسجم مع القوانين والسنن في الطبيعية والإنسان، لتوفير الدوافع والشروط لتحقيق الوجود الإنساني، أما تكديس المنتجات من خلال استيرادها من حضارات أخرى يتنافى مع التجديد الحضاري والتحضر.
2. المنطلقات المرجعية لفكر مالك بن نبي الحضاري:
- أولاً: ولد فقيه الحضارة الأستاذ " مالك بن نبي" في 1يناير1905م، بمدينة قسنطينة أنتقل مع أسرته لمدينة تبسة فحفظ فيها ما تيسر من القرآن الكريم، وأتم تعليمه الابتدائي والإعدادي،
- ثانياً: رجع إلى مدينة قسنطينة لمواصلة دراسته الثانوية التي أنهاها سنة 1925م، في هذه الفترة بدأ وعيه يتكون، فكانت قسنطينة مركزاً تقليدياً للثقافة العربية الإسلامية منذ أشرقت الجزائر بنور الإسلام، مستفيداً من التراث الإسلامي للثقافة العربية الإسلامية، الذي حصن فكره من صليبية ولائكية الفكر المميت الذي أستهدف محو الشخصية الجزائرية العربية الإسلامية،
- ثالثاً: إعجابه بحركة الإمام "عبد الحميد بن باديس" كحركة ابتغت تحرير عقول الجزائريين، وتغير ما بنفوسهم، حيث أعتبرها كبداية لمعجزة البعث[10]، أو النهوض؛ والدليل الأكبر على هذا الإعجاب هو نشره لمجلة الشهاب بمدينة أفلو، حتى تزيد من تمسك هذا الشعب بفضائله على علمٍ وبينةٍ[11].
- رابعاً: إقامة "مالك بن نبي" بعد آفلو بمدينة شلعوم العيد الغير بعيدة عن قسنطينة، وكان وجوده فرصة ليقارن بين الإنسان الجزائري فيها، الذي قد فقد فضائله، أو أفقده الاستعمار فضائله، وبين الإنسان الجزائري في أفلو الذي أحتفظ بتلك الفضائل، حيث تأسف "مالك بن نبي" لأنه لا يستطيع أن يصدر قانون يحرم جبل عمور على المستعمر، كما يمنع دخول متحف وضعت فيه أشياء ثمينة[12].
- خامساً: سنة 1930م غادر "مالك بن نبي" الجزائر إلى باريس لمواصلة دارسة، وأهم نقطة أحدثت تحول في فكره، هو مشاركته في تأسيس "جمعية الوحدة المغربية"، وتمثيل الجزائر في "جمعية الوحدة العربية"، التي تأسس في باريس من وحي "شكيب أرسلان"، كما أشرف في مرسيليا على" نادي المؤتمر الجزائري الإسلامي"، الذي وأدته السلطات الفرنسية قبل أن يستوي على سوقه، ويؤتي أكله[13].
- سادساً: في باريس عاش تجربة غنية بالتعرف على الحضارة الغربية في روحها وأفكارها لا في مزبلتها كما يفعل أغلبية المثقفين المسلمين، وقد فقه هذه الحضارة من عدة أبواب عدة نذكر منها:
أ- باب العلوم التي يقول عنها: «أسكنت في نفسي شيطان العلوم»[14].
ب- باب "وحدة الشبان المسيحيين الباريسيين" التي أتاحت له الصلة بين القيم الاجتماعية والتقنية التي كان يشهدها و يتذوقها في الشارع وفي المدرسة، وربما كشفت له تلك الملاحظات عن جوانب في روحه المسلمة[15].
أ- باب المنطق المسيحي بما يتخلله من تعقيد[16].
فالفهم الدقيقي لروحي الحضارتين الإسلامية والغربية، والاستيعاب العميق لأسسها الفكرية مكنا "مالك بن نبي" من الصمود في وجه الحضارة الغربية، فلم يجرفه تيارها الذي جرف كثيراً من مثقفي العالم الإسلامي، الذين تراهم يعانون مركب النقص نحو الثقافة الغربية[17].
يقول الباحث الهادي الحسني: «إن تلك التجربة العميقة والعنيفة في الوقت نفسه، بأبعادها الروحية والفكرية و الاجتماعية، جعلت "مالك بن نبي" يعلم علم اليقين إن الإسلام بعقيدته الموحدة وفكره المنفتح على العقل منذ بدايته، وهي "اقرأ" وروحه الاجتماعي من مساواة، وتضامن، وأخوة أقدر على مواجهة الحضارة الغربية والانتصار عليها...ولكن المشكلة هي في المسلمين»[18]، الذين لم يكونوا شأن "مالك بن نبي" الذي نجا من " الفكر الميت" فلم يتدروش، ونجا من " الفكر القاتل" فلم يتفرنس كم قال المفكر الجمعوي الهادي الحسني[19].
- سابعاً: وجه "مالك بن نبي" بعد وصوله إلى القاهرة سنة 1956م رسالة إلى من قدر لهم أن يكونوا قادة على جهاد الشعب الجزائري، يضع من خلالها نفسه تحت تصرفهم لتكليفه بأية مهمة يرونه مفيدا فيها، ولكن أولئك القادة يبدوا أنهم لم يجدوا فيه ما ينفع، فلم يكلفوا أنفسهم حتى مجرد الرد على رسالته لاستشعاره بعدم الحاجة إليه؛ ورغم ذلك راح المرجفون يذيعون أن "مالك ابن نبي" رجل أنعزل في برجه العاجي عن الثورة الجزائرية، ولم يساهم فيها بشيء [20].
والحقيقة أن "مالك بن نبي" أراد أن يكون للجزائر، ولكن الله شاء أن أراد يكون للعالم الإسلامي بأسره، فعين مستشاراً في "المؤتمر الإسلامي" سنة 1957م، وبدأ يَعقدُ في القاهرة ندوة فكرية كل جمعة، يحضرها الطلبة والأساتذة من مختلف الدول الإسلامية، وبدأت ترجمة كتبه إلى اللغة العربية، فوجد فيها المفكرون والأساتذة والطلبة مدرسة فكرية لا عهد لهم بمثلها في المحتوى والمنهج، وكفاه شرفاً أنه كان صاحب فكرة ملتقيات التعرف على الفكر الإسلامي التي دامت أربعة وعشرين ملتقى، وفي يوم:31أكتوبر1973م توفى المفكر "مالك بن نبي" الذي كان قد نذر حياته لترشيد الوعي الإسلامي وتحفيزه على النهوض برسالته مرة أخرى، لأنها رسالة سماوية خالدة، فإنها لا تنقضي بانتهاء الدورة الحضارية التي قد تزول، ولكن الرسالة يجب أن تدوم لقوله تعالى:﴿إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾[21].
أن المفكر "مالك بن نبي" في صياغته لنظرية حول "شروط النهضة" سلك مسلك النموقراطي(من الناموس، أي المعايير والقوانين الذي بلوره الجيل الأول من مدرسة الإخوان المسلمين، وخصوصاً الفقيه والقاضي "عبد القادر عودة" في كتبه: (الإسلام وأوضاعنا القانونية، الإسلام وأوضاعنا السياسية، التشريع الجنائي الإسلامي)، وهو مسلك يتمحور حول مسألة الصياغة الإسلامية للتشريعات الناظمة للشأن الجماعي، كما سلك أيضاً المرجعية التطورية المستقلة لدى الأديب والناقد "سيد قطب"، (1906-1966م) والذي تحول تدريجياً إلى مفهوم الحاكمية والعزلة الشعورية ورفضه الحداثة كجاهلية جديدة[22].
كما إننا نجد مهندس الحضارة العربية فقيهاً مستلهماً في تناوله للإشكالية الحضارة العربية والإسلامية من "ابن خلدون"(1332-1406م) في عصبيته المجسدة للتعاقب الحضاري، وإضافة إلى منطلقات هذه المرجعية العربية تضاف منطلقات غربية لجأ إليها "مالك بن نبي" لصياغة نظريته العالمية التي ترى إن الإسلام ليس له أي خصوصية في المبدأ، بل جميع الحضارات لها إمكانية نهوض ذاتية منسجمة مع خصوصياتها العقدية والتاريخية، ومن الواضح أن "مالك بن نبي" يستند في هذه الأطروحة لآراء كلا من المفكرين ("أزوالد شبنجلر" Oswald Spengler (1880-1936م)، و"أرنولد توينبي"Arnold .J. Toynbee (1889-1975م) في فكرة التحدي و الاستجابة الكامنة في خلق البناء الحضاري مؤكداً في ذلك على خطوة هامة هي الموازنة بين المنهج الأفقي في شبكة العلاقات الاجتماعية المتينة التي تربط الإنسان بمجتمعه، وبين المنهج العمودي في هذه الشبكة التي تربط الإنسان بالسماء، ويمكن أن نقول في الأخير أن منهجه عقلاني نقدي باعتباره باحثاً شمولياً في مجال الحضارة والتاريخ[23].
إذ تعتبر التجربة العميقة والعنيفة في الوقت نفسه بأبعادها الروحية والفكرية والاجتماعية هي أيضا جعلت "مالك بن نبي" يعلم علم اليقين إن الإسلام بعقيدته الموحدة وفكره المنفتح على العقل منذ بدايته وهي "أقرأ"، وروحه الاجتماعي من مساواة وتضامن وأخوة أقدر على مواجهة الحضارة الغربية، والانتصار عليها، ولكن المشكلة هي في المسلمين لا في الإسلام!؟
هذا وقد اعتبر "مالك بن نبي" حركة الإمام "عبد الحميد ابن باديس"(1889-1940م) "بداية معجزة البعث"[24] في الجزائر حيث أستيقظ المعنى الجماعي، وتحولت مناجاة الفرد إلى حديث الشعب[25]، كما سُمي ذلك النهج الصغير الذي كان يَوجَدُ به مكتب الإمام "شارع الفكر"[26]، وربطاً للفكرة الدينية بالعمل في الحياة نذكر إدخال "مالك بن نبي" "مجلة الشهاب" للإمام "ابن باديس" لمدينة "أفلو" 1927م التي تحمل مسؤولية الدفاع عما بقى من تلك الفضائل والقيم وإحياء ما مات منها وإصلاح ما أفسده الاستدمار، والمقصود هنا المعلومات المتعلقة بجريدة "الشهاب"[27].
3. المقومات المعرفية لمنهج "مالك بن نبي" الحضاري:
يقوم منهج "مالك بن نبي" الحضاري على المقاربة الاجتماعية بمعنى أنه "منهج تحليلي في دراسة الظاهرة القرآنية" وهو منهج يحقق من الناحية العلمية هدفاً مزدوجاً هو:
- أنه يُتيح للشباب المسلم فرصة التأمل الناصح في الدين.
- أنه يقترحُ إصلاحاً مناسباً للمنهج القديم في تفسير القرآن الكريم.
كما أن المنهج يُشكل محوراً أساسياً من مشروعه الإصلاحي، باعتبار أن النص القرآني هو الدعامة المرجعية لسلوك المسلم، وباستثماره يتم العمل على تغيير وجهة المجتمع المسلم والنهوض به[28].
أ- منهجه في نقد المستشرقين:
يعتبر "مالك بن نبي" من الأدباء المخلصون والمؤرخون الغيورين على دينهم وحضارتهم، حيث خصص بعض جهودهم للرد العلمي على مزاعم المستشرقين وأخطائهم، فنجده يعتمد إلى إجراء تقييم عام لإنتاجهم مُحللاً تارة، مستشهداً ومبرهناً تارة أخرى، مُنتهجاً الأسلوب المقارن أحياناً، راكناً إلى التحقيق والتجربة أحياناً أخرى، متفرساً مستطلعاً أنباء التاريخ مستخلصاً العبرة مرة أخرى، مستخرجاً نظرية يوماً، مُسطراً قاعدة عامة يوماً آخر تفيد في التوقعات، أو التحذير، أو المواجهة، أو في شتى الفعاليات[29].
ب- مميزات منهجه المعرفي:
أمتاز هذا المنهج المعرفي بعدة خصائص جعلته يتميز بالاستقلال والانفتاح في الوقت نفسه، ومن أهم النقاط التي تميز بها نذكر ما يلي:
- حرصه على حصانة الفكر الإسلامي وأصالته و صفائه وفعاليته.
- كان يتسم بحساسية مرهفة تجاه أحابيل العدو الذي كان يسميه بـ"الآخر" "L’autre" أي المجهول الصورة، ويلومه عن بعد المؤامرات الفكرية التي يدبرها.
- حرصه على المغايرة والتمييز والجدية والسلوكية في بناء الشخصية الفكرية.
- اعتماده على التحليل الرياضي والمنطقي والفلسفي، والمنهج النفسي والاجتماعي لاستجلاء مكنونات القضايا الفردية والمجتمعية.
- تحليله كان تحليلاً غائياً يستهدف الوصول إلى بضاعة التفكير الإسلامي وإبداعه، وقدرته على إيجاد الحلول وغرسها في أذهان شباب ما بعد الاستقلال، كما أنه لا يقف على الداء لمجرد الإمداد بالعلاج أو الوقاية، ولكنه يُلقن مع ذلك منهج الكشف ومنهج الوقاية، والتحليل والرتابة والتحقيق والتصويب ومنهج تشخيص الأمراض وتبين الأغراض[30].
4. معوقات البناء الحضاري عند مالك بن نبي:
إن معرفة المعوقات في أي شيء تتطلب منا معرفة كيف كان ذلك الشيء، وكيف صار إلى الحالة التي هو عليها الآن، والأمر عينُه ينطبق على واقع المجتمع الإسلامي اليوم، أي معرفة كيف كان ماضيه، وكيف صار إلى الحالة التي هو عليها في عصرنا اليوم، و"مالك بن نبي" كباحث في فلسفة التاريخ الجزائري خاصةً، والعالم العربي الإسلامي عموماً، يُجيب على سؤال المعوقات من خلال المراحل التي مر بها المجتمع العربي الإسلامي، أو الحضارة الإسلامية منذ مرحلة الظهور وصولاً إلى مرحلة الأفول، وكجواب مباشر هكذا بدأنا وهكذا كنا وإلى الحالة الآتية صرنا، وهذا ما توضحه المراحل الثلاثة الآتية:
1- مرحلة الروح -هكذا بدأنا- :(من غار حراء إلى معركة صفين 38هـ):
تم فيها خروج الإنسان من الحالة الطبيعية، ودخوله في الحياة الاجتماعية، حيث يتم ضبط غرائزه الحيوانية، وإخضاعها القائم على أساس نظام أخلاقي سامي ودقيق، حيث يرى "مالك بن نبي" أن واقع المسلمين في المراحل الأولى من بعد الدعوة أنتابها نوعاً من النهوض الحضاري الفكري والمادي القائم على الفكرة الدينية بالأساس، حيث أسماها "مالك بن نبي" بمرحلة الروح" إذ تغيرت النفس الإنسانية مُغيرة معها المجتمع، يقول "مالك بن نبي" :«في هذه الحالة يتحرر الفرد جزئياً من قانون الطبيعة المفطور في ذاته، ويخضع وجوده في هذه الحالة الجديدة طبقا لقانون الروح»[31]. وسيطرة الروح، المقصود هنا سيطرة العقيدة، من خلال معرفة الإنسان كمسلم لمبررات وجوده المتمثلة في:
- العبادة: بدليل قوله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾[32].
- عمارة الأرض: مصداقاً لقوله تعالى:﴿ وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ﴾[33].
- الخلافة: مصداقاً لقوله تعالى:﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾[34].
2- مرحلة العقل- هكذا صرنا-: (من معركة صفين إلى العصر الأموي والعصر العباسي الأول):
وضعت واقعة صفين عام 38هـ حد لبناء الروح وأفقدتها نفوذها في المجتمع وسيطرتها على الغرائز، واعترى الاهتزاز القيم الأخلاقية، وظهر التزعزع جلياً في شبكات العلاقات الاجتماعية.
3- مرحلة الغريزة- إلى الحال الآتية صرنا-: (من العصر العباسي المتأخر، والعصور التي تلت عصر ابن خلدون): وهي عصور أظلم فيها ليل التاريخ على حضارة الروح المتقدة فعالية وتوتراً.
إذن فدورة الحضارة الإسلامية في نظر "مالك بن نبي" بدأت نهضتها بفكرة دينية روحية، وانتهت هذه النهضة حين فقدت الروح فعاليتها في السيطرة على الغرائز الحيوانية عند الإنسان في جميع مجالاته الحياتية؛ وبعد أفول نجم الحضارة الإسلامية بسبب استعاد الغرائز سيادتها على الإنسان، ساد وما يزال ما يسميه "مالك بن نبي" مجتمع ما بعد الموحدين، عهد القابلية للاستعمار – كسبب داخلي- والاستعمار – كسبب خارجي- [35]، هكذا صرنا وإلى الحالة أو الأزمة وصلنا أزمة "إنسان ما بعد الموحدين" أزمة القابلية للاستعمار و أزمة الفوضى[36].
5. سبل البناء الحضاري عند مالك بن نبي:
باعتبار نظرة وفلسفة "مالك بن نبي" تفاؤلية كونه يرى أن السبيل إلى نهوض المسلمين هو القيمة الخلقية الدينية الروحية، التي هي شرط إنساني لكل إقلاع حضاري، فيبقى البِناء أو إعادة البِناء دائما في وسعه، وذا ما تُمثله الآية الكريمة:﴿ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ﴾ [37].
فالتغيير كمبدأ قرآني ضروري للنهوض، حيث يكون على مستويان: نفسي داخلي يتمثل في القضاء على "القابلية للاستعمار"، يتجلى من خلال قول "مالك بن نبي":« لتغيير ما بأنفسنا، ولنتخلص من نفسية المستحيل، ونفسية التساهل، فليس هنا شيء سهل وليس هناك شيء مستحيل»[38]، وخارجي يتمثل في القضاء على الاستعمار نفسه؛ فالتغيير يبدأ من الداخل ثم يشق طريقه خارج الفرد في المجتمع والأمة والإنسانية جمعاء، كما أن إنشاء أو صنع أي الحضارة لا يكون بالتكديس، بل بالبناء «لأن عملية إنشاء الحضارة لا تتم بشراء كل منتجاتها وتكديسها، لأن ذلك مستحيل من حيث الكم والكيف معاً، فالحضارة لا تبيع كل منتجاتها مرة واحدة، فهي لها روح وأفكار وأذواق خاصة بها تبقى لها(....) ويصبح المقياس العام في عملية التحضر هو الحضارة التي تلد منتجاتها، وسيكون من السخف والسخرية حتماً أن نعكس هذه القاعدة حين نريد أن نصنع حضارة من منتجاتها»[39]، وعليه فمعُوقات النهضة باختلافاتها دينياً، اقتصادياً، سياسياً، اجتماعياً، وثقافياً، في فكر "مالك بن نبي" يمكن أن توحد في الإنسان كمصدر لمشكلة النهوض في العالم الإسلامي، فالإنسان بحد ذاته كمشكلة إلى حل وبناء وتوجيه، لذا أقترح "مالك بن نبي" ضرورة توجيه الإنسان في ثقافته وعمله ورأسماله:
- أولاً: التوجيه الثقافي:
يعني به "مالك بن نبي" توجيه مجموعة من الصفات الخلقية، والقيم التي يتلقها الفرد منذ ولادته كرأسمال أولي في الوسط الذي ولد فيه، وتصفيتها من كل ما يشوبها من عوامل الانحطاط[40].
- ثانياً: التوجيه الاقتصادي:
أ- توجيه العمل:
يعني به "مالك بن نبي"« سير الجهود الجماعية في اتجاه، لكي يضع كل واحد منهم في كل يوم لبنة جديدة في البناء»[41]، وبهذا يتوفر العيش الكريم لكل فرد من أفراد المجتمع.
ب- توجيه رأس المال:
يعني به "مالك بن نبي" «تحريك أموال الأمة مهما كانت بسيطة، قصد إيجاد حركة ونشاط توظف فيه الأيدي والعقول لبناء حياة اقتصادية، تضمن انسجام مصلحة الجماعة مع مصلحة الفرد، أي تحقق العدل بين الطبقات في المجتمع»[42]؛ حيث تعمق "مالك بن نبي" في مسألة التوجيه الاقتصادي، مؤكداً أن الاستثمار المالي ليس هو الحل الأمثل للنهوض بالعالم الإسلامي والمتمثل في جلب قروض لا تفيد هذا العالم في شيء بل على العكس من ذلك قد تضره وتقيد نموه وتطوره، ولكن الحل يتمثل في الاستثمار الاجتماعي، ويعني به "مالك بن نبي" أن نستثمر ما نستطيع بالوسائل الموجودة في أيدينا، ووسائلنا بلداننا التي تمكننا من الإقلاع أو النهوض الحضاري من البداية هي:(الفلاحة، المواد الأولية، الخام، وعضلات المواطن وعزيمته)؛ وبهذا يتحقق ما قال به "مالك بن نبي" «يجب أن تأكل الأفواه كلها، ويجب أن تعمل سائر السواعد ، وبدونها نظل في انتظار صدمة العدو»[43].
نفهم مما سبق أن النهوض بحضارتنا من جديد يتطلب منا كفاعلينا في المجتمع:
أ/ أن نرجع الأجيال في تربيتها إلى أصلها الأول المتمثل في الفكرة الدينية لتسري في أقوالها، وأفعالها، وأعمالها، التي تبعث الحياة من جديد في عناصر الحضارة من (إنسان، تراب، وقت)- سماها "مالك بن نبي" "العدة الدائمة"، فأي منتوج حضاري هو حصيلة تألف بين العناصر الأولية الثلاثة، فلا يصلح آخر الأمة إلا بما صلح به أولُها، أي أن نَعوُد إلى الإسلام في كل مجالات الحياة.
ب/ أن نستفيد من المراحل التي مرت بها الحضارة الإسلامية، والتمسك بمرحلة الروح، لأن فيها استمرار اللحظة الحضارية الأصلية[44].
وبتوجيه الإنسان ثقافياً وعملياً ومالياً يسهل علينا حل مشكل التراب ومشكلة الوقت، لأن الإنسان مطالب بإيحاد حل لهما، لكن إين تكمن هاته الحلول الممكنة للتراب والوقت؟
- أولا: حل مشكلة التراب: لفت نظر "مالك بن نبي" في أفلو ظاهرة أخذت حيزاً من تفكيره وهي زحف الرمال على الأراضي الزراعية، فدق ناقوس الخطر وحذر من أخطارها على الأمن الغذائي في الجزائر، والتي تعاني منها أعظم أقطار الجزائر[45]؛ فالإنسان عندما يعتني بالأرض وبتنميتها يحقق الرفاهية للفرد والمجتمع، « فالاعتناء بالتراب، يعني الانتصار على أنفسنا الخاملة الكسولة»[46]، كما قال "مالك بن نبي".
- ثانياً: أما حل مشكلة الوقت: فيكون في نظر "مالك بن نبي" بمعرفة قيمة الوقت وضرورة الحرص عليه وتجنب إهداره، لأن في إهداره تضيع ثروته[47]، أما إذا أستغل الوقت فلم يضيع سدى ولم يمر كسولاً في حقلنا، فيسترفع كمية حصادنا العقلي واليدوي والروحي[48]، أما جواب هذا السؤال في فكر "مالك بني" يقتضي منا معرفة كيف كنا أولاً ثم كيف صرنا ثانياً، فكيف كنا في نظر "مالك بن نبي" هو عصر النهضة، وكيف صرنا هو عصر الانحطاط، والفارق بينهما يتمثل في الفكرة الدينية، أو الإيمان الذي مهد الطريق إلى الحضارة، إذن بتوجيه الإنسان وبتقليب التراب واستغلال الوقت سيرى العالم الإسلامي النهوض، وقد تزدهر حضارته من جديد، "فمالك بن نبي" لا يسعى إلى بناء نهضة على النمط الأوربي روحياً وفكرياً أو صناعياً، لأنها أنتجت في الأخيرة حضارة مادية لا مجال فيها لما هو روحي أو قيمي، بل سنشد نهضة إسلامية أصيلة قائمة على التعادل بين الروح والمادة بين الضمير والعلم، ولهذا قدم لنا "مالك بن نبي" مشروعين للعالم الإسلامي كفيلين بإحداث النهضة أو التقدم وإخراجه من أزمته أولهما: اقتصادي، وثانيهما: روحي أخلاقي.
- أما المشروع الاقتصادي: ينصح "مالك بن نبي" البلدان النامية بضرورة توحيد أسعار المواد الأولية في الأسواق العالمية حتى لا تخضع لسياسة المساومات أو تبخس قيمتها الشرائية في الأسواق[49].
- أما المشروع الأخلاقي: لا يكفي إنجاز المشروع الاقتصادي، وتحقيقه عملياً لتحقيق نهضة أو بناء حضارة إنسانية إسلامية، إلا إذا كان هناك امتثالاً من المسلم للأمرية الإلهية في جميع جوانب الحياة بما يحقق له مكاناً كريماً وتزدهر حياته من جديد[50].
6. الأسس المفاهيمية لبناء الحضارة عند مالك بن نبي:
إذا كانت الحضارة بالنسبة "لمالك بن نبي" مفهوم كوني يتجاوز الخصوصيات الدينية، ولها قانون كلي يصوغه على شكل معادلة كيميائية (الحضارة= إنسان+ تراب+ وقت)، ويوضح هذه المعادلة بقوله: «إن مشكلة الحضارة تتحلل إلى ثلاث مشكلات أولية: مشكلة الإنسان، مشكلة التراب، مشكلة الوقت؛ فلكي نقيم بناء حضاري لا يكون ذلك بأن نكدس المنتجات، وإنما بأن نحل هذه المشكلات الثلاثة من أساسها»[51].
وهذا ما شرحه بالتفضيل في أول كتاباته الأولى التي صاغ فيها نظريته حول "شروط النهضة" في نهاية الأربعينيات"، ويعتبر "مالك بن نبي" أن "العامل الديني" هو الذي يؤثر في مزج هذه العناصر في ما بينها، بيد أنه يأخذ "الدين" هنا بمعناه الأنثروبولوجي الواسع، أي العلاقة بالمقدس المؤسس «فالحضارة لا تنبعث إلا بالعقيدة الدينية، وينبغي أن نبحث في حضارة من الحضارات عن أصلها الديني الذي بعثها...فالحضارة لا تظهر في أمة من الأمم إلا في صورة وحي يهبط من السماء يكون للناس شرعةً ومنهاجاً، أو هي على الأقل تقوم أسسها في توجيه الناس نحو معبود غيبي بالمعنى العام، فكأنما قدر للإنسان إلا تشرق عليه شمس الحضارة إلا حيث يكشف معها أسمى معاني الأشياء التي تهيمن عليها عبقريته وتتفاعل معه»[52].
حيث يشكل البناء الحضاري إعادة تركيب للمجتمع، وإعادة بناء للإنسان، وذلك وفق التجديد الدقيق لمدلول الحضارة، وبناء الإنسان المقصود به الغاية التي تربط المجتمع بالإنسان والعكس صحيح، وهنا اجتماعية المجتمع كعلاقة أفقية، والغاية التي تربط الإنسان بالله كعلاقة عمودية؛ والهدف الحقيقي هنا يجمع المجتمع والإنسان لتأكيد الحقيقة الدينية القائلة:﴿وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾[53]. وهذا مرادفاً لمقولة "مالك بن أنس"-رحمه الله-: «لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها»[54].
والبناء هنا سواء تعلق بالفرد أو بالمجتمع تسبقه عملية إخلاء، كما يقول بعض الفلاسفة؛ وذلك هو التغيير الذي ينشده المجتمع الإسلامي كما قال "مالك بن نبي": «غير نفسك تغير التاريخ»[55]، مصداقاً لقوله تعالى:﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ﴾[56].
وعليه ترى النظرية الفلسفية التاريخية الدينية لـ"مالك بن نبي"، والتي جسدتها معادلته العجيبة التي تعيد إشكالية الحضارة إلى وجوب البدء بحل المشكلات الثلاثة الآنفة الذكر؛ فلكي نقيم حضارة ما يقول "مالك بن نبي": «يجب أن نصع رجالاً يمشون في التاريخ مستخدمين التراب والوقت في بناء أهدافهم»[57].
إن الإنسان في هاته المعادلة هو مفتاح الإشكالية، وهو أساس البناء فيها، وبالإضافة يحتكم "مالك بن نبي" إلى ما يسميه بمختبر التاريخ ليدُلنا على المركب (Cataliseur) الذي يتدخل في تركيب العناصر الثلاثة، المتمثل في "الدين" كمركب عام لجميع أنواع الحضارات الإنسانية.
7. المسار الحضاري الإسلامي من واقع الأزمة إلى أفق الحل:
إن الجوهر الحقيقي في مشكلات الحضارة هو "مشكلة الإنسان"، وأن حل هذه الأخيرة يكون في عناصر ثلاثة أساسية هي: توجيه الثقافة، وتوجيه العمل، وتوجيه رأس المال. وحل "مشكلة الأرض" يكون بغرس قيم العمل والعمل الاستراتيجي للإصلاح الزراعي واستخدام الموارد المتاحة وحسن استغلالها. وحل "مشكل الوقت" باستبدال زمنية العدم والتلاشي بزمنية الفعل والنشاط والتوجيه المستقبلي[58].
وعن الرؤية الحضارية يقول "مالك بن نبي" إن الحضارة قيم كونية، ومسار إنساني موضوعي – أي سنن إلهية لا تتغير- مفتوح لمختلف الأمم من منطلق خصوصياتها: «إن من الواجب ألا توقفنا أخطاؤنا عن السير الحديث نحو الحضارة الأصلية توفقنا خشبة السخرية أو الكوارث، فإن الحياة تدعوننا أن نسير دائما إلى الأمام...حتى نرى أن الحضارة ليست أجزاء مبعثرة ملفقة ولا مظاهر خلابة وليست الشيء الوحيد، بل هي جوهر ينتظم جميع أشيائها وأفكارها وروحها ومظاهرها، وقطب يتجه نحوه تاريخ الإنسانية»[59].
من هذا المنظور أعتبر "مالك بن نبي" أن التعليل في التخلف والانحطاط بالمسؤولية الاستعمارية مجرد حيلة زائفة لتبرير الوضع المختل الذي أدى إلى الاستعمار، ومن هنا نتحدث عن إبداعه لمفهوم "القابلية للاستعمار" فالشعوب المستعمرة هي التي توصلت أوضاعها الاجتماعية والثقافية إلى مرحلة أصبحت فيها جاهزة للاختراق والاحتلال وتكبيل الإرادة: «إن الاستعمار لا يتصرف في طاقتنا الاجتماعية إلا أنه درس أوضاعنا النفسية العميقة، وأدرك منها موطن الضعف، فَسخَّرنا لما يريد، كصواريخ موجهة يصيب بها من يشاء، فنحن لا نتصور إلى أي حد يحَتال لكي يجعل منا أبواقاً يتحدث فيها وأقلاماً يكتب بها، أنه يُسخرنا له بعلمه وجهلنا»[60].
أ- الإنسان وأبعاد التغيير النفسي والبعث الحضاري:
إن انطلاق "مالك بن نبي" من مرجعيات الفكر الإصلاحي يجعلنا لا نستغرب اهتمامه بفكرة التغيير النفسي والاجتماعي التي جعلتها الحركة الإصلاحية شعاراً لها ومنهاجاً، وهذا في دراسات مشكلات الحضارة الإنسانية تماشياً مع قوله تعالى:﴿ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ ﴾[61].
وهذا يعني لنا باختصار أن سنة التغيير هاته تربط تغيير الأوضاع الاجتماعية بتغيير الأحوال النفسية لأن نرقي النفوس لما هو أفضل يستلزم عنه رُقي في المجتمع وتطوره المعنوي والمادي والعكس صحيح، وكمثال عن التغيير نحو الأدنى هو ما يترتب عن الكفر بالنعمة كما جاء في قوله تعالى:﴿ كَدَأْبِ آَلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾[62].
- وعليه يمكن أن نتسأل: ما هي شروط التغيير النفسي والبعث الحضاري؟
تتمثل شروط التغيير النفسي والبعث الحضاري في النقاط التالية:
1- تطهير القلوب وتطهير النفوس أصبح مطلباً حضارياً في صناعة إنسان اليوم واستخلافه على الأرض، لأنه أساس التغير نحو الأفضل والعودة من سيطرة الغرائز والعقل إلى سيطرة الروح المزين للنفس بالإيمان وحب الخير كما جاء في قوله تعالى:﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾[63].
2- استقامة الإنسان مع نفسه تجعله لا يَقبَلُ إلا سلطة حاكم مستقيم مع دينه، فإذا تصورنا مجتمع جاهل لا يمكن أن يرضى بحكم عالم فالعكس صحيح.
ولذلك يرى "مالك بن نبي" أن أساس التربية المدنية يحصل بتلقين كل فرد من أفراد المجتمع هذه المبادئ التي عبر عنها بقوله: «فلتغيير الدولة يجب أن تغيير نفسك»[64]. وكذلك قوله أيضا:« غير نفسك تغيير التاريخ»[65].
وكمثال لتوضيح مسألة "التغيير النفسي" إذا رجعنا إلى مصطلح "مالك بن نبي" "قابلية الاستعمار" في علاقتها بتواجد الاستدمار في البلدان الإسلامية ما هو إلا حتمية نفسية مرضية، لذا أوصى بإنشاء "علم الاجتماع المرضي" في البلاد الإسلامية لتشخيص جميع الآفات الاجتماعية وإيجاد حلول لها وصل به الأمر إلى اقتراح "علم اجتماع الاستقلال"[66].
إذا إن المسألة الجوهرية في التغيير الحضاري مرتبطة بالإنسان، وهي نفسه التي بين جنبيه، وهذا ما قال عنه المولى عز وجل:﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾[67]. فإذا عوض الإنسان بالنفس في المعادلة الحضارية عند "مالك بن نبي" والمتكونة من جانبين هما الفجور والتقوى فيكون ما يلي:
· نفس= فجور/ تقوى.
· الحضارة = الإنسان + التراب+ الوقت.
· الحضارة= (فجور/ تقوى)+ التراب+ الوقت.
- فإما إذا كانت نفس الإنسان "نفساً فاجرة" تصير الحضارة صفرية:
· ح0= (فجور ) + (تراب + وقت).
- والعكس إذا كانت نفس الإنسان "نفسا تقية" تصير الحضارة واحدية:
· ح1= (تقوى) + (تراب + وقت)[68].
وبناء على هذا على هذا المنظور تتضح إشكالية التغيير والانبعاث الحضاري، وتتلخص في التوجيه الفعلي لحركة التاريخ نحو إحدى الحضارات البشرية الصفرية، أو الواحدية السامية؛ واللتان توجد بينهما جميع أنواع الحضارات البشرية المتفاوتة فيما بينها بقدر اقترابها من الأولى، أو دنوها من الثانية.
- فكيف يا ترى "مالك بن نبي" أقترح صناعة الإنسان ضمن البناء الحضاري الجديد؟ وما هي الميكانيزمات اللازمة لذلك؟
ب- كيفية بناء أو إعادة صناعة الإنسان في حل المشكلة الحضارية:
تبدأ عملية التغيير الفعلية بتخليص الإنسان من عقدة النقص أو الانبهار بمظاهر ما عند الغربيين، كذلك بتخليصه من بقايا التوكل والخرافة، وبإعادة الِّلُحمة بينه وبين قناعته وعقيدته وسلوكه وعمله[69]. فليس المهم في بناء الإنسان الجديد أن يبدل نمط أو زي لباسه ونوعية أثاث منزله ومكتبه...ولكن المهم أن نحدد له إطاره الحضاري في مجال الثقافة، والأخلاق، والاقتصاد، وكافة المجالات، وبكلمة واحدة أن نقتلع ونصفي "القابلية للاستعمار" من عالمه الداخلي حتى تنطلق طاقته لتصفيته من عالمه الخارجي[70].
وعليه فإن التغيير الحقيقي للإنسان يبدأ من النفس، وبها تتعدل شخصيته ويتم توازنها لمحاولة الدخول في مرحلة الإقلاع الحضاري القائمة على الأصالة والمعاصرة من خلال منهجها المنشود على التواصل والتفاعل وإلغاء للسلبية من حقبة التراث وإفصاح المجال أمام الفاعلية الإيجابية للتأثير والتفاعل مع وقائعه الساعية إلى أهداف مستقبلية لتجاوز التمزق والتخلف والاستبداد؛ وبالتالي فتغير الإنسان أو نهضته الحضارية مرتبطة بشروط ضرورية لجميع عناصر الحضارة من (إنسان، تراب، وقت)، وعليه يمكن أن نقول أن نظرية "مالك بن نبي" نظرية فلسفية واقعية بدليلها:
- أولاً: عن الإنسان
فبعد إقامة "مالك بن نبي" في مدينة "أفلو" وانتقاله إلى مدينة "شلغوم العيد" غير بعيداً عن مسقط رأسه "قسنطينة"، حيث كان وجوده في هذه المدن الأخيرة فرصة ليقارن بين الإنسان الجزائري فيها، أي بين الإنسان الذي فقد فضائله، أو أفقده الاستعمار فضائله، حيث كانت المدينة مركزاً كبير للمستعمرين، وبين الإنسان الجزائري في "أفلو" الذي أحتفظ بتلك الفضائل، مما جعل "مالك بن نبي" يتأسف لأنه لا يستطيع إصدار قانون يحرم "جبل عور" على المستعمر، كما يمنع دخول متحف وضعت فيه أشياء ثمينة[71].
حيث نجد أن "مالك بن نبي" لما عاش في باريس تعرف من التجربة التي عاشها على الحضارة الغربية في روحها وأفكارها لا مزبلتها، إذ نجده يوصي الطلبة بقراءتها من خلال جملة من الكتب أهمها كتاب (الأسس الثقافية للحضارة الصناعية) للمفكر الأمريكي "جون نيف"(John Nef)(1931م-).
- ثانياً: عن التراب
لقد لفتت ظاهرة زحف الرمال في "أفلو" نظر "مالك بن نبي" وستأخذ مستقبلاً حيزاً في فكره حيث حذر من أخطاره على الأمن الغذائي للجزائر والإنسان الجزائري، والأمة الإسلامية حتى تكون أمة منتجة وحضارتها حضارة منتجة لا حضارة شيئية مستهلكة وهذا ما تعاني منه أغلب أقطار الأمة العربية الإسلامية، وأول من أثار هذه المشكلة هو الإمام "عبد الحميد ابن باديس" عام 1928م[72].
فلقد أصبح "التراب" أحد "شروط النهضة" وعنصراً هاماً أيضاً في مشروع "مالك بن نبي" لحل مشكلات الأمة الإسلامية؛ "فالتراب" ليس هو المفلح والزرع فحسب، بل هو كل مجال يسبح فيه "الإنسان" في حياته اليومية؛ سواء في المجال الصناعي أو الزراعي أو التجاري أو العلمي أو الأخلاقي أو الديني، وما قام "مالك بن نبي" بتحليله أكثر عمقاً عندما تكلم عن محور (طنجة جاكرطة) واقتراحه حل يتجاوز هذه السلبيات بإحداث "كومنولث إسلامي" لإيجاد التكامل المفقود بين شعوب هذا العالم الإسلامي، لذلك يمكن أن نؤكد على واقعية نظريته الحضارية فقد حُققت سياسياً في شكل "منظمة المؤتمر الإسلامي"، واقتصادياً في شكل "منظمة الأوبيب"، وثقافياً في شكل "المنظمة الإسلامية للعلوم والثقافة والتربية"، كما تحققت نظريته فلاحياً في شكل "السد الأخضر" عندنا كحاجز ضد هجوم التصحر على الخصوبة السهوبية [73]. ورغم أن "السد الأخضر" في الجزائر كان تنفيذاً لفكرة "مالك بن نبي"، ولكن هذا التنفيذ اتخذ صيغة سياسية ديماغوجية، فكانت عاقبته خسراً.
- ثالثاً: عن الوقت
كَلَّفَتْ الحكومة الجزائرية في السبعينيات الشرطة بالبحث على المتغيبين عن العمل لدلالة على ضياع الوقت عندنا، والأمثلة كثيرة...الخ [74].
من خلال كل ما سبق صَنَّفَ "مالك بن نبي" المجتمع بحسب الإبداع الحضاري إلى أقسام ثلاثة: الأول: مجتمع ما قبل الحضارة وهو المجتمع البدائي أو الهمجي- ومجتمع الحضارة وهو ما ينشده "مالك بن نبي"-، ومجتمع ما بعد الحضارة – وهو مجتمع السقوط والانحطاط- وعليه نستنتج أن حل مشكلة الحضارة عند "مالك بن نبي" يقوم على حل مشكلتين أساسيتين:
· المشكلة العضوية الخاصة بتشييد بناء قائم على الحقائق النفسية والاجتماعية في هذه البلاد.
· مشكلة التوجه القائم على حقائق الوضع العالمي.
كما يرى "مالك بن نبي" أنه إذا تحرك الإنسان تحرك المجتمع والتاريخ، وإذا سكن سكن المجتمع والتاريخ، وتحليلاً لهذا الرأي المؤكد على أهمية الإنسان كعنصر من عناصر الحضارة، تعتبر مشكلة الإنسان ذات أبعاد عالمية وإنسانية، يقف "مالك بن نبي" على ثلاثة مراحل ضرورية ليتم بناء أو صناعة إنسان اليوم وفقها:
- المرحلة الأولى: كان الإنسان في نقطة الانطلاق متسماً بالبساطة الفطرية، فهو إنسان طبيعي (Homonatura) يحيا حياة راكدة خاوية، ثم تأتي الفكرة الدينية المركب للعناصر الثلاثة (الإنسان، التراب، الوقت) فتملأ فراغه وتنزله السبيل فتندفع عجلة التاريخ وتشرع في دورتها وتكون للإنسان روح كلها إيمان وأمل وسمو نحو الغاية التي رسمتها لها الفكرة الدينية، وهذه هي المرحلة الأولى من التحضر، وسماه "مالك بن نبي" "بمرحلة الروح"، لأن الروح هنا تكون مهيمنة على الغرائز ومتحكمة في العقول في بداية التحضر، ويكون المجتمع والفرد متماسكا كلما زادت الطاقة الدينية، حيث رأى "مالك بن نبي" أن هاته المرحلة ضرورية لأي إنسان كان في أي زمان أو مكان.
- المرحلة الثانية: إن الإنسان وواقعه العالمي جعله يدخل في مرحلة ثانية من التحضر نتيجة الصراع الداخلي بين الغرائز والعقل، ويسمي "مالك بن نبي" هذه المرحلة "بمرحلة العقل"؛ حيث تساوى فيها أسباب السمو الروحي وجاذبية الغرائز، وتتسم المرحلة بالتوسع و انتشار الفنون والعلوم ويحل العقل محل الدين أو الروح، وهنا يرى "مالك بن نبي" أن تعاد مكانة الروح على العقل والغرائز لأن السبب الحقيقي لما يعيشه الإنسان في عصر العولمة والحداثة وما بعد الحداثة.
- المرحلة الثلاثة: نتيجة للمرحلتين السابقتين يدخل الإنسان في منظور "مالك بن نبي" مرحلة جديدة، وأكثر ضرورة في صناعة الإنسان، حيث تسيطر الغرائز في هذه المرحلة على العقل والروح فينحط الإنسان إلى حضيض الحيوان نتيجة التدرج في السيطرة من الروح للعقل إلى الغرائز في بناء الإنسان، وتدخل نتيجة لهذا الحضارة الإنسانية في مرحلة جديدة من التخلف والتقوقع – وهو حال أغلب المجتمعات العربية والإسلامية اليوم- ويكون المجتمع غير متماسك ميالاً إلى الماضي والقابلية للاستعمار والأصح كما سماه "الاستدمار"، وهنا يرى "مالك بن نبي" ضرورة أن تحل "الفاعلية الإيجابية" محل هذه "القابلية" لتربط الفكرة بالعمل، ويقوم النهوض ويخرج المجتمع من "حضارة شيئية" إلى "حضارة إنتاجية" لإعادة "الفكرة الدينية" ووظيفتها الاجتماعية في الحياة العملية، ويخرج الإنسان من دائرة "الفجور والجهل والفقر والظلم...إلى دائرة التقوى والعلم والاكتساب ونصرة الحق فتكون إنسانية الإنسان واجتماعية المجتمع".
ومن هنا نكتشف أن "الإنسان" أهم عنصر من عناصر الحضارة، ولا يمكننا أن ننفي علاقته المباشرة "بالتراب" و"الوقت" كعنصرين ضروريين لحركة الإنسان في التاريخ، وعدم إدراك هذه الحركة في علاقتها بالزمان والمكان يجعل صعوبة في تشخيص أسباب أفول الحضارة، وأيضاً في إيجاد حلول ومناهج لجهل مكانة الأمة من التطور الحضاري.
8. منطلقات التغيير للإقلاع الحضاري في العالم الإسلامي حسب رؤية "مالك بن نبي":
إن عملية النهضة أو بناء المجتمع الإسلامي تسبقها عملية التغيير عند "مالك بن نبي" مصدقاً لقوله تعالى:﴿ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ﴾[75]، بمعنى «غير نفسك تغير حياتك»[76]، والتغيير يمتد في أبعاده الفلسفية إلى بعدين هما:
- أولاً: البعد النفسي، تبدأ عملية التغيير الفعلية بتخليص الإنسان من عقد النقص، بمظاهر الغربيين، وكذا تخليصه من بقايا التواكل والخرافة، بإعادة اللحمة بينه وبين قناعته وعقيدته وسلوكه وعمله[77].
- ثانياً: فليس المهم في بناء الإنسان لباسه أي تغييره، بأن يبدل نمط أو زي لباسه ونوعية أثاث منزله ومكتبه... ولكن المهم أن نحدد إطاره الحضاري في الثقافة، والأخلاق، والاقتصاد، وكافة المجالات وبكلمة واحدة نقتلع ونصفي القابلية للاستعمار في عالمه حتى تنطلق طاقته لتصفيته من عالمه الخارجي[78].
فعملية التغيير هذه إن هي إلا تمهيد لعملية النهضة، والنهضة تمثل القيام بخطوات إصلاحية من أجل تحقيق عملية الإقلاع الحضاري، والقاعدة الصلبة التي يصفها "مالك بن نبي" لعملية النهضة، أو الإقلاع إنما هي الإسلام، الذي يشكل الإطار الحضاري للعالم العربي والإسلامي، وتنحو هذه النهضة في اتجاهيين:
1- اتجاه يقوم على الوعي بالماضي، وفهم منتجاته، في محاولة لتنقيتها والالتزام بالإيجابي منها، ووعي حضوره السلبي فيها للانفصال عنه، بهدف إلغاء أثره في الواقع الثقافي والفكري عامة.
2- أتجاه مستقبلي، يلتزم بأحكام القرآن والسنة، وسلوك السلف الصالح، محددا لآليات التطور الاجتماعي في كل المجالات من أجل بناء حضارة الإنسان التي ستنقذ الإنسانية[79].
3- كما يعتبر التجديد الحضاري عاملاً هاماً في نهضة أو أفول أي حضارة، فإن التاريخ يؤكد أن للحضارة عمر ميلاد ونهضة وأوج وأفول، وكل طور من هذه الأطوار يقوم بفعل ظاهرة التجديد، وكذلك بالنسبة للانتقال من طور إلى آخر، وعليه يعتبر التجديد الحضاري سبباً في أفول أي حضارة، لأن المجتمع يصل إلى مرحلة فيها من التجديد ما يكبح الروح والعقل، ويطلق العنان للشهوات والملذات، فيغرق المجتمع في الترف والبذخ وينتظر ليل الحضارة[80].
- خاتمة
وانطلاقا مما سبق يمكن اعتبار "الفكرة الدينية" في علاقتها بالنفس كعنصر حضاري منطلقاً لمنهج التغيير، وأساساً لبناء جديد للإنسان يتماشى مع الروح والعقل والغريزة، "فمالك بن نبي" مُنظَرٌ بامتياز لمشكلة الإنسان العالمي، وليس الإنسان العربي المسلم فقط، فيمكن اعتبار نظريته الفلسفية الواقعية حلاً فاصلاً بدلاً من الفلسفات المادية والعقلانية، بل حتى الفلسفات الوجودية التي تزعمت النزعة الإنسانية، كما يمكن اعتبارها رداً بناء على الفلسفات المعاصرة أمثال: ( "سيغموند فرويد" Sigismund Schlomo Freud (1856-1939م)،"كارل ماركس"، "هاربرت ماركوز" Herbert Marcuse (1898-1979م)...وغيرهم)، والتي حاولت بناء الإنسان على جانباً واحد فقط سواء أكان هذا الجانب مادياً أو عقلياً أو غريزياً أو ما سواه، وحقيقة المشكلة هنا أن هؤلاء حاولوا دراسة الإنسان بمناهج لا تتماشى والطبيعة الإنسانية؛ ورغم أن البداية كانت غربية في تجاوز هذا المشكل مع كُلاً من "ادموند هوسرل" Edmund Husserl(1859-1938م) و"كيركوكارد سورين" Soeren Kierkegaard(1813-1855م) "هيدغر" و"موريس مرلوبونتي" Maurice Merleau-Ponty (1908-1961م) و"جون بول سارتر" Jean-Paul Sartre (1905-1980م)...الخ"، إلا أن التنظير كان بعيداً عن الرؤية الشمولية التي اتسمت بها الرؤية العميقة "لمالك بن نبي" فقيه الحضارتين الغربية والعربية، والمؤسس لنظريته على منهاج إسلامي أصيل أدراك من خلاله نقائص التنظير العربي والغربي في تناول أزمة الإنسان والمجتمع والأمة.
إلا أن السؤال يبقى قائماً حول علاقة هذا المنهج المؤسس على الديانة الإسلامية والدوائر العلمية والأكاديمية المتخصصة في البحوث الإنسانية والاجتماعية المبتعدة أن لم نقل المتهمة للإسلام والمؤسسة على الغرائز والعقل والموصلة إلى ما يعشه إنسان الحداثة وما بعد الحداثة في عالمنا اليوم.
- فما هي السبل والطرق التي يمكن أن نعمم من خلال هذا المنهاج الأصيل -في حل أزمة الإنسان العالمي- المؤسس لنظرية حضارية بعيدة عن تفاؤلية "فرانسيس فوكو ياما وتشاؤمية أستاذه صامويل هتنغتون" في بناء إنسان ما بعد الحرب الباردة وسقوط جدار برلين؟
- قائمة المصادر والمراجع:
- القرءان الكريم، برواية ورش عن نافع.
- الكتب:
1- إبراهيم مذكور، المعجم الفلسفي، مجمع اللغة العربية، دط، جمهورية مصر العربية، 1983.
2- ابن منظور، ابن منظور، لسان العرب، تح وتص: عبد الله عي الكبير وآخرون، دار المعارف، ط1،القاهرة ، 1981.
3- أسعد السحمراني، مالك بن نبي مفكراً إصلاحياً، دار النفائس، ط2، بيروت، لبنان، 1986.
4- أندريه لالاند، أندريه لالاند، موسوعة لالاند الفلسفية، مج1، تع: خليل أحمد خليل، تع واش، أحمد عويدات، منشورات عويدات،ط2، بيروت باريس، 2001.
5- بدوي عبد الرحمن، بدوي عبد الرحمن، الإنسان الكامل في الإسلام، وكالة المطبوعات، ط2، الكويت، 1976.
6- بوبكر جيلالي، بوبكر جيلالي، الإصلاح والتجديد لدى محمد إقبال ومالك بن نبي، دار المعرفة، دط، الجزائر، 2010.
7- جميل صليبا، المعجم الفلسفي، ج1، دار الكتاب اللبناني، دط، بيروت، 1982.
8- جيلالي بوبكر، جيلالي بوبكر، البناء الحضاري عند مالك بن نبي، دار المعرفة، دط، الجزائر، 2010.
9- السيد ولد أباه، السيد ولد أباه، أعلام الفكر العربي، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، دط، بيروت، 2010.
10- طه عبد الرحمن، بؤس الدهرانية، النقد الائتماني لفصل الأخلاق عن الدين، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت، لبنان، ط1، 2014.
11- القاضي اسماعيل بن اسحاق الجهضمي المالكي، القاضي اسماعيل بن اسحاق الجهضمي المالكي، المبسوط، أنظر أيضاً: القاضي عياض، الشفا بتعريف حقوق المصطفى - صل الله عليه وسلم- (2/88).
12- مالك بن نبي، بين الرشاد والتيه، تر: عبد الصبور شاهين، دار الفكر المعاصر، ط1، بيروت، دمشق، 1978.
13- مالك بن نبي، بن نبي مالك، شروط النهضة، دار الفكر، ط4، دمشق، 1979.
14- مالك بن نبي، في مهب المعركة، دار الفكر، دط، دمشق، سوريا، 1981.
15- مالك بن نبي، وجهة العالم الإسلامي، تر: عبد الصبور شاهين، دار الفكر، ط1، دمشق، 1982.
16- مالك بن نبي، بن نبي مالك: مذكرات شاهد للقرن، دار الفكر، ط2، دمشق، سوريا، 1984.
17- مالك بن نبي، بن نبي مالك، تأملات، دار الفكر، ط4، دمشق، 1986.
18- مالك بن نبي، وجهة العالم الإسلامي، تر: عبد الصبور شاهين، دار الفكر المعاصر، دط، بيروت، دمشق، 1986.
19- مالك بن نبي، شروط النهضة، تر: كامل مسقاوي، وعبد الصبور شاهين، دار الفكر، ط4، الجزائر،1987.
20- مالك بن نبي، مالك بن نبي، آفاق جزائرية، للحضارة- الثقافة- للمفهومية"، تر: الطيب الشريف، مكتبة النهضة الجزائرية، دط، دس.
21- محمد ناصر، محمد ناصر، الصحف العربية، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر، 1980.
22- محمود يعقوبي، معجم الفلسفة، الميزان للنشر والتوزيع،ط2، الجزائر، 1998.
- المقالات:
1- الحسني الهادي، الحسني الهادي، مالك بن نبي لمحات من حياته و قبسات من فكره، مجلة الموافقات، المعهد العالي لأصول الدين، الجزائر ، العدد الثالث، جوان 1994.
2- عبد الرزاق قسوم، قسوم عبد الرزاق، إشكالية الحضارة في فكر مالك بن نبي، مجلة الموافقات، المعهد العالي لأصول الدين، الجزائر، العدد الثالث، جوان 1994.
3- محمد البشير مغلي، مالك بن نبي كان أمة واحدة، مجلة الموافقات، المعهد العالي لأصول الدين، الجزائر ، العدد الثالث، جوان 1994.
4- محمد سعيد مولاي، محمد سعيد مولاي، إشكالية الحضارة عند مالك بن نبي، مجلة الموافقات، المعهد الوطني العالي لأصول الدين، العدد الثالث، جوان 1994.
5- يوسف حسين، واقع المسلمين وسبل النهوض بهم في فكر مالك بن نبي ، مجلة الموافقات، المعهد الوطني العالي لأصول الدين، العدد الثالث، جوان 1994.
- مواقع الأنترنت:
1- حضارة- ar.wikipedia.org /wiki. يوم:31-07-2012.
[2]- المرجع السابق، ص (113- 115).
[3]- حضارة- ar.wikipedia.org /wiki.(يوم:31-07-2012م على الساعة: 22:47).
[4]- ابن منظور، لسان العرب، تح وتص: عبد الله عي الكبير وآخرون، دار المعارف، ط1،القاهرة ، 1981، ص907؛ أنظر أيضا: جميل صليبا، المعجم الفلسفي، ج1، دار الكتاب اللبناني، دط، بيروت، 1982، ص 475.
[5]- أندريه لالاند، موسوعة لالاند الفلسفية، مج1، تع: خليل أحمد خليل، تع واش، أحمد عويدات، منشورات عويدات،ط2، بيروت باريس، 2001، ص 172.
[8]- يراجع: مالك بن نبي، آفاق جزائرية، للحضارة- الثقافة- للمفهومية"، تر: الطيب الشريف، مكتبة النهضة الجزائرية، دط، دس، ص( 46-47)، وأيضا: أسعد السحمراني، مالك بن نبي مفكراً إصلاحياً، دار النفائس، ط2، بيروت، لبنان،1986، ص 144.
[9]- جيلالي بوبكر، البناء الحضاري عند مالك بن نبي، دار المعرفة، دط، الجزائر، 2010، ص80.
[10]- بن نبي مالك، شروط النهضة، تر: كامل مسقاوي، وعبد الصبور شاهين، دار الفكر، الجزائر،1987، ط4، ص23.
-[11]الحسني الهادي، مالك بن نبي لمحات من حياته و قبسات من فكره، مجلة الموافقات، العدد الثالث، جوان 1994، المعهد العالي لأصول الدين، الجزائر، ص359.
[12]- المرجع نفسه، ص 279، أنظر أيضاً: بن نبي مالك: مذكرات شاهد للقرن، دار الفكر، دمشق، سوريا، 1984، ط2، ص 183.
[13]- الحسني الهادي، مالك بن نبي لمحات من حياته و قبسات من فكره، مجلة الموافقات، ص280.
[14]- بن نبي مالك: مذكرات شاهد للقرن، ص 219.
[15]- المصدر السابق، ص 222.
[17]- المصدر نفسه، ص267.
[18]- الحسني الهادي، مالك بن نبي لمحات من حياته و قبسات من فكره، مجلة الموافقات، ص 281.
[19]- بن نبي مالك: مذكرات شاهد للقرن، ص282.
[20]- انظر الرسالة وهي بتاريخ:01/09/1956م، في كتاب بن نبي مالك، في مهب المعركة، دار الفكر، دمشق، سوريا، 1981، دط، ص 80.
[21]- القرآن الكريم، السورة: آل عمران، الآية، 140.
[22]- السيد ولد أباه، أعلام الفكر العربي، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، دط، بيروت، 2010،ص (134،135).
-[23] عبد الرزاق قسوم، إشكالية الحضارة في فكر مالك بن نبي، مجلة الموافقات، المعهد العالي لأصول الدين، العدد الثالث، جوان 1994، ص(290، 291).
[24]- مالك بن نبي، شروط النهضة، دمشق، دار الفكر، 1979، ص23.
[26]- مالك بن نبي، مذكرات شاهد قرن، دار الفكر دمشق، ط2، 1984، ص106.
[27]- المصدر نفسه، ص 180، وأيضا راجع: محمد ناصر، الصحف العربية، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر، 1980، ص 58.
[28]- مالك بن نبي، مذكرات شاهد قرن، ص 138.
-[29] محمد البشير مغلي، مالك بن نبي كان أمة واحدة، مجلة الموافقات، العدد الثالث، جوان 1994،ص (287، 288).
[30]- المرجع نفسه، ص 288.
[31]- مالك بن نبي، شروط النهضة، ص60.
[32]- القرآن الكريم، السورة: الذاريات، الآية: 56.
[33]- القرآن الكريم، السورة: هود، الآية: 61.
[34]- القرآن الكريم، السورة: البقرة، الآية: 30.
[35]- يوسف حسين، واقع المسلمين وسبل النهوض بهم في فكر مالك بن نبي، مجلة الموافقات، المعهد العالي لأصول الدين، الجزائر، العدد الثالث، جوان 1994، ص (353،359).
[36]- المرجع نفسه، ص 354، أنظر أيضا: مالك بن نبي، وجهة العالم الإسلامي، تر: عبد الصبور شاهين، دار الفكر، دمشق، 1982، ط1، ص33.
[37]- القرآن الكريم، سورة: الرعد، الآية: 11.
[38]- بن نبي مالك، تأملات، دار الفكر، دمشق، 1986، ط4، ص25.
[39]- بوبكر جيلالي، الإصلاح والتجديد لدى محمد إقبال ومالك بن نبي، دار المعرفة، الجزائر، 2010، دط، ص 62.
[40]- مالك بن نبي، شروط النهضة، ص 89.
[41]- المصدر نفسه، ص 114.
[42]- حسين يوسف، واقع المسلمين وسبل النهوض بهم في فكر مالك بن نبي، مجلة الموافقات، ص357.
[43]- بن نبي مالك، بين الرشاد والتيه، دار الفكر، دمشق، 1986، ط1، ص186.
[44]- بن نبي مالك، شروط النهضة، ص 61.
[45]- الهادي الحسني، مالك بن نبي لمحات من حياته و قبسات من فكره، مجلة الموافقات، ص279.
[46]- حسين يوسف، واقع المسلمين وسبل النهوض بهم في فكر مالك بن نبي، مجلة الموافقات، ص 357.
[47]- المرجع نفسه، ص 357.
[48]- بن نبي مالك، شروط النهضة، ص 61.
[49]- المصدر السابق، ص 358.
[50]- حسين يوسف، واقع المسلمين وسبل النهوض بهم في فكر مالك بن نبي، مجلة الموافقات، ص(358، 359)، راجع أيضاً: طه عبد الرحمن، بؤس الدهرانية، النقد الائتماني لفصل الأخلاق عن الدين، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت، لبنان، ط1، 2014.
[51]- السيد ولد أباه، أعلام الفكر العربي، ص(135، 136).
[52]- المرجع السابق، ص 136.
[53]- القرآن الكريم، سورة القصص، الآية 77.
[54]- القاضي اسماعيل بن اسحاق الجهضمي المالكي، المبسوط، أنظر أيضاً: القاضي عياض، الشفا بتعريف حقوق المصطفى - صل الله عليه وسلم- (2/88).
[55]- السحمراني أسعد، مالك بن نبي مفكراً إصلاحياً، دار النفائس، بيروت، لبنان، 1986، ط2، ص 194.
[56] - القرآن الكريم، سورة الرعد، الآية 11.
[57] - مالك بن نبي، شروط النهضة، ص 40.
[58]- السيد ولد أباه، أعلام الفكر العربي، ص(136، 137).
[59]- المرجع نفسه، ص 137.
[60]- المرجع نفسه، ص 137.
[61]- القرآن الكريم، سورة الرعد، الآية 11.
[62]- القرآن الكريم، سورة الأنفال، 52،53.
[63]- القرآن الكريم، سورة النور، الآية 55.
[64]- مالك بن نبي، علم الاجتماع الاستقلال، الثورة الأفريقية، 1969، وأنظر أيضا: مالك بن نبي، وجهة العالم الإسلامي، تر: عبد الصبور شاهين، دار الفكر المعاصر، دط، بيروت، دمشق، 1986.
[65]- مالك بن نبي، علم اجتماع الاستقلال، الثورة الأفريقية، ماي 1965، المقال المنشور في كتابه: بين الرشاد والتيه، تر: عبد الصبور شاهين، دار الفكر المعاصر، ط 1، بيروت دمشق، 1978.
[66]- محمد سعيد مولاي، إشكالية الحضارة عند مالك بن نبي، مجلة الموافقات، المعهد الوطني العالي لأصول الدين، العدد الثالث، جوان 1994، ص 308.
[67]- القرآن الكريم، سورة الشمس، الآية، (7-10).
[68]- مالك بن نبي، شروط النهضة، ص 32.
[69]- المصدر السابق، ص 194.
[70]- مالك بن نبي، مذكرات شاهد قرن، ص 183.
[71]- المصدر نفسه، ص 184.
[72]- مالك بن نبي، شروط النهضة، ص32.
[73]- عبد الرزاق قسوم، إشكالية الحضارة في فكر مالك بن نبي، ص 298.
[74]- محمد سعيد مولاي، إشكالية الحضارة عند مالك بن نبي، ص302.
[75]- القرآن الكريم، سورة: الرعد، الآية :11.
[76]- السحمراني أسعد، مالك بن نبي مفكراً إصلاحياً، ص144.
[77]- بن نبي مالك، شروط النهضة، دار الفكر، دمشق، 1979، ط4، ص104. أنظر أيضاً: قسوم عبد الرزاق، إشكالية الحضارة في فكر مالك بن نبي، مجلة الموافقات، المعهد العالي لأصول الدين، الجزائر، العدد الثالث، جوان 1994، ص 296 وما بعدها.
[78]- بن نبي مالك، شروط النهضة، ص 194.
[79]- ينظر: السحمراني أسعد، مالك بن نبي مفكراً إصلاحياً، ص 138.
[80]- بوبكر جيلالي، الإصلاح والتجديد لدى محمد إقبال ومالك بن نبي، ص 47.
ملاحظة :
قدمت هاته الورقة البحثية ضمن أعمال الملتقى الوطني الموسوم بـ: " البناء الحضاري في فكر مالك بن نبي ....بين النظرية والتطبيق "
يوم: 6 أكتوبر 2019 بقاعة المحاضرات مركز البحث في العلوم الإسلامية والحضارة بالأغواط/ الجزائر.
التعليقات (0)