مواضيع اليوم

مجلس النفاق الدولي

أحمد الشامي

2012-02-09 22:47:06

0



مهزلة الفيتو المزدوج الذي يرخص لنظام الأسد بالقتل تدعونا للتفكير في ماهية مجلس الأمن هذا وفي مستقبل حق النقض وفي تحوله ٳلى عقبة في وجه السلم العالمي.
مجلس الأمن هو أهم أجهزة الأمم المتحدة ويعتبر المسؤول عن حفظ السلام والأمن الدوليين طبقا للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. لمجلس الأمن سلطة قانونية على حكومات الدول الأعضاء لذلك تُعتبر قراراته ملزمة لهذه الدول. يتكون المجلس من 15 عضوا منهم خمسة دائمون والعشرة الباقون ينتخبون لسنتين. تأسس هذا المجلس بعيد الحرب العالمية الثانية و أخذت الدول المنتصرة في هذه الحرب على عاتقها حماية الإنسانية ولهذا "حجزت " لنفسها المقاعد الدائمة من جهة وحق نقض أي قرار تعتبر أي من هذه الدول المكلفة حفظ الأمن العالمي أنه يعرِّض السلم العالمي للخطر.
بعد نشوة الانتصار الأولى على النازية عادت السياسات الدولية لعاداتها القديمة في حماية مصالح الدول و امتيازاتها على حساب المحافظة على الاستقرار الدولي. هكذا تحول حق الفيتو بسرعة من التزام تجاه الأمن العالمي إلى امتياز للمنتصرين لم يعد له أي معنى في عالم اليوم الذي تجاوز عدة حروب إقليمية وحرباً باردة فيها منتصرون وخاسرون. إضافة إلى ذلك حدث انقلاب في المعايير السياسية والاقتصادية مع بروز قوى صاعدة جديدة لا ترضى باستمرار امتيازات لم يعد هناك ما يبررها لدول "تقايض " حق الفيتو في بازار الأمم المتحدة ، في حين تلعب هذه الدول التي تحتكر الفيتو أدواراً غير حميدة و تنخرط في سياسات مغامرة تهدد السلم الدولي.
كل الدول الكبرى دون استثناء قامت باستثمار حق النقض لحماية أفعالها المشينة وللتغطية على تجاوزات حلفائها. كلنا نعرف الفيتو الأمريكي الجاهز دوماً لحماية الاستعمار الإسرائيلي وممارساته العنصرية ، والسياسات اﻷمريكية المعروفة بعدائها للكثير من حركات التحرر الوطني.
لكن المفارقة تتجلى بشكل صارخ في حالتي روسيا و الصين التي يصح اعتبارها دولاً استعمارية مباشرة وليس فقط مهيمنة أو داعمة لحلفاء مشكوك بأخلاقياتهم.
منذ العهد السوفييتي بدا مستغرباً إعطاء حق النقض لدولة كان حاكمها " ستالين " والغاً في الدماء مثله مثل "هتلر" المهزوم وربما أكثر، فقد قتل ستالين من مواطنيه أكثر بكثير مما قتل هتلر منهم ! هذا الاتحاد البائد كان يستبيح نصف أوربا ويقمع عشرات الشعوب المستضعفة. بعد ذلك اجتاحت القوات السوفييتية بلداً آمناً ومسالماً هو أفغانستان وكلنا نعرف ما حصل بعد هذا الاجتياح. من الصعب تعداد كل ممارسات السوفيت التي هددت السلم العالمي ووقوفهم إلى جانب الطغاة من "بول بوت" ٳلى "صدام حسين"....
روسيا التي ورثت حق النقض عن الاتحاد السوفيتي دون وجه حق تستعمر الشيشان وأجزاء من جورجيا في اوسيتيا، إضافة إلى جزر سخالين اليابانية التي سطا عليها الاتحاد السوفييتي في الحرب العالمية الثانية و تهيمن على دول أخرى. النظام السياسي الروسي هو مسخرة تخجل منها "جمهوريات الموز " في أمريكا اللاتينية والتي أصبحت ديمقراطيات حقيقية . نظام "بوتين" القائم على "شبيح" قادم من مجاهل ال "ك ج ب" و "محلل" يحفظ له مقعد الرئاسة دافئاً هو إهانة للروس قبل غيرهم. المخجل أن ديمقراطيات كبرى مثل الهند، اليابان، ألمانيا، البرازيل وجنوب أفريقيا ليست لها حتى عضوية دائمة، في حين يتمتع النظام الروسي بهذه العضوية وبحق نقض!
الصين ، مثلها مثل الاتحاد السوفييتي ، سبق لها وأن تحرشت بفيتنام وهي لا تزال تستعمر بلداً مسالماً بامتياز هو التيبت، إضافة إلى قمعها للأقلية التركية المسلمة في مقاطعة "سنكيانغ " وتهيمن على بلدان مارقة مثل كوريا الشمالية وبورما . كذلك يصعب حصر تجاوزات الصين على حقوق جيرانها و احتقار نخبتها الحاكمة لحقوق الإنسان الصيني قبل غيره. صحيح أن الصين عملاق اقتصادي ، لكنها ليست أكثر من قزم على الصعيد الأخلاقي والسياسي ، أما عن الديمقراطية في الصين ، فحدث ولا حرج.
من هذه المقدمة المطولة نفهم شيئين ، أولهما ذعر النظامين الروسي والصيني من وصول الربيع العربي إلى ربوعهما لكون هذين النظامين من نفس طينة الأنظمة الثورجية العربية الفاسدة ، وثانيهما الصراع على حق النقض والعضوية الدائمة في مجلس الأمن بين دول صاعدة وأخرى تتشبث بامتيازات لم يعد لها ما يبررها.
الدول التي تعتبر نفسها أجدر من النظامين السياسيين الروسي والصيني ، ومن فرنسا وبريطانيا أيضاً لا تفوت فرصة لحشر خصومها في الزاوية وفضح نفاقهم وعدم جدارتهم باحتكار حق النقض. هكذا رأينا ألمانيا وإيطاليا تعارضان التدخل الدولي "السهل والرابح " في ليبيا رغم دموية القذافي في حين كانت إيطاليا أول دولة أوربية تستدعي سفيرها من دمشق ورأينا ألمانيا تقود الجبهة المناهضة للأسد في مجلس الأمن. هذا لا يعني أن ألمانيا وإيطاليا كانتا " تحبان " القذافي و أنهما "تكرهان" الأسد، لكن هاتين الدولتين كانتا تحميان مصالحهما الاقتصادية والسياسية ومستقبلهما في الحالتين ، دون مراعاة لاعتبارات إنسانية أو لضرورات الحفاظ على السلم الدولي.
في الحالة السورية ، تعرف ألمانيا وغيرها أن التدخل الغربي مستبعد لأن ليس هناك من نفط ولا مصالح تستأهل التورط المكلف مع الأسد وعصابته. لذلك حصل ما يشبه الإجماع على دعم القرار الدولي لإحراج القوى الغربية غير الراغبة بالتدخل. الروس من جهتهم ، الخائفين على مصالحهم قبل كل شيء ، فقد وضعوا حق الفيتو في البازار بتصرف من يدفع أكثر.
كون الغرب وأمريكا غير مبالين بمصير السوريين ، واكتفاؤهم بإرسال وزراء خارجيتهم حفظاً للمظاهر ورفعاً للعتب ، أدى إلى خفض سعر الفيتو الروسي في بازار مجلس الأمن ، في موسم التخفيضات الشتوية الحالي ، مما جعل هذا الفيتو في متناول نظام الشبيحة بدمشق. الصين لحقت بوليمة اللئام وأدلت بدلوها ، فالدم السوري " ببلاش " والفيتو الصيني مثل نظيره الروسي سيحفظ لهاتين الدولتين موطئ قدم في شرق المتوسط على حد ظنهما ، ولن يكلف مستعمليه شيئاً فالعرب قوم يجعجعون كثيراً ويقولون ما لا يفعلون.
قد يقول قائل " لكن روسيا والصين تنتقمان عبر فيتو القتل في سوريا من الخديعة الغربية في ليبيا ". هذا المنطق يصلح في "باب الحارة" وليس مع دول كبرى أو، حسب تصريح المندوب الروسي المتعجرف : "روسيا العظمى " ! هذه الدول لا ُتخدع بسهولة فلديها أجهزة استخبارات ومراكز أبحاث تسمح لها بأن تعرف أن فرنسا وبريطانيا كانتا على أتم الاستعداد للتدخل عسكرياً في ليبيا و الاستئثار لوحدهما بكعكتها النفطية مع أو دون أي قرار دولي.
فرنسا وبريطانيا كانت لهما القدرة على التدخل وقواعد وسفن جاهزة مع موطئ قدم في ليبيا. سواء استعمل " زعران " مجلس الأمن الفيتو أو امتنعوا عنه ، فالفرنسيون والبريطانيون كانوا سيضربون القذافي وسيطلع الروس والصينيون "بسواد الوجه" ، لهذا السبب فضل البلدان المحافظة على حق النقض وعدم التفريط به "لكي لا يهبط سعره".
فيما بعد، التحق الأمريكيون بالوليمة الليبية ولحقهم الألمان ثم الطليان وحتى الأتراك ، أما الروس والصينيون فقد "طلعوا من المولد دون حمص".
لهذا السبب سارع الروس لإرسال حاملة طائراتهم اليتيمة إلى سوريا وهم يبقونها في شرق المتوسط ، لكي لا يسرق منهم الغرب ، مع فيتو أو بدونه ، "جائزة الترضية " السورية المغمسة بدماء الشهداء.
لو كان الغرب جاداً في دعمه للحراك الديمقراطي السوري لما كان اكتفى بالحد الأدنى من الدعم اللفظي ولكان ، على الأقل هدد بالتدخل أو قام بدعم المعارضة السورية غير المنظمة والعشوائية. لكن الغرب المنافق مثله مثل الروس والصينيين منغمس في لعبة مقايضة دولية مدادها دم الشعوب المسحوقة وتضحياتها ومنها الشعب السوري.
كل هؤلاء منافقون لا يهمهم الدم السوري. وحدهم السوريون لا ينافقون فهم يطلبون الحرية ويدفعون ثمنها دماً زكياً يسفكه نظام قاتل ، في ظل تخاذل دولي مقزز.
كلهم متواطئون فمن يسلح النظام ويحميه شريك في القتل ، مثله مثل من يضن بمد يد العون للضحايا العزل.
أحمد الشامي http://www.elaphblog.com/shamblog
نشرت في بيروت اوبسرفر 9 شباط 2012
http://beirutobserver.com/index.php?option=com_content&view=article&id=70708:ahmad-chami&catid=39:features

 

 

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات