ماذا وراء كشف المستور ؟
المراقب والسامع ليس في فلسطين بل وفي العالم العربي ومن بعده الاٍسلامي ،لا بد وأن يلاحظ الحمية التي انطلقت فيها الجزيرة لاٍعلان وثائقها السرية العلنية ، فهي سرية عند كل مستفيد من كشف الوثائق ، وعلنية لأن المتتبع للمفاوضات والتصريحات التي كانت تتبع كل جولة تفاوضية ومناظر المفاوضين أثناء التفاوض وخاصة " ياسر عبد ربه " في شرم الشيخ تدل على أن المفاوضات هي للنزهة وليس لانتزاع حقوق، أو على الأقل المحافظة على الحقوق ، بل هناك مساس بهذه الحقوق ، ولكن الى أي مدى ، فالعلم عند اسرائيل والوثائق .
وعودة الى قناة الجزيرة ، والسؤال هو :
لماذا هذه الحَمية في " كشف المستور" ، كما تسميه والانتصارية لمن ، ولمصلحة من كشف هذا في هذا الوقت بالذات ؟
وهل كشف المستور هو خدمة للسلطة الفلسطينية ؟
وهل كشف المستور هو عمل مهني خالص ؟
وهل كشف المستور هو خدمة لأمريكا واسرائيل ؟
وهل كشف المستور هو خدمة للشعب الفلسطيني وتنويره عن مجريات الأحداث ؟
وهل كشف المستور هو خدمة لحماس ؟
وهل كشف المستور هو تهديد لأنظمة عربية وابتزازها بكشف مستورها مستقبلا اذا لم تدفع الاتاوة ؟
اٍن الجواب على كل هذه التساؤلات هو بنعم !!!
فكشف المستور هو عمل مهني أخذت عليه قناة الجزيرة نياشين الأسبقية في الاٍعلان ، والفضيحة السياسية والاجتماعية لمفاوضين فلسطينيين.
ولكن هذه المهنية ليست بحتة ، ـ فهي تبث كل هذا من " قطر " التي هي ترس صغير في الآلة السياسية الأمريكية- بل تخدم أول ما تخدم اسرائيل وأمريكا ، لكون كشف الوثائق كشفت السقف الذي وصلت اليه المفاوضات ، والذي لم تقبل به اسرائيل ، فعلى أي عودة للمفاوضات وأي مفاوض جديد ألا يقفز فوق هذا السقف ، بل يجب أن يكون تحت هذا السقف .
وفي نفس الوقت ، فان كشف الوثائق في هذا الوقت بالذات هو اسلوب ضغط على المفاوضين الذين أصبحت لهم ارتباطات لا يمكن فصم عراها مع أمريكا واسرائيل و أدمنوا المفاوضات ولا يستطيعون التراجع مهما حدث ، فان في " كشف المستور" كأن اسرائيل وامريكا تقولان لهم : ٍانكم أشخاصا غير مرغوب فيكم وانتهى دوركم وما قصرتم ، ولكن ما تنازلتم عنه لا يكفينا ، نريد أكثر !!!
كما أن "كشف المستور " جاء خدمة للسلطة وتحذير لها لكي لا تغرق أكثر مما هي غرقانه في المساس بالحقوق المشروعة والتي أقرتها الأمم المتحدة ، ولم يستطع أحد المساس بها ، فلا تستمروا في المفاوضات حتى لا تهدر الثوابت بأيديكم .
ومن الواضح أن اسرائيل ثابتة في مكانها التفاوضي وتتوقع منكم العودة للمفاوضات رغم أنفكم وبتنازلات أكثر .
فهذا الكشف للمستور جاء خدمة للسلطة (للمفاوضين ) ليقول لهم ، قفوا ولا تتقدموا في الاتجاه الخطر ، وان الخطوة القادمة اٍما الصلابة في التفاوض ، أو التنحي واعطاء الدفة لغيركم مهما كانت مرارة هذا عليكم ، فهو أفضل من الغرق في الوحل الاسرائيلي .
فكشف المستور جعل كل شيء واضح أمام الشعب الفلسطيني ، وآن الأوان لتغيير هذا السلوك التفاوضي مهما كانت النتائج .
كذلك ، فاٍن كشف المستور جاء خدمة لحماس وكشف عدم الأهلية الوطنية للمفاوضين وأصبحوا عُراة أمام اللاجىء الفلسطيني في الداخل والخارج .
وفي الجانب الآخر ، جاء ما كشفت عنه الوثائق خدمة مجانية لحماس ، كأن تقول : أنا من يلتزم بالهدنة الحقيقية ،أنا القوي لماذا لا تعترفوا بي ونتفاوض وسأعطي لكم هدنة لخمسة عشر عاما ،والمفاوضات بيننا .
ولا يخفى أن كشف المستور قد بدأ بالجانب الفلسطيني الضعيف، والذي لاحول له ولا قوة ، ولكنه في نفس الوقت تهديدا لدول عربية وابتزازها بكشف مستورها ، فالجزيرة _ ومن وراءها قطر _ وقناة الجزيرة هي فقط
السلطة الرابعة التي لا تنافسها سلطة .فالجزيرة تصرفت كما قال عنترة حينما سأله أحدهم عن سر قوته ونجاحه في المعارك ، فأجاب : أقابل الضعيف فأضربه ضربة قوية تنزل الرعب في قلب القوي ، فيضعف .
فكشف المستور يخيف الدول العربية الغارقة في الفساد ، وظلم شعوبها ، ولا بد من دفع الاٍتاوة لقناة الجزيرة ومن ورائها ، وتجنب الخلاف مها .
وعودة الى محتوى كشف المستور ، فاٍن المفاوضات لم تسفر عن شيء لصالح القضية الفلسطينية ، ولا الحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني ، بل أسفرت عن نتائج باهرة في التنسيق الأمني لصالح اسرائيل ، وهذا ما هو واضح ولا ينكره لا القريب ولا البعيد .
ان ما كشفت عنه الجزيرة من تنازلات هي من أشخاص شاركوا في المفاوضات بعد التخلص من العقبة الكأداء ، وهو ياسر عرفات . فبعد ذلك بدأت وتائر المساس للحقوق والثوابت الوطنية ، والتي لم تقبل بها لا " فتح " ولا حتى أصغر تنظيم سياسي في الساحة الفلسطينية .
وفقط يقبل بها مجموعة من المستفيدين الذين لا يستطيعون التراجع عن المكاسب المالية والمراكزية التي حصلوا عليها . وبالمقابل تساقطت لديهم الحقوق الوطنية وحقوق اللاجئين ، كما تتساقط أوراق الشجر في الخريف ، وتساقط معها الاحساس بلاجئي المهجر الذين ليس لهم نشيدا غير " عائدون " . وأنى لهؤلاء المفاوضون أن يبقى لديهم الاٍحساس الوطني ، ولا أقول الثوري ، فالثورة انتهت عندهم مع أوسلو مقابل ال " VIP" والسيارات الطويلة السوداء والحراس والأرصدة في البنوك والشركات المتنوعة والقصور هنا وهناك .
باختصار ،ان كل من شارك في المفاوضات السابقة قد فقد الأهلية للاٍستمرار في هذا الموقع ، والموقف الشجاع هو الاعتراف والاستقالة .
والسؤال :
هل تستطيع هذه المجموعة التفاوضية الاستقالة والتنحي جانبا ، أو على الأقل الاعتراف بالخطأ ؟ أعتقد لا .
التعليقات (0)