مواضيع اليوم

مؤذن الحي

 مؤذن الحي

كان لدى صديقي ديكٌ جميلٌ ، يمتاز بميزة حسنة وفريدة ، إنَّه كان يحفظ مواقيت الصلاة فيبدأ بالصياح ، قبل الصلاة بدقيقة أو دقيقتين فما أن ينهي صياحه إلا ويبدأ مؤذن الجامع بالأذان بعده مباشرة ، فأطلق عليه أهل الحي ( مؤذن الحي ) ، شيّد صديقي له كوخاً خارج الدار ، وكنا نحذره كثيراً مخافة أن يُسرق أو تأكله كلاب الحي ، أصبح الديك مشهوراً فبعضهم يريد شراءه ، وبعضهم يَودُ استعارته ليوم أو يومين ليسمع صياحه ( أذانه ) ، وصديقي متمسك به يرفض بيعه أو إعارته .

وقف المصلون أمام الكوخ ولقد كان اجتماعهم مألوفاً عند وقت كل صلاة ، فصعد الديك وصاح لصلاة المغرب وهو يلتفت يميناً وشمالاً ، مردداً ذلك في اليوم خمس مرات مع وقت كل صلاة ، وكأنه يقول حان الموعد للصلاة ، حان موعد وقوفكم بين يدي خالقكم ، والمصلون يسبحون الله ، وهم يقولون له:  أذن أيها المؤذن ، ياله من نشيد رائع ، صوت يهز الوجدان من الأعماق ، ونغمة شجية تسرع إلى القلب فتهزه هزاً عنيفاً ، وبدأت الحوارات بين المصلين كيف يعرف هذا الديك مواقيت الصلاة ، فقال أحدهم : إنّه يسمع أذان الملائكة في السماء ، وقال الآخر : إنَّه يسمع ديكاً في السماء يصيح ، فيردد معه .

وفي أحد الأيام وافق صديقي على إعارته لأحد الأصدقاء ، أخذه بعد صلاة المغرب ووضعه في فناء الدار وترك باب الدار مفتوحاً ، فخرج الديك ولم ينتبهوا له ، عائداً إلى كوخه ، فوجد بابه مغلقاً ، فصعد على سطح الكوخ ، وما أن حان موعد صلاة الفجر ، أخذ الديك بصياحه المعتاد محاولاً إيقاظ الناس للصلاة كعادته ، سمعت كلاب الحي صياحه فهرعت إليه وهاجمته وقامت باختطافه من فوق كوخه ، وذهبت به بعيداً لتصل إلى باب المسجد وهو يقاومها ، محاولاً أن يتخلص من أنيابها ولكن دون جدوى ، فقد نتف ريشه ، وأصيب بإصابات بليغة ، وصار لا يقوى على الحراك ، خرج المصلون من المسجد مهرعين لإنقاذه ولكنه كان بالرمق الأخير ، فجاد بأنفاسه الأخيرة أمامهم ، أجهش مؤذن المسجد بالبكاء عليه ، والآخرون يهدؤون من روعه ويصبرونه ، فغضب أحدهم - وكان من كبار السن - وقال له : أتريد أن تقتل نفسك حسرة على ديك ، فرفع المؤذن رأسه ، وقال له: أنا لا أبكي على الديك ، أنا أبكي على مؤذن الحي الذي قتلته الكلاب ، وأخرست صوته إلى الأبد ، ومنعته من أن يصدح بصوت عالٍ الله أكبر ، ياأخي كم من مؤذن في بلادي وجد مقتولا ً، مغدوراً عند باب المسجد بعد أن صدح بالأذان ؟ ، هذا هو الذي أبكاني، فبكى المصلون لبكائه ، وانصرف الجميع مطأطئين رؤوسهم  وهم يقولون : لا حول ولا قوة   إلا  بالله ([1]).



([1])  جريدة صدى العراق ، العدد ( 212) ، السبت،  23/2/2013. 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !