في تشرين اﻷول من عام 2001 وبعد شهر من من "غزوة البرجين" في نيويورك، كتب الصحافي المرموق "فريد زكريا" رئيس تحرير مجلة "نيوزويك" مقالة عنوانها "لماذا يكرهوننا ؟" تطرق فيها للشعور بالغبن لدى الشعوب العربية والمسلمة تجاه السياسات اﻷمريكية غير المتوازنة والتي تتغاضى عن قضايا الحرية وحقوق اﻹنسان، خاصة فيما يتعلق بالفلسطينيين، وتتعامل مع حكام فاسدين وطغاة.
السيد "فريد زكريا" ليس عربي اﻷصل، فهو هندي من مواليد "بومباي"، مع ذلك تولى رئاسة تحرير ٳحدى أرقى وسائل اﻹعلام اﻷمريكية وتوفرت لديه الجرأة لطرح وجهة نظر عقلانية ومحايدة في وجه ٳدارة أمريكية متطرفة حينها ورأي عام أمريكي يتلظى غضباً ورغبة في الانتقام من كل ما هو عربي أو مسلم سني.
الجمعة الماضية في سوريا تمت تسميتها "أمريكا، ألم يشبع حقدك من دمائنا ؟". لسبب أجهله تجاهل من يسمون الجمع في سوريا العداوة المفضوحة تجاه الشعب السوري من قبل ٳسرائيل وٳيران وروسيا والصين و حزب "حسن نصر الله" الذين يساهمون مباشرة في سفك دمائنا!؟
ٳسرائيل التي تمنح الغطاء السياسي المفتوح لنظام الشبيحة في دمشق "نسيها" المقاومون واﻷمر نفسه فيما يخص زمرة "الولي الفقيه" في طهران والتي تقيم جسراً جوياً لدعم اﻷسد بالمال والرجال وكل لوازم القمع. روسيا التي تمد نظام اﻷسد بالسلاح والعتاد والخبراء والتي يؤكد وزير خارجيتها المتعجرف "أن اﻷسد لن يرحل" لم تحظ ولا حتى بجمعة متواضعة بخصوص "حقد روسيا بوتين" على السوريين رغم استعمالها الفيتو لثلاث مرات ! لم يخطر ببال من يسمون ايام الجمع التطرق "لحقد" حزب "نصر الله" على السوريين ولا حتى طلب مقاطعة البضائع الصينية !
وحدها أمريكا كان لها "شرف" تسمية جمعة مخصصة من أجل حقدها على السوريين... لماذا ؟
البعض سوف يقفز للقول، متماهياً مع الخطاب الممانع : "أمريكا، الشيطان اﻷكبر، هي الداعم اﻷول ﻹسرائيل وتشهر الفيتو في كل مرة تتهدد فيها مصالح ٳسرائيل". عظيم، عدنا لنفس اﻹسطوانة المشروخة حول أولوية العداء لليهود وٳسرائيل وحلفائهما، حتى لو قتل اﻷسد اﻷب ثم الابن من العرب، سوريين وفلسطينيين ولبنانيين عشرات أضعاف ما قتلت ٳسرائيل...
ثم ٳننا ننسى سريعاً أن "بلفور" كان بريطانياً وأن بريطانيا هي التي سهّلت ٳقامة اليهود في فلسطين وأن "ستالين" هو أول من اعترف بدولة ٳسرائيل في حين كان اﻷمريكيون مترددين في ذلك. السوفييت هم من قاموا بتسليح الدولة اليهودية عام 1948 ثم حلت "فرنسا" محلهم "نكاية" بالعرب الذين دعموا الثورة الجزائرية. طائرات الميراج الفرنسية كانت عماد سلاح الجو اﻹسرائيلي عام 1967. فرنسا هي التي بنت مفاعل "ديمونا" النووي وتعاونت مع "تل أبيب" من أجل تطوير سلاح نووي رغم ممانعة اﻷمريكيين وخاصة "جون كينيدي" لحيازة ٳسرائيل لهذا السلاح. نحن ننسى سريعاً أن ٳسرائيل قامت أثناء حرب 1967 بٳغراق السفينة اﻷمريكية "ليبرتي" لمنع اﻷمريكيين من مراقبة تحركات سلاح الجو اﻹسرائيلي. مع ذلك، ننسى كل هؤلاء "اﻷعداء" ولا نتذكر سوى اﻷمريكيين...
لا، أمريكا ليست صديقة للعرب، وهي صديقة ﻹسرائيل، مثل أنظمة الطغيان العربية... لكن اﻹدارة اﻷمريكية صديقة اولاً للشعب اﻷمريكي ولمصالح الولايات المتحدة اﻷمريكية. سياسة أمريكا، والعالم كله باستثناء بعض الدول النشاز، هي الاعتراف بوجود ٳسرائيل وحقها في البقاء، لكن دولاً نادرة، أولها "سوريا اﻷسد" هي التي تقبل باستمرار الاحتلال اﻹسرائيلي للأراضي العربية وقمعها للعرب. أمريكا لم تعترف لا بالاحتلال اﻹسرائيلي ﻷراضي الدول العربية ولا بالقدس عاصمة ﻹسرائيل، لكننا نريد منها أن تكون "ملكية أكثر من الملك" وأن تحرر لنا أراضينا وتعيد لنا حقوقنا " بالزور وغصباً عنها" ونحن قاعدون عن الدفاع عن هذه الحقوق وحكامنا يرتعون في نعيم المال الذي نهبوه من شعوبهم ويتعاونون مع ٳسرائيل من وراء ظهر مواطنيهم.
لو كنت أمريكياً فسوف أطرح على نفسي العديد من اﻷسئلة قبل أن أفكر في مد يد العون لشعب ثائر يبادر بٳعلان حقده على أمريكا التي لا تساهم في قتله ويطلب من اﻷمريكيين سلاحا متطوراً يساعده على الانتصار على الطاغية اﻷسدي و"يعِد" بأن يدير نفس السلاح ضد اﻷمريكيين فور سقوط النظام!
لم يمد أي من "وجهاء" المجلس الوطني السوري أو الثوار يد الصداقة علناً ﻷمريكا ولو نفاقاً ولا أحد منهم بادر ٳلى الاعتراف بأن السوريين يحتاجون للمساعدة اﻷمريكية. الكل "يمغمغ" ويتهرب من الاعتراف بأن أمريكا لا مصلحة لها في مساعدة من يبادرها بالعداء. علماً أن الثورة السورية في حاجة ماسة لكسب صداقة اﻷمريكيين، لا لشيء ٳلا ﻷن للثوار السوريين وأمريكا أعداء مشتركين هم اﻷسد وٳيران وروسيا بوتين الباحثة عن ٳزعاج اﻷمريكيين. لم يخطر ببال أي من "زعماء" او حكماء الثورة تذكير الشعب السوري بأن السوريين في حاجة ﻷصدقاء، لم ينتقد أي من هؤلاء الغباء السياسي الذي تجلى في تسمية هذه الجمعة التي يبدو وكأن "بشار اﻷسد" نفسه هو الذي اقترحها و"صوّت" لها هو وجلاوزته.
حين طلب "الآباء المؤسسون" للثورة اﻷمريكية وهم جمهوريون معادون للملكية، من الملك الفرنسي "لويس السادس عشر" أن يعينهم من أجل الاستقلال عن العرش البريطاني، كانوا يضعون مصلحة ثورتهم ومستقبل بلادهم، قبل كل شيء و فوق كل مصلحة على مبدأ "عدو عدوي صديقي".
من يجاهر اليوم بالعداء ﻷمريكا فهو يحرم نفسه من الاستعانة بالعدو اﻷكبر لمحور الشر الذي يقتل السوريين. الكارثة أكبر لدى من يتصور نفسه منخرطاً في حرب دينية أزلية هدفها "ٳعلاء راية اﻹسلام ونشر تعاليم الدين الحنيف حتى رفع راية اﻹسلام فوق البيت اﻷبيض"...وليس "فوق الكرملين" بالمناسبة... في نفس الوقت يستجدي السوريون السلاح النوعي اﻷمريكي ويتوسل من هم تحت القنابل وبراميل اﻷسد المتفجرة منطقة حظر جوي، وحدهم اﻷمريكيون هم من يقدر على توفيرها وحمايتها... في هكذا حالة، لا تبدو الظروف مؤهلة للخطابات الحماسية الفارغة ولا "للهوبرة" والعنتريات الطفولية ناهيك عن خلق أعداء جدد. سكان "كوسوفو" قاموا بالتلويح باﻷعلام اﻷمريكية طلباً للعون من أمريكا في وجه الصرب، و"الثورة الخضراء" عام 2009 في طهران صدحت بطلب المدد من "اوباما"..
الثورة السورية لا زالت بعيدة عن الانتصار مع اﻷسف واﻷسد المدعوم من محور الشر القوي لا زال قادراً على قتل مئات الآلاف من السوريين وعلى تدمير مالم يتهدم بعد في سوريا. ومع ذلك يتصرف البعض كأن القصر الجمهوري صار تحت مرمى مدافعهم وكأن الثورة قد انتصرت ونجحت في بناء دولة قوية ومنيعة "بفضل الدعاء..." كأن التقوى والدعاء وحدهما يكفيان لتحرير البلاد والعباد. حتى لو سقط اﻷسد غداً، فسوف تكون الدولة السورية الوليدة في حاجة ماسة للأصدقاء ولن تكون قادرة على تجاهل الدور الأمريكي الحاسم ناهيك عن مناصبة اﻷمريكيين العداء.
الحكمة القديمة تقول : "عدو عاقل خير من صديق أحمق " فكيف للأمريكيين ان يتركوا مصالحهم مع "عدوهم العاقل" بشار اﻷسد ويدعموا "صديقاً" يتصرف بحماقة، يضرب يميناً وشمالاً من غير تبصر ؟
هذا بالضبط ملخص مادار في المناظرة اﻷخيرة بين السيد "اوباما" والسيد "رومني" : اﻷمريكيون سوف يساعدون من يقاسمهم المبادئ والقيم ومن يصادقهم ويعترف بدورهم وبمصالحهم. هل كان في مقدور السيد "رومني" مثلاً أن يلتزم بمساعدة الثورة السورية بكل الوسائل ؟ وماذا كان سيكون رده لو ان السيد "اوباما" لفت انتباهه ٳلى أن السوريين قد خصصوا جمعة سقط فيها أكثر من مئة شهيد تحت عنوان "ألم يشبع الحقد اﻷمريكي"؟
"اوباما" و"رومني" ليسا ٳسرائيليين ولا سوريين، ٳنهما أمريكيان يريدان الخير لشعبهما ولا مانع لديهما من مساعدة السوريين على التخلص من نظام اﻷسد لتحقيق ما فيه مصلحة للولايات المتحدة وبشرط أن لا يكون النظام البديل معاديا ﻷمريكا وأن يعترف بمبادئ حقوق اﻹنسان والقانون الدولي.أليس هذا ما يطلبه السوريون ويموتون ﻷجله ؟
لماذا نفرض على أنفسنا "صداقة ضيزى" مع "شرق" روسي صيني ٳيراني يريد أن يفرض علينا القبول بنظام اﻷسد ٳلى اﻷبد في حين نعادي من يقدر على مساعدتنا ؟ ما الذي يمنعنا من التعاون مع اﻷمريكيين وغيرهم لحين بناء دولة سورية قوية ومزدهرة سوف تتمكن في المستقبل من انتهاج سياسة مستقلة ككل دول العالم ؟ أليس هذا ما فعلته اليابان وكوريا الجنوبية ودول أوربا الشرقية وغيرها ؟ هل نريد وضع مصلحة سوريا فوق الجميع أم أن البعض يريد ٳنشاء "دولة الخلافة" على النمط الطالباني ويريد ان يساعده اﻷمريكيون من أجل الوصول ٳلى هذا الهدف ؟
يتبارى كل "حكماء" ووجهاء الثورة السورية في تجنب الحديث مع أو عن أمريكا. لم نسمع منهم خطاباً واضحاً يضع مصلحة السوريين، دولة وشعباً، فوق كل مصلحة. هذه "اللا سياسة" لن تؤدي ٳلى أن تلين قلوب اﻹيرانيين واﻹسرائيليين والروس الحجرية، ولن تسمح للثورة السورية بالوصول ٳلى مرحلة النضج اللازمة للانتقال من مرحلة الحراك الثوري العشوائي ٳلى مرحلة التحضير للنصر والاستعداد ليناء دولة حديثة، سوريا ما بعد اﻷسد.
المثل الفرنسي يقول : "قبل أن تطلب من السماء أن تساعدك، ابدأ أنت بمساعدة نفسك...".
أحمد الشامي http://www.elaphblog.com/shamblog ahmadshami29@yahoo.com
بيروت اوبسرفر :الخميس 25 تشرين اﻷول 2012
http://beirutobserver.com/index.php?option=com_content&view=article&id=85038:chami&catid=39:features
التعليقات (0)