قـطـتـي إلى أيـن ؟
ما أن أضع كتبي على الأرض وأخذ قلمي وكراسي وأبدأ بالكتابة إلا وأرى قطتي الأليفة تضع رأسها على قدميَّ مادمت مستلقياً واقلبُ أوراقي وكتبي واكتب ما أبحث عنه فما أن أُنهي درسي وأدخل فراشي إلا وهي معي . ولكن قطتي الأليفة غُرر بها وأخذت تبحث عن فراشٍ ثانٍ وطعام آخر غير الطعام الذي اعتادته مني لعله يكون أكثر ملائمة لها في زمن كثرة فيه الموائد التي انتشرت من السحت الحرام.
فها أنا اليوم اسمع مُواءها خارج الدار وأحس بأنفاسها المتصاعدة ترغب بالعودة إلى دارها والى حضن صحابها وفراشها الدافئ ، ولكن دون جدوى فصاحبها الجديد الذي غرر بها وقد وضع القيد في رقبتها وكبلها ومنعها من العودة إليَّ لأنه يرغب إلا أن أدفع له فدية مقابلة عودة قطتي إليَّ . فكلما سمعت مُوائها أحس بآلامها ومعاناتها ولكن الأمر قد وقع وهي التي وضعت القيد في رقبتها ، وسلطة السجان عليها .
فياقطتي ليست الحياة هي طعام فاخر ومركب فاخر ودرهيمات ننثرها هنا وهناك ، إنما الحياة مشاركة في الآلام ، والأفراح وتحمل الصعاب ، ومشاركة في البرد والحر والصحة والمرض والفقر والغنى ، الحياة عطاء متبادل في كل هذا بين طرفين.
إنك ما أن ترين الزوارق التي تفج البحر والبحيرات إلا وسوف تذكريني ، فإذا نظرت إلى الجبل والشجر أظنك ستذكريني ، وإذا نظرت إلى النهر فإنك سوف تذكرين.
وإذا رأيت شلالات الماء المتساقط من سفوح الجبال فإنك ستذكريني .
وإذا رأيت المروج الخضراء وإزهارها الجميلة في الربيع فإنك ستذكريني . لأني أنا الجبل والشلال والنهر ، أنا الربيع الذي يبث العطر ، وأنا الغيم الذي ينزل منه المطر .
وإذا ما رأيت الأطفال ذاهبون إلى المدارس ، وإذا ماسمعت صوت المؤذن فإنك ستذكريني .
فلو بحثت في كل أرض الدنيا مثلي لن تجدي ومن يقبل بك مواطناً غيري .
فأنا كل هؤلاء ، فأنا الوطن ، أنا العراق فلماذا تغادريني ، أنا الأم والأم أنا ، أنا الماء الذي يروي عطشك ، أنا الطعام الذي يسد جوعك ، أنا الهواء الذي تسنشقين ، أنا الوطن فمن فقد وطنه عاش بلا هوية وضاع بين الناس، فإذا وجدتي وطناً مثلي أرجوك فاخبريني .
فإذا ما متِ فإني أظمك حتى تختلف إضلاعك ، أنا الأرض التي تؤيكِ ، فأنى مثلي ستجدين .
إذهبي وارحلي بعيداً كما تريدين ولكن ، هل مثلي ستجدين ؟.
أنا الحدباء منحية نحو الشرق أشير بها إلى الجبل لكي يعود، فلماذا تحفرين في أسسي لتهدميني ، من الذي يمسح على كتفيك ، ومن الذي يمسح الدمعة عن عينيك ، ومن الذي يرسم البسمة على شفتيك ، هل من طبع القطط عدم الاستقرار؟ وهل من طبع القطط هجرها للأوطان ؟ وهل من عادتها كثرة الترحال .
اذهبي وابحثي عن خشاش الأرض فماذا ستجدين إبحثي عن مصيرك المجهول.
إلى متى ستبقين أيتها الحائرة احزمي أمرك أيتها الغادرة الماكرة ، سنوات طوال وأنت تتسكعين في أزقة المدينة وحاراتها فهل قررت العودة أم انك ستبقين مهاجرة ، الفتات زائل ، والغريب راحل ، ولكن أنا العراق باق ([1]).
التعليقات (0)