مع اقتراب يوم الجمعة يقترب موعد "الجريمة" الممكنة الوقوع في دمشق والتي "ستقوم بها القاعدة لتؤكد ٳجرامها وكرهها للشعب السوري و قيادته المناضلة". ربما تحدث تنويعات على نغمة "الٳرهاب الجهادي" مثل وقوع الجريمة المقبلة في حلب أو تغيير شحنة الحزام الناسف أو حتى ماركة السيارة التي ستنفجر "بالمصادفة" قبل صلاة الجمعة بساعة أو أكثر. على كل حال، ستكون هناك جريمة و سيعود النظام " للردح " حول المؤامرة و اﻹرهاب و جرائم قتل المدنيين التي لا تقوم بها سوى "عصابات مسلحة مندسة و آتية من الخارج".
سوف نشاهد من جديد على الفضائية السورية تقارير مطولة تصف هول الجريمة و اعتذارات عن بشاعة صور الضحايا وضيوفاً يسهبون في الحديث عن المؤامرة ، و سيأتي أحد فطاحل ٳعلام نظام الشبيحة في دمشق ليعيد ما قاله تعليقاً على تفجير حي الميدان اﻷخير و ليصف العملية بأنها "جريمة كبرى ضد اﻹنسانية، جريمة من الطراز اﻷول".
ٳذا كانت هذه جريمة من الدرجة اﻷولى فٳننا نريد أن نعرف ماهي الجرائم من الدرجة الثانية و الثالثة ؟ ٳذا كان تفجير النفس بغرض مُعلن هو "قتل شبيحة اﻷسد" يُصنّف من قبل أبواق النظام على أنه جريمة من الطراز اﻷول فليتحفنا هؤلاء برأيهم في قتل اﻷطفال من جانب زبانية اﻷسد والتشنيع بجثثهم وٳخصاء الشهيد حمزة الخطيب ؟ هل هذه جرائم "نخب ثاني" !؟ في نظر هؤلاء العباقرة، ماهي الجريمة من الصنف الممتاز ؟ هل يكون التعرض للذات اﻷسدية جريمة من هذا الطراز اﻷخير؟
من جهة ثانية، لو تقبلنا طروحات النظام عن مدى حب المواطنين له ورضاهم عن اﻷسد وٳدارته الحكيمة للبلاد، فكيف نفسر وجود انتحاريين يريدون مهاجمة قوات اﻷسد والانتقام منها ولو دفعوا حياتهم ثمناً لذلك ؟ في هذه الحالة يجب أن نعتبر هؤلاء الانتحاريين ٳما "مجانين" لا يقدرون قيمة نظام اﻷسد ولا يعترفون بأفضاله الكثيرة على البلاد و العباد، أو أنهم جهاديون تكفيريون يؤمنون بضرورة مقارعة النظام "الكافر" وٳذاقته ما كان يذيقه للجوار.
لكن، ما هو رأي النظام في العمليات الانتحارية ؟
أول عملية انتحارية في المنطقة قام بها ضابط بحري سوري متدرب في مصر اسمه "جول جمال". هذا الضابط انقض بزورقه على مدمرة فرنسية أثناء العدوان الثلاثي على مصر. الناس في سوريا يعرفون هذا اﻷسم ﻷن النظام أطلقه على عدة مدارس و شوارع تخليداً لهذا العمل البطولي والانتحاري. تبعته الشهيدة سناء محيدلي، السورية القومية، التي فجرت نفسها و سيارتها في قافلة للعدو اﻹسرائيلي في حين كان شيعة الجنوب يرمون القوات اﻹسرائيلية بالرز والزهور ﻷنها "حررتهم" من الوجود الفلسطيني.
النظام السوري قام بتمجيد كل العمليات الانتحارية حتى تلك التي كل ضحاياها هم من اﻷبرياء ! النظام لم يدِن عمليات "حماس" و الجهاد اﻹسلامي في القدس و في ملاهي تل أبيب، في حين عفّت هاتان المنظمتان الصديقتان لدمشق عن مهاجمة قطعان المستوطنين و جيش الاحتلال اﻹسرائيلي في الضفة ٳلا فيما ندر ! على العكس، النظام احتفى بكل العمليات الانتحارية في فلسطين و العراق أثناء الاحتلال اﻷمريكي حتى لو لم يسقط فيها أي من جنود الاحتلال ! الاستثناء الوحيد هو ٳدانته لبعض التفجيرات الانتحارية في العراق والتي استهدفت مزارات شيعية ، فقط بعدما هدد المالكي بالتوجه ٳلى مجلس اﻷمن ﻹدانة نظام الشبيحة الذي اتهمه بأنه وراء "الهجمات الٳجرامية التي تستهدف وحدة الشعب العراقي".
بالطبع أدان اﻷسد العملية الانتحارية التي استهدفت الرئيس الشهيد رفيق الحريري وقبلها هجمات الحادي عشر من أيلول ، ﻷسباب لا تخفى على القارئ اللبيب.
الاستثناء ٳذاً لدى نظام اﻷسد هو ٳدانة التفجيرات الانتحارية ، والقاعدة لدى سدنة البعث اﻷسدي هي اعتبار التفجيرات الانتحارية أينما كانت "عمليات استشهادية يقوم بها مستضعفون بهدف تحرير بلادهم من عدو غاشم لا يفهم سوى لغة القوة ".
حتى العدو لا يستطيع ٳلا احترام مقاتل ضحى بحياته من أجل وطنه في معركة تستهدف جنود الجيش المحتل الموجودين على أرض ليست أرضهم و يقمعون شعباً بالقوة. شتان بين استشهاد "جول جمال" و "سناء المحيدلى" و بين أحمد أبو عدس وأمثاله من المغرر بهم. فاﻷولان استشهدا دفاعاً عن كرامة شعوبهم ولعدم وجود امكانية أخرى للمقاومة بتصرفهم. أما أبو عدس فقد فجر نفسه ، ٳن صدقنا الرواية الرسمية ، لاغتيال زعيم وطني و تحقيقاً ﻷهداف دنيئة لا تخدم أي قضية وطنية.
من الممكن ٳذاً فهم العمليات الاستشهادية الموجهة ٳلى قوات غازية، في معركة معلنة وﻷهداف واضحة ، مع أن الموضوع يبقى خلافياً و مشكوكاً في نجاعته. أما ما لا يمكن الخلاف فيه فهو أن كل عملية انتحارية خارج اﻹطار السابق أو تستهدف مدنيين كائناً ما كانت جنسياتهم هي عملية ٳجرامية، مثلها مثل قتل "محمد الدرة" و "حمزة الخطيب".
ما هو تصنيف العمليات الانتحارية التي تحصل حالياً في دمشق، و الموعودة حلب ربما بها ؟
من يقومون بها لا يموتون "حباً في التضحية بأنفسهم". هم ٳما مقتنعون بأنهم يحاربون نظام احتلال دموي يستأهل أن يموتوا في سبيل تخليص بلاد العرب و المسلمين منه، أو أنهم مغفلون كانوا يحملون قنابل دون أن يعلموا ما كان في حقائبهم أو في صناديق سياراتهم، كما حصل في تفجير المقهى في مراكش، حيث تحول ناقل حقيبة ٳلى انتحاري رغماً عنه، بعدما تركه اﻹرهابي و ذهب ليقضي حاجة ! حين ابتعد القاتل بما يكفي، أرسل النبضة الالكترونية ليفجر حقيبة تركها بعهدة "صديقه" الذي مات دون أن يكون له في اﻷمر ناقة ولا جمل !
ٳن كان الانتحاريون "استشهاديين" عن جد، فهذا يعني أن القاعدة (أو أحد اﻷجهزة التابعة للنظام) قد وجدوا أفراداً مستعدين للموت لفرط كرههم للأسد وشبيحته.
بافتراض وجود هكذا أشخاص انتحاريين ، وهي فرضية أكثر من معقولة في ظل ممارسات شبيحة النظام الدموية ، ما هو الهدف السياسي أو العسكري المرجو تحقيقه من وراء التفجيرات و من وراء تضحية هؤلاء الانتحاريين بأنفسهم ؟
في حالة الشهيدة "المحيدلي" كان الهدف من العملية ٳيقاع الخسائر بالجيش الغازي وحمله في النهاية على الانسحاب، كذلك اﻷمر في أفغانستان وفي الهجمات على قوافل الجيش اﻷمريكي في العراق. هذه هجمات لا يقع اختلاف على أهدافها، بعكس تلك التي تكون أهدافها مدنية.
في الحالة السورية، تفجيرا "كفرسوسة" استهدفا، ٳن صدقنا ادعاءات النظام ، مراكز أمنية محصنة ، لذا يمكن اعتبارهما كعمليات عسكرية خاطئة التوقيت و ربما الهدف. هذه عمليات أصابت الكثير من المدنيين ممن لا حول لهم ولا قوة وخدمت النظام بأكثر مما أضرت به. كائناً ما كان اﻷمر، الانتحاري المفترض كان يعرف أنه يهاجم مراكز أمنية وربما تكون هناك بعض اﻷضرار الجانبية.
أما تفجير الميدان، فقد عجزنا عن فهم أهدافه و مراميه.
في العراق، يفجر الانتحاريون، السنة عموماً، أنفسهم في مراكز عسكرية تابعة لحكومة المالكي الشيعية، أو في مساجد و مراكز تجمع الشيعة. هناك ٳذاً "منطق" ٳجرامي وطائفي وراء هذه العمليات المغرضة، فما المنطق اﻹجرامي الذي اتبعته "القاعدة" المفترضة حين أرسلت انتحاريها ليفجر نفسه في قلب أحد أعرق الأحياء السنية المناهضة للنظام في دمشق ، حي الميدان ، قبل ساعة من موعد احتلال هذا الحي من قبل المحتجين على نظام اﻷسد ؟ !
منطقياً، هكذا عمل مفترض أن من يقوم به يجب أن يكون شيعياً أو علوياً، بقصد الانتقام من ساكني حي الميدان من السنة. هناك ٳذا انتحاريون شيعة في دمشق، يريدون قتل السنة معتبرين ربما أن نظام اﻷسد لا يقتل ما يكفي من هؤلاء. هذا ٳذا قبلنا طروحات اﻷسد حول كون العملية انتحارية وٳلا فما معنى أن يفجر "سني" نفسه في حي سكني يعج بالسنة من مناهضي اﻷسد ؟ !
هل هذا يعني أن هناك "قاعدة" أخرى، شيعية هذه المرة ، ترمي ٳلى الانتقام من السنة ؟ أو أن القاعدة التي يعرفها العالم قد "تشّيعت" وقررت مناصرة محور الممانعة اﻷسدي اﻹيراني نكاية باﻷمريكان و مناصريهم، بكلمة أخرى، ٳنها قاعدة "مرتدة".
أحمد الشامي http://www.elaphblog.com/shamblog
نشرت في بيروت اوبسرفر الخميس 19 كانون الثاني 2012
http://beirutobserver.com/index.php?option=com_content&view=article&id=69419:chami&catid=39:features
التعليقات (0)