مواضيع اليوم

في ضرورات المؤامرة و الاندساس

أحمد الشامي

2011-11-24 12:03:05

0


كل نظام عربي يواجه معارضة داخلية لا يجد خيراً من نغمة المؤامرة الخارجية و العصابات المندسة لتفسير الحراك الشعبي و الارهاصات الثورية التي يواجها.
نفس النغمة سادت في عراق صدام، يمن علي عبد الله صالح، ليبيا العقيد و مصر مبارك الخ. حتى نظام الملالي استطاب موضوع المؤامرة الخارجية و التدخلات الخارجية حين احتاج نجاد لمواجهة المحتجين على انتخابات رئاسة فاقدة المصداقية.
ما هذه "الموضة" و لماذا يحتاج هؤلاء لاختراع روايات سريالية عن مؤامرة لا يصدق و جودها حتى اﻷطفال؟
هل عجزت قريحة جهابذة الطغيان و مثقفي البلاط عن اجتراح خطاب عقلاني يحترم ذكاء المتلقي ويوصل لنفس الهدف ؟ أم أن للأمر وجهاً آخر؟
صحيح أن كل هذه اﻷنظمة شمولي و يرفض الاعتراف بالآخر و بحق الاختلاف ضمن ٳطار الوطنية الجامعة، مع ذلك هذا لا يفسر اتفاقهم جميعاً على النغمة ذاتها.
قبل أنظمة الأفّاقين العرب، كانت إسرائيل سباقة لوصف الفدائيين الفلسطينيين "بالمخرّبين" فما سر هذا التوافق بين أنظمة الطغيان العربية و النظام العنصري الإسرائيلي في ذمّ طالبي الحرية أنّى كانت مشاربهم ؟
علم النفس التطبيقي قد يعطي تفسيراً لهذه الظاهرة ولإجماع الظالمين على خطاب واحد.
في تجربة شهيرة قام باحثون بالطلب ٳلى مجموعة من الممثلين أن يلعبوا دور أفراد يتظاهرون باﻷلم حين يتلقون صدمات كهربائية و طلبوا من مجموعة من طلبة الجامعات أن يوجهوا صدمات كهربائية عقابية، على مزاجهم، لهؤلاء الممثلين و بغرض التسلية.
اﻷغلبية الساحقة من الطلاب رفضت تطبيق صدمات كهربائية مؤلمة ﻷفراد أبرياء لا يعرفونهم و ليس لديهم من داع لمعاقبتهم. لكن اﻷمر اختلف قليلاً حين قال القائمون على التجربة للطلاب "أن الممثلين، ضحايا الصدمات، هم مجرمون من نزلاء السجون و ممن ارتكبوا جرائم مشينة". بعض الطلاب و جدوا مقبولاً إعطاء صدمات كهربائية لمجرمين و قتلة. مع ذلك، لم يشارك الكثير من الطلاب في تعذيب الضحايا.
التجربة اﻷمريكية، التي جرت ٳبان الحرب الباردة، اختلفت نتيجتها جذرياً حين ذكر العلماء للطلاب "أن الممثلين هم، في الحقيقة، عملاء سوفياتيون و كوبيون مندسون و أن الهدف من الصدمات الكهربائية هو ٳجبار هؤلاء الجواسيس على فضح اتصالاتهم و خططهم لبث البلبلة في الولايات المتحدة اﻷمريكية".
عملياً، كل الطلاب المثقفين و الجامعيين الذين اشتركوا في التجربة، و الذين سبق لهم و أن رفضوا تعذيب الضحايا، شاركوا بسعادة في ٳعطاء صدمات كهربائية مؤلمة ﻷشخاص لا يعرفونهم، لمجرد أن شخصاً يلبس قميصاً أبيض و يقدم نفسه على أنه عالم محترم، قال لهم أن هؤلاء الضحايا هم في الحقيقة عملاء و يشكلون خطراً على اﻷمن القومي لبلادهم !
اﻷغرب هو أن من رفضوا و بشدة تعذيب الضحايا دون سبب في بداية التجربة، أظهروا تفانياً و جدية أكثر من غيرهم في تطبيق نفس العقوبة حين اعتقدوا أنهم بهذا الفعل المشين ٳنما يؤدون خدمة لبلادهم! فوق ذلك، كلما بالغ الممثلون في ٳظهار اﻷلم، زادت شهوة معذبيهم لتطبيق العقوبة عليهم!
ماهي النتائج العملية لهذه التجربة؟
ليس من الضروري للمرء أن يكون "شبيحاً" محترفاً لكي يقوم بأنذل اﻷفعال بحق مواطنيه، يكفي أن يكون هذا الشخص ساذجاً بما فيه الكفاية ليصدق ما ترويه له وسائل ٳعلام يثق بها و أن يعطل عقله و ملكة التفكير المستقل لديه، و هذان أمران ليسا بالنادرين لدى شعوب لا تحترم التفكير المنطقي و تحكم عواطفها بدل تحكيم العلم و الدلائل.
كيف يمكن مواجهة أشخاص لديهم قناعة بأنهم ٳنما يخدمون قضية عادلة مع أنهم يقومون بأبشع الممارسات و الرذائل ؟ هل يكفي فضح كذب السلطات و تشويهها للحقائق لإعادة الأمور إلى نصابها ؟ يبدو هذا كخطوة أساسية و لكنها قد لا تكون كافية مع الأسف.
ليس صدفة أن كل الانقلابات العسكرية في الماضي كانت تبدأ باحتلال مبنى اﻹذاعة و التلفزيون! حين يتوقف المخدوعون عن تلقي الرسائل و التوجيهات التي تعطل عقولهم و تسيّر أفعالهم، فٳنهم يبدؤون في التفكير بشكل مستقل و بمحاكمة اﻷمور بشكل أكثر عقلانية.
القطريون أدركوا أهمية الخطاب الإعلامي و المصداقية فاستثمروا في قناة "الجزيرة" و تبعهم آخرون. تباين الخطابات يعقد الأمور نوعاً ما أمام أقنية الشبّيحة التي تحتاج لكسب مصداقية لدى أزلام النظام و لسحب البساط من تحت أقدام الأقنية المعارضة. هذا ما يفسر منع دخول المراسلين غير الموثوق بهم و يفسر أيضاً مناورات الإعلام السوري، فيما يخص زينب الحصني مثلاً، لتكذيب الآخرين.
لنتصور أن ضابطاً في الجيش السوري قال لجنوده الذين يواجهون محتجين عزّل : "هؤلاء مواطنون مسالمون، يرغبون بزوال الاستبداد و حكم العائلة اللصوصي، يريدون ديمقراطية و حكم قانون في ظل دولة مدنية، إنهم إخوتكم وأهلكم، أنتم منهم و هم منكم ولو اختلف المعتقد الديني بينكم و بينهم، لكن من واجبكم أن تقتلوهم !". كم جندياً سيطلق النار على هؤلاء المتظاهرين ؟ الأغلب أن أكثر الجنود سينضمون للمحتجين و سينشقون على الفور. من هنا ندرك لماذا يُمنع الجنود من متابعة محطات إعلامية غير تلك التابعة للنظام.
خطاب النظام التآمري موجه أساساً للداخل، لزبانيته و لمواطنيه لإقناعهم بشرعية القمع و بضرورة المشاركة في "الدفاع عن الوطن المهدد".
المهم أن يحافظ النظام على خطابه التجييشي و العاطفي وأن يتصدى لمنع أي خطاب نقدي أو حتى عقلاني. المطلوب أن يبقى عنصر الأمن أو الجندي المغرر به حبيس أفكاره المسبقة و الخطاب العدواني للنظام. لا يريد نظام الشبيحة في دمشق الاعتراف بحق المعارضة في الوجود على الأرض و التعبير عن آرائها. يجب أن يبقى الجندي مقتنعاً، حين يسدد سلاحه ليقتل المتظاهرين، أنه يقوم بفعل وطني وأنه إنما "يخلص" البلد من متآمر أو من إرهابي مندس. المهم أن يبقى زبانية النظام على غبائهم و عمى بصيرتهم وأن لا يحكّموا ضمائرهم ولا حتى عقولهم.
لا يستطيع النظام أن يغير خطابه في موضوع المؤامرة و الاندساس. إن اعترف النظام بوجود الآخر، في شكل معارضة وطنية، و بوجود أزمة بينه و بين محكوميه فإنه يعرض نفسه لخطر انكشاف ألاعيبه و انهيار منظومته الفكرية و القيمية بالكامل.
حينها يدرك كل جندي يوجه سلاحه إلى صدور الشعب أنه قاتل، لا أكثر ولا أقل، ويدرك كل متعاون مع النظام أنه قد تم استغباؤه بغرض التآمر على بلده. كذلك سيدرك كل ضابط يقود عساكره بعيداً عن الجبهة و عن الأرض السورية المحتلة، أنه إنما يخدم أهداف أعداء الوطن و الغرباء و يحارب لكي تستمر أسرة مستبدة في نهب البلاد و العباد.
إن خرج النظام السوري و أشباهه عن خطاب المؤامرة والإرهابيين فسيدرك كل أعوانه أنهم قد أصبحوا خونة، لا أكثر ولا أقل.

د أحمد الشامي بيروت اوبسرفر 24 تشرين الثاني 2011
Ahmadshami29@yahoo.com
http://www.elaphblog.com/shamblog

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات