مواضيع اليوم

في انتظار الثلاثاء

أحمد الشامي

2012-10-31 09:57:38

0

في السادس من تشرين الثاني الجاري سوف ينتخب اﻷمريكيون رئيساً جديداً لهم فٳما أن يقرروا ٳبقاء الرئيس اﻷسمر في المكتب البيضاوي أو يتيحوا لرجل اﻷعمال المورموني الناجح "ميت رومني" أن يتولى، ومعه الجمهوريون، سدة الرئاسة اﻷولى في الدولة اﻷعظم.
أي من أطفال أمريكا لم يكتب "جاك الدور يا اوباما..." ولم يقم الاف بي أي بقلع أظافرهم ولا حتى بصفعهم، لم تخرج أي مظاهرة ضد ولا أخرى "مؤيدة" للزعيم الخالد، لم نر سلاح الجو اﻷمريكي يستل طائراته ومروحياته الكثيرة "لتربية" اﻷمريكيين وٳعادتهم ٳلى حظيرة الصمت، اﻷسطول اﻷمريكي "داشر" في كل بحار العالم وليس هناك من مدمرة واحدة تقصف أحياء "ميامي" أو "سان فرانسيسكو" ﻹعادتها ٳلى جادة الصواب...مع أن الرئيس "اوباما" في وضع انتخابي صعب، فلم يخطر له تحريك أسلحة التدمير الشامل الموجودة في حوزته "ٳلى مناطق آمنة" ولا التلويح باستخدامها ضد معاقل المحافظين الجدد. غريبة هي السياسة اﻷمريكية، "غير شكل" ليس "مثل عندنا" حيث نعرف نتيجة الاقتراع قبل الانتخابات بسنوات بل لا حاجة للانتخاب وٳضاعة الوقت والموارد أصلاً.
غريب أمر هؤلاء اﻷجانب فهم لم يتعلموا بعد فن "الممانعة" ولا هم ألموا بأحجيات "الصمود" ولا هم حتى فهموا معنى "التصدي"؟! ما بال أنصار الرئيس اﻷسمر لا يهتفون "اوباما للأبد.." ؟؟ والرئيس سيرحل معززاً مكرماً ٳن لم يعاد انتخابه دون سفك دماء...هذه هي "الديمقراطية" وهي بالضبط ما نرجوه ﻷنفسنا كسوريين.
الكثير من اﻷمور سوف يتغير في السياسة اﻷمريكية مع تغير الرئيس، ربما على صعيد الممارسة أكثر مما هو على صعيد اﻷهداف البعيدة، فالمتنافسان يضعان مصلحة شعبهما والولايات المتحدة نصب أعينهما ويلتزمان بخدمة ازدهار بلادهما ولكن بأسلوبين بينهما بعض الاختلاف.
ماذا سوف يتغير بالنسبة لنا كسوريين في حال بقي "اوباما" أو جاء "رومني" ؟
هناك ثوابت في السياسة اﻷمريكية لن تختلف قيد أنملة سواء كان الرئيس جمهورياً أو ديمقراطياً وهي تهدف لتحقيق مصالح أمريكا أولاً. من هذه الثوابت الالتزام بأمن ووجود ٳسرائيل، وبٳبقائها أقوى من خصومها، لكن ليس بجعلها قوية لدرجة تسمح لها بالاستغناء تماماً عن الصديق اﻷمريكي. أيضاً من ثوابت السياسة اﻷمريكية الٳبقاء على السيطرة على منابع النفط الرئيسة في الخليج وتأمين نقل النفط بشك آمن واستمرار تسعيره بالدولار حماية للاقتصاد اﻷمريكي. هدف المتنافسين في واشنطن هو احتفاظ أمريكا بوضع القوة اﻷعظم ولكن بطريقتين مختلفتين. لنلاحظ أن نظام العصابة في دمشق لا يهدد مباشرة أياً من المصالح اﻷمريكية، مثله مثل باقي طغاة العرب، من رحل منهم ومن ينتظر.
الديمقراطية في العالم العربي الواسع لن تهدد مصالح أمريكا في الصميم، على العكس فهي سوف تضعف مواقع منافسيها من "كبار الديمقراطيين" في بكين وموسكو وطهران، هذا باستثناء دول النفط التي تعني "دمقرطتها" ان تتمكن شعوبها من الوصول ٳلى السلطة وٳعادة النظر في أسعار النفط الحالية (والتي تبقى أرخص من المياه الغازية ) وأيضاً موضوع تسعير النفط بالدولار حصراً في حين تتهاوى قيمة هذه العملة.
انتقال الربيع العربي وحمى الديمقراطية الكاملة ٳلى بلدان الخليج سيكون ٳذاً تهديداً جدياً لمصالح الولايات المتحدة. بالمقابل لا مانع لدى العم سام من انتصار الثورة السورية "محليا" خاصة بثمن مرتفع للغاية بما يمنع انتقال عدوى الحرية ٳلى ممالك النفط، خوف أن تلقى شعوبها نفس مصير السوريين. انتصار الثورة السورية في مكونها السلفي والجهادي "القاعدي" سيكون بالمقابل خطراً أولاً على التعايش بين السوريين أنفسهم ثم على أمريكا وربيبتها ٳسرائيل، بنفس الدرجة التي سيكون فيها خطراً على شبيح موسكو الذي يبقي عينه على الشيشان ومسلمي القوقاز.
أي رئيس أمريكي مقبل سوف لن يسمح بانتصار الجهاديين في دمشق ولا بانتقال الثورة ٳلى الخليج بأي شكل من اﻷشكال. هذا ما يفسر برود اﻷمريكيين تجاه ثورة الشعب السوري خاصة مع بروز العنصر السلفي والجهادي في الثورة، مع أن بروز هذا العنصر ليس ٳلا نتيجة لتقاعس الغرب واﻷمريكيين عن نصرة السوريين . ٳذا أخذت "جبهة النصرة" و شبيهاتها رأس الحربة في مواجهة نظام اﻷسد فسوف ينضم اﻷمريكيون في النهاية أيا يكن رئيسهم ٳلى "محور الشر" الداعم للأسد، بشكل مباشر أو غير مباشر وسيعني ذلك ٳطالة الصراع في سوريا وليس "انتصار" اﻷسد.
انتصار اﻷسد الناجز سيكون هزيمة ﻷمريكا وانتصار الثورة الساحق، حتى لو لم يكن السلفيون في موقع القيادة منها، سيهدد على المدى المتوسط حلفاء أمريكا في المنطقة وتفوق ٳسرائيل على العرب. الرئيس المقبل سيجد نفسه أمام "وجع رأس" لا يختلف جذرياً عن هذا السيناريو وربما يبحث عن "حلول وسط".
انتصار الثورة بثمن مرتفع (تم دفعه سلفاً) وبقيادة عناصر ٳسلامية معتدلة لن يشكل ٳذاً تهديداً للمصالح اﻷمريكية، دون أن يكون فيه مصلحة استراتيجية ﻷمريكا فلا مصلحة حيوية للولايات المتحدة في سوريا خارج حماية حدود ٳسرائيل. الحقيقة هي أن من يزعج أمريكا ليس في دمشق لكن في طهران وموسكو. ازدياد النفوذ اﻹيراني والسطوة اﻹيرانية في الخليج، في وجود مشروع نووي ٳيراني وبدعم روسي سوف يهدد مصالح أمريكا الحيوية في الخليج.
في رهانه على ٳيران وضع اﻷسد نفسه بين مطرقة الولي الفقيه وسندان المارد اﻷمريكي وقد ينتهي به اﻷمر "كدفعة على الحساب الجاري" بين اﻹثنين. قصقصة أجنحة ٳيران، عبر المساعدة على تصفية رجلها في دمشق مثلاً، والحد من اندفاعها نحو المتوسط سيكون في مصلحة الولايات المتحدة، فأمريكا ترفض حتى الآن الاعتراف بدور ٳيران كشريك كامل ﻷمريكا في ٳدارة منطقة الشرق اﻷوسط.
أمريكا ترفض هذا الاعتراف ﻷن الدور اﻹيراني المأمول سيكون على حساب باقي أصدقائها وسوف يؤدي على المدى الطويل ٳلى تقزيم النفوذ اﻷمريكي وطرد أمريكا نهائياً من المنطقة ليحل محلها "محور الشر" الروسي اﻹيراني الصيني" بالتفاهم مع ٳسرائيل النووية والمدججة بالسلاح. دولة الفصل العنصري في "تل أبيب"، والتي تجيد الرقص على الحبال، سوف تتأقلم مع توازن النفوذ الجديد في المنطقة كما تأقلمت مع اضمحلال النفوذ الفرنسي وكما تأقلمت مع سحب السوفييت دعمهم المطلق لها بعد وفاة "ستالين".
هل هناك تقاطع ممكن بين مصالح السوريين الثائرين ومصالح أمريكا ؟ هل ستكون سياسة الجمهوري "رومني" مختلفة عن الديموقرطي "اوباما" ؟ وأين تكمن مصلحة السوريين ؟ التقاطع الوحيد الممكن نظرياً هو في تولي عناصر معتدلة قيادة الثورة السورية وتوحيد فصائلها تحت قيادة مسؤولة، وأن تمد الثورة يد التعاون لواشنطن والالتزام بحقوق اﻹنسان وبمبادئ القانون الدولي بما يؤدي، في النهاية، ٳلى الاعتراف بٳسرائيل دون التخلي عن الجولان. في هذه الحالة سيجد اﻷمريكيون من مصلحتهم تقوية هذه العناصر وسيكونون ملزمين بتسريع انتصار الثورة السورية.
خارج هذا اﻹطار، مصلحة أمريكا تكمن في ٳغراق اﻹيرانيين وحلفائهم الروس في مستنقع سوري أكثر دموية من العراق وربما من أفغانستان. الرئيس اﻷمريكي المقبل سيجد نفسه أمام خيار المساهمة في "صوملة" سوريا أو التدخل الفعال لصالح عناصر معتدلة في الثورة بما يسمح بتقصير معاناة السوريين وانتصار ثورتهم.
الرئيس "اوباما" اختار حتى الآن ممارسة سياسة "الانتظار" فهو يترك السوريين ينزفون ﻷن ذلك يستهلك النفوذ اﻹيراني في المنطقة ويضع ٳيران الشيعية في مواجهة غضب سني جارف وكراهية ستمتد ﻷجيال. ذات الشيء مع روسيا وشبيحها بوتين الذين سيجدان نفسيهما في موضع "الشيطان اﻷكبر" بالنسبة للعرب وللٳسلام السني. هذا ما حصل مع اﻷمريكيين حين سقط نظام الشاه في طهران الذي سبق لهم ودعموه، فأسماهم اﻹيرانيون "الشيطان اﻷكبر" علما أن الشاه كان "ملاك رحمة" مقارنة باﻷسد، فكيف سيكون اﻷمر مع القتلة الروس واﻹيرانيين الذين ساهموا مباشرة في ذبح السوريين ؟ روسيا وٳيران ستخرجان نهائياً من سوريا فور سقوط اﻷسد ولعقود أيا يكن الموقف اﻷمريكي. حزب "حسن نصر الله" سوف يجد نفسه في مواجهة مفتوحة ودموية مع السوريين اﻷحرار لن تنتهي بغير ٳنهاء وجود هذه العصابة مثلها مثل عصابة اﻷسد، فلماذا "يوسخ" اﻷمريكيون أيديهم ؟
سياسة الرئيس "اوباما" تبدو ٳذاً متواطئة مع استمرار مذبحة السوريين ٳلى ما لا نهاية ﻷن ذلك هو ما يحقق، من وجهة نظره، مصلحة أمريكا بأقل كلفة مادية ودون مخاطرة. هذا "الانتظار" يبدو ماركة مسجلة للرئيس "اوباما" الذي "يقود من الخلف" و الذي يكتفي بالكلام العمومي واﻷخلاقي في حين ينتهج سياسة أقل ما يقال فيها أنها مجردة من اﻷخلاق والقيم. حالياً، يجد الجميع اﻷعذار للسيد "اوباما" بحجة "أنه لا يريد التورط في حرب قبل الانتخابات...". هؤلاء يتجاهلون حقيقة أن الثوار لا يطلبون من أمريكا أن تحارب اﻷسد بدلاً عنهم ولكنهم يريدون فقط أن تسمح أمريكا لداعمي الثورة بتسليم المقاتلين أسلحة تقيهم شر هجمات اﻷسد وأن ترفع الغطاء عن اﻷسد بشكل نهائي وواضح. هذا ما لم يفعله السيد "اوباما" حتى الآن وهو ما يؤكده السيد "فؤاد عجمي" في كتابه المخصص للثورة السورية.
هل سيغير السيد "اوباما" سياسته حال انتصاره في السباق الرئاسي ؟ هذا لا يبدو أكيداً في المستقبل المنظور.
المنافس الجمهوري سوف يكون أمامه الخيار بين الاستمرار في سياسة "النأي بالنفس" السلبية وانتظار غرق سوريا وربما كل المنطقة في الدماء و في مستنقع من "الصوملة"، أو القيام بدور يليق بالقوة اﻷعظم ويتناسب مع أخلاقيات الديمقراطيات الملتزمة بحقوق اﻹنسان والشعوب والدخول على خط اﻷزمة السورية لصالح طرد عصابة اﻷسد من دمشق.
على أي حال، فانتظار "المدد" من العم سام قد يكون طويلاً وربما لن يأتي أبداً.
مع أن التوجه للأمريكيين بخطاب مهادن وتصالحي بعيد عن الاستفزاز المجاني وطلب صداقتهم هي أمور مفيدة للسوريين، يبقى من اﻷفضل للثائرين عدم الالتفات لمن سيربح أو سيخسر في واشنطن والاستمرار في تسليح أنفسهم اعتماداً على غنائمهم من مخازن اﻷسد واﻹسراع في توحيد صفوفهم لوضع استراتيجيات موحدة للعمل العسكري على اﻷرض تعوض عن غياب السلاح النوعي، ٳضافة ٳلى الحد من تغلغل الحركات الجهادية المتطرفة، حينها سيأتي العالم كله طالباً ودهم ﻷنه سيوقن حينها أنهم منتصرون.
أحمد الشامي http://www.elaphblog.com/shamblog ahmadshami29@yahoo.com
بيروت اوبسرفر :اﻷربعاء 31 تشرين اﻷول 2012
http://beirutobserver.com/index.php?option=com_content&view=article&id=85274:chami&catid=39:features
 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات