نحن نفتقد لغة الحوار المشترك .. ونذرع ميدان الحوار الخاص, بكل ما يعبر عن الموقف الذاتي, حيال أي أمر كان. ونحشد كل الإمكانيات لدمغ أي حجه, وتجريدها من إمكانية التعبير عن ذاتها, بل نحرم حق ممارستها الوجود, كرد فعل آخر خارج عن دائرة استقطاب ما يلائمنا, وفي حدود التوافق. وحيال أي ردة فعل يتم اعتبارها في الهامش ,والتشكيك بدواعيها وبنيه صاحبها, وطرده من عالم العقلاء, والزج بصاحبها إن أمكن إلى مارستان خاص نودعه فيه, كصاحب نزوات بعيده عن التحقق أو الإمكان وفي حدود ما هو خرافي .
إن البعض وهذا أمر يشهده الكثير يسقط تحت سحر مازوخيه ونرجسه ذاتيه, فينظر إلى الآخرين باستحقار وتعالي لمجرد بروز العلة .والسبب الذي تكون حقيقة الدافع وراء العداء القائم ,وهو وجود الاختلاف. أي بما يعني وجود أخر يحمل عله الاختلاف هذه التي لا نحاول مجرد عدم الاعتراف بها, بل سحقها وتفتيت مكوناتها وفرض سقوطها إلى العدم . حريصين ما أمكننا على اللا تكسب معنى الكينونة, والشكل الذي يمنحها شكلا وكيانا. لأنه على اعتبار مكسب لها وخسارة فادحة علينا, كون الكيان الواحد المتطرف لأقصى حدود, لا يمنح إمكانية الاعتراف بوجود آخر إلى جانب وجوده المتطرف, الذي يفترض وحدانيته في المكان والزمان, وينظر إلى ما هو آخر نظره باطل, كون المفروض بها ألاَ تكون إلى جانب من لا يقبل القسمة..
إن مثل هذه ألنظره الشمولية في حدود مركزيتها ضد كل ما هو خارجها, تبدو بموقفها الذي لا تحسد عليه بالايدولوجيا المغلقة المتطرفة العنيفة, التي لديها نزوع نحو العنف والتصفيات الجسدية ,والقضاء على أي طقوس لا تلائم طقوسها. تبدو في العقائد والأديان الأشد انغلاقا من غيرها على ذاتها, ولا تتمتع بأي قابليه لقبول آخر لأنها بطبيعتها تفرض بطلان وجود غيرها, كونها تعتبره وجودا زائفا ينبغي طمسه.
إن مثل هؤلاء المخلصين لبوذا, وبعض القبائل التي حافظت على بدائيتها, ولم تتأثر بكثير أو قليل بالتطور, ما زالت مشبعه بالوهم المطلق على صحة معتقدها. الذي هو عبارة عن أشباح وظلال كما حكاية أفلاطون.هؤلاء الرافضين لأي حقيقة ملموسة غير الظلال , يشبهون لحد كبير أصحاب ممارسة بعض المعتقدات المتطرفة, التي حافظت على نفس النهج, رغم التعقيد التكنولوجي, والثورة العلمية الهائلة, التي قفزها زمننا بتداعيات كثيرة ,تعني من بينها الرقي الاجتماعي وتجدد أساليب الاتصال بثوراته المعلوماتية.
ما يعني أنها غير قابله للتحديث أو الاندماج مع الأخر, والانغلاق على الذات في الحدود القصوى للرفض. بل واعتبار أي محاولة, أي رابط ثقافي متعدد يوحد بين الجموع العربية, وانشطارها الديني والمذهبي والإقليمي أمر شبيه بالعبث. وعلى من أراد ألاّ يراق دم وجهه أن يرتجع إلى تلك الأقطاب خير له. ويتعايش في حدود شروط تلك النزعات, وما توفره المواقف المتعدده, التي تعيّن طبيعة الخلاف ,ديني كان أو طائفي أو إقليمي يمس سيادة دوله ما.
إن الصراع العربي صراع ومتعدد وغريب, ولكنه ضمن وحدة أفق المصالح المتعددة أيضا بحسب شروط تلك المثيرات, التي تحفز وجه الاتفاق على بروزها. فما بين دوله ودوله تنتمي إلى نفس القيم الدينية والمذهبية, يبقى هناك خلاف سياسي, وصراع اقتصادي, والنعرة الثقافية في حدود ما هو محلي.
غير أنها تنبذ الخلاف السياسي أو ترجئه لوقت أخر, إذا برز صراع مذهبي يتطلب من هذه الدويلات الالتئام والتخندق بلسان خطاب مذهبي موحد ضد ما هو آخر.
وعلى هذه الشاكلة تبدو الصراعات الدينية القليلة بين ما هو مسلم ومسيحي في الأوطان العربية ,وفي في حدود ضيقه.
أما الصراع المذهبي فأنه يمتد من والى خارج الخارطة العربية, ليعني كل دوله تعتنق الإسلام وتختلف اختلافا طائفيا .
إن الخلاف الطائفي هو ما لا يمكن اختصاره لأنه يمتد لحد الانغلاق على نفسه, ولا يسمح بأي نوع من التواصل. كما أن النقاش فيه يكون نوع من العبث, نتيجة التمسك بالرأي الذي يودي إلى السب والشتم التي يكيلها البعض للبعض الآخر بلا هوادة .
ولقد كانت الفضائيات تنقل شكل اقرب منه إلى التهريج منه إلى النقاش, بين سني وشيعي بشكل حماسي, بعيد كل البعد عن المنطق والأسلوب المرتجى من كلا الطرفين.
أضف إلى ذلك بعض التنكيل المروع, الذي كان ينجم عن الخلاف المذهبي من شنا عات, كان يحصد شوكها الضحايا الأبرياء بلا ذنب, في كل من سوريا والعراق, بمشاهد دامية للعين وللقلب.
لقد أكد البعض على وحشيته وخروجه عن الحدود الإنسانية, بفضل ذلك الفكر المنغلق على ذاته, البعيد عن تحقيق أي نزوع اتصالي, يطرد الهواء الطائفي الحبيس الذي أنجب الفكر الإرهابي المظلم ,الذي أطلق العنان للنزعات البدائية الموحشة لأن تنطلق وتعربد كما يحلو لها. دون الالتزام لأي شروط كانت, سواء من تعاليم الأديان ذاتها, أو الشروط الدولية للمجتمع الدولي, والموضوعية التي تفترض وجود حوار وفي حدود ما هو حوار, دون أن تجسد نقمتها على الأبرياء.وأخيرا وليس آخرا. إن الحوار الذي بدأت فيه عن عدم وجود فضاء يلم تلك النزعات تحت سقف واحد, بين الموقف السياسي العربي الغير موحد, والطائفي بنزعاته القصوى. سيمتد ويطول الموقف الثقافي العربي بشقيه الديني وللا ديني. على اعتبار أنهما حساسيتين غريبتين , وفي حدود تنافر مطلق في الفكر والفلسفة والحياة والنظرة الكونية الشمولية لكل منهما. ما يعني أننا نصل إلى نقطه ارتكاز حول العبث؛ نتيجة تطرف النظرتين الشموليتين في تناقضهم العقيم .
الذي لن تفلح أي أرضيه نستند عليها, لفرض منطق الحوار لقوى ايدولوجية لها تاريخ موغل بالقدم, بين الإيمان والكفر. وتركة صراع تاريخي لا يمكن اختزاله أو مقاربته او انحساره الى افق التواصل؛ لأنه يستمد منظوره من تداعي الانقسام المتكرر عبر التاريخ, ليلتحم بتاريخه البدائي ملتحقا لمعسكر الرفض لما هو عدو.
لأن المسرحية متكررة, والأدوار متكررة, وتبادل الاتهامات متكررا أيضا. ومهما اثر التطور في شكل الدلالات والأنساق للمنظومتين, يبقيان على طرفي نقيض؛ بحيث لا يمكن الحد من شراسته أو التخفيف من حدة الاتهامات التي تستوجب تلك المعاداة. كون عالم الأديان يؤخذ من اللا دينيين على اعتبار انه عالم خرافي أسطوري, توارثته الأجيال من تعدد ألا لهه حتى الإله الواحد. ومع نوع من التغطرس الذي تمارسه على أساس علمي كما تزعم, ترفض وجود ما هو غيبي وخارج عن نطاق الحواس . وبين القوى الدينية التي ترى انه من الواجب قتال هؤلاء ألكفره وتضييق الخناق عليهم, كون التعاليم الدينية صريحة, وموقف الرسول صل الله عليه وسلم من المشركين كعين الشمس.
فكيف موقفهم في هذا الوقت من الملحدين والتيارات الفكرية المعادية للإسلام ولكل الأديان؟ خاصة الحداثة التي تحاول التهام الأخضر واليابس في المعتقدات الدينية, بل وفي هجومها الشرس الذي شنته على الإرث الثقافي, والفكر الكلاسيكي الذي اعتبرته قبلي, مبشره باندثار التاريخ وكل القيم الرجعية وكل النزعات الأصولية ,بواسطة موقف فلسفي وفكري ثقافي أدبي. كانت الغلبة فيه للقوى الدينية التي أغلقت الصالونات والمراكز الثقافية بالقوة.
غير أنني كشاهد حق كنت ألاحظ تمادي كبير من بعض اللا دينين عبر الانترنت, وتطاولهم البعيد كل البعد عن المنطق العلمي,على المقدسات ألإسلاميه. ومس الذات ألإلهيه , وسيرة الرسول صل الله عليه وسلم شخصيا. والحد من قدر أزواجه رضي الله عنهن بأسلوب منفر وسوقي لحد كبير.
ما يعني بعدهم عن الروح العلمية والموضوعية, واقتصارهم على أساليب لا توحي سوى بأن غالبيتهم غير مثقفين, ولا يستندون إلى ذخيرة معرفية وفلسفيه وعلميه تسند موقفهم الذي لم يحسدوا عليه ساعتها. كما كنت ألاحظ نفس الشيء بالنسبة للدينيين, الذين لم يكونوا على وعي شمولي وثقافة واسعة. فبدا الطرفان - كما هي العادة في أفقنا العربي اللا صحي الضيق- بالسب والشتم وتبادل الاتهامات.
التعليقات (0)