يمر العيد الثالث علينا كسوريين ونحن بحال أسوأ من سابقيه، فكل المؤشرات تدل على أن المستقبل مظلم ولاضوء يلوح في آخر النفق، اللهم ٳن لم يتنبه السوريون ٳلى ثوابت العالم المحيط بهم وٳلى حقيقة أن لا أحد يهتم لمصيرنا ٳن لم نقم نحن باﻹمساك بقرارنا يداً واحدة في وجه عالم استسهل سفك دمائنا و"تلزيمنا" شعباً ودولة ٳلى عصابة اﻷسد منذ أربعة عقود ولايجد مايدعوه لتغيير سند تمليك سوريا لهذه العصابة الطائفية.
من للسوريين غير أنفسهم؟
من يدعون أنفسهم "أصدقاء الشعب السوري" يبدون كمجموعة من الدول المنزعجة من نظام اﻷسد وتريد تغيير تصرفاته وبعض وجوهه، لاتغييره جذرياً، وهذه هي خلاصة التوجه نحو "جنيف 2". مع اﻷسف وفي غياب موقف عقلاني ومسؤول من قبل أساطين المعارضة السورية فسوف يتم فرض الحل علينا من الخارج ولن يكون الحل مرضياً للسوريين.
الجار التركي الكبير يبدو كالسائر على طبق من البيض، فهولايريد الدخول في مواجهة مع النظام ولا الاحتكاك مع الولي الفقيه أو شبيح موسكو. السيد "اردوغان" وجد الحل "لتربيع" الدائرة عبر موقف مائع، فهو يستقبل الفارين السوريين بمقدار ولكنه يحسن وفادتهم. أيضاً يقوم اﻷتراك بمساعدة الجيش الحر دون تنظيمه أو دعمه عسكرياً والسماح له بأن يصبح قوياً بما يهدد التوازن مع النظام.
الجار التركي يستقبل المعارضة بحفاوة لكنه لايسمح لها بتنظيم الجهود العسكرية انطلاقاً من الجنوب التركي. الجار العزيز يسمح للمتشددين من أطراف اﻷرض بالالتحاق بالتنظيمات الجهادية المتطرفة عبر أراضيه لكنه في نفس الوقت يعادي أكثر هذه التنظيمات ويعتبرها، عن وجه حق، حليفاً موضوعياً لنظام العصابة في دمشق ولو بشكل آني!
يبدو أن وجود "القاعدة" والتي لاتخيف دولة مؤسسات قوية كالدولة التركية لايضر الجار التركي لكون هذه التنظيمات العدمية ضمانة لعدم قيام دولة كردية مستقلة ومستقرة جنوب اﻷناضول. كذلك يبقى شريان حياة بعض هذه التنظيمات في يد المخابرات التركية، بشكل غير مباشر، بما يسمح للأتراك بلعب دور مستقبلي أيا يكن تطور الوضع السوري.
الصديق اﻷمريكي لايستحق هذا اللقب، فالديموقراطية اﻷكبر في العالم لاتجد غضاضة في أن تتم ٳبادة السوريين بالجملة، تماماً كما رفض اﻷمريكيون "التضحية" بقنبلة واحدة على محرقة "اوشفيتز" كانت قادرة على حقن دماء الآلاف من اليهود أثناء الحرب العالمية الثانية. أنكى من ذلك، يقوم العم سام بممارسة العهر السياسي عبر مقايضة دماء السوريين مقابل "كيماوي" اﻷسد الذي قال مؤخراً، ربما على سبيل المزاح، أنه هو من يستحق نوبل للسلام! ولم لا، فهذه الجائزة سبق لها وأن أعطيت لباراك اوباما ولم يبق غير "بوتين" لم يحصل عليها بعد، ربما العام القادم...
اﻷخوة القطريون مشغولون بأمور جلل، كحماية استثماراتهم اﻹخوانية في مصر في وجه جزار الكنانة الجديد "السيسي" والالتهاء بكأس العالم لكرة القدم ومترو الدوحة...نعم، مترو من أجل العاصمة المزدحمة الدوحة والذي سيكلف ثمانية مليارات دولار عداً ونقداً لن تذهب كلها هباء، مثلها مثل عشرات المليارات التي أنفقت من أجل "استضافة" زيدان وأمثاله من لاعبي الكرة ذوي اﻷقدام الذهبية والرؤوس غير الممتلئة. حين يمل اﻷخوة القطريون من ٳدارة استثماراتهم المربحة، فٳنهم يلعبون على الساحة السورية، في الوقت السعودي المستقطع، عبر مؤتمر طنّان هنا وعبر شحنة سلاح "غير كاسر للتوازن" هناك دون أن يخطر ببالهم فتح أبواب ٳمارتهم المزدهرة للسوريين المعذبين بدل العمال الصينيين الذين يبنون ملاعب ومترو المستقبل في الدوحة.
اﻷخ السعودي اﻷكبر يخرج من غيبوبته بين الحين والآخر لكي يطمئن على استقرار المملكة ولكي يرسل بعض الصدقات للسوريين وبعض شحنات السلاح بالتقنين وبحساب بحيث "لايموت الذئب ولايفنى الغنم". اﻷخ السعودي يستثمر على جبهات عديدة، من ٳعادة ٳنتاج الظاهرة الحريرية في سوريا مع بعض التنويعات الطفيفة هنا ٳلى تمويل هيئة أركان مشلولة هناك، مرورا بوضع اليد على الائتلاف الوطني الذي لم يعد وطنياً فيه على مايبدو سوى اسمه.
الأخ السعودي لم يكن على عداء نافر مع نظام العصابة في دمشق، هو يريد أن يبتعد هذا النظام عن ٳيران لكنه يخشى من انتصار الثورة ومن قيام حكم ديمقراطي حق في سوريا أكثر ربما مما يخشى من بقاء نظام اﻷسد كسيحاً. في نظر اﻷخوة السعوديين، مثلهم مثل اﻷتراك، التنظيمات الجهادية "مقدور عليها" فهي لاتخيف الدول المؤسساتية والسعودية قادرة عبر مواردها الهائلة وأجهزتها الفعالة على الحد من نفوذ هذه "الفئات الباغية". بالنتيجة، لايجد الشقيق السعودي ضرورة لٳقامة بنية تنظيمية للمعارضة السورية المسلحة ولايهمه ٳن استشرت تنظيمات القاعدة على التراب السوري فبقاء هذه التنظيمات يضمن عدم قدرة اﻷسد على الانتصار التام ويكفل استمرار القتال. في النهاية سيحتاج المنتصر أياً كان ٳلى دعم خارجي سعودي وتركي للتخلص من هذه التنظيمات بما يحفظ دوراً للٳثنين حتى في حالة بقاء النظام...
لاداعي لمشاركة صناديد الحرس الملكي في التدريب أو القتال في سوريا فهم مشغولون بأمور أكثر أهمية من مقارعة الحرس الثوري اﻹيراني ولاداعي أيضاً لفتح أبواب المملكة الشاسعة أمام الفارين السوريين الذين يركبون البحر هربا من جحيم اﻷسد، فهؤلاء قد يأتون ومعهم أفكار هدامة مثل الحرية والديمقراطية "كش برا وبعيد..". علما أن "ٳيران" سبق لها وأن استقبلت كل الفارين العراقيين من جحيم "صدام" حتى السنة منهم...
فقط لو كان اﻷشقاء الخليجيون يمنحون الثورة السورية عُشر ماتقدمه ٳيران وروسيا للأسد...
كل هذا في كفة والمعارضة السورية في كفة، فليس مطلوبا من اﻷتراك والقطريين والسعوديين أن يكونوا أكثر التزاماً بالقضية السورية من السوريين أنفسهم.
بعدما غرق المجلس الوطني السوري في مماحكات سريالية، جاء الائتلاف ليزيد اﻷمر وبالاً. كل "رئيس" للمجلس ثم الائتلاف يأتي ليجعلنا نترحم على من سبقه وآخرهم السيد "الجربا" حامل جواز السفر السعودي وصاحب سياسة "تبويس اللحى" المفتقر للكاريزما وللمصداقية. من المؤسف أن يكون أفضل رؤساء المجلس الوطني هو أولهم، اﻷكاديمي النزيه "برهان غليون" والذي لم يدّع يوما ممارسة السياسة...
على اﻷرض، تبدو الصورة أكثر قتامة، فمؤسس الجيش الحر والذي أثبت شجاعته واستقلاليته العقيد "رياض اﻷسعد" تم تهميشه لصالح آخرين من "أمراء" وضباط لا شعبية ولا وزن لهم على اﻷرض. لا أحد يعرف ما هو قوام "الجيش الحر" اليوم؟ من يقود من وماهي عقيدته القتالية؟
اﻷراضي السورية المحررة هي في حالة أسوأ من حالة تلك التي لاتزال "محتلة" من قبل النظام رغم القمع والقتل...ففي المناطق المحتلة هناك نظام جائر وقاتل، أما في الكثير من المناطق "المحررة" فهناك أمراء وزعران وجماعات متفرقة أغلبها جائر وأكثرها قاتل دون أن تغيب عن معظم هذه المناطق ظواهر أمراء الحرب وسيادة منطق الغاب والنهب والغنيمة في غياب جسم معارض عسكري موحد خاضع لقيادة مسؤولة ومنضبطة.
لا بد لنا في النهاية من أن نطرح السؤال حول غاية الثورة السورية؟ هل هي استبدال "أسد" علوي بآخر "سني"؟ هل نريد الخروج من "محور الشر" للدخول في محور مواجه لم تتضح ملامحه بعد وقد لايرى النور مطلقاً؟
هل نريد "ٳقامة الخلافة" لصالح أفّاق متسردب في "تورا بورا"؟ أو "تطبيق الشريعة"؟ وعلى أي مذهب وبأي طريقة وعلى يد من؟ لكي ننتهي على الطريقة الطالبانية أو الصومالية؟
الديمقراطية ليست غاية في حد ذاتها ولاحتى دولة المؤسسات بل هذه وسائل ﻷهداف أرقى هي سعادة ورفاه اﻹنسان. في الوضع الحالي للتطور البشري تبدو دولة المؤسسات الديمقراطية هي اﻷقدر على بلوغ هذا الهدف النبيل فأين نحن من سعادة ورفاه اﻹنسان السوري؟
أزمتنا كسوريين أعمق من مجرد التخلص من ديكتاتورية اﻷسد، اﻷزمة هي في غياب عقد اجتماعي يلم شمل السوريين جميعاً ويعترف بٳنسانيتهم. هكذا أصبح العدو، وحتى الصديق، يعاملنا كحيوانات ناطقة، في حين تعتبرنا عصابة اﻷسد "حشرات" يتم التعامل معها بال"بيف باف" الكيماوي.
مالم نضع اﻹنسان السوري في قلب أهداف الثورة ومالم تكن رفاهية هذا اﻹنسان ومستقبله هما الهدف اﻷسمى في بلد مؤسساتي مستقل ومتصالح مع ذاته ومع الغير، فنحن سائرون ٳلى الانقراض، مثل الهنود الحمر.
حين يصبح اﻹنسان السوري ورفاهيته فوق الايديولوجيات والعقائد والتبعيات و"اﻷنا" المتضخمة لدى البعض، حينها فقط يحق لنا أن نفرح بالعيد.
دون ذلك، ستبقى اﻷعياد مجرد محطات على درب الفناء الطويل.
أحمد الشامي فرنساahmadshami29@yahoo.com http://elaphblogs.com/shamblog.html
http://www.beirutobserver.com/2013/10/86450/
التعليقات (0)