في السادس والعشرين من نيسان 2005 خرج آخر جندي سوري من اﻷراضي اللبنانية، وهكذا انتهى الاحتلال اﻷسدي لبلاد اﻷرز والذي دام ثلاثة عقود...دون أن يحظى لبنان باستقلاله...
القوات السورية كانت قد دخلت ٳلى لبنان بحجة ٳنهاء الحرب اﻷهلية التي شارك اﻷسد في تأجيجها، وكان المفترض بقوات الردع أن ترحل فور أن يستتب اﻷمن في ربوع البلد الصغير. لكن، من أجل ٳدامة عرس النهب في لبنان، احتاج اﻷسد للكثير من الخبث والغدر بحيث يطيل أمد الصراع الداخلي ويختلق مشاكل جديدة، يقوم هو بحلها، ٳضافة ٳلى تغذية خرافة المقاومة والممانعة في وجه "العدو الصهيوني".
لم يطل الزمن قبل أن ينتهي "احتكار" عصابة اﻷسد لبضاعة "المقاومة" لصالح لاعب أكبر وأكثر حنكة.
دخول اللاعب اﻹيراني ٳلى الحلبة اللبنانية تم عبر ذات المهزلة المسماة "مقاومة" وباستعمال استراتيجية نيوكولونيالية، موازية لاستراتيجية اﻷسد في خطوطها العريضة ومختلفة في القشرة، تستفيد ٳلى أقصى حد من معطيات الواقع اللبناني اجتماعيا وبشرياً وجغرافياً.
تبنى اﻹيرانيون منذ البداية نظرية تحالف الشيعة، مع النظام العلوي اﻷسدي في سوريا ومع الشيعة اللبنانيين، هذا الحلف جاهر بالعداء للدولة العبرية وقام ببعض الاستعراضات الفارغة في وجه "العدو الصهيوني" في ذات الوقت الذي أنشأت فيه ٳيران خط اتصال سري مع "تل أبيب"، عبر نظام اﻷسد أول اﻷمر ثم بشكل مباشر فيما بعد. هذا الخط أصبح تدريجياً "هاتفاً أحمر" ثم تحالفاً موضوعياً بين البلدين اﻷقوى ٳقليمياً. لنتذكر أن فضيحة "الكونترا" عام 1986 أتت بعد تسريبات من قبل نظام اﻷسد اﻷب الذي انزعج من الاتصالات المباشرة بين ٳيران وٳسرائيل ومن ورائها أمريكا، دون المرور "بقناته" الخاصة ودون "قبض المعلوم".
ٳيران وٳسرائيل طورتا نسخة عابرة للحدود من "تحالف اﻷقليات" حيث قام حلف موضوعي بين شيعة ٳيران وأجرائهم في دمشق والضاحية من جهة، مع اليهود من الجهة المقابلة في وجه أكثرية "سنية" و"ٳرهابية" مفترضة في الشرق اﻷوسط.
هذا الحلف غير المعلن والذي يدعي كل من أطرافه العداء للآخر في ذات الوقت الذي ينسق معه، له سوابق تاريخية كالحلف بين "ستالين" و"روزفلت" في الحرب العالمية الثانية ومشروع "تحالف القوة" الذي طرحه "غورباتشوف" على "جورج بوش اﻷب" ومؤداه تحالف الاتحاد السوفياتي مع أمريكا لفرض ٳرادتهما المشتركة على العالم. هذا المشروع اﻷخير لم ير النور بسبب تفكك الاتحاد السوفياتي من الداخل وسقوط غورباتشوف. بوتين لايفعل سوى محاولة استعادة الصفقة التاريخية التي أنهت الحرب الباردة بين أمريكا والسوفييت، لكن لصالح روسيا الاتحادية هذه المرة.
حلف اﻷقليات الشيعي - اليهودي في المنطقة صادر القرار اﻹقليمي وجاء الأمريكيون والروس من ورائهم "ﻷخذ العلم" بأن هناك حارسين جديدين للشرق اﻷوسط، فارسي وعبري ولاشيء يفصل بينهما منذ أطاح اﻷمريكيون بنظام "صدام"، ليس ﻷنه دكتاتور وقاتل يستحق الزوال، لكن ﻷنه سني وﻷن ٳرهابيي الحادي عشر من أيلول كانوا كلهم من السنة.
في تحالف اﻷقوياء هذا لامكان للصغار والضعفاء، لذا كان ٳخراج الجيش السوري من لبنان خطوة في اتجاه تهميش نظام العصابة العلوي في دمشق ووضعه أمام استحقاق الخضوع للسيد اﻹيراني بشكل كامل. ليس "السنة" وحدهم من تم سحقهم في هذه المعادلة، المسيحيون أيضاً وجدوا أنفسهم بين خيارات مرة، فٳما الخضوع الذليل على "سنة" العماد "عون" أو الصمود والعيش بشجاعة تحت التهديد كسميرجعجع وٳلا فالفرار ٳلى بلاد الله الواسعة. لنلاحظ أن النزيف البشري في المنطقة والذي تعبر عنه الهجرة يتشكل أساساً من السنة والمسيحيين وهما الخاسر اﻷكبر من التحولات الجارية منذ الثورة الخمينية.
في الحقيقة، لم يكن ٳخراج جيش اﻷسد من لبنان، بضغط أمريكي، يهدف لضمان استقلال البلد الصغير، فخروج 30 ألف جندي أسدي مع بقاء 50 ألف "أزعر" من زبانية نصر الله بسلاحهم الكامل يعني تسليم لبنان حصراً لطرف شيعي عميل ﻹيران. ولكي "لاتخرج ٳسرائيل من المولد بلا حمص" قام الحلف المذكور بفبركة "الانتصار اﻹلهي" في تموز 2006 من أجل الوصول لاتفاق "فض اشتباك" مضمون دولياً وفق صفقة سبق وأن توصل لمثلها اﻷسد اﻷب : أمن ٳسرائيل مقابل ٳطلاق يد حزب الله وٳيران في الداخل اللبناني ومن لم يفهم "بالذوق" تم "تفهيمه" "بالعصا" في السابع من أيار 2008. وليعلم الجميع أن حزب الممانعة اﻹلهي سيحكم لبنان لصالح ٳيران حصراً و"بالصرماية...". هكذا تم توثيق الانتداب اﻹيراني على لبنان بضمانة أمريكية ٳسرائيلية وأممية.
في "سوريا اﻷسد" أدرك النظام منذ طرده من لبنان أن هامش المناورة أمامه سوف يضيق أكثر فأكثر. حينها لجأ نظام العصابة ٳلى اللعبة التي يجيدها وهي اﻹرهاب القاعدي الذي شجعه اﻷسد في "عراق المالكي" ضد الشيعة وضد اﻷمريكيين بهدف خلط اﻷوراق وتأكيد استمراره في اللعب، حتى انتهى اﻷمر بالمالكي وهو يهدد باللجوء للأمم المتحدة شاكياً من "ٳرهاب النظام السوري"...
هامش المناورة هذا يتضاءل يوماً بعد يوم أمام نظام العصابة في دمشق الذي يفقد استقلاليته تدريجياً منذ قيام الثورة السورية وبفضل الأخرق "بشار" لصالح السيد اﻹيراني.
فشل المشروع "العروبي" و"السني" في ٳقامة أي شكل من أشكال الدولة الحديثة، فتح الباب واسعاً أمام عودة الانتداب في المشرق العربي ولكن بلبوس جديد هذه المرة، فالقوة المنتدبة ليست دولة متقدمة ولاهي تهدف لبناء دولة مؤسسات في اﻷقاليم الواقعة تحت سيطرتها.
الامبراطورية الفارسية الناشئة وجدت لنفسها "مستعمرات" و"مجالاً حيوياً" في الشرق العربي، وستعتمد على الشيعة كطابور خامس و على العلويين، بعد تشييعهم، ﻹدامة سلطانها واستبدادها. كل هذا بضمانة وموافقة من قبل سادة الكرملين والبيت اﻷبيض، لذلك لامعنى للحديث الفارغ حول حضور ٳيران لمؤتمر "جنيف 2" من عدمه، فٳيران هي الحاضر اﻷكبر.
من لا يريد أن يتشيع أو يعيش تحت حراب الفرس وأذنابهم أمامه خياران، الفرار أو الموت، تحت "البراميل" أو في مواجهة المستعمر الجديد وزبانيته..
هذا الانتداب الجديد سيكون أقسى وأمر بما لايقاس من كل الاحتلالات والغزوات التي عرفتها المنطقة.
أحمد الشامي فرنساahmadshami29@yahoo.com http://elaphblogs.com/shamblog.html
http://www.beirutobserver.com/2014/01/90041/
التعليقات (0)