الوضع المتوتر في الجولان يضاف ٳلى مجمل تعقيدات الأزمة السورية ويبدو مرشحاً في القادم من اﻷيام لتطورات قد تكون كارثية على الحالة السورية بسبب الفوضى الممكنة هناك وخطر انسحاب قوات الفصل الدولية من مواقعها. لواء "شهداء اليرموك" قام بارتكاب خطأ فادح قد يرقى ٳلى مرتبة الخيانة حين احتجز جنود القوات الدولية الفلبينيين الذين كانوا يؤدون واجبهم تحت راية اﻷمم المتحدة في الجولان وهو ما فتح ملفات خطرة في وقت غير مناسب.
من أعطى اﻷوامر بالتصدي للجنود الفيليبينين ؟ هل هو قائد اللواء ؟ أم أن اﻷمر هو مبادرة فردية من مجموعة من عناصر اللواء ؟
في الحالة اﻷولى، يكون قائد اللواء على درجة عالية من الخفة في اتخاذ قراراته تدعو للتفكير جدياً في عزله، لكن من باستطاعته أن يعزله وكيف ؟
ٳن كان اﻷمر مبادرة من مقاتلين فهذا يعني أننا أمام لواء "كل مين ايده اله..". وأن عناصر اللواء لاقيادة لهم ولايطيعون أحداً. في هذه الحالة كيف يستطيع قائد اللواء معاقبة الشاذين وكيف يفرض احترامه حين يتصرف عناصره كعصابة غير منضبطة ؟
المهم في اﻷمر أن هذا اللواء تصرف كما لوكان النظام قد سقط، و"حمص" لم تعد محاصرة والعصافير تزقزق في "داريا" و"جوبر" وحتى في "حلب" ولم يبق من أجل "تطهير" سوريا من كل وجود أجنبي سوى سرية فليبينية اتهمها "بالعمالة" للنظام ! ٳن كان هذا اللواء يبحث عن "العملاء" والغزاة فيكفيه الذهاب ٳلى القصير أو السيدة زينب.
أياً تكن المبررات، فالعملية تصب في صالح النظام لدرجة تجعلنا نظن أن "بشار" هو من أعطى اﻷوامر بخطف هؤلاء الجنود، على "سنة" القاعدة في المغرب اﻹسلامي التي تحتجز رهائن مقابل نقود وأسلحة وطلبات محددة.
هذا السلوك غير المنضبط من قبل لواء معروف و منخرط في الثورة يظهر ٳلى العلن نقطتي ضعف الثورة السورية وهما العشوائية والموقف الغائم من ٳسرائيل.
القاعدة المعمول بها في بلدان العالم التي تحترم نفسها هي أن كل مسلح غير منضوي ضمن قطعة منظمة وخارج خطوط القتال هو "مشروع أزعر" حتى يثبت العكس، وكل قطعة عسكرية غير خاضعة للقيادة الموحدة للجيش الحر ولا تطيع أوامر العميد "سليم ٳدريس" هي في أحسن اﻷحوال "دكان" وفي أسوأها "عصابة". قيادة الجيش التي لاتخضع ﻹمرة القيادة السياسية ﻹئتلاف الثورة هي في أحسن اﻷحوال "ميليشيا".
يبقى ملف الصراع مع ٳسرائيل
مهاجمة القوات الدولية أومهاجمة العدو اﻹسرائيلي مباشرة تمنح ﻹسرائيل الحق القانوني في التدخل عسكريا بحسب "اتفاق الفصل" الموقع عام 1974. بالنسبة للمجتمع والقانون الدوليين، سوف تكون خطوات العدو اﻹسرائيلي مجرد عودة لحالة الحرب ولن تكون "اعتداء" على دولة مستقلة ومسالمة. حالة الحرب قائمة رسمياً بين سوريا وٳسرائيل منذ عام 1948 حين رفض العرب قرار التقسيم وأعلنت سوريا الحرب على دولة اليهود في فلسطين. من يومها، مازالت حالة الحرب مستمرة وٳن توقفت اﻷعمال العسكرية بعد "هدنة" 1949 ثم وقف ٳطلاق النارعام 1967 انتهاء باتفاق فصل القوات "المؤقت" عام 1974 الذي هو أقل حتى من هدنة!
اﻷسد اﻷب، الذي كان يعد العدة لمواجهة مع الشعب السوري منذ البداية، فضل حينها وفق نصائح "كيسنجر" اتفاقاً مبهماً مع ٳسرائيل يكون نظامه هو القيم عليه، على أن يقيم سلاماً رسمياً مع الدولة العبرية.
استعداد اﻷسد اﻷب لمواجهة مع شعبه وليس ٳسرائيل هو التفسير الوحيد للتوزيع الحالي لجيش النظام المتمركز في أماكن ليس لها أي أهمية استراتيجية سوى قربها من المناطق والبلدات التي قد تثور على نظام العصابة. لذلك قام اﻷسدان اﻷب ثم الابن بزرع "مستوطنات" وعشوائيات في كل المناطق التي قد تخرج عن سلطة النظام يوماً. اﻷمثلة لا تعد ومنها "المزة 86" و"مساكن الحرس" و"عش الورور" في دمشق. سكان هذه المناطق يعيشون تحت رحمة النظام الذي يسمح لهم بالسكن دون ترخيص ويمدهم بالماء والكهرباء مجاناً "احتياطاً" ليوم تقع الواقعة.
أي اتفاق سلام بين سوريا وٳسرائيل كان سيحتاج لضمانات دولية ويفرض على نظام الشبيحة ٳقامة نوع من دولة المؤسسات القادرة على ضمان تنفيذ التزامات الطرف السوري، أيا يكن الحاكم في دمشق. ٳسرائيل قبلت بهذه الشروط مع مصر واﻷردن وحتى مع السلطة الفلسطينية، تاركة لنفسها حق التصرف ضمن حدود يقبلها الطرف الآخر ضمناً في حالتي مصر واﻷردن.
مصر واﻷردن لم يجدا غضاضة في بناء دولة مؤسسات ولو بالحد اﻷدنى، أما اﻷسد اﻷب، فقد انصاع لغروره وعنجهيته وشبقه للسطة وللتفرد بحكم البلاد والعباد على حساب مصلحة الوطن. "حافظ اﻷسد" أدرك أن ٳقامة أي شكل من دولة المؤسسات في سورية سيقضي على أحلامه في تحويل البلاد ٳلى مزرعة و"دكان" له وﻷولاده من بعده.
هكذا نشأت علاقة تعاون بين النخبة العنصرية والمتطرفة في ٳسرائيل وبين نظام العصابة في دمشق. كلا اﻹثنين كان له مصلحة في دوام حالة الحرب والاستنفار. النخبة اﻹسرائيلية وجدت في ذلك فرصة ﻹدامة حكم مجموعة سياسية فاشلة ﻹسرائيل بحجة "مواجهة العرب" وٳلا كيف نفسر "نجاح" ساسة فاسدين ومحدودي اﻷفق في التداول على حكم الدولة العبرية منذ حرب 1967؟
اﻷسد اﻷب، ثم الابن، وجدا في اتفاق فصل القوات طريقة لتأطير تعاونهما مع "العدو" اﻹسرائيلي الذي يدرك أن الطريقة اﻷمثل ﻹدامة هيمنته واحتلاله هي في المحافظة على نظام اﻷسد ! هذا لم يمنع نظام الشبيحة في دمشق من أداء خدمات جليلة ﻹسرائيل في مناطق أخرى ولكن كل شيء بثمنه والدفع مقدماً.
بهذا المعنى يكون وضع الجولان كوضع اﻷرض "المؤجرة" ﻹسرائيل مقابل أن تقدم هذه اﻷخيرة غطاء سياسياً ودعما استخباراتيا ودبلوماسياً للأسد ونظامه. هكذا نفهم عدم اهتمام اﻷسدين باسترجاع الجولان ﻷنهما سيفقدان، حينها، الغطاء والدعم اﻹسرائيليين.
هذه "التفاهمات" لم تعد قائمة الآن بحكم تداعي نظام اﻷسد عسكرياً واضطراره للدفاع عن مربعه الطائفي. قد يكون النظام اعتبر أن ٳسرائيل قد تهاونت في الدفاع عنه مما سمح للثوار السوريين بتهديد معاقله. بكلمة أخرى فاﻷسد "مؤجر" الجولان لم يعد مهتما في الظاهر بتمديد عقده الجهنمي مع ٳسرائيل.
في هذه الحالة، تجد ٳسرائيل نفسها في ورطة حقيقية، فهل "تراضي" اﻷسد لكي يعود لتأدية دوره في حماية احتلالها للجولان؟ أو تبحث عن "مؤجرين" جدد يتعاملون معها على نفس الطريقة؟
"لواء شهداء اليرموك" يجد نفسه أيضاً في موقف محرج، فهل يطرح هذا اللواء نفسه بديلاً عن اﻷسد ويقوم بحماية الاحتلال اﻹسرائيلي في الجولان ؟ مثلاً بتفويض من قيادة الجيش الحر في انتظار انتصار الثورة وتبيان الخيط اﻷبيض من اﻷسود ؟هل يتخذ المقاتلون قراراً باحترام خط وقف ٳطلاق النار؟ أو يفتح لواء شهداء اليرموك حرباً "على حسابه" مع ٳسرائيل ؟
فوضوية المقاتلين في جبهة الجولان قد تكلف الثورة ما لا تحتمله في هذه المرحلة وقد تفتح علينا أبواب جهنم جديدة لسنا بحاجة لها الآن. اﻷخطر من ذلك هو أن أي تصرف غير مسؤول في مواجهة جار عنصري وعدواني يحتقر اﻹنسانية ولا يزعجه أن يفنى السوريون من أجل دوام طغيانه هو دعوة للدولة العبرية ﻹعادة تأهيل نظام الشبيحة في دمشق. ٳسرائيل التي تحالفت مع اﻷسد منذ 1974 تتحين الفرص للانقضاض على الثورة السورية دعماً ﻷجيرها "بشار".
العقبة القانونية اﻷكبر التي تعترض هذا المخطط هي القوات الدولية في الجولان، انسحاب جيش اﻷسد من الحدود ليس "خرقاً" بالمعنى القانوني لاتفاق فصل القوات، أقله في المعلن من بنوده، أما الهجوم على ٳسرائيل فسيكون خرقاً لهذا الاتفاق.
مخطط ٳسرائيل سيكون ربما اجتياح اﻷراضي السورية حتى تخوم "دمشق" بالتعاون مع "أقليات متفهمة" وهكذا سوف تفتح جبهة جديدة مع الثوار وتخفف الضغط عن رجلها في دمشق، سيكون الهدف ربما تجديد عقد ٳيجار الجولان ولكن في ظروف وشروط مختلفة هذه المرة.
أحمد الشامي فرنساahmadshami29@yahoo.com
http://www.elaphblog.com/shamblog نشرت في بيروت اوبسرفر في العشرين من آذار 2013
http://beirutobserver.com/index.php?option=com_content&view=article&id=92376:2013-03-20-19-19-46&catid=39:features
التعليقات (0)