مواضيع اليوم

شهر الحسم في واشنطن

أحمد الشامي

2012-10-12 16:25:13

0

في شهر أيلول 2008 كانت اﻷزمة الاقتصادية في العالم الغربي وخاصة في أمريكا قد بلغت نقطة اللارجوع وأصبح واضحاً أن النظام المصرفي اﻷمريكي قاب قوسين أو أدنى من السقوط. مصرف "ليمان بروذرز" أعلن ٳفلاسه في 15 أيلول بعدما رفضت باقي المصارف وخاصة حاكم المصرف الفدرالي اﻷمريكي تغطية خسائر هذا البنك والتغاضي عن تجاوزاته.
رئيس أمريكا حينها "جورج والكر بوش" رفض أن يتحمل دافعوا الضرائب اﻷمريكيين وزر مغامرات المصارف المارقة، كانت النتيجة انتقال كوادر "ليمان بروذرز" المفلس وبالجملة من عالم المصارف ٳلى...حملة "باراك اوباما" الرئاسية لضمان انتصاره على المحارب القديم الجمهوري "ماكين". شارع اﻷعمال "وول ستريت" كان قد حسم أمره منذ أشهر واختار أن يدعم المرشح اﻷسمر، الديمقراطي المغمور ضد المرشحة الكفؤ والقوية "هيلاري كلينتون" ﻷسباب يطول شرحها هنا. "باراك اوباما" حصل على دعم وتمويل هائلين من عالم المال وفاز بمقعد الرئاسة كما نعلم.
السيد "اوباما" لعب دوره بعدها بكفاءة مشهودة لصالح ٳنقاذ النظام المصرفي اﻷمريكي وتحريك اقتصاد بلاد العم سام لكن وفق سياسة انعزالية وانطوائية وصلت لذروتها مع سحب الجيش اﻷمريكي من العراق بشكل متعجل، و كانت نتيجة ذلك هي سقوط بلاد الرافدين في الحضن اﻹيراني دون تحفظ. الرئيس "اوباما" يحضر الآن للفرار من أفغانستان بأي ثمن. خلال أربعة سنوات من حكم السيد "اوباما" يبدو الرجل وقد بدد أغلب الرصيد الدولي الذي راكمته أمريكا منذ انتصارها في الحرب الباردة وسقوط جدار برلين!
ستأتي الانتخابات اﻷمريكية وأمريكا دولة تخسر احترامها ومصداقيتها لدى اﻷصدقاء قبل اﻷعداء، حتى السمعة اﻷخلاقية ﻷمريكا في الخارج هي في طريقها للتلاشي بعد المواقف المتخاذلة للرئيس "اوباما" وتردده خاصة تجاه تصاعد النفوذ اﻹيراني المستشرس وفشله الذريع فيما يخص ملف الصراع العربي اﻹسرائيلي ٳضافة ٳلى ركوبه في المقعد الخلفي في قاطرة الربيع العربي.
تراجع الدور اﻷمريكي بلغ حداً يشكل خطراً على النفوذ اﻷمريكي في العالم وعلى مصالح أمريكا وحلفائها، يكفي أن نتذكر ان الرئيس اﻷسمر "حرد" في وسط معمعان قصف الناتو لقوات العقيد الليبي وأوقف مشاركة طيرانه مما أطال أمد مرحلة القصف الجوي. الرئيس "اوباما" أراد بذلك أن يعطي الانطباع بأن للولايات المتحدة الدور اﻷكبر في العمليات الحربية، علماً أن هذه العمليات بالكاد تأثرت وقت توقف اﻷمريكيون عن المساهمة بها... مع ذلك، لعلع اﻷمريكيون وجاهروا بدورهم الحاسم في ٳزاحة القذافي رغم تواضع مساهمتهم ! في هذا المجال تبدو سياسة السيد اوباما "أسدية" بامتياز، فالرجل جاهز دوماً ﻹلقاء التصريحات والخطابات الطنانة حول حقوق الشعوب والكرامة اﻹنسانية، مع عدم فعل أي شئ يتناغم مع هذا الخطاب الجميل، الرئيس اﻷسمر يمارس "الممانعة" هو أيضاً على طريقته الخاصة.
بعد فترتي رئاسة "جورج بوش الابن" الحافلتين بالمغامرات العسكرية غير المحسوبة في الخارج والتي تميزت بالاندفاع لدرجة التهور، جاءت رئاسة السيد "اوباما" والتي تميزت بالفتور والتخاذل لدرجة الجمود.
هذا الجمود تم كسره يوم اﻹثنين في الثامن من تشرين اﻷول الحالي حين صرح "ميت رومني" ان "اﻷوان قد حان لسياسة أمريكية جديدة وفعالة في الشرق اﻷوسط" وأنه "مستعد ليس فقط لمساعدة المعارضة السورية على التوحد، بل ٳنه مستعد أيضاً لدعمها بسلاح نوعي يؤهلها ﻹسقاط اﻷسد...". السيد "رومني" صرح أيضاً بمواقف شديدة اللهجة من نظام الولي الفقيه في طهران. المرشح الجمهوري ليس صديقاً للعرب ولا للسوريين، لكنه يشير بوضوح ٳلى نقاط ضعف السياسة الخارجية للرئيس "اوباما" وتقصيره المريع في دعم قضية الحرية والديمقراطية وتخاذله في نجدة الشعب السوري.
خلال المناظرة المقبلة بين المرشحين في واشنطن والتي ستدور حول السياسة الخارجية، يبدو موقف السيد "رومني" أقوى بما لا يقاس من موقف الرئيس المنتهية ولايته. فماذا لدى السيد "اوباما" ليقدمه للناخب اﻷمريكي بخصوص ٳنجازاته الخارجية خلال الفترة الرئاسية الماضية، سوى اغتيال الشيخ "أسامة بن لادن" ؟
الرئيس "اوباما" سيتباهى بخروج جيشه من العراق ولكن السيد "رومني" لن يفوته تذكير الناخب أن اﻷمريكيين خرجوا من العراق فارين، بعدما تكلفوا مليارات الدولارات، "قانعين من الغنيمة باﻹياب" دون اتفاقية مع العراقيين وبعدما وهبوا بلاد الرافدين للٳيرانيين. بالنسبة لاغتيال الشيخ "بن لادن" فالعملية فشل استراتيجي حين تقنع قوة عظمى بقتل زعيم القاعدة بعدما راقبت منزله طيلة عامين وبعدما سقطت طائرة هيليكوبتر أمريكية في فناء بيت الشيخ "أسامة"! ما كان ضرورياً تعريض حياة المارينز للخطر، كان يكفي قصف المنزل بصاروخ حين يكون ابناء "بن لادن" في مدارسهم ! كان اﻷولى باﻷمريكيين اعتقال زعيم القاعدة للتحقيق معه ثم محاسبته، لا قتله على أسلوب المافيات وتحويله ٳلى شهيد.
بعدما جاءت المناظرة اﻷولى لصالح السيد "رومني" من الوارد أن يتمكن هذا اﻷخير، في المناظرة المقبلة، من تعرية فشل الرئيس "اوباما" في انتهاج سياسة خارجية فعالة تحفظ ﻷمريكا دورها ونفوذها. أعداء أمريكا يسرحون ويمرحون ويراكمون المكاسب في حين يتراجع الدور اﻷمريكي ٳلى دور هامشي غير مؤثر. حتى في موضوع "الحرب على اﻹرهاب" فالفتور اﻷمريكي وتقصير العم سام في مساندة الحركات الليبرالية وحتى اﻹسلامية المعتدلة، سمح للحركات الجهادية بالتمدد في مناطق جديدة من العالم. حين يقصّر العالم الحر والمتمدن في نجدة السوريين العزل، فلا غرو أن تتنطع القاعدة و"جبهة النصرة" ومثيلاتها لملء الفراغ.
ٳن اختار السيد "رومني" وضع المأساة السورية على طاولة النقاش في مناظرته مع الرئيس "اوباما" فٳنه يكون قد وضع ٳصبعه على جرح السوريين النازف ووضع الرئيس المنتهية ولايته أمام مسؤولياته.
ٳيران تقترب من امتلاك سلاح نووي، وهي في مرحلة غزو وتهديد لكامل شرق المتوسط، من بغداد ٳلى الضاحية الجنوبية، مرورا بذنبها اﻷسدي في دمشق. القيصر الروسي الجديد والمتعجرف يتصرف وكأنه وريث المنتصرين في الحرب الباردة ويتحدث بثقة وكأن العالم أصبح حديقة خلفية لموسكو، حلفاء أمريكا وأصدقاؤها فقدوا اﻷمل في أن يستمع لهم سيد البيت اﻷبيض يوماً، أما نظام العصابة في دمشق فهو يعربد "على كيفه" في ظل خمول أمريكي يرقى ٳلى درجة التواطؤ.
ربما يقوم السيد "رومني" بتذكير الناخب اﻷمريكي أن دماء اﻷمريكيين التي سالت في العراق كانت نتيجة "الجهود" اﻷسدية وحليفها اﻹيراني وأن نظام "بشار اﻷسد" سفك بشكل غير مباشر من دماء اﻷمريكيين أكثر مما سفك الشيخ "بن لادن"...
مجرد ذكر المأساة السورية على لسان السيد "رومني" وتصريحه بضرورة دعم الثوار هو أحد أكثر اﻷخبار سوءاً لبشار اﻷسد، فهذا يعني أن الرجل، ٳن أصبح رئيساً ﻷمريكا، قادر على الحديث ٳلى عصابتي اﻷسد ونجاد باللغة الوحيدة التي يفهمها هؤلاء، لغة القوة.
قديماً قال "وينستون تشرشل" : "الولايات المتحدة تنتهي دوماً ٳلى فعل الشيء الصحيح...لكن بعدما تكون قد جربت كل الحلول اﻷخرى..". فهل يتوصل الرئيس اﻷمريكي المقبل، سواء كان اسمه "اوباما" أو "رومني" ٳلى فعل الشيء الصحيح وهو منع نظام اﻷسد من تحويل سوريا ٳلى "صومال" جديد في شرق المتوسط ؟
على كل حال، الاهتمام اﻷمريكي بالمأساة السورية يجعل من توحيد الفصائل المقاتلة على اﻷرض شرطاً للحصول على الدعم العسكري النوعي ويضع قادة هذه الفصائل أمام مسؤوليتهم التاريخية في الخضوع لقيادة موحدة ومسؤولة، معترف بها وبمشروعيتها، هذا اﻷمر سيكون خبراً أسوأ بكثير من اﻷول بالنسبة لبشار اﻷسد.
أحمد الشامي http://www.elaphblog.com/shamblog ahmadshami29@yahoo.com
بيروت اوبسرفر : الخميس 11 تشرين اﻷول 2012
http://beirutobserver.com/index.php?option=com_content&view=article&id=84152:chami&catid=39:features
 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات