مواضيع اليوم

شبيح موسكو وطائرة الشاطر اردوغان

أحمد الشامي

2012-06-28 22:06:34

0



اﻷغلب أننا لن نعرف أبداً الحقيقة حول كيف أسقطت الطائرة التركية وأسباب مهاجمتها، فالجهة اﻷقدر على كشف ما حصل فعلاً هي تركيا "ولي الدم" و حلفاؤها في الناتو وهؤلاء ليسوا منزهين عن المآرب، ومن المحتمل أن يأخذوا كل الوقت الذي يحتاجونه لنشر نتائج تحقيقاتهم التي ستكون حتماً متوافقة مع أهدافهم وفي الوقت الذي يناسبهم.
اﻷكيد هو أن الطائرة سقطت بنيران قادمة من الطرف السوري لكن على هذه الجبهة هناك لاعبان رئيسان وليس لاعب واحد، النظام اﻷسدي وقوات الشبيح الروسي الصديق.
في صالح النظام السوري تصوير اﻷمر على أنه دفاع عن النفس، فالطائرة قد اخترقت المجال الجوي السوري لدقائق لكن هكذا اختراقات تحصل يوميا على حدود الكثير من الدول ولا تستدعي رداً دموياً ٳلا في حالات جد استثنائية وبعد التحذير، فلماذا قام السوريون بٳطلاق النار؟
الاحتمال اﻷول هو أن العمل فردي وقامت به وحدات "غير منضبطة" من قوات الدفاع الجوي أو، وهو اﻷفضل لنظام العصابة في دمشق، الادعاء : "أن هناك عصابات مسلحة قادمة من تركيا هي التي أسقطت الطائرة بمضادات الطيران بالخطأ...". هكذا خطاب لن يكون مستغرباً من قبل نظام اتهم الشهيد "حمزة الخطيب" ذي الثلاثة عشر عاماً بمحاولة "سبي نساء الضباط في المساكن العسكرية".
المشكلة هي أن ٳسقاط الطائرة جاء بصاروخ أرض جو وهذه الصواريخ لا يمكن ٳطلاقها بشكل عفوي بل تحتاج لمهارات ولتنسيق بين عدة جنود وتقنيين مع ربطها بمنظومة رادارية، فهل قرر ضابط كبير في سلاح الدفاع الجوي السوري أن يفتح حرباً على حسابه الشخصي ؟ هذا غير وارد ﻷن هناك خبراء روس يتواجدون في مواقع ٳطلاق هذه الصواريخ وبالتالي لا يمكن استعمالها دون تعاونهم أو موافقتهم.
هل قرر حاكم دمشق ٳلقاء القفاز في وجه أنقرة والتحرش بالجار التركي القوي و "اضطر" الروس لمجاراته لسبب أو لآخر ؟ هذا أيضاً غير وارد ﻷنه ليس معروفاً عن الروس التساهل فيما يخص أحد أهم أسلحتهم وهي الصواريخ المضادة للطائرات.
بكل المقاييس ومهما حاول سيد قصر المهاجرين تصوير اﻷمرعلى أنه قرار سيادي، فالخطوة كارثية وحمقاء. لا مصلحة للأسد في التحرش بتركيا بهذا الشكل المهين والغبي، ليس هناك من منطق عسكري يبيح استعمال سلاح دفاع جوي متطور وخسارة عنصر المفاجأة لمجرد ٳسقاط طائرة من طراز قديم، غير مسلحة، ولا تشكل أي خطر على النظام. صحيح أن النظام دموي وأرعن، لكنه لم يحد منذ نشأته عن قاعدة اﻷسد الذهبية بمقاتلة الضعفاء والعزّل فقط، لهذا تجنب مواجهة أي جيش نظامي منذ حرب تشرين الكارثية.
حتى لو كان النظام "حيواناً" لدرجة التحرش بالأتراك فلن يدعه الخبراء الروس يستعمل صواريخهم بهذا الشكل المبتذل، فمن أطلق الصاروخ ٳذاً ؟ هل قرر الروس التدخل مباشرة و تجاوز حاكم دمشق ؟
باعتبار أن الطبيعة العميقة لنظام الشبيحة في موسكو تتماثل لحد التطابق مع نظيرها السوري، فمن الممكن نظرياً تفسير سلوك حاكمها وفق ذات المنطق اللا أخلاقي الذي ساعدنا على فهم مسار نظام العصابة في دمشق.
ماهي الفائدة التي يجنيها بوتين وعصابته من "مقلب" ٳسقاط الطائرة التركية بالشكل الذي تم به؟
تاريخياً، نشأت الدولة اﻷتاتوركية بالاستعانة في بداياتها بحليف سوفييتي هو ستالين، ثم ابتعد المساران مع نشوء الحلف اﻷطلسي. جاء نشوء النظامين السوفييتي واﻷتاتوركي ٳذاً في تواريخ متقاربة وتميز الاثنان بطبيعتهما السلطوية والقمعية وبالقطيعة التامة مع الماضي القيصري لروسيا والعثماني لتركيا. المشكلة هي أن النظام السوفييتي انتهى ٳلى حكم عصابة بوتين وٳلى دولة مسخ تفتقد للمؤسسات وللديمقراطية، مع سلاح نووي وفيتو بالكاد يخفيان عورات القيصرالجديد "بوتين" ونظامه المافيوي.
على الجانب الآخر من البحر اﻷسود، تمكن النظام اﻷتاتوركي من التطور ومن الدخول في القرن الواحد والعشرين بدولة مؤسسات مستقرة وناجحة ومتصالحة مع ذاتها ومع ماضيها وحتى مع محيطها، على عكس الاتحاد الروسي المتماسك بفضل القمع قبل أي شئ آخر وذي الاقتصاد الريعي والنفطي العالمثالثي.
من مصلحة "بوتين" ٳذا توريط تركيا فيما صار يعرف ب"المستنقع السوري" وهو المستنقع الذي خلقه نظام اﻷسد بحمقه وبدأ يغرق فيه. بالنسبة "لبوتين" نظام العصابة في دمشق هو نظام منتهي الصلاحية، وشبيح موسكو لا يكن للأسد وعصابته سوى كل الاحتقار بسبب غبائهم وعجزهم عن قمع الثورة السورية، في حين تمكن هو من سحق الحركة التحررية في الشيشان بعدما سوى "غروزني" باﻷرض. مصالح "بوتين" هي مع ٳيران وٳسرائيل والصين وليس مع اﻷسد الشحاذ.
هل يكون "بوتين" ٳذاً هو من ورط نظام اﻷسد الذي فقد كل قدرة على المناورة وعلى ٳسماع صوته ؟
ٳسقاط الطائرة التركية سيكون حينها "هدية" قدمها بوتين لنفسه، على حساب نظام اﻷسد الساقط على أي حال، وله فيهامآرب شتى، فالرجل مدرك أن الغرب والناتو لن يتدخلا في سوريا ما دام سيد البيت اﻷبيض "اوباما" غير راغب في التدخل خوفاً على فرصه في ٳعادة انتخابه. يريد "بوتين" مراكمة الانتصارات والاستفادة من وجود رئيس ضعيف وخانع في واشنطن بهدف استرداد المواقع التي خسرها الروس مع انهيار الامبراطورية السوفييتية وخروجهم مهزومين من الحرب الباردة. يخشى "بوتين" أن لا تتكرر هذه الفرصة فقد يأتي في تشرين الثاني المقبل ٳلى البيت اﻷبيض رئيس أمريكي قوي وأكثر صرامة من الرئيس اﻷسمر القانع من الغنيمة باﻹياب.
صفعة ٳسقاط الطائرة التي وجهها بوتين ﻷردوغان أظهرت مأزق هذا اﻷخير وتردده، تماماً كما فعلت ٳسرائيل التي سبق لها وأهانت اردوغان حين اعترضت أسطول الحرية التركي المتوجه لغزة وقتلت بصورة مجانية ثمانية مواطنين أتراك، ٳسرائيل أيضاً منزعجة من النموذج التركي الاردوغاني الناجح. مثل "بوتين" تريد النخبة العنصرية في ٳسرائيل الفشل والخيبة لتركيا المسلمة والمزدهرة.
عين بوتين موجهة صوب الدرع الصاروخي الذي يقيمه الناتو في تركيا والذي سيحد من قدرة روسيا، وٳيران، على تهديد وابتزاز الغرب. من مصلحة بوتين أن يحس اﻷتراك بالخذلان حين يكتفي حلف الناتو باستنكار الاعتداء على الطائرة ويعيد مقولاته السخيفة، المنقولة حرفياً عن نظام اﻷسد، بأنه يحتفظ بحقه في الرد ٳن تكررت الانتهاكات وفي "الزمان والمكان المناسبين".
ماذا يستفيد اﻷتراك من بقائهم في حلف الناتو ومن تحمل نفقات وأعباء هذا الانتماء، بما فيها المخاطرة برد روسي صاعق على الدرع الصاروخية، في حين يكتفي الناتو ببيانات فارغة حين تهاجم ٳسرائيل سفنهم ويسقط الروس والسوريون طائراتهم وكل ذلك في المياه الدولية ؟!
"بوتين" سيربح أيا يكن الرد التركي، فٳن بلع اﻷتراك اﻹهانة وخرسوا ﻷن الناتو تخاذل عن دعمهم، يكون بوتين قد أفهم اﻷتراك وليس فقط "اردوغان" أن الناتو نمر من ورق وأن الصديق اﻷمريكي غارق في انتخاباته ولا يهمه لا دم ولا كرامة تركيا. ٳن تورط اﻷتراك في "المستنقع" السوري لوحدهم، يكونون قد أوقعوا أنفسهم في "أفغانستان" خاصة بهم وسوف يواجهون أزمات لا تنتهي مع ٳيران واﻷكراد ومع علويي تركيا ذاتها.
مع بعض الحظ، قد يقع "اردوغان" في المطب الذي رسمه له سيد الكرملين و قد تشتبك تركيا مع ٳيران وفي ذلك كل الخير لشبيح موسكو وعصابته وحتى لمهووسي طهران. أسعار النفط سترتفع وسيعيد "بوتين" مجد أوائل الثمانينات أيام الحرب العراقية اﻹيرانية وسيجد تصريفا لسلاح الخردة البائر في المخازن الروسية. "الوالي الفقيه" في طهران سيجد مخرجاً من مأزقه التاريخي وسيلقي بالمسؤولية عن فشله في تحقيق الازدهار لشعبه على عاتق "الشيطان اﻷكبر" اﻷمريكي وصنيعته في أنقرة.
هل هي مصادفة أن يزور "بوتين" زعيم محور الشر، في هذه اﻷجواء، ٳسرائيل مع وفد مؤلف من 400 مرافق، ربما ليطمئن حليفه اﻹسرائيلي على أحوال و"صمود" صديقهما في دمشق وعلى أن خططهم في اﻹيقاع بالعدو المشترك "اردوغان" سائرة في طريقها. "بوتين" سيزور صديقاً آخر له هو أيضاً مصلحة في استمرار صمود نظام الشبيحة في دمشق. العاهل الهاشمي في عمان يريد الاطمئنان على أحوال نظام الممانعة في سوريا خوف أن تنتقل عدوى الحرية ٳلى المملكة اﻷردنية.
بالمناسبة، الملك "عبد الله الثاني" هو سليل العائلة الهاشمية ذاتها التي "هبت" لتحرير الشام من "الاحتلال العثماني البغيض" وطعنت اﻷتراك في الظهر بمعونة البريطانيين. سليل هذه العائلة لا يرى ضرورة للتحرك من أجل التخفيف من سفك دماء السوريين ناهيك عن تحريرهم من جلادهم اﻷسدي. على العكس من ذلك، يفضل العاهل الهاشمي استمرار اﻷسد ضعيفاً ومنهكاً، بدل أن يرى دولة سورية ديمقراطية وحرة وصديقة للأتراك. يبدو هذا قاسماً مشتركاً بين "بوتين" وأصدقائه في تل أبيب وعمان وطهران.
مع كل هذه المنافع، من المستغرب أن ٳسقاط الطائرة التركية تأخر لهذه الدرجة...
حتى نظام اﻷسد له مصلحة في هذا التحرش المحدود، فهناك "فائدة" لنظام اﻷسد من تأجيج العداء مع تركيا العاجزة عن التدخل مباشرة، لكنها سوف تسقط أي طائرة سورية تخترق أجواءها ! هذا خبر جيد للأسد، فلن يفكر أي طيار سوري في الانشقاق والتوجه صوب تركيا التي سوف تسقط طائرته دون ٳنذار...
أفكار نظام اﻷسد، وسيده الروسي، النيرة تستحق أن يخصص لها موسوعة كاملة في فن الجريمة على مستوى الدول.
أحمد الشامي http://www.elaphblog.com/shamblog ahmadshami29@yahoo.com
نشرت في بيروت اوبسرفر الخميس 28 حزيران 2012
http://beirutobserver.com/index.php?option=com_content&view=article&id=78658:chami&catid=39:features
 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات