يبرر الرئيس اﻷسمر ومنافقو الغرب امتناعهم عن تسليح الثوار السوريين بسلاح نوعي "بالخوف من وقوع هذا السلاح في اﻷيدي الخاطئة" وبخشيتهم من أن يستعمل هذا السلاح ضد أمريكا وأصدقائها خاصة ٳسرائيل. نفهم من ذلك أنهم مطمئنون أن أسلحة اﻷسد كلها موجودة "في اﻷيدي الصح" وأن أيا من هذه اﻷسلحة لن يستعمل لتهديد مصالح أمريكا وٳسرائيل في المنطقة أو محاولة تحرير "لا سمح الله" اﻷراضي العربية المحتلة !
هذه الادعاءات تدعو للسخرية حين نشاهد طائرات اﻷسد ومروحياته وصواريخه، والله وحده يعلم ما هي حشوات هذه الصواريخ، وهي تسقط في يد الثوار ومجموعاتهم المقاتلة. لم يفسر لنا أحد ما هو "السلاح النوعي"؟ فهل صواريخ الكوبرا الروسية عاجزة عن ٳسقاط الطائرات المدنية على عكس صواريخ ستينغر "النوعية" ؟ ثم ما رأي هؤلاء فيما يخص صواريخ أرض - جو بعيدة المدى ومحطات الرادار وصواريخ أرض أرض التي يغنمها الثوار كل يوم ؟ أليست هذه أسلحة نوعية وخطرة على المدنيين المسالمين في دول الجوار وعلى الطائرات العابرة قرب اﻷجواء السورية ؟ ألا يخشى الغرب من وقوع أسلحة كيماوية في "أيد غير أمينة" مع تسارع تفكك الكيان السوري وارتخاء قبضة اﻷسد؟
أصبح واضحاً لكل ذي عينين أن نظام اﻷسد سائر ٳلى حتفه ولكن بثمن مرتفع من الدماء السورية وأن نظام الشبيحة أعجز من أن يسترد هيبته المفقودة رغم الدعم غير المحدود الذي يتلقاه من محور الشر. آخر هذا الدعم هو هدية "نتنياهو" للأسد في عدوانه على غزة عقاباً لحماس على خروجها من بيت الطاعة اﻷسدي وصرفاً للأنظار عن مجازر بشار.
بعد أن كان نظام اﻷسد يسيطر على سوريا عبر حزب البعث وأجهزة أمنه ومخابراته الرهيبة واستناداً ٳلى جيش طائفي معدوم الحس الوطني، أصبحت عودة اﻷسد ونظامه للسيطرة على كامل التراب السوري بعد الثورة تعادل "ٳعادة احتلال" سوريا وسيضطر جلاوزة اﻷسد ٳلى التعامل مع شعب يبغضهم ويتحين الفرص للانقضاض عليهم. هذا يعني أن بقاء نظام اﻷسد هو وصفة لاستمرار القتال في سوريا ٳلى ما لا نهاية وهنا جوهر الاختلاف بين أزمة الجزائر في 1992 والثورة السورية الحالية.
على عكس الجزائر عام 1992 حيث نجح جزارو بلد المليون شهيد من الجنرالات في تقديم أنفسهم كضامن لوحدة البلاد واستمرارية الدولة فيها، يبدو نظام العصابة اﻷسدي، بغبائه اللامتناهي وعنفه المنفلت من كل عقال، كمحرك لعدم الاستقرار وكعامل رئيس في تفكيك الدولة السورية ومن ورائها كامل التشكيلات اﻹدارية المصطنعة في شرق المتوسط بحسب رأي السيدة "كوندوليزا رايس" في مقالتها اﻷخيرة في "الواشنطن بوست". بكلمة أخرى فالنظام العالمي قد أصدر حكم اﻹعدام على نظام اﻷسد، لا ﻷن هذا النظام طائفي وجزّار وليس ﻷنه مافيا تملك طائرات وأسلحة كيماوية ولا حتى ﻷنه سام شعبه وجيرانه سوء العذاب، بل ﻷن بقاءه أصبح تهديداً جدياً للمنظومة اﻹقليمية التي نشأت عن اتفاقيات "سايكس بيكو" وﻷن استمرار النظام اﻷسدي صار يشكل تهديداً وجودياً لجيرانه جميعاً.
ٳذا كان وجود النظام مزعجاً للنظام العالمي فلماذا ٳذاً لا يقوم هذا اﻷخير بالتدخل مباشرة وٳطلاق رصاصة الرحمة على نظام ميت سريريا ولو كان لا يزال قادراً على القتل والتدمير ؟
ٳن كان التدخل المباشر مكلفاً فما الداعي لعدم تسليح الثوار بما يسمح لهم بٳنهاء المهمة وحدهم ؟
يجب أن يكون المرء ساذجاً لكي يظن أن أصدقاء الشعب السوري وجيراننا اﻷتراك وأشقاءنا القطريين والليبيين يكتفون "بالردح" فالسلاح، بما فيه النوعي، يصل ولكن بالقطارة وبالتقسيط للمناضلين على اﻷرض. يكفي النظر ٳلى خسائر عصابة اﻷسد من الطائرات التي لم تسقط كلها باﻷسلحة الفردية ٳضافة ٳلى تناقص أعداد الضحايا المدنيين والتي تبقى مرتفعة للغاية، حيث قتل اﻷسد من السوريين في يوم ما "احتاجت" ٳسرائيل ٳلى ستة أيام لقتله من الفلسطينيين.
هناك ٳذا من يساعد السوريين في الدفاع عن أنفسهم دون المجاهرة بذلك، لكي لا "تنزعج" ٳيران ولكي لا يتعكر مزاج شبيح موسكو. علماً أن ٳيران وروسيا تنفيان مشاركتهما في تسليح زبانية اﻷسد.
هل يخشى الغرب من "غضبة مضرية" تنتاب سيد الكرملين أو من نرفزة الولي الفقيه في ٳيران لكي لا يرفع من مستوى دعمه للثورة السورية ويجاهر بوقوفه ٳلى جانب حق السوريين في الحرية والحياة ؟
اﻷغلب أن السبب الرئيس الذي يجعل أصدقاء سوريا ينأون بأنفسهم عن الزلزال السوري هو خوفهم من ارتدادات سقوط نظام اﻷسد وعدم رغبة أي منهم في الظهور بمظهر من يتحمل جزءاً من المسؤولية عن هذا السقوط الذي سيكون كارثياً بالنسبة ﻹسرائيل وٳيران وٳلى درجة أقل بالنسبة لروسيا.
ٳسرائيل سوف تفقد "ملكها" غير المتوج منذ أربعين عاماً ورجل المهام القذرة الحاكم في دمشق، ٳيران سوف تخسر استثماراتها الكثيرة السياسية والاقتصادية وحتى الدينية في الشام، أما روسيا فسوف تخرج مطرودة من الشرق اﻷوسط بأرذل مما خرجت أمريكا من ٳيران ومن فييتنام.
هناك سبب آخر للنأي بالنفس عما يقع في سوريا وهو أن أعداد الشهداء من المدنيين هي أعلى بكثير من اﻷرقام التي تذكرها وسائل اﻹعلام وأن رغبة السوريين في الانتقام من جلاديهم بعد أربعين عاماً من اﻹهانات والقتل المجاني قد تكون منطلقاً لمجازر واسعة بحق أذناب النظام والعلويين دون استثناء ودون تمييز. هذا السبب اﻷخير يبدو اﻷكثر وجاهة.
بكلمة أخرى، فالسلاح النوعي لن يصل ﻷيادي الثوار بكميات كافية ما لم تنشأ قيادة عسكرية موحدة ومسؤولة على اﻷرض، قادرة على ضمان ألا تتحول سوريا ما بعد اﻷسد ٳلى "رواندا" جديدة في شرق المتوسط.
أحمد الشامي http://www.elaphblog.com/shamblog ahmadshami29@yahoo.com
بيروت اوبسرفر :الثلاثاء 27 تشرين الثاني 2012
http://beirutobserver.com/index.php?option=com_content&view=article&id=86495:assad&catid=39:features
التعليقات (0)