رَزِيئَة الصرخي على أيد الحكام والجهلة
يتكرر الظلم في عالم البشر الماضي والحاضر والمستقبل، فالمظلومية ليست خارج السياقات التأريخية للبشر ؛ ولا يمكن عد الشعور بالظلم أمراً خارج المجال الانساني أو الأخلاقي على العكس من ذلك تماما فهو لصيق المشاعر الأخلاقية والانسانية؛ فالمظلومية ماهي الا شعور الظلم ؛ وغالباً ماتكون هذه المحن والمظلوميات بغض النظر عماكانت صادرة من بشر قد تخطوا كل حدود الانسانية والاخلاقية لكنها اغلب الاحيان تكون امتحان وابتلاء وهذا مااشار اليه القران الكريم في اياته(قال تعالى ﴿وَلِيَبْتَلِيَ اللهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾(آل عمران وقال: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) أما الحديث النبوي الشريف فقد قال نبينا محمد(صلوات الله عليه ): "أشد الناس بلاءً النبيون ثم الأمثل فالأمثل"
لذلك عندما نستعرض تاريخ الأئمة والعلماء نجد مصاديق هذه الآيات في علماء تعرضوا لأشد أنواع الإبتلاء حتى وصل الأمر ببعضهم إلى الموت في غياهب السجون، أو الموت قتلاً من قبل أهل الطغيان والفساد او تعرضهم لأبشع التعذيب والتجاسُر، ولعل أشد وأسوأ من ذلك حين يصير للمظلومية فقــه يعيد أنتاجها في الواقع
والمعيب في الأمر أن هؤلاء العلماء الربانيين لم تكن معاناتهم على أيد اهل الكفر والاشراك بل على ايدي الحكام المسلمين!! وبتسليط الدهماء والجهلة ما يتبين لنا ان تأريخنا الاسلامي مع الدعاة والعلماء الحقيقيين ليس هو التأريخ الذي يتباهى ويتفاخر به مع علماء الامة ؛ بل هو تأريخ أعتبر فيه العالم الذي لاينسجم مع خط السلطان محل تهمة ومعاناة وكانت تهمة الخائن والعميل والزندقة اقرب سبيل لحبل المشنقة !!
المعروف في مجتمعاتنا أن صاحب السلطة يحتاج دائما الى جانب سلطته المادية سلطة اخلاقية معنوية تبرر ممارساته وتُّظهر انسجامه مع قيم المجتمع ؛ وهنا يكون دور رجل الدين هو الفيصل وهو عالم السلطان وهنا تتبادل الادوار والمنافع ليحمي كل منهما الاخر ووسط هذا الحلف السلطوي الدنيوي الدنيء تنشأ خصومة بين صاحب السلطة ونمط آخر من العلماء وهم العلماء الصالحين الربانيين وهؤلاء بلا شك هم الذين يستقيمون على امر الله ويرفضون ان يضعوا أيديهم بيد الحكام والسلاطين بلا شك هذه الخصومة يحدث من خلالها صراع وكل من هؤلاء يريد النصر فالسلطان يسعى جاهداً الى التعاطي مع العالم وامتصاص وجوده بالمقابل يحاول العالم الرباني ان ينقل السلطان وصاحب السلطة من دائرة المعصية الى دائرة طاعة الله ؛ بلا شك الظالم لايقبل بهذه المعادلة لذا يسعى صاحب السلطة بما يمتلكه من قدرات وما يتمتع به من سيطرة سفهاء الناس ليمارسوا سفههم على اهل العلم بتوجيه التهم والاقاويل الكاذبة والاشاعات الباطلة وقد يتطور الامر الى التطاول والتجاوز المباشر، والى الحاق الاذى وبمثل هذا تعرض له رجل الدين المحقق الصرخي الى الاضطهاد والتشريد والتقتيل وهدم داره وبما اننا قد قرانا الكثير ممن تعرض له العلماء سابقا الا اننا اليوم عايشنا هذا الامر وكيف راينا فعل حكام السلطة لهذا العالم الجليل لانه وكما سُأل واجاب عنه : ما هي الأسباب الحقيقية لقيام القوات الحكومية بقصف مقركم بالطائرات وقتل أتباعكم وسحلهم في الشوارع والزج بهم في المعتقلات؟ اجاب قائلا (لأننا رفضنا احتلال أمريكا لنا كما رفضنا احتلال إيران، ولأننا رفضنا الطائفية والتقاتل الطائفي والاحتراب، ولأننا رفضنا الفتاوى الممنهجة التي أسست وأمضت الاحتلال وما ترتب ويترتب عليه من فساد. ولأننا رفضنا فتاوى الطائفية والاقتتال، ولأننا رفضنا كلّ منبر وقول ومنهج وسلوك يؤسس للتناحر والتنافر بين أبناء الوطن والدين، ورفضنا كل تقسيم وتشقيق وتدمير للعراق وشعب العراق.)
وهكذا ندرك أن ما تعرض له المرجع الصرخي ليس خارجاً عن سياق الصراع الممتد عبر التاريخ، فاذا كان تأريخ الحكام مدعاة للخزي والعار؛ فإن تاريخ العلماء العاملين ، تاريخاً مشرفاً إذ تحمل العلماء والدعاة الأذى والسجن ورفض بعضهم قول الباطل أن يقولوا بها ولو أدى الأمر إلى قتلهم، وذلك لشعورهم بعظم مسؤولية العالم الذي ينحرف بانحرافه خلق كثير، فكان يتحمل العذاب والتنكيل من أجل أن تسلم عقائد المسلمين من التحريف والتشويه ؛ وختاماً فإن جهد الصرخي هو قول كلمة الحق وافضل جهاد للعالم الحقيقي أن يقول كلمة حق في وجه سلطان جائر.
التعليقات (0)