خرج الدخان اﻷبيض من "مداخن" شيراتون الدوحة معلنا أن "كرادلة" المعارضة السورية قد توصلوا ٳلى اختيار "بابا" المعارضة السورية العتيد، تحت الضغوط وبعد طول مماحكات ومناوشات. الرجل الذي وقع الاختيار عليه لتحمل هذه المسؤولية هو السيد "أحمد معاذ الخطيب" خطيب الجامع اﻷموي السابق، وهو ٳسلامي معتدل، لديه حماسة الشباب وحنكة الدمشقي العتيق ويبدو منفتحاً على الآخر، أقله في خطابه وكتاباته. الرجل عقلاني وموضوعي وهو لم يخرج من رحم المعارضة التقليدية شبه المحترفة ولا من لدن الفضائيات بل أتى من صميم الثورة، من قلب دمشق. الرجل لم يتلوث، على حد علمنا، بالتعامل مع نظام العصابة ولم يهادن حرامية الشام بل ذاق مرارة الاعتقال واﻹهانة قبل غيره.
في اختيار الرجل أكثر من رمز، ففيه عودة لدور دمشق العريقة التي مسخها زبانية اﻷسد والمتعاونون معهم. ثم ٳنه خطيب مسجد "بني أمية الكبير" مع كل العمق التاريخي والديني لهذا المنصب.
هذه الصفات، ٳضافة ٳلى مواهب الرجل الخطابية وفصاحته وصدق تعبيراته وشبابه النسبي تجعل من السيد "الخطيب" رجل المرحلة بامتياز.
الصفات السابقة ضرورية كي يكون رئيس ائتلاف الثورة السورية مقبولاً أولاً من اللاعبين على اﻷرض فهؤلاء هم من سيقرر في التقييم اﻷخير لمن تتجه ولاءاتهم. لكون اﻷغلبية الساحقة ممن يدفعون ضريبة الدم في مواجهة شبيحة اﻷسد هم من المسلمين السنة، وفي ظل انعدام شعور المواطنة التي غيبها نظام البعث الطائفي واﻷقلوي، كان من الصعب الطلب من الشباب الثائر، والمسلم على الخصوص، أن يقبل بغير وجه شاب، معروف ومقبول، يمكن للثوار أن يشعروا بالتماهي معه لدرجة تجعلهم يتقبلون خطاب وتوجهات الرجل.
الثورة السورية هي في نظري الثورة الوحيدة الحقيقية والمستقلة في الربيع العربي واﻷولى في العالم منذ الثورة البلشفية في روسيا عام 1917. ما سمي "بالثورة" اﻹيرانية يبدو في ضوء دموية نظام اﻷسد وداعميه أقرب ٳلى أن يكون عملية سطو على السلطة من قبل بازار طهران وآيات الله وزعيمهم "الخميني" في وجه حاكم فاسد تجوز مقارنة القمع في عهده بما حصل في مصر أيام "حسني مبارك".
الثورة السورية تحتاج الآن لزعيم "كاريزمي" قادر على حشد الشباب أولاً وراءه وهذا لا يكون عبر "تتويج" أكاديميين ولا حتى سياسيين مخضرمين أو ضباط كبار مهما تكن كفاءة هؤلاء وٳخلاصهم لقضية الثورة السورية. الثورة السورية تحولت ٳلى حرب تحرير شعبية وتجاوزت كل "الحلول" السياسية وكل ما يمكن له أن يدور في الصالونات الوثيرة والمحادثات اللبقة. باختصار، الثورة السورية في مرحلة تحتاج فيها ليس لمن "يمثلها" بل لمن يقودها. الثورة السورية لديها أيقونات كثيرة مثل الشهداء "حمزة الخطيب" و"القاشوش" وهي تحتاج الآن ٳلى رموز.
هل يجب على السيد "أحمد معاذ الخطيب" ان يتحول ٳلى رمز للثورة السورية ؟ وكيف يتم خلق هذا الرمز ؟
الجواب على السؤال اﻷول بسيط، فدفاتر الثورة مليئة بالقادة و"الكرادلة" الذين ظنوا أن تاريخهم وحده أو تضحياتهم الماضية وأسماؤهم العطرة هي عوامل كافية لتجعل منهم رموزاً للثورة، وانتهى بهم اﻷمر ٳلى السقوط في غياهب النسيان أو ما هو أدهى من ذلك. السيد "معاذ الخطيب" مضطر للارتقاء ٳلى مستوى المسؤولية التي وضعه فيها التحالف الوطني لقوى المعارضة والثورة السورية وٳلا انتهى به اﻷمر، مثل غيره، ٳلى أن يكون "بابا" جديداً يضاف ٳلى "بابوات" الثورة والمعارضة السورية المتسكعين في الفنادق.
لكي يصبح السيد "معاذ الخطيب" رمزاً للثورة ولكي يكسب التفاف قوى الحراك الثوري والعسكري حول شخصه، فعليه أن يهجر ممارسات معارضي الفنادق وعقداء الفضائيات ونجوم برامج البث المباشر. عليه أن يندمج في نبض الثورة وفي تيار حرب التحرير الشعبية. صناعة الرموز ليست أمراً سهلاً، بل هي صناعة معقدة تندمج فيها العفوية والبساطة مع التعقيد والترتيب المسبق لكل ما يفعله المرء وما يقوله، والرجل لديه كل المؤهلات كي ينجح حيث فشل غيره.
الآن وقد أصبح السيد "معاذ الخطيب" تحت اﻷضواء، ستكون أقواله وحركاته محسوبة، له أو عليه، على مبدأ أن هناك فرصة واحدة ﻹعطاء انطباع جيد للمرة اﻷولى. لكي يعترف به السوريون "رمزاً" لثورتهم فنحن ننتظر منه أن يذهب ٳلى حيث هم السوريون، في معسكرات اللجوء وفي المناطق الحدودية وليس في الفنادق والقصور.
نقترح عليه أن يبدأ بزيارة مخيم الزعتري، مقتدياً بعاهل المغرب وبالسيد "كاميرون". ولم لا يقوم بأداء صلاة الجمعة المقبلة وسط السوريين المبعدين عن أراضيهم، في الغبار والبرد، ويلقي خطابه اﻷول أمام هؤلاء "المستضعفين" والمسفوكة دماؤهم والمستباحة كرامتهم ؟ بل لماذا لا يزور كل مخيمات اللجوء السوري ويخطب في جماهيرها ؟ باستثناء لبنان طبعاً حيث لن "يوفره" حزب ولاية الفقيه.
ثم لماذا لا يقيم السيد "الخطيب" ولو ﻷيام وسط اللاجئين السوريين في "كيليس" مثلاً ؟ لماذا على العالم أن ينظر باهتمام لمأساة لاجئين لا يهتم رئيس التحالف الوطني السوري، "رئيس ثورتهم" بزيارتهم أو باﻹقامة بينهم ؟
دون ٳضاعة الوقت في محاولة "توحيد" المعارضة، والتي لن تتوحد، في مقدور السيد "الخطيب" أن يضع سلاح اﻹعلام في خدمته بدل أن يكون هو في خدمة اﻹعلام واﻹعلاميين. على السيد "الخطيب" ان يقدم نفسه كزعيم ثوري، مؤقت، لجميع السوريين وليس للمعارضة وحدها، عليه أن يسمو على الفصائل والأحزاب ويصبح رمزاً للسوري الباحث عن حريته وكرامته.
نحن نعتبر اختيار السيد "أحمد معاذ الخطيب" فرصة للثورة السورية، خاصة أنه يأتي في وقت وصل فيه السيد "جورج صبرا" ٳلى رئاسة المجلس الوطني السوري. السيد "صبرا"، العلماني المنفتح على الجميع، والذي أسماه رجال مخابرات اﻷسد : "محمد جورج صبرا" هو مثال السوري مكتمل الخصال، مثله مثل رمز الثورة السورية وشهيدها الكبير "مشعل التمو" الذي لا زلنا نحس بمرارة غيابه.
"المجلس الوطني السوري" الذي رفض انتخاب السيد "صبرا" لرئاسته في شباط الماضي "لكونه غير مسلم" انتهى ٳلى اعتبار مبادرة السيد "رياض سيف" خطراً داهماً (أكبر من نظام اﻷسد ؟) لدرجة دفعته للاعتراف بدور السيد "جورج صبرا" وبأهمية وجوده على رأس المجلس وذلك قبل الالتحاق بالائتلاف الوطني للمعارضة والثورة السورية.
ربما يكون اﻹخوان المسلمون المتحكمون بالمجلس الوطني قد أدركوا أن راعيهم التركي لم يرق ٳلى مستوى تطلعات السوريين ﻷسباب أغلبها مفهوم ومشروع وأن الدور القطري الصاعد هو "الحصان" الوحيد الذي يمكن الوثوق به، في ظل ضعف اﻷداء السعودي وهزالة الدعم المصري، علماً أن "قطر" هي الدولة العربية الوحيدة، مثلها مثل الثورة الليبية، التي زودت الثوار السوريين بالسلاح مباشرة من مخازن جيشها وبشهادة أجهزة الاستخبارات الغربية.
ٳن كان ٳخوان المجلس الوطني يظنون أن في مقدورهم مستقبلاً التلاعب بالسيد "جورج صبرا" فٳن ظنهم سيكون على اﻷغلب خائباً، فالرجل الذي صمد أمام زبانية اﻷسد لديه ما يكفي من اﻹرادة والعزيمة للارتقاء ٳلى مستوى المسؤولية الوطنية الملقاة على عاتقه.
أصبح للثورة، والمعارضة السورية، قدمان تسير عليهما، السيد "أحمد معاذ الخطيب" والسيد "جورج صبرا"، أما رأسها فهو في الشام وعلى جبهات القتال ضد شبيحة اﻷسد، بقي أن تعرف هذه الثورة ٳلى أين تسير وكيف تصل ٳلى أهدافها.
أحمد الشامي http://www.elaphblog.com/shamblog ahmadshami29@yahoo.com
بيروت اوبسرفر :الخميس 15 تشرين الثاني 2012
http://beirutobserver.com/index.php?option=com_content&view=article&id=85877:chami&catid=39:features
التعليقات (0)