بداية اسمح لي سعادة الوزير السابق والممثل الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، عضو مجلس الحكماء اﻷممي والعضو في جبهة التحرير الجزائرية بأن أتمنى لك التوفيق في مهمتك التي أعتقد، على عكس كل المتشائمين، أنها ستنجح !
لا، لا أظن للحظة أن التوفيق سيحالفك في ٳيجاد حل سياسي للأزمة المستعصية في سوريا وبالمناسبة، فلا أحد يراهن على أي نتائج ملموسة لهذه المبادرة المستحيلة، مع ذلك ستنجح مهمتك الحقيقية بكل تأكيد.
المطلوب منك، من قبل كبار هذا العالم، هو "تقطيع الوقت" وٳعطاء الانطباع أن هناك مجتمعاً دولياً يرغب في مساعدة الشعب السوري اﻷعزل. سوف تتلهى وسائل اﻹعلام بتصوير جولاتك المكوكية بدل عرض صور جثث أطفال سوريا ومدنها المدمرة. شبيح موسكو سيجد وقتاً أطول للتلذذ بالدم السوري المسكوب وسيتباهى كالطاووس حين يستقبلك "بغرض البحث في دور روسيا العظمى في شرق المتوسط". أنصحك بمقابلة السيد "بوتين" في قصره الجديد على شاطئ البحر اﻷسود والذي كلف مليار دولار فقط، دفعها الرجل من جيبه الخاص، فهو "رجل مقتر ويوفر كل رواتبه". هكذا سيسعد مشاهدو نشرات اﻷخبار برؤية البحبوحة التي يرتع بها قيصر الكرملين بدل أن يشاهدوا جثثاً مقطعة ﻷطفال كفرنبل والرستن.
الرئيس اﻷسمر سوف يكون مسروراً باستقبالك في البيت اﻷبيض، فهذا جيد من أجل "الضحك" على الناخبين اﻷمريكيين وجعلهم يظنون ان رئيسهم الباسم "اوباما" يعمل جدياً من أجل السلام واﻷمن الدوليين وأنه مهتم بما يجري من مذابح للعزل في مهد الحضارة في بلاد الشام. ربما ينتهز الرئيس، الحائز على جائزة نوبل للسلام لسبب لا يعلمه ٳلا الله والراسخون في العلم، الفرصة ويدعوك لحضور حفلة لجمع التبرعات لصالح حملته الانتخابية. الرئيس "اوباما" يجد صعوبة هذه اﻷيام في ٳقناع المانحين اﻷمريكيين بأن لديه ما يقدمه من اجل مستقبل أفضل،ﻷمريكا وللعالم. الظهور مع "صانع سلام" شيء جيد من أجل جمع التبرعات لرئيس يجيد صف الكلام أكثر من أي شيء آخر.
من الوارد أيضاً أن تتلقى دعوات لزيارات "ودية" في أوربا، لا أخفيك سراً حين أصارحك أن زياراتك هذه سوف تكون مضيعة للوقت، فجيراننا اﻷوربيون مشغولون بأزمتهم الاقتصادية ولا يهمهم لو أبيد ثلاثة أرباع الشعب السوري، فدماء السوريين ليست داخلة لا في بورصة باريس ولا في بورصة لندن ولا حتى برلين. مع ذلك، فبعض الصور مع رؤساء هذه الدول ستكون تذكارات جميلة في ألبوم الذكريات الخاص بك وسوف تسلي المشاهدين، كسابقاتها من الصور.
من نافل القول التذكير بأنك سوف تلتقي بالمعارضة السورية وهذا سيكون تجربة ثرية حتى بالنسبة لرجل مثلك، سوف ترى معارضين للأسد ومعارضين لا يعارضون اﻷسد ومعارضين للمعارضين وهكذا دواليك...الالتقاء بهؤلاء جميعا سيأخذ وقتا طويلاً ورغم عدم جدوى هذه اللقاءات، فٳنها ستعطي وقتاً مستقطعاً للنظام ولحلفائه و لمن لا يريدون فعل شئ من أجل الشعب السوري الذبيح، عل وعسى...مع الوقت، سيكون الشعب السوري قد أبيد عن بكرة أبيه ولم يعد هناك من داع لفعل أي شيء !
الجار اﻹيراني سيدعوك حتماً لجولة "سياحية" في بازار طهران. ملالي ٳيران مسرورون بنزيف الدم السوري وبتحويل اﻷنظار عن سياساتهم الامبريالية ومشاريعهم للهيمنة. ما دام العالم يتلهى بصور المجازر في دمشق وبزياراتك المكوكية، فهو سيبقى منشغلاً عن "قنبلتهم" القادمة والتي لا هدف لها غير تهديد جيرانهم السنة الضعفاء.
في ختام جولاتك المكوكية هذه سوف تضطر طائرتك للهبوط في مطار دمشق وربما تحظى بمقابلة سيد قصر المهاجرين القابع مرعوباً في وكر يحرسه أسياده اﻹيرانيون. سيكون هذا هو الجزء اﻷكثر صعوبة في مهمتك. سوف يتم تفتيشك وربما تعريتك قبل مقابلة "السيد الرئيس" خوفاً من أن تكون حاملاً لحزام ناسف لا سمح الله. سوف يلقي عليك الرجل محاضرة طويلة حول المقاومة والممانعة والصمود في وجه العدو اﻹسرائيلي والتصدي للمخططات اﻷمريكية للهيمنة على المنطقة. بحسب منطق الرئيس "بشار" فالشعب السوري في أغلبه خائن يقبض من المخابرات اﻷمريكية أو اﻹسرائيلية أو السعودية أو القطرية أو التركية وحتى الليبية، هناك "مندسون" و"قاعدة" و"عصابات ٳرهابية" قادمة كلها من الخارج الذي لا هم له سوى زعزعة استقرار نظام الصمود في دمشق.
سوف تستمع بصبر لهذا الخطاب السريالي وأنت تمني النفس بأن ينتهي الأسد من خطابه قبل موعد العشاء. ٳياك وأن تقاطع الرجل أو "تأخذ سهوة" وتغفو أثناء حديث "بشار" الطويل والممل، فالرجل حساس و"ينقز" بسرعة. تذكر أن "الرئيس" ليس لديه "ذقن ممشطة" ولن يوفر شخصك الكريم ٳن هو شعر أنك لا تأخذه بجدية وقد يقوم بتصفيتك ويدعي "أن العصابات اﻹرهابية التي لا ترغب في حل سياسي قد وضعت حداً نهائياً لجهودك المشكورة". لا تتصور للحظة أن منصبك وتاريخك سيمنعان نظام العصابة في دمشق من اغتيالك، الشهيد "رفيق الحريري" تصور أنه في مأمن وكلنا نعرف ما حل به حين "غضب" عليه رئيس العصابة اﻷسدية.
بالمناسبة، فقبل نيف وستة قرون، جاء مغاربي آخر ٳلى الشام التي كانت تعيش محنة مشابهة لما يحدث في أيامنا هذه. التتار وزعيمهم "تيمورلنك" كانوا يحاصرون دمشق حين عرض "ابن خلدون" وساطته بين السكان المغلوبين على أمرهم والجزار القادم من الشرق.
تماماً كما سوف يحصل معك، أجزل "تيمورلنك" الوعود واﻷمان، لكنه لم يحترم أياً منها واستباح جنوده المدينة وأهلها وأموالهم وأعراضهم.
هل كان "ابن خلدون" غبياً لكي لا يدرك أن الغازي التتري لن يحترم أياً من وعوده ؟ بالتأكيد لا، لكن صاحب المقدمة بذل "جهوده المشكورة" ثم حظي، هو شخصياً، باﻷمان وعاد، سليماً معافى ٳلى مصر المحروسة بعدما "تفاوض" عبثاً مع "تيمورلنك" طيلة 35 يوماً.
المقارنة بين غزو التتار لبلاد الشام وبين "مآثر" نظام الممانعة في سفك دماء السوريين وفي نهبهم ليس فيها مبالغة، قم بجولة في "داريا" أو "دوما" على مرمى حجر من قصر المهاجرين، وسترى بأم عينك ماذا يفعل تتار هذا العصر بالشعب السوري الذبيح.
لكي نوفر عليك الجهد وكي لا تضيع وقتك الثمين فسوف نلخص لك اﻷزمة السورية "بكلمتين نظاف":
انسى، سعادة الوزير، علوم السياسة والاجتماع واﻷخلاق والحضارة البشرية حين تحاول مقاربة النظام اﻷسدي، بالمقابل، راجع مصادر علم الجريمة وتاريخ البرابرة ودول القراصنة والعصابات من أيام "جنكيزخان" وحتى نظام نورييغا في بنما، مروراً بحرب النفوذ في البحر الكاريبي وانتهاء بأنظمة العصابة في عراق صدام وليبيا القذافي. ٳن لم يكن لديك وقت تضيعه في القراءة فعليك بمتابعة فيلم "العراب" وأنت جالس في مقعد طائرتك المريح، آخذاً بعين الاعتبار أن العرّاب ليس غير رأس العصابة السورية وأن "الصقليين" هم من أبناء الطائفة الكريمة وأن قرية "كورليون" ليست في جزيرة صقلية بل على الساحل السوري وأن اسمها المعرب هو "القرداحة".
ولكي نختصر لك تاريخ هذا النظام فعليك أن تستحضر في ذهنك أن النظام الأسدي هو، في التقييم اﻷخير، عصابة، وهو حصيلة توافق أمريكي ٳسرائيلي وسوفييتي أدى ٳلى تلزيم أفاق اسمه حافظ اﻷسد وتوكيله على سوريا بحجة "حماية اﻷقليات". الرجل أقام تحالفاً لهذه اﻷقليات هدفه ذبح اﻷكثرية ونهبها وحماية الجار اﻹسرائيلي الرؤوم، ٳضافة ٳلى خدمات مدفوعة الثمن سلفاً لمن يرغب داخل وخارج حدوده. هذا التوافق لا زال قائماً وٳن كان اللاعب اﻷمريكي يشعر أحياناً أن هذه القسمة قد أصبحت ضيزى.
اﻷسد الوريث قام بتطوير العصابة وتوسيع "أعمالها" وأضاف أزعراً جديداً للثلاثي السابق هو "البلطجي اﻹيراني" على مبدأ "زيادة الخير خيرين..". في نفس الوقت قام بشار برص صفوف العائلة و"تحسين وضعها المادي" تماماً ككل مافيا تحترم نفسها وتجلّ الروابط العائلية. بالطبع احتفظت "الطائفة الكريمة" بكل ميزاتها وبكل تسليحها وأكثر فهي الضامن اﻷول ﻷمن النظام ولتماسكه.
ألا تذكرك هذه "التركيبة" بشيء ما ؟ نعم، الوضع الجزائري عشية حرب التحرير ذات المليون شهيد.
فرنسا استعمرت الجزائر منذ ثلاثينات القرن التاسع عشر وأرسلت لها مستوطنيها طوال عقود، في النهاية، تشكلت "طبقة" من المنتفعين من "ذوي اﻷقدام السوداء" كناية عن لبسهم للأحذية والتي حرم منها الجزائريون العاديون. المستوطنون اﻷوربيون، وأغلبهم مسيحيون ويهود، احتكروا السلطة والثروة والسلاح، انضم لهم جزائريون التحقوا بجيش المستوطنين (العقائدي ؟!) واسمهم هو "الحركيون".
حينها، كنت أنت "سي لاخضر" واحداً من عراة اﻷقدام الذين قاتلوا المستعمر الفرنسي وممن عانوا من مجازره الدموية، المشابهة ﻷفعال عصابة اﻷسد. الدم الجزائري سال مدراراً وقلائل في العالم هم من ساندوا الثورة الجزائرية اليتيمة التي انتصبت في وجه فرنسا، القوة الكبرى ذات الفيتو والسلاح النووي.
فرنسا انتصرت عسكرياً بثمن عالٍ وبفضل "ديغول" ولكنها اضطرت للرحيل في النهاية ﻷن كلفة البقاء كانت أعلى من أن تحتملها دولة ولو كبرى مثل فرنسا.
المستوطنون اضطروا، جميعاً، للرحيل، وخسروا كل شيء، بمن فيهم من لم يفعل شيئاً، فنهر الدم الجزائري الذي سال أصبح بحراً عرمرماً جعل بقاء الأوربيين في الجزائر والتي ولد أكثرهم فيها، مستحيلاً...
هذا برسم "الطائفة الكريمة" التي تلغ في دماء اﻷكثرية المسحوقة، فهل تعلّم أبناء هذه الطائفة دروس التاريخ ؟ أو أنهم ينوون الرحيل والالتجاء ٳلى "الشقيق اﻹيراني" حين يعجز سلاحهم عن حمايتهم وحين يمل المدافعون عن النظام من حماقاته أو حين ينتهي الدور المرسوم لعصابة اﻷسد ؟
بٳمكانك، في هذه الحالة تحديداً، تذكير زبانية اﻷسد بالمثال الجزائري وتحذيرهم من مصير أسود ينتظر جزاري شعوبهم، "الحركيون" الجزائريون لا يزالون، حتى الجيل الثالث، يدفعون ثمن خيانة أجدادهم لانتمائهم الوطني ومشاركتهم في سفك دماء أهلهم وأقربائهم.
خارج ٳطار هذا "الدرس التاريخي" وٳذا أردت فعلاً ٳنهاء معاناة الشعب السوري سريعاً، فأحضر معك في طائرتك بعض الصواريخ المضادة للطائرات وأخرى ضد المدرعات وأرسلها للثوار، وكفاك تضييعاً لوقتنا ولوقتك في حل سياسي مستحيل وفي "مفاوضات" عبثية مع تيمورلنك العصر.
من قال أن هناك "حلاً سياسياً" مع عصابة ؟
أحمد الشامي http://www.elaphblog.com/shamblog ahmadshami29@yahoo.com
بيروت اوبسرفر : الأربعاء 29 آب 2012
http://beirutobserver.com/index.php?option=com_content&view=article&id=81889:chami&catid=39:features
التعليقات (0)