مواضيع اليوم

رحلة العذاب اليومية تتمة

خواطر مراهقة

2012-12-18 18:52:23

0

 رغم هدير المحرك الذي صم آذاننا،سمعنا صوت  الرعد. بدأت قطرات المطر تحجب الرؤية عن السائق بفعل طبقات الغبار المترسبة على الزجاج . رغم انعدام الرؤية استمر في السير يقينا منه أن لا سيارة في الاتجاه المعاكس تضاعفت القطرات ووضحت لرؤية قليلا وعجز ماسح الزجاج عن منافستها فاستسلم . بعد دقائق أحس احمد بحصاة بارة تنزل على عنقه لامس المكان ،إنها قطرة ماء بل قطرات ممزوجة بما علق بسقف السيارة من أوساخ تراكمت عبر تاريخها المجيد .انهمك الشباب في سباق لتفادي القطرات التي تحولت إلى حنفيات رقيقة. افرغ احمد كيسا بلاستيكيا من السلع التي اشتراها .ولف بها رأسه وحواشي كتف  وكذلك فعل زملاؤه . بعد فترة تيبست أصابع مصطفى من البرد ولم يقو على الاستفادة منهما رغم فركهما مع بعض ..

أراد السائق أن يرفع معنوياتهم : أخيرا وصلنا الوادي قبل أن تتدفق مياهه . حوالي ربع ساعة وسنصل إلى الدوار.. 

 يمتاز هذا الوادي بعرضه الشاسع وطوله الذي يمتد آلاف الكلمترات   مخترقا أكثر من دولة. وله مع السكان تاريخ من الإحداث المأساوية مازالت متواترة عبر الاجيال : ففي عز الصيف وشدة الحرارة سرعات ما تتلاطم أمواجه نتيجة لأمطار ربما سقطت في بلد  مجاور مما حدا بالبعض متابعة أحوال الطقس في الدول  الشقيقة استعدادا لغضب الوادي الذي  يزيل كل شيء في طريقه وكثيرا ما جرد بعض السكان من حيواناتهم وأموالهم ..  وأضحت أثرا بعد عين

فرح الزملاء لأنهم سينعمون بدفء المنزل وسيضعون حدا لهذه المعاناة

قبل دقائق من الوصول غاصت العجلات الأمامية في الوحل التفت السائق إلى الركاب فالفاهم في حالة يرثى لها وعيونهم تتوسل أن لا يطلب منهم الدفع لان أيديهم شلت من البرد  وتوارى الدم عن سطحها  .خرج السائق يبحث عن وسيلة لإنقاذ سيارته من طوفان الوادي الذي سيصل قريبا. ولما يئس أمر الركاب أن يستعدوا لإكمال الطريق على أرجلهم قبل أن ينتهي بهم في البحر ،عندها تدفقت الحيوية في الأجسام وأسرع الجميع بالنزول وكأن طاقة جديدة تدفقت في شرايينهم . أحسوا بنوع من الاطمئنان حين شاهدوا أفرادا منتشرين على جنبات الوادي يتفقدون أبناءهم وماشيتهم لسوابقهم في مثل هذه الظروف .لمح السائق جرارا فنزع عمامته ملوحا وصائحا ارتفعت عقيرة الزملاء بالصياح دون أن يطلب منهم  بل جرى احمد وهو يصيح بهستيرية

-        يا محمد يا مول التراكتور.. يا على يا مصطفى يا هشام  الله ارحم  ليكم الوالدين واعتقوا الروح أعباد الله..

أسرع هشام ليهدئ من روعه – مالك 5 دقائق ونصل ..أنظر إلى النساء والأطفال مبعثرين في كل مكان ومنهم البعيد أكثر منا عن الضفة ،لن نتخلى عنك ومستعدون لحملك متى عجزت عن السير كن راجل أسي احمد

وهناك بجانب الوادي من نبه صاحب الجرار بوجود سيارة تطلب الإغاثة ، فاندفع إلينا ،ثم احكمنا ربطها . ركب  احمد و مصطفى على الجرار فقد تعقدا من هذه السيارة  التي تزداد مشاكلها باطراد اضافة أنها ليست بقوة وعلو الجرار إذا وقع ما لا يحمد عقباه  كما تألموا كثيرا من تتشبث أسلاك  كراسيها بأسفلهم  ولا يتخلصون منها إلا بالضغط إلى الأسفل والوقوف بسرعة قبل أن ترجع إلى طبيعتها

أثناء جر السيارة المنكوبة تسمرت   عينا احمد   في اتجاه الطرف الأعلى من الوادي محفزا السائق للإسراع بينما الأخير يبتسم له في خبث: أسي احمد ما تمشي إلا فين مشاك الله، ويوم الدنيا لن يكون يوم الآخرة

سائق الجرار- الحمد لله على السلامة  نزل احمد ومصطفى واتجها  نحو باب المنزل  دون أن يلتفتا إلى سائق الجرار ويشكرانه. بحث عن المفتاح

-        اتفو على هذا النهار

- ياك ما نسيتي المفتاح في المدينة عندها سيـ....  

-        اهدأ أسي احمد عهدتك شخصا ضحوكا  ونكاتا لم أراك هكذا من قبل

-          أنت أسي هشام بحال إلى ما وقع والو"لاشئ" تخيل نفسك تتقاذفك أمواج الوادي ثم جحافل الأسماك الجائعة تستقبل  أشلاءك  وتتنافس  في استئصال الأجزاء البارزة منها، وحتى إذا سلمنا هذه المرة فمن يضمن لنا النجاة في السنوات المقبلة .إذا لم يرحمونا بانتقال من هذه الصحراء :عقارب وعناكب و.. في الصيف وفيضانات في أي وقت

أخرج هشام المفتاح بهدوء وفتح الباب بيد مرتجفة  ثم فسح الطريق لزملائه المتذمرين ورجع إلى السيارة لإحضار الأغراض  فألفى الخبز عائما في المياه التي غطت أسفل السيارة لقد أزال عنه احدهم بدون وعي الكيس البلاستيكي ليستعملها كمظلة .. فكر احمد كيف سيخبر زملاءه الذين بلغ منهم الجوع والتعب مداه (الله انهي هذه الليلة بخير) اخذ يبحث في الماء عن المواد الأخرى الحمد لله الروز سلم نصفه من البلل ويمكن غسله  أما الشعرية والتمر وخلافه فالله يصبرهم ، والمعلبات لن يمسها سوء وسيتركها إلى الغد حين ينزل منسوب المياه في السيارة

أثر منظر هشام وهو يغوص بلهفة باحثا في أعماق السيارة عن المؤونة فقال له السا ئق :لا تتعب نفسك ربع ساعة  والأكل سيكون عندكم

دخل هشام إلى المطبخ ببضاعته الهزيلة وصار يقرقب في الأواني موهنا زملاءه الذين غيروا ملابسهم وتكور كل واحد في مانطا لا يظهر سوى مقدمة وجهه ،انه بصدد تهيئ شيء للأكل. دق الباب وخرج ليجد احد الجيران حاملا جمرا بيد و قرصين من الخبز وابنه يحمل أناء به عجينه البيض مع الزيتون..    دخل دون استئذان ووضع الجمر في الوسط بعد أن رمى فيه حفنة من البخور – ياك ما خصكم شئ  الموانط...الخير موجود والحمد لله

-        الله اجازيك بخير أسي..

-        احضر هشام المائدة  وقربها من الزملاء

- هل تنتظرون أن أضع الطعام في أفواهكم ؟  

-        نسي احمد تحفظاته حول الطعام الذي يأتي به أهل القرية فأمه نصحته بان هذا الطعام قد يتحول طًًعما للمحبة والزواج من بنات القرية .أين أمه لتدرك قيمة ابنها الحقيقية  ،  وقبل أن يأتوا على القرصين ، نفذ سائق الجرار وعده وحمل لهم قصعة كبيرة من العصيدة تتوسطها حفرة مليئة بالزيت ولترين من اللبن امتدت الأيدي تكور اللقم وتغمسها في الزيت وختموها بخلطة مع اللبن الطازج . دب الدفء في أوصالهم  وعاد احمد إلى طبيعته ... وحتى لو تجرأ الوادي وفاض في اتجاه القرية فركن بيه حديد وسقف بيته حجر. لم يساعد احد هشام في جمع الأواني وانخرط الجميع في نوم قد تتخلله  كوابيس عن الفيضانات والسيارات أو الانتقال إلى مرحلة الطفولة.. . تفقد هشام مفتاح الغاز وأطفا لهب الشمعة وهو يردد مع نفسه : أنا من شجعت هؤلاء على عدم تحمل المسؤولية إنهم مدللون أكثر من اللازم ثم استسلم للنوم... والصباح.....ح




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !