بطل هذه الحكاية صديقي مصطفى وليس محسن
صاح احمد : يا ليتني مت قبل هذا اليوم، رحماك يا رب من هذا العذاب
رد عليه مصطفى: انزل، وادفع ،وكفى من الهضرة (الحديث) فالشدائد إنما خلقت للرجال.
شمر الكل على ساعديه محاولين بما أوتوا من جهد زحزحة السيارة من مكانها. احمد اكتفي باليد الواحدة : واحد جوج اللهم صلي عليك أرسول الله.. كلما تقدمت السيارة حثنا السائق لبدل المزيد. فجأة بعد حوالي 300 م ارتدت السيارة قليلا إلى الوراء ، ثم انطلقت تنفث دخانا مكثفا، و لما انقشع وجدنا احمد مرميا على الأرض فقد فَقََد توازنه حين اندفعت السيارة فتشبعت ملابسه بالتراب، أضحكنا منظره و هو يهم بالوقوف شرع مصطفى ينفض عنه الغبار. بلغ منه الضيق مداه فلم ينبس ببنت شفة كاظما غيظه. أراد مصطفى استفزازه لأنه من غير المعقول أن نبقى صامتين طول الطريق ومعنا السيد احمد الذي يخدر أجسادنا بأفكاره ونكته التي يستقيها من الواقع فلا تشعر بوخز الحديد الذي ينغرس في جانب منها
مصطفى – أسي احمد ما يسقط إلا الشاطر تكبر وتنساها.
احمد -- لا تتعجب يا مصطفى فسوف تدور الدوائر والحمد لله أنا بعدا غير الغبار ومن يدري ما ذا سينتظرك في هذه السنة التي ليس لها نهاية، وإن شاء الله ستعود إلى اهلك بعاهة مستديمة
مصطفى - أنا لن اعترض على القضاء والقدر فلن يصيبنا الا ما كتب الله لنا
احمد - واش هذا القدر هو الوحيد الذي يعرف عنواننا في هذه الفيافي القاحلة . لماذا لا يجرب حظه مع المنعمين في المدينة؟
مصطفى -اتق الله ولا تولول كالعاجز و...
رجع السائق بعد أن سار مسافة واطمأن على محرك سيارته الذي قطع حديث الزميلين بهديره النفاث. أشار إلينا بالركوب.. ثم اندفع يطوي الطريق بين كر وفر أحيانا تنطلق السيارة بسرعة، وحينا تبطئ. فتبلغ قلوبنا الحناجر.و خوفا من تكرار سيناريو الدفع مرة أخرى. تفتقت عبقرية زميلنا احمد الميكانيكية وهو يخبرنا أن سبب الكر و الفر هذا، يرجع إلى القناة البلاستيكية التي توصل البنزين إلى المحرك فلاشك أن بها شيئا يمنع وصول البنزين إلى المحرك. فإذا ضغط السائق برجله على دواسة السرعة ينغلق المسار فيرتد البنزين جهة الخزان فتخفض من السرعة، وحين يرفعها يتدفق البنزين إلى المحرك فتنطق السيارة .. تماما مثل الشريان المتصلب بفعل الكليسترول مما يحول دون تدفق الدم إلى عضلة القلب . فجلطة صغيرة تكفي لغلقه والإصابة بالسكتة القلبية .. .
مصطفي – فال الله ولا فالك هذه السيارة التي تحتقرها ستعمر أكثر منك ومن يدري فقد تكون الوسيلة الوحيدة لنقل جثمانك إلى مثواه الأخيرة
احمد - كم أنت خواف فلا يهمك سوى الوصول وتقديم فروض الطاعة والولاء للمدير. إذا لم تصدقني فانظر إنها تسرع في الأماكن المليئة حفرا وأخاديد فتتارجح اجسادنا صعودا وهبوطا كالكرة يتنافس على قذفها كلا من الكرسي والسقف . وحين تكون الأرض مستوية فإنها تحاكي سير السلحفاة .و تكفي نظرة واحدة إلى تعابير وجه السائق وحركة رجليه للتأكد من الأمر..
خيم الصمت على المكان وانبرى كل واحد للتأكد من عبقرية زميلنا احمد . حاول مصطفى أن يتيقن أكثر فاخرج رأسه من النافذة لمعاينة حركة العجلات ، وعند أول منعطف فُتح الباب وتدلى في الهوى انقض احمد و زملاؤه على الباقي من جسده حتى لا يسقط أرضا فتتحقق نبوءة احمد أو تسوء العاقبة . انشغل السائق عنهم بحركات رجليه، كما حال صوت المحرك عن سماع جلبة احمد و زملائه ..
صاح هشام قف أهاذ.... الله انعل...
أصبح وجه مصطفى شاحبا من الخلعة-الخوف- وسرت في جسمه رعدة"قشعريرة" امتدت إلى أسنانه.. .
أحاط به زملاؤه يتفقدون خريطة جسده علها تخفي كسرا أو غيره ثم أركنوه جانب الطريق. حل الجد مكان الهزل ونسي احمد قاموسه الفكاهي ، فلكل مقام مقال
هشام – الحمد لله على السلامة كدت تكون أول شهيد بينا لكن الله قدر ولطف وأتمنى أن تكون كفارة للذنوب ونهاية البأس... (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم) فلولا السرعة المنخفضة للسيارة لأصبحت من الهالكين وربما قد نكون لك من اللاحقين بفعل الطرد المركزي. حينها سيصدق علينا " تمسك غريق بغريق "
ببطء استرد مصطفى قليلا من عافيته وهو يردد : آميمتي شويه نمشي فيها كيف ستكونين إذا وصلك نبا نعيي..والله لو جاءت سيارة في الاتجاه المعاكس سأرجع إلى المدينة الله انعل بوها خدمة
أراد احمد أن يبدد هذا الجو المكهرب : اطمئن أسي مصطفي لان هناك تعويضا عن حوادث الشغل..
- واش تا تضحك علي آش من تعويض .إذا مت ظمآنا فلا نزل القطر
- لا باس بدا سي مصطفى ينظم الشعر
اخيرا نزل السائق من سيارته وسال مصطفى عن صحته لم ينتظر الجواب بسبب نظرات مصطفى البليغة
السائق -أسرعوا لان الغيوم تتجمع في السماء كغير العادة وستكون بشرى للمنطقة التي انتظرتها لأعوام، ولكن قد تكون نذير شؤم علينا إذا لم نتمكن من اجتياز الوادي العريض
تسابق الجميع لإسناد مصطفى الذي حرص أن يكون في الوسط فليس في كل مرة تسلم الجرة .
وما إن استقر الجميع حتى نادى احمد على السائق
اذاك خينا أين الحبل الذي تربط به الماعز؟
استغرب الجميع ومنهم السائق
السائق - لماذا تريد الحبل؟ هل اصطدت غزالا في هذه البيداء؟
احمد – وهل الغزالة منحوسة مثلنا حتى تترك المراعي والمروج الخصبة حتى..
مصطفى - في هذا المكان لا فرق بين احمد وأي صنف من الماشية إلا بقدرة الأخيرة على التكيف مع هذه الظروف
صاح به هشام
- بربك قل لي ما محل الحبل من الإعراب
- فقط أريد أن نربط أجسادنا بالكرسي.. فالضرورات تبيح المحظورات والروح عزيزة عند الله..
هشام - عندها يمكن أن تكون نهايتنا جماعية ،فقد ينخلع الكرسي من مكانه ونقذف إلى الخارج بفعل قوة الجدب حينها لن تجد من يفك وثاقك بله إسعافك
تناهى إلينا صوت السائق، فلاشك انه أراد أن يأخذنا على قدر عقولنا ، وهو يعلم أن الخوف يعمل في مثلنا الأفاعيل
ليتشبث كل اثنين بمقعد عند كل منعرج ،واطلبوا من الله الصحة والسلامة....
التعليقات (0)