خياران أحلاهما مُرٌ
أول يوم دخلت فيه المدرسة وقفت منبهراً أمام مراسيم رفع العلم متأملاً لأول مرة ألوانه تلك الألوان التي ترمز إلى أفعال العربي وصنائعه ومروءته التي وصفها صفي الدين الحلي ( ت 750هـ ) قائلاً عنها :
بيض صنائعنا سود وقائعنا |
|
خضر مرابعنا حمر مواضينا |
وبعد أداء النشيد الوطني اعتادت المدرسة أن يكون لكل صف نشيد خاص به وأعجبني في ذلك اليوم نشيد الصف الخامس :
بلاد العرب أوطاني |
|
من الشام لبغدان |
ومن نجد إلى يمن |
|
إلى مصر فتطوان |
فلا حد يباعدنا |
|
ولا دين يفرقنا |
لسان الضاد يجمعنا |
|
بقحطان وعدنان |
فما أن أصبحت في الصف الخامس أخذت أنشده مع زملائي في الصف بحماس ومن أعماق قلبي بزهو وفخر ورأس مرفوع وقامة منتصبة ، لا لارتباطي وانتمائي لبلاد العرب ، وأمة العرب وإنما ارتباطاً وانتماءاً للصف الذي أنا فيه ، وها أنا اليوم في بلادي أحس وأتمسك بارتباطي وانتمائي لبلاد العرب وأمة العرب ولغة العرب وذلك لأني لأول مرة أصبحت مستهدفاً بسبب انتمائي لهذه الأمة . وان بلادي تتعرض لهجمة شرسة هدفها طمس هوية العربي ، وإبادة كل ما هو عربي ، ومحاربة لغة الضاد ولغة القرآن واستبدالها بلغة أخرى ، فأنا اليوم أقف بين خيارين :
أولهما :أن أنسى ذلك التاريخ الطويل لأمجاد هذه الأمة وإرثها وأن أنزع العقال والكوفية وأن أُحِل محلهما زيّاً آخر ، وأن أتكلم بلسان آخر وأن أذوب في مجتمع آخر ، وأترك زيّ العربي ولساني العربي وأن أُغير عَلمي ونشيدي وأن أُنشد لعلم وبلاد غير بلاد العرب ولغة غير لغة العرب وأن افتخر برجالات غير إبطال العرب .
وثانيهما :أن أهاجر واترك الأرض والتاريخ والدار وأبحث لي عن أرض أخرى ومدرسة أخرى لأنشد فيها هذه المرة مع أبنائي ومن بَعدُ مع أحفادي لبلاد العرب وأمة العرب ولغة العرب ، وأن أُسميَّ أبنائي بأسماء أبطال العرب فيالهما من خيارين فعلى أن أختار إحداهما وأحلاهما مُرُّ المذاق ([1]).
* * *
التعليقات (0)