نعترف أن مؤتمر "أصدقاء الشعب السوري" في اسطنبول بذل جهداً ملموساً لكي يتجنب الوقوع في المطب الهزلي الذي انتهى ٳليه مؤتمر تونس. ربما خشي المنظمون اﻷتراك أن يتحول مؤتمرهم ٳلى "كذبة نيسان " فقاموا بطرح موضوعين في غاية اﻷهمية وتوصلوا ٳلى نتائج عملية ولو محدودة في هذين الموضوعين. اﻷول هو مساعدة المعارضة السورية والثاني هو الاعتراف بدور تمثيلي للمجلس الوطني السوري.
السيدة كلينتون والتي تتحدث بصراحة نادرة بالنسبة لمن هو في منصبها قالت حرفيا "نحن سنساعد المعارضة السورية بوسائط اتصالات وآخرون سيساعدونها بوسائل أخرى...". سيئوا النية سيقولون أن أمريكا سترسل كاميرات للثوار لكي يصوروا معاناتهم ، كأن المزيد من الصور سيغير شيئاً ، وهواتف تسمح للنظام "باصطياد " النشطاء السوريين والصحفيين.
من يحسن النية باﻷمريكيين قد يظن أن العم سام سيقدم وسائل اتصالات تسمح للثوار بتنظيم صفوفهم وتنسيق تحركاتهم ٳضافة ٳلى التجسس على قوات اﻷسد. على كل حال لم توضح لنا السيدة كلينتون كيف ستصل هذه الوسائل للثوار ؟ هل سيقوم اﻷمريكيون برميها من الطائرات ؟ أم أن اﻷتراك سيسمحون بمرور هذه الوسائل بعدما صادروا الهواتف النقالة التي أرسلها السوريون المغتربون ؟ اﻷكيد أن هذه الوسائل لن تصل عبر العراق الذي يحكمه "المالكي" والذي يكره كل تدخل أجنبي في المنطقة باستثناء التدخل اﻷمريكي الذي جاء بالمالكي وزمرته لسدة الحكم في بغداد.
لن نتجاسر ونطرح السؤال حول عبور المساعدات عبر التراب اﻷردني الشقيق وهو ما قد يهدد "الحياد " اﻷردني المعروف بين القاتل والقتيل.
مع ذلك، فدخول اﻷمريكيين على الخط ولو بهذا الشكل الخجول و الثانوي، لكن على لسان السيدة كلينتون، هو شيء جيد بالنسبة للثوار السوريين.
الشعب السوري سيجد نفسه وللمرة اﻷولى في تاريخه منذ الخمسينات على الجانب الصحيح من التاريخ ، بعيداً عن الديمقراطيات الشعبية والجماهيرية وأنظمة الطغيان الفردية بكل مسمياتها. من مصلحة الثورة السورية أن يرى فيها اﻷمريكيون، والشعب اﻷمريكي خاصة ، تجلياً عصريا لثورة اﻷمريكيين أنفسهم ضد الاحتلال البريطاني في القرن الثامن عشر.
حصول الثورة السورية على بادرة صداقة ولو محدودة من قبل الدولة اﻷكبر في العالم هي أمر مهم لنجاح التحول الديمقراطي السوري. لا ننسى حضور أكثر من ثمانين دولة بينها دول شديدة اﻷهمية مثل الهند والبرازيل وحتى الجزائر التي كان النظام يعتبرها حصناً منيعا يدعم مقاومته للهيمنة "اﻷحادية والامبريالية " على العالم. لا أحد يشكك في نوايا هاتين الدولتين التين ساندتا اﻷسد حتى تأكدتا من سوء نيته ولا أحد يظن أن الهند أو البرازيل سترسل أساطيلها لاحتلال الموقع السوري الإستراتيجي.
ولكي لا نفرط في التفاؤل ، دعنا نلاحظ أن السيدة كلينتون اكتفت بدعم "معنوي " زادت عليه مساندة في مجال الاتصالات ربما تساهم في توعية الغرب والشعب اﻷمريكي وٳطلاعه على المأساة السورية. في نفس الوقت ربما "زل " لسان السيدة كلينتون وفاحت بجزء مما دار في مجالسها المغلقة حين أضافت "وكل يساعد السوريين بما يشاء ". فهل كانت وزيرة الخارجة اﻷمريكية تلمح ٳلى "فشلها" في ٳقناع السعوديين بعدم تسليح المعارضة السورية ؟
اﻷمر المهم الآخر هو الاعتراف بالمجلس الوطني السوري ، على علّاته ، كممثل شرعي ولو غير وحيد ، للشعب السوري. هذا سيفرض على هذا المجلس الارتقاء بأدائه ويفرض عليه أن يكون أكثر انفتاحاً على كل مكونات الشعب السوري. للمقارنة فقط، دعنا نتذكر كم من الزمن احتاجت الثورة الفلسطينية للحصول على اعتراف مماثل من قبل أكثر من ثمانين دولة بمنظمة التحرير والتي كان لها تمثيل أفضل للشعب الفلسطيني.
الاعتراف بالمجلس الوطني يسمح لهذا اﻷخير بطلب ٳقامة مكاتب تمثيلية لدى الدول المعترفة به والقيام بتحركات ونشاطات قانونية ومشروعة بما فيها جمع التبرعات وطلب التدخل اﻹنساني وغيره.
هذا الاعتراف له نتائج لا يستهان بها، أولها الطعن في شرعية نظام اﻷسد وفي أهليته ليمثل كافة أطياف الشعب السوري، مما يضع نهاية "للحلم الجزائري" لنظام اﻷسد الذي كان يشتهي ٳعادة سيناريو الجزائر في التسعينات. حرب أهلية دموية وطويلة تنتهي بشرعنة النظام القائم مع تعديلات طفيفة. هذا السيناريو أصبح من الماضي مع سحب الشرعية ولو جزئياً من النظام.
هذا يعني استحالة العودة ٳلى الوضع الذي كان سائداً قبل الثورة، فمن اعترف بالمجلس الوطني ممثلاً لفئة من السوريين ، سحب في نفس الوقت اعترافه بشرعية النظام اﻷسد في تمثيل كل السوريين. بكلمة أخرى، المعترفون أحرقوا مراكبهم مع نظام اﻷسد.
من أجل استعادة شرعيته، أصبح مفروضاً على النظام أن يحوز قبول المجلس الوطني السوري ! بالنتيجة ، فقد النظام السوري ورقة تشكيل حكومة وحدة وطنية صورية ولن يقبل أصدقاء الشعب السوري بالتعامل مع حكومة لا تمثيل فيها للمجلس الوطني الذي اعترفوا به.
النظام راهن على انتصاره المقبل في حرب أهلية منخفضة الشدة وفرض الاعتراف به من جديد كحكومة أمر واقع، هذا اﻷمر أصبح أكثر صعوبة وٳن لم يكن مستحيلاً فالاعتراف بالمجلس الوطني أتى من مؤتمر عالمي وبشكل جماعي وليس انفرادياً. يحتاج النظام من أجل استرداد شرعيته لمؤتمر مماثل "ﻷصدقاء اﻷسد" نعرف سلفاً أن الحاضرين له سيكونون من أعضاء محور الشر اﻹسرائيلي اﻹيراني الروسي وربما تشارك فيه الصين وفنزويلا وكوريا الشمالية...
صحيح أن نتائج المؤتمر والاعتراف بالمجلس الوطني لا ترقى لتوقعات وآمال الشعب السوري لكن مؤتمر أصدقاء الشعب السوري أخذ علماً بأن الوضع السوري بلغ نقطة اللاعودة و اعتبر أن هناك طرفين في سوريا، أحدهما النظام والآخر هو المجلس الوطني. بكلمة أخرى هناك "سوريتان" سوريا اﻷسد وسوريا الثورة وأن لا عودة للوراء.
هذه كلها أخبار سيئة للأسد.
أحمد الشامي http://www.elaphblog.com/shamblog ahmadshami29@yahoo.com
نشرت في بيروت اوبسرفر الخميس 5 نيسان 2012
http://beirutobserver.com/index.php?option=com_content&view=article&id=73895:assad&catid=39:features
التعليقات (0)