في الوقت الذي يستغيث فيه الشعب السوري الثائر بالعرب و بجامعتهم الميتة سريرياً، و بالعالم الذي تخدّر ٳحساسه تجاه منظر الدماء السورية، و باﻷمم المتحدة المكبلة بالفيتو "الكيدي" الروسي – الصيني، فبمن يستجير اﻷسد؟
أصدقاء اﻷسد المعلنون قلة، لكن داعميه المستترين كثر. أول أصدقائه العلنيين هو نظام الملالي اﻹيراني في نسخته الغوغائية النجادية، التي ترفضها قطاعات واسعة من الشعب اﻹيراني الذي يدرك أن بقاء نظام اﻷسد سيشكل نصراً لجناح متطرف في ٳيران نفسها، سيدفع اﻹيرانيون ثمنه عاجلاً أو آجلاً.
ثاني حلفاء اﻷسد هو حزب الله الذي "انتصر" على شعبه اللبناني اﻷعزل حين اجتاح بيروت بحجة حمايتها من "التغلغل" اﻹسرائيلي. هذا الحزب يحتل لبنان و يصادر قراره السياسي بقوة السلاح و بزعم محاربة العدو اﻹسرائيلي "في معركة يختار هو زمانها و مكانها" تماماً كصنوه اﻷسدي. هذا الحزب "الممانع" يشارك في سفك دماء السوريين مباشرة و بالوساطة عن طريق التحكم بالصوت العربي الوحيد في مجلس اﻷمن! اللبنانيون غير "المتفهمين" لسياسات الحزب المقاوم و لبهلوانياته السياسية يرون في ما يجري في سوريا عبرة لما قد يصيبهم ٳن هم تجاسروا على السؤال عن "معنى" المقاومة و ارتهان بلد بأكمله من أجل مزارع شبعا السورية، في حين أن صاحب الحق السوري نائم على الضيم، دون أن يحرك ساكناً في وجه المحتل الصهيوني.
هل يريد السيد نصر الله تحرير فلسطين انطلاقاً من لبنان؟ فليعلن النفير ٳذاً و ليدعو "المقاومين" من كل حدب و صوب لمشاركته في الجهاد على نمط حرب 1948. و"الله يستر" من هكذا عنتريات فارغة لن تجر سوى الكوارث.
بالطبع السيد نصر الله أذكى من أن يواجه العدو القادر على أن يرد له الصاع صاعين و أن يجتث "دولة" حزب الله مهما تخبّأ مقاتلو الحزب وراء مدنيين واقعين بين المطرقة و السندان. من اﻷسلم للسيد و لحزبه مواجهة طالبي الحرية العزّل و سفك دمائهم الطاهرة بحجة المقاومة من أن "يقاوم" فعلاً. هو بهذا يسير على درب من سبقوه من "المقاومين" الذين ابتليت بهم ملة العرب، من "حسني الزعيم" و حتى "آل اﻷسد" مروراً بأمثالهم من "صدام" و القذافي...
وصفة "المقاومة" المجربة و الناجحة على الدوام، بفضل وطنية الشعوب العربية و صدق طويتها، أصبحت معروفة. أولاً يجب تخوين كل مقاوم حقيقي و تصفية "الممانعين" منهم حتى لو كانوا من وزن "رفيق الحريري"، ثم الجهر بخطاب عنتري "مقاوماتي" ملعلع "فلا صوت يعلو على صوت المعركة" حتى دون معركة أو من يعاركون. المرحلة التالية هي مرحلة المغامرات العسكرية "المحسوبة" بمقدار فلا "يموت الذئب ولا يفنى الغنم". و يخرج منها "المقاوم" ببضعة أشبار محررة لا قيمة إستراتيجية لها، و لكن "مكبلا" بتفاهمات وقف ٳطلاق نار هي بمثابة استسلام لشروط العدو، المنتصر الحقيقي في المعركة المدبرة سلفاً، بدرجة أو بأخرى.
هكذا سمعنا مصطلحات لا معنى لها مثل "الانتصار سياسياً بعد الخسارة عسكريا!" أو "انتصرنا ﻷن العدو لم يحقق كل أهدافه..." و سيد هذه المصطلحات الجوفاء دون منازع: "انتصرنا ﻷن النظام بقي و لو ضاعت البلاد". في كل هذه الحالات، هدف هؤلاء المقاومين الوحيد هو القفز على السلطة و الاحتفاظ بها تحت أي شعار، في ظل رضاً ضمني، و احيانا دعم غير مباشر، من قبل "العدو الصهيوني"، فمن لديه أعداء من نمط نظام اﻷسد، حزب الله و حماس، لا يحتاج ﻷصدقاء.
النظام العربي الرسمي، أيضاً، لا يريد السوء ﻷسد الشام، بدليل مهله التي لا تنتهي، مثله مثل "اردوغان" ابن بازار اسطنبول، الذي "باع و اشترى" الشعب السوري و ثورته أكثر من مرة وجاءت مناوراته خاسرة على الطرفين. اردوغان أغضب النظام و المحتجين في آن معاً، لا هو عادى النظام و ساند الشعب الثائر، ولا هو قدر أن "يبلع" ٳهانات النظام و تدخله السافر في شؤون تركيا أو يرد عليها. أتت النتيجة وبالاً عليه و في النهاية جاءت تدخلات اردوغان، عملياً، في مصلحة مهادنة النظام الذي استعرض قوته و قدرته على تعكير صفو و راحة بال حكام أنقرة.
حكومة المالكي في العراق لا تجرؤ على الخروج عن طوع سيدها اﻷيراني و تمرر اﻷموال و العتاد لنظام اﻷسد دون حساب، في حين يصرح بعض رموزها بعكس ذلك، كالهاشمي الذي اعتبر "أن عهد حكم الحزب الواحد قد انتهى" ناسياً أن حكومته الطائفية تبذل الغالي و الرخيص دعماً لحكم البعث اﻷسدي، في حين تواصل "اجتثاث" البعث في العراق بعد سنوات من رحيل صدام.
يلاحظ المرء "مكره أخاك لا بطل" أن داعمي اﻷسد العلنيين كلهم من لون طائفي واحد، في حين أن "الساكتين" عنه هم من لون آخر، فهل نحن أمام اصطفاف طائفي في المنطقة، قد يعيد فتح الباب أمام حروب دينية جديدة، بعدما كانت وطأة تلك الحروب قد خفّت منذ انتهاء "غزوة صدام ضد الفرس المجوس" ونتائجها الكارثيّة على المنطقة؟ هل ينتهي اﻷمر ٳلى مواجهة بين "سنة" غالبية من جهة، و بين "شيعة" يساندهم تحالف أقليات من جهة ثانية؟
هذا السؤال يبقى ينتظر رد اللاعبين اﻷساسيين في المنطقة. من ردودهم و مواقفهم سيتبين مصير الشرق اﻷوسط كله. هذا، ربما، ما عناه اﻷسد حين تحدث عن "زلزال" مدمر في حالة حصول تدخل غربي ضد نظامه.
هل ستنخرط ٳيران في حرب مذهبية عبثية، فقط من أجل عيون اﻷسد الزرقاء؟ هل ستمنح ٳيران فرصة ذهبية لكل أعدائها و تنزلق ٳلى الجحيم، وراء أحمدي نجاد و خطابه الغوغائي، مضحية بكل ما حققه الشعب اﻹيراني منذ ثورته ضد طغيان الشاه المطابق لنظام اﻷسد؟ هل سيقهقه صدام في قبره ﻷنه "كان على حق" حين "دافع عن البوابة الشرقية للأمة ضد الخطر المجوسي"؟
ليس مستحيلاً أن يورط نجاد بلاده في حرب مجنونة، لكن في ٳيران من العقلاء و من راجحي العقل من قد يقدر على منعه من الدخول في مغامرة خاسرة لصالح نظام مكروه شعبياً في سوريا بل و لدى الشعب اﻹيراني نفسه الذي يتماهى مع مطالب السوريين في الحرية و العدالة.
من أجل تحييد ٳيران ينبغي على الثائرين في سوريا، وعلى قادتهم، التحدث مباشرة ٳلى الشعب اﻹيراني العريق، الذي لا و لن يختزل بمهرج مثل أحمدي نجاد، سيخرج من الساحة قريباً مع انتهاء فترته الرئاسية. لا بد من الاعتراف بأهمية الدور اﻹيراني و من المحافظة على الصداقة بين الشعبين السوري و اﻹيراني. شرط استمرار هذه الصداقة هو تجاوز النظام اﻷسدي و وضع حاكم طهران الحالي أمام تناقضاته و فضح تورطه في دعم نظام قمعي، دون الدخول في مهاترات فارغة من نوع "الخطر المجوسي" و ما شابه.
اللاعب الآخر في هذه المواجهة هو الحكم العنصري الصهيوني، والذي سنفرد أكثر من مقالة للحديث عن صلته و دعمه لحكم اﻷسد "الممانع و المقاوم".
هناك وجهان على اﻷقل في علاقة آل اﻷسد بٳسرائيل: الوجه اﻷول هو وجه الخطاب القومجي المقاوم و العنتريات المعروفة. الوجه الآخر هو التفاهمات المكتوبة و المضمرة بين نظامين قائمين على القمع و رفض الآخر. النظام يحتاج للخطاب المقاوم من أجل تسويق سياساته و جعلها مقبولة لدى الشعب الخائف من العسف اﻹسرائيلي. السوريون قبلوا، على مضض، بطغيان اﻷسد الذي أظهر نفسه بمظهر القادر على مواجهة ٳسرائيل و على الحد من طموحاتها أﻹقليمية. على مبدأ "ما أجبرك على المرّ؟ اﻷكثر مرارة...". بدا طغيان اﻷسد أقل مرارة من الوقوع تحت حراب المحتل الصهيوني.
ثقافة الهزيمة و الخنوع هذه، زلزلتها انتفاضات الشعب الفلسطيني المتواصلة و تطور وسائل الاتصالات، حيث شاهد السوريون أن الفلسطينيين القابعين تحت الاحتلال المباشر يتمتعون بحرية فكرية و باستقلالية أكبر مما يتمتع به السوريون تحت حراب اﻷسد، ويعانون قمعاً و سفكاً للدماء بأقل مما عانى و يعاني السوريون.
خروج ٳسرائيل من جنوب لبنان، و بقاؤها في الجولان حيث لا شعب يقاوم، ٳضافة ٳلى الفرار اﻷمريكي من العراق و قريباً من أفغانستان، تكفل كل هذا بنزع الخوف من الاحتلال الخارجي من قلوب السوريين، الذين أدركوا، ولو متأخرين، أن الاحتلال الخارجي ٳلى زوال مهما طال وأنهم خاضعون لاحتلال داخلي هو أدهى و أقسى من كل احتلال خارجي. أدرك السوريون فداحة الثمن الذي دفعوه لقاء "حماية" وهمية لا معنى لها سوى ٳدامة الذل و المهانة. كسر حاجز الخوف جاء كنتيجة حتمية ﻹدراك السوريين أن معركتهم واحدة، مع القمع و الاحتلالين الداخلي و الخارجي، و أن "الاحتلال" اﻷسدي لسوريا ما هو ٳلا وجه من وجوه الاحتلال الٳسرائيلي، العنصري و الطائفي، للمنطقة.
هل ستستمر ٳسرائيل في حماية اﻷسد، ولماذا، بعد افتضاح أكذوبة الممانعة و الصمود ؟ هل ستفعل ذلك لتجنب سقوط صواريخه عليها، بما فيها تلك المحملة برؤوس كيماوية؟ هل يفعلها اﻷسد على "مبدأ علي و على أعدائي" وما ضرّه، هو وعائلته، بعدما شاهد مصير ألقذافي؟ هل يصبح "حليف" اﻷمس عدو الغد؟ قبل اﻷسد، قام صدام بغزو الكويت، حليفته في حربه المجنونة ضد ٳيران، فهل يهاجم اﻷسد ٳسرائيل، حليفته في قمع الشعب السوري، حين تدور عليه الدوائر؟
هل يغامر النظام ٳذا و يلقي بالكرة في ملعب سيده اﻹسرائيلي؟ هل يكون "خيار شمشون" هو الملاذ اﻷخير للأسد؟ هل "سينتقم" النظام من ٳسرائيل "ﻷنها لم تحمه بما فيه الكفاية" و يدخل البلاد في حرب عبثية مدمرة "تزلزل المنطقة"؟
د أحمد الشامي فرنسا ahmadshami29@yahoo.com
http://www.elaphblog.com/shamblog
نشرت في "حريات" لعدد الثاني عشر من جريدة الثورة السورية - الاثنين 7 تشرين ثاني 2011 - رابط التحميل:
http://www.syrian-hurriyat.com/issues/Hurriyat_issue12.pdf
التعليقات (0)