تعلمت أن هنالك قاعدة علمية عامة، وهي أن يكون لديك تصور أو معادلة ما بشأن الكيفية التي يجب أن تدار بها الأمور ، وأن تعلم هذه المعادلة ليس بالأمر الهين، فهي السبيل الذي يجعل الإنسان يعرف دوماً ماذا يفعل؟ وببساطه يمكن القول: بأن معرفة تلك القاعدة مشابهة تماماً بطريقة التحكم في فأر مدرب جيداً داخل متاهة ليصل إلى قطعة الجبن!
العارف والجاهل يدرك تماماً حالة الفوضى التشريعية التي أصابت غالب المنظمات الحكومية هذه الفوضى المتعمدة، والمتعارف عليها باسم (الفوضى الخلاقة أو البناءة) والتي يعتبر أول من نادى بها (ميكافيلي) صاحب مذهب المنفعه، يطلقها أصحاب الشخصية الميكافيلية أولئك القادة التنفيذيون على مستوى المنظمة لكونها تساعدهم في رصد نقاط الضعف، وتمكنهم من اتخاذ القرارات، فهم يتميزون بسمات منها القدرة العالية على المناورة وإقناع الآخرين والتأثير عليهم، فهم ناجحون في الوظائف التي تحتوي على مواقف تفاوض، وإقناع ومقابلات، ويبرز دورهم حينما تنعدم قواعد الحكم على تصرف أو قرار معين، وحينما يمكن استخدام الحيل، والعلاقات الشخصية، وحينما تكون الظروف مهيأة للعب على المشاعر والانفعالات؛ لذا فهم مقتنعون جداً في ظروف الاتصال الشخصي المباشر مع الآخرين .
يقول شامبيتر متحدثاً عن الرأسمالية :" ليس القديم هو الذي يفرز الجديد ! بل إن إزاحته تماماً هي التي تقوم بذلك ... ويتمترس وراء الإزاحة إياها ذلك المقاول المبدع الذي يثوي خلف السلعة الجديدة !" ويتابع موضحاً " إن المنافسة الهدامة ...! هي أيضاً تدمير هدام يساهم في خلق ثورة داخل البنية الاقتصادية عبر التقويض المستمر للعناصر الشائخة والخلق المستمر للعناصر الجديدة! ".
نعود إلى حالة الفوضى التي اجتاحت منظماتنا الحكومية خلال السنوات القليلة الماضية ونقول أنها إن كانت على مستوى النموذج المصغر كمؤسسة، فهي صحية في ظاهرها؛ لأنها تفرز ثقافة جديدة تشعر جميع العاملين بأن القانون حتى وإن بدى في ظاهره جيداً إلا أنه يطبق بشكل عشوائي ! وتصبح الأمور في هذه الأحوال مقيضة تماماً، ويبرز مصطلح قوة النفوذ التي تجبر كل الأمور لصالحها الأمر الذي يجعل عنصر الرقابة والمتابعة ضعيفاً وهشًّا، حيث أن طريقة الاختيار للمنصب القيادي لا تخضع لمعيار الكفاءة، فهي تتم من خلال المحاصصة أو "حب الخشوم "! .
أقول بأن هذه الظاهرة صحية على مستوى المنظمة الصغيرة إلا أنها على مستوى الدولة خطرة جداً ، ولعلاج ذلك يعتبر القادة التحويليون أدوات للتغيير، فهم يملكون منظومة متطورة من القيم الأخلاقية، كما أنهم يمتلكون شعوراً راسخاً بالهوية ، فهم يمتلكون رؤية مستقبلية وهذه الرؤية هي نقطة محورية للقيادة التحويلية كونها تمنح القائد والمنظمة خارطة نظرية توضح الاتجاه الذي تسير نحوه قيادة المنظمة ، وتمنح هوية المنظمة المعنى وتوضحها، وتتطلب القيادة التحويلية أن يصبح القادة مهندسين اجتماعيين بمعنى أن يقومون بتوضيح القيم والأعراف الناشئة في المنظمة وينخرطون في ثقافتها ويساعدون في تشكيل معناها، فالناس بحاجة لمعرفة أدوارهم ، وإلى أن يفهموا كيف يكونون مساهمين فاعلين في الأهداف الكبرى للمنظمة .
التعليقات (0)