مواضيع اليوم

حقيقة الإسلام

عيسى رمضان

2013-04-26 21:11:03

0

     هناك شىء لا يمكن المرور عليه مر الكرام وهو أن شجرة الاسلام لها فروع كثيرة وأوراقها ليست ككل الأشجار متساوية الأحجام ومتشابهة ، بل مختلفة الأحجام والألوان ، وكذلك في الاسلام هناك تيارات متعددة تعتمد على نفس المراجع -القرآن والسنة - فيخرجوا بآراء متعددة ولها أسانيدها من القرآن والأحاديث ، فالمتطرف له من الأسانيد ما تدعمه ، والمسالم له من الأسانيد من القرآن والأحاديث ما يدعمه، وحتى الأنظمة السياسية على اختلافها وتعددها تجد مشايخ وأصحاب عمائم مشهود لهم بالمعرفة ويحملون شهادات أزهرية وأشباهها يقفون أمام الجميع ولا يشعرون بالحرج الديني ويدافعون عن نظام ملكي وراثي أو نظام ديكتاتوري عسكري أو نظام جمهوري فئوي أو عائلي ، كل هذا له أسانيد من الدين .
      فحديث واحد يقول : من رأى منكم منكرا فليقومه بيده فاٍن لم يستطع فبلسانه ، فان لم يستطع فبقلبه وهذا أضعف الاٍيمان - من هذا الحديث يخرج ثلاثة أحزاب : حزب يدعو الى العنف ، وآخر يدعو الى استخدام اللسان والكلمة ، وحزب مسالم لا يهش ولا ينش ، وهذا ضعف مؤقت سرعان ما يكشف عن وجهه بشكل أو بآخر ، من هنا كان ابن لادن على حق ، والآخرون على حق على اختلاف مواقفهم ومواقعهم الجغرافية .   
      هذه هي حقيقة الاسلام ، فشىء واحد لا خلاف عليه - هو الله واحد لا شريك له - حتى القرآن عليه بعض الخلاف حيث قال أحد المشايخ السنة أن الشيعة لهم قرآن به آيات تختلف عن ما هو موجود عند أهل السنه ، والأحاديث هناك خلاف شديد عليها بداية ونهايه . فاٍني أستغرب من مسلم مسالم يلوم العنيف على عنفه المسنود من الدين . وأستغرب من العنيف الذي يلوم المسالم الذي يدعو بالحكمة والموعظة الحسنة ولا يحمل السيف ويقاتل الآخرين ويفجر نفسه في الأسواق ، فكل الألوان مقبولة دينيا في الاسلام ، وتجد لها من النصوص الدينية ما يبررها . فعلى الجميع عربي ، أجنبي ،مسلم أو مسيحي ، في كل القارات أن يدرك أن هذا هو الاٍسلام دون تجني ، فمنه تخرج كل المشارب السياسية والسلوكية العنيفة والهادئة ، وأي موقف يجب أن يبدأ من خلال هذا الفهم ، أما القول أن الاٍسلام هادىء كليا ، فهذا خطأ ، والقول أن الاٍسلام عنيف كليا فهذا خطأ ، فمنه تنبع مواقف متعددة لا يمكن أن يجمعها جامع مذهبي ، فكري وسلوكي واحد .
  ولكن لماذا الاسلام هكذا " حمال أوجه " ويسير مع كل الاحتمالات ويبرر كل المواقف مهما بدت متعارضة ؟
       ذلك لأن الاسلام لديه مفهوم احادي الجانب للمثل العليا : الحق والخير والجمال .
       فمقياس الحقيقة عند الاسلام هي ما ورد في " النصوص " من السلف وكتب الميراث المقدس ، وليس مطابقة الواقع وتبعيات الحدث البعيدة والقريبة وأثرها على المجتمع وتماسكه الاجتماعي وتطوره العلمي .
       كذلك ينظر الاسلام الى مفهوم الخير بطريقة جزئية مرتبطة بمصلحة المسلم الفردية وليس مصلحة المجتمع ككل ، أو البلد كوطن واحد يشمل الجميع بغض النظر عن الدين والجنس واللون .
   كذلك نرى عند المسلم مفهوما للجمال مرتبط بتصورات منبثقة من النصوص اعتبرها من المسلمات التي تصلح لكل زمان ومكان ، وبالتالي يجب أن يفرضها على المجتمع ، ولو أدى ذلك لاستعمال القوة وقتل أعدادا لا تحصى من الناس .
   ويتولد من عباءة هذه المفاهيم الكثير من الفتاوي التي تجعل المسلم في حالة عداء مع العصر والحضارة ماديا وثقافيا وسلوكيا .
   ومن الناحية السلوكية فإن الأيديولوجية الدينية تجعل الشخص ذو بعد واحد وليس من السهولة مغادرته .، أو كما قال أحد المفكرين " الإنسان المتدين هو حيوان مخدر " ونضيف مخدرا في هدوءه وفي عنفه ، في هدوءه يتوحد مع التوكل والتواكل ،وادماج وعيه مع الغيب ، ووعود الغيب ، وفي عنفه يفقد عقله الأخلاقي والاٍنساني ولا يتعدى سلوكه العنفوي حيوان مفترس يطارد فريسته ، فهي أمامه هدف ولا يهمه شيء بعد ذلك من وازع أخلاقي أو انساني أو حضاري ...
        ولتوضيح ذلك أكثر نقول أنك لو جاورت شخص ورأيت أنه مرة يرتدي ملابس شتوية ثقيلة في عز الصيف ، ومرة يرتدي ملابس صيفية في الشتاء ، ومرة يجلس ويضع أمامه مائدة على قارعة الطريق ، ومرة تجده يصرخ ومرة تجده صامت . ماذا لو سألك أحد الناس عنه ؟ ستقول عنه أنه فاقدا للتوازن العقلي . وليس لديه مقياس للصواب والخطأ .
، وكذلك الدين الاسلامي لا نجد لديه مقياس علمي للحقيقة ، لهذا نجده - حمال أوجه - فنجد المسلمين في كل العالم تختلف ردود أفعالهم وآرائهم حول في كل شيء ، فهذا عنيف وهذا مسالم وهذا قنوع وهذا شره ، وهذا يؤيد التخلف وهذا يحاول نزع نفسه من التخلف . وهذا يؤيد هذا الملك ، وذاك يعارضه ، وهذا يؤيد التفجيرات في الأسواق ، وذاك يعارضها ، ويورد لك من الآيات والأحاديث ما يدعم موقفه . وهناك من يقول أن هذا التنوع شيء ايجابي .
  ولكن ما سبب هذا الاختلاف ؟
      هناك من يقول أن هذا الاختلاف سببه الخلاف حول تفسير الآيات أو الأحاديث ، فإن لآيات القرآن ظاهر وباطن . ورأينا أن ليس هذا هو السبب الرئيسي ، انه سبب شكلي لتبرير التنوع والتشتت والعدائية بين الفِرق والأحزاب التي تخرج من تحت عباءة الاسلام .
    إن السبب الرئيسي هو فقدان المعيار العلمي للحقيقة وللمثل العليا السامية التي يطمح الانسان اليها وهي : الحق والخير والجمال .ومن يفتقد هذا المعيار لا يستطيع أن يبني مجتمعا سليما ويقضي على الجهل والمرض والفقر والتشتت والفرقة  مهما كان عدد أتباع أي دين ، حيث الكثرة العددية لا تحدد معنى الحقيقة  ، ولا تُعتبر معيارا للصواب والخطأ .
     ونحن هنا لا نريد اثبات صحة أو خطأ معتقد ما ، بل المهم أن يعرف المنتسب لهذا المعتقد أو ذاك الدين أن دينه هو هكذا ، وهذه هي حقيقة دينه .    
    وكذلك المسلم يجب عليه أن يعرف حقيقة دينه الاسلام وأنه دين - حمال أوجه - وليس به مقياس علمي للحقيقة وبالتالي لا يستطيع المسلم أن يفرق بين الحقيقة والخرافة وبالتالي ستعشش التأويلات والفتاوي والأساطير في التاريخ الديني ويصبح المسلم مُلزم بتصديقها والايمان بها وتصبح جزءا من الميراث المقدس .
    ومن عباءة الدين الاسلامي يخرج علينا  كل يوم مشايخ وأئمة وخريجين أزهريين بفتاوٍ وتأويلات متنوعة وكثيرا ما تثير الغرابة ، والمسلم مُلزم بأن يتبع هذه الفتاوي وعليه أن يتداولها بوصفها فتاوي مقدسة ، ويجب عليه أن يتأقلم ويتكيف في سلوكه معها .
   واذا تمعنت فيما يقوله الأئمة والمشايخ ، فستجده جميلا ومقبولا من العامة والبسطاء ، ويدل على التفقه في الدين والتقوى والصلاح . ولكن اذا رفعت الغطاء عن أفعالهم وكشفت المستور رأيت أن هناك فرقا شاسعا بين الأقوال والأفعال خاصة في قضايا المرأة والمال والعلاقة مع الحاكم ، وذوي المراكز والأغنياء . وهذا يعني أن هناك شيء غلط في نسبة توافق أقوالهم مع أفعالهم  وأنهم يقولون ما لا يؤمنوا به ، وانما لشيء في نفس يعقوب  ، وكأن لسان حالهم يقول  :  " خذوا بأقوالنا ولا تأخذوا بأفعالنا  " .
     يقول رينيه ديكارت  "عليكَ .. لكي تعرُف ما يُفَكِر فيه الناس حقاً .. أن تنتبِه الى ما يفعلونه لا ما يقولونه  " .
     لهذا يجب على المسلم أن يعرف حقيقة ما يؤمن به . والسؤال : هل يقبل انسان عاقل وعصري أن يعتقد ويصدق أية مقولات وفتاوي تتعارض مع العلم والحياة العصرية مثل العلاج ببول البعير ومفاخذة الطفلة وأن مثلث برمودا مملكة الشيطان وأن الشهب تحرق الشياطين ،  وأن عظام  الجنين تنمو أولا ثم تُكسى لحما ، وأن آدم طوله ستون ذراعا ... الخ

                  اذا كان المسلم يقبل بهذا فهو حر بذلك الايمان وعليه أن يكون بدراية كاملة وبوعي كامل
             أنه هو هكذا ، ولا يحاول فرض ايمانه هذا على غيره ، وعليه أن يترك الحرية للآخرين أن
              يؤمنوا بما  يريدون ولو أنه يعتقد أنهم على خطأ . فهو مثلا يرى أن أتباع المسيح أو بوذا
              مخطئين ولا يؤمن بالمسيحية ولا البوذية ، وبالمقابل فهم ينظرون الى الاسلام أنه على خطأ
              ولا يؤمنوا  به .
      ان بداية القرن الحادي والعشرين أعطت ، بل ورسخت فكرة أن شعوب الشرق مصابة بالإدمان الديني ، والنصف الثاني من القرن الحادي والعشرين سيكشف أنها تعيش حالة من الاٍنتشاء الديني وهذا يجعلها خارج المسار الحضاري الاٍنساني وستظل تعيش حالة ردة حضارية وفكرية وتنظيمية ، وستبقى كذلك الى أن تصل الى حالة اليأس من الحلول والفتاوي التي يعرضها الأئمة ووعاظ السلاطين ..
 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !