مواضيع اليوم

حديث عن العشق والحب

سلطان الحربي

2021-07-15 19:32:27

0

في تلك الليلة أرسلت رسالة صوتية بصوتها تقول فيها: حدثني عن الحب والعشق والهيام، خلت نفسي أباً لفتاة مشاغبة تريد من والدها أن يتمرد على عرف سائد يحمل في معناه قسوة الماضي حيث كان يمنع الحديث عنه أو البوح به ناهيك عن الجهر به والإعلان عنه.

أجبتها: الحب هو كل شيء في الوجود.

لكن سأتناول معك الجانب الذي تستهدفينه ولكن بأسلوب علمي نوعاً ما فهذا أقرب للعقل منه إلى القلب منها نحصل على ثراءٍ معرفي ورصيد ثقافي لنا الاثنين معاً، الحب يا سيدتي ظاهرة وجدانية وعاطفة إنسانية نبيلة شغلت ولا تزال تشغل باستمرار حياة الأفراد، ورغم أن هذا قد شغل اهتمام المفكرين والفلاسفة في الإسلام بمسائل الحب؛ إلا أنَّ الحديث عن مثل هذه القضايا لا يزال قليلاً في مجتمعنا الاسلامي مع وروده في القرآن في أكثر من ثلاثة وتسعين موضعاُ لتوضيح أبعاده وأشكاله، ومن الكتابات النظرية التي تناولت هذا الجانب أُورد لك رأي ابن حزم في كتابه "طوق الحمامة" فقد جمع بين فنين جميلين الفلسفة من جهة، والتحليل النفسي لهذه الظاهرة من جهة أخرى.

 لقد عاش ابن حزم في طبيعة خلابة فاتنة تسحر الألباب كما يقولون عنها أنها مرتع الجمال العجيب في طبيعته وأهله انعكس عليهم فأصبحوا مرهفي الحس يغلب على نساءه طابع الرقة ورهافة الحس، ولعل أكبر شاهد على ذلك هو كتابه ذائع الصيت " طوق الحمامة" الاسم بحد ذاته يوحي بدلالات عميقة في الذات الانسانية.

الله كلامك عميق قالتها برسالة صوتيه، لا أعلم لماذا لا يكون الحديث باتصال لكن مثل هذه الرسائل تجعل المرء يتأمل فيما سيقوله أو سيتحدث عنه.

لقد جمع ابن حزم في كتابه بين التأمل العقلي والاستبطان الذاتي فطوق الحمامة من يسبر أغوار فكره فيه يجد أنه يبحر أيما ابحار في أجواء روحه السامية كتب ابن حزم في ضبط ماهية الحب " لقد اختلف الناس في ماهيته وقالوا وأطالوا، والذي أذهب إليه أنه اتصال بين أجزاء النفوس المقسومة في هذه الخليقة في أصل عنصرها الرفيع"، ويرى أفلاطون أن الأرواح إذا تطابقت تعانقت.

الحب في نظر ابن حزم يختلف تماماً عما يقوله الشعراء أو حتى الفلاسفة كأفلاطون الذي يقوم على مبدأ التأمل فقط؛ أما ابن حزم فمنهجه في الحب قائم على خبراته ومعايشته اللصيقة له وناجم عن تحليل نفسي حيث يقول " إني ألفت في أيام صباي ألفة المحبة لجارية لأقاربي، وكانت غاية في حسن وجهها وعقلها وعفافها وطهارتها..." فهذا أسلوب اسقاط استند على معنى التداعي الحر، الحب السامي يا سيدتي هو شيء اضطراري لا اختياري يبعثه الجمال في القلب الكامل والنفس الزكية. يقول ابن حزم في هذا الشأن " النفس تولع بكل شيء حسن؛ فإن ميزت وراءها شيئاً من أشكالها اتصلت وصحّت المحبة الحقيقية، وإن لم تميِّز وراءها شيئاً من أشكالها لم يتجاوز حبها تلك الصورة، وتلك هي الشهوة" لقد أفاض ابن حزم في الحديث عن أعراض وعلامات الحب كمحاولة كتمانه رغم الاضطراب الذي يبدو على المحب وفرط الغيرة وسوء الظن واللوعة المنبثقة من صبابة العاشقين وانسياق المحب وراء تتبع أخبار المحبين، فيؤدي ذلك إلى تقلبات حادة في مزاج المحب، فتجدينه في بعض الأحيان حزيناً مكتئباً متشائماً؛ وتارة تجدينه مستبشراً ومنتشيًا، وهذا ما يطلق عليه اكتئاب ثنائي القطب، وغالباً ما تؤدي التجارب العاطفية إلى هذا المرض النفسي، وقد يصل به الحال إلى الهيام فتجدينه يضطرب نفسياً إلى حد أن يصل به الأمر إلى الفشل في تمييز واقعه، فتنخفض بذلك قدرته على التعبير العاطفي، وتنعدم لديه الإرادة، وقد يصل به الأمر إلى حدوث لوثة فكرية تسمى بالفصام نتيجة تجاربه الفاشلة في الحياة العاطفية في أغلب الأحيان، وسوف نأتي على ذلك لاحقاً إن شئتِ الاستزادة فسأسوق لك بعض الأدلة على ذلك في وقتها.

هل تعلمين أن ابن حزم كان نصيراً للمرأة، لقد قسَّم ابن حزم مراحل العشق من خلال معايشته لواقعه إلى خمسة مراحل كل مرحلة تأخذ شكلاً تطورياً فتبدأ بالنمو وتظهر ملامحها على صاحبها، وما هي تلك المراحل قالتها بلهفة، فصِّلها لي إذا أمكنك ذلك.

أجبتها بابتسامة صفراء: وكيف لي أن أتعايش مع تلك المراحل ألا تعلمين بأن المسلوب لا يكون واهباً! سأحاول أن أذكرها لك بما يسعفني من منثور القول ومنظومه، وأرجو أن تعفيني من الغوص في أعماق النفس البشرية، فذاكرتي الضعيفة تعجز عن تذكر كل ما وقعت عليه عيناني إبان تجولي في رياض البيان، هل تتعهدي لي بعدم مشاكستي بأسئلة تقطع عليَّ حبل أفكاري، أبشر ولا يهمك ما طلبت شيء بس كذا... تامر أمر، لكن حبيت أنبهك على أمر مهم وهو أنك قد مارست جلد الذات وهذه من أعظم الجرائم التي لا يعاقب عليها القانون!

انتبهت لخطأي الذي وقعت فيه واعتذر لك يا سيدتي وأثمّن لك حسن انتباهك.

يرى ابن حزم أن الحب أوله هزل وآخره جد فدقَّت معانيه عن أن توصف فلا تدرك حقيقتها إلّا بالمعاناة، وكل أجناس الحب التي تقوم على المنافع الحسية سرعان ما تزول وتنقضي بانقضاء عللها إلّا محبة العشق الصحيح المتمكن في النفس فهي لا فناء لها إلّا بالموت.

وسئل أَبو العباس أَحمد بن يحيى عن الحُبِّ والعِشْقِ: أَيّهما أَحمد؟ فقال: الحُب لأن العِشْقَ فيه إِفراط، وسمي العاشِقُ عاشِقًا لأَنه يَذْبُلُ من شدة الهوى كما تَذْبُل العَشَقَةُ إِذا قطعت، والعَشَقَةُ: شجرة تَخْضَرُّ ثم تَدِقُّ وتَصْفَرُّ؛

إذن؛ فابن حزم يقسم الحب إلى مراحل تبدأ بالاستحسان وتنتهي بالشغف ففي المرحلة الأولى يستحسن المحب كل ما يقوله المحبوب، وهي قريبه من الصداقة فيكون التقارب وتتشكل فيها حالة من الانبهار فالرجل ينبهر بالشخصية القوية حتى لو لم تقع عيناه عليها؛ فقط يكفيه من ذلك حديثها وجرأتها المشوبة ببعض الحياء، مع الوقت ينتقل هذا الحب إلى مرحلة متقدمة تسمى بالإعجاب، لكنها عادة ما تكون مصحوبة ببعض الحذر ومرحلة اللايقين، فالمحب يدرك بأن هناك انجذاب من نوع ما لكنه لا يعرف حجم هذا الانجذاب، ولا يستطيع التكهن بأنه ستكون هناك علاقة جديّة لكن في نظري أنه من خلال معرفة الأبراج يمكن السيطرة على الوضع فعلى سبيل المثال كان المحبوب من مواليد برج السرطان فاستناداً على رأي الخبراء أن هذا صاحب هذا البرج يكون هو المعجب الأول افتراضياً فكل نشاط يقوم به المحبوب يحظى باهتمام المحب لكنهم يرجحون أن برج السرطان يخشى من الانفتاح على الآخر وبالتالي يتطلب فإن مسألة الاعجاب تأخذ وقتاً طويلاً لديه، مثال آخر لو كان المحبوب من مواليد برج العذراء سيكون الأمر مرتبطاً بما لديها من معايير تقترب إلى الخرافية فهي تهتم لأمرك وتسعى لأن يكون المحب على قناعة تامة بأنها معجبة به، وهكذا الحال مع بقية الأبراج.

تأتي بعد ذلك مرحلة الألفة ورفع الكلفة وتطوير مشاعر المودة وصولاً إلى التوافق مع هذا الاخر ومشاركته في التفكير والانجاز والتخطيط وفي هذه المرحلة يقول الأولون إذا اكتملت الألفة ذهبت الكلفة، ثم تأتي مرحلة العشق وفي هذه المرحلة يغلب عليها أن تأخذ مساراً آخراً حيث ينشغل البال ثم تتطور العلاقة إلى أن تصل إلى مرحلة الشغف والتي قد يصل الأمر بالمحب أن ينقطع عن الطعام والشراب ويضطرب لديه النوم، ويرى الدكتور طارق الحبيب أن على الإنسان ألا يصل إلى المرحلة الأخيرة حتى يتأكد بأن المحبوب يستحق ذلك لأن العودة بعد أن تصل لهذه المرحلة ولو اكتشفت أن المحبوب غير مناسب ولا يستحق ذلك ستكون مستحيلة!

يرى بعض علماء النفس أن المرء إن كان في مراحل الحب الأولى ويشعر بأنه غير متزن عقليا، فهذا طبيعي، فهو تحت تأثير الهرمونات التي تجعله يشع بالنشوة والخطر والتهديد والإرهاق في وقت واحد، وهو ما نسميه الوقوع في الحب،
يتلاشى هذا الشعور بالتهديد كلما تحسّنت وتوطدت العلاقة بين الطرفين، وعندما تتأكد بأنه لن يتم التخلي عنك، وأن هذا الارتباط لن يؤذيك، يتطلب هذا الأمر وقتاً لتبنى الثقة بين الطرفين، لذا من الطبيعي أن تشعر بالقلق وعدم الأمان في بداية الشعور بالحب، وقد يخلق دماغك لك قصصاً درامية و مشاكل عاطفية تجعلك تشعر بعدم الأمان


يقول شمس التبريزي: “حياتك حافلة، مليئة، كاملة، أو هكذا يخيل إليك، حتى يظهر فيها شخص يجعلك تدرك ما كنت تفتقده طوال هذا الوقت تماماً مثل مرآة تعكس الغائب لا الحاضر، تريك الفراغ في روحك، الفراغ الذي كنت تقاوم رؤيته.”

لقد انتهينا من محاضرة هذا المساء سأختم لك مستشهداً ببعض ما يحضرني من قصص تروى أو أبيات شعر تحضرني يقول المتنبي:

أَرَقٌ عَلى أَرَقٍ وَمِثلِيَ يَأرَقُ                                    وَجَوىً يَزيدُ وَعَبرَةٌ تَتَرَقرَقُ

جُهدُ الصَبابَةِ أَن تَكونَ كَما أَرى                          عَينٌ مُسَهَّدَةٌ وَقَلبٌ يَخفِقُ

ما لاحَ بَرقٌ أَو تَرَنَّمَ طائِرٌ                                       إِلّا اِنثَنَيتُ وَلي فُؤادٌ شَيِّقُ

جَرَّبتُ مِن نارِ الهَوى ما تَنطَفي                           نارُ الغَضى وَتَكِلُّ عَمّا تُحرِقُ

وَعَذَلتُ أَهلَ العِشقِ حَتّى ذُقتُهُ                           فَعَجِبتُ كَيفَ يَموتُ مَن لا يَعشَقُ

وَعَذَرتُهُم وَعَرَفتُ ذَنبِيَ أَنَّني                                  عَيَّرتُهُم فَلَقيتُ فيهِ ما لَقوا

ويقول مجنون ليلي:

كتمت جنوني وهو في القلب كامن     فلما استوى والحب أعلنه الحب

ويقول شاعر معاصر" مقرن العضياني" في وصف محبوبته

أقبلت كالشمس بالشكل العمودي                     نورها يجهر عليه الكون كله

كل ما مرت على شاعر سعودي                           صب من شعره لها فنجال دله

سأترك لك حرية اختيار المرحلة التي وصلوا لها من الهيام، أما من حيث القصص فقد كان مجنون ليلى قد وصل كما يقول عنه المنفلوطي إلى مرحلة أنه يجلس في جنبات الحي منفرداً عارياً مذهوب اللُّب مشترك العقل يهذي ويخطط في الأرض ويلعب بالتراب يمر بديارها يقبل جدران حيِّها قال مترنماً :

أمرُّ على الديار ديار ليلى                أقبل ذا الجدار وذا الجدار

وما حب الديار شغفن قلبي         ولكن حب من سكن الديار

وبقي على هذا الحال هائم بحبها يأكل ما ينبت من بقل في الصحراء ويشرب مع الظباء إذا وردت مناهلها حتى هلك في أرض مقعرة مغبرة بين الصخور والأحجار.

ومن القصص التي أوردها لك شقاء قيس بلبنى بعد أن طلقها برًا بوالده ونزولا على حكمه حتى ذهب الحب به كل مذهب فهلك بين الوفاء للفضيلة والوفاء للحب.

أما قصة جميل وبثينة فقد عاتبه أباه عتاباً شديداً على حبه الشديد لها، فرد عليه: يا أبتِ هل رأيت قبلي أحداً استطاع أن يدفع عن قلبه هواه، والله لو أنني أستطيع أن أمحو ذكرها من قلبي لفعلت، ولكن لا سبيل إلى ذلك، وإنما هو بلاء ابتليت به!

وأختم لك بهذه القصة التي تعكس شقاء من يصلون لمرحلة الشغف إنها قصة عروة بن حرام وعفراء بنت عقال ومناصبة الدهر لهما وتقتطع الأسباب بينهما حتى أصبحت زوجاً لغيره حتى أصبح بعدها هائماً مختبلاً يرمي بنفسه المرامي، ويقذف بها في فجاج الأرض حتى بلغ منزلها ذات يوم فتنكر حتى زارها، وكان يظن أن زوجها لا يعلم ما كان بينهما فلما اعتلم أنه يعرف حقيقته وأنه على ذلك لا يتهمه ولا يتنكر له وأحسن ضيافته، فعزم على الانصراف حياء منه وقال لها: ياعفراء، أنتِ حظي من هذه الدنيا وقد ذهبت دنياي بذهابك فما قيمة العيش من بعدك، وقد أحسن هذا الرجل ضيافتي واحتمل لي ما لا يحتمله أحد لأحد حتى استحييت منه، وإني عالم أني راحل إلى منيتي، وما زال يبكي وتبكي حتى انصرف، وكانت قد زودته بخمار لها فسقط عاماً كاملا لا يتكلم مع أحد فكان إذا أغمي عليه يدس أنفه في خمارها فيفيق وعندما سئل عن ذلك أنشد قائلاً

كأنّ قطاة علقت بجناحها    على كبدي من شدة الخفقان

وظل كذلك حتى مات فلما بلغ خبره محبوبته استأذنت زوجها في أن تندب ابن عمها وتقيم له مأتماً فظلت تندبه ثلاثة أيام حتى اقتفت أثره في يومها الرابع.


حديث عن العشق والحب

في تلك الليلة أرسلت رسالة صوتية بصوتها تقول فيها: حدثني عن الحب والعشق والهيام، خلت نفسي أباً لفتاة مشاغبة تريد من والدها أن يتمرد على عرف سائد يحمل في معناه قسوة الماضي حيث كان يمنع الحديث عنه أو البوح به ناهيك عن الجهر به والإعلان عنه.

أجبتها: الحب هو كل شيء في الوجود.

لكن سأتناول معك الجانب الذي تستهدفينه ولكن بأسلوب علمي نوعاً ما فهذا أقرب للعقل منه إلى القلب منها نحصل على ثراءٍ معرفي ورصيد ثقافي لنا الاثنين معاً، الحب يا سيدتي ظاهرة وجدانية وعاطفة إنسانية نبيلة شغلت ولا تزال تشغل باستمرار حياة الأفراد، ورغم أن هذا قد شغل اهتمام المفكرين والفلاسفة في الإسلام بمسائل الحب؛ إلا أنَّ الحديث عن مثل هذه القضايا لا يزال قليلاً في مجتمعنا الاسلامي مع وروده في القرآن في أكثر من ثلاثة وتسعين موضعاُ لتوضيح أبعاده وأشكاله، ومن الكتابات النظرية التي تناولت هذا الجانب أُورد لك رأي ابن حزم في كتابه "طوق الحمامة" فقد جمع بين فنين جميلين الفلسفة من جهة، والتحليل النفسي لهذه الظاهرة من جهة أخرى.

 لقد عاش ابن حزم في طبيعة خلابة فاتنة تسحر الألباب كما يقولون عنها أنها مرتع الجمال العجيب في طبيعته وأهله انعكس عليهم فأصبحوا مرهفي الحس يغلب على نساءه طابع الرقة ورهافة الحس، ولعل أكبر شاهد على ذلك هو كتابه ذائع الصيت " طوق الحمامة" الاسم بحد ذاته يوحي بدلالات عميقة في الذات الانسانية.

الله كلامك عميق قالتها برسالة صوتيه، لا أعلم لماذا لا يكون الحديث باتصال لكن مثل هذه الرسائل تجعل المرء يتأمل فيما سيقوله أو سيتحدث عنه.

لقد جمع ابن حزم في كتابه بين التأمل العقلي والاستبطان الذاتي فطوق الحمامة من يسبر أغوار فكره فيه يجد أنه يبحر أيما ابحار في أجواء روحه السامية كتب ابن حزم في ضبط ماهية الحب " لقد اختلف الناس في ماهيته وقالوا وأطالوا، والذي أذهب إليه أنه اتصال بين أجزاء النفوس المقسومة في هذه الخليقة في أصل عنصرها الرفيع"، ويرى أفلاطون أن الأرواح إذا تطابقت تعانقت.

الحب في نظر ابن حزم يختلف تماماً عما يقوله الشعراء أو حتى الفلاسفة كأفلاطون الذي يقوم على مبدأ التأمل فقط؛ أما ابن حزم فمنهجه في الحب قائم على خبراته ومعايشته اللصيقة له وناجم عن تحليل نفسي حيث يقول " إني ألفت في أيام صباي ألفة المحبة لجارية لأقاربي، وكانت غاية في حسن وجهها وعقلها وعفافها وطهارتها..." فهذا أسلوب اسقاط استند على معنى التداعي الحر، الحب السامي يا سيدتي هو شيء اضطراري لا اختياري يبعثه الجمال في القلب الكامل والنفس الزكية. يقول ابن حزم في هذا الشأن " النفس تولع بكل شيء حسن؛ فإن ميزت وراءها شيئاً من أشكالها اتصلت وصحّت المحبة الحقيقية، وإن لم تميِّز وراءها شيئاً من أشكالها لم يتجاوز حبها تلك الصورة، وتلك هي الشهوة" لقد أفاض ابن حزم في الحديث عن أعراض وعلامات الحب كمحاولة كتمانه رغم الاضطراب الذي يبدو على المحب وفرط الغيرة وسوء الظن واللوعة المنبثقة من صبابة العاشقين وانسياق المحب وراء تتبع أخبار المحبين، فيؤدي ذلك إلى تقلبات حادة في مزاج المحب، فتجدينه في بعض الأحيان حزيناً مكتئباً متشائماً؛ وتارة تجدينه مستبشراً ومنتشيًا، وهذا ما يطلق عليه اكتئاب ثنائي القطب، وغالباً ما تؤدي التجارب العاطفية إلى هذا المرض النفسي، وقد يصل به الحال إلى الهيام فتجدينه يضطرب نفسياً إلى حد أن يصل به الأمر إلى الفشل في تمييز واقعه، فتنخفض بذلك قدرته على التعبير العاطفي، وتنعدم لديه الإرادة، وقد يصل به الأمر إلى حدوث لوثة فكرية تسمى بالفصام نتيجة تجاربه الفاشلة في الحياة العاطفية في أغلب الأحيان، وسوف نأتي على ذلك لاحقاً إن شئتِ الاستزادة فسأسوق لك بعض الأدلة على ذلك في وقتها.

هل تعلمين أن ابن حزم كان نصيراً للمرأة، لقد قسَّم ابن حزم مراحل العشق من خلال معايشته لواقعه إلى خمسة مراحل كل مرحلة تأخذ شكلاً تطورياً فتبدأ بالنمو وتظهر ملامحها على صاحبها، وما هي تلك المراحل قالتها بلهفة، فصِّلها لي إذا أمكنك ذلك.

أجبتها بابتسامة صفراء: وكيف لي أن أتعايش مع تلك المراحل ألا تعلمين بأن المسلوب لا يكون واهباً! سأحاول أن أذكرها لك بما يسعفني من منثور القول ومنظومه، وأرجو أن تعفيني من الغوص في أعماق النفس البشرية، فذاكرتي الضعيفة تعجز عن تذكر كل ما وقعت عليه عيناني إبان تجولي في رياض البيان، هل تتعهدي لي بعدم مشاكستي بأسئلة تقطع عليَّ حبل أفكاري، أبشر ولا يهمك ما طلبت شيء بس كذا... تامر أمر، لكن حبيت أنبهك على أمر مهم وهو أنك قد مارست جلد الذات وهذه من أعظم الجرائم التي لا يعاقب عليها القانون!

انتبهت لخطأي الذي وقعت فيه واعتذر لك يا سيدتي وأثمّن لك حسن انتباهك.

يرى ابن حزم أن الحب أوله هزل وآخره جد فدقَّت معانيه عن أن توصف فلا تدرك حقيقتها إلّا بالمعاناة، وكل أجناس الحب التي تقوم على المنافع الحسية سرعان ما تزول وتنقضي بانقضاء عللها إلّا محبة العشق الصحيح المتمكن في النفس فهي لا فناء لها إلّا بالموت.

وسئل أَبو العباس أَحمد بن يحيى عن الحُبِّ والعِشْقِ: أَيّهما أَحمد؟ فقال: الحُب لأن العِشْقَ فيه إِفراط، وسمي العاشِقُ عاشِقًا لأَنه يَذْبُلُ من شدة الهوى كما تَذْبُل العَشَقَةُ إِذا قطعت، والعَشَقَةُ: شجرة تَخْضَرُّ ثم تَدِقُّ وتَصْفَرُّ؛

إذن؛ فابن حزم يقسم الحب إلى مراحل تبدأ بالاستحسان وتنتهي بالشغف ففي المرحلة الأولى يستحسن المحب كل ما يقوله المحبوب، وهي قريبه من الصداقة فيكون التقارب وتتشكل فيها حالة من الانبهار فالرجل ينبهر بالشخصية القوية حتى لو لم تقع عيناه عليها؛ فقط يكفيه من ذلك حديثها وجرأتها المشوبة ببعض الحياء، مع الوقت ينتقل هذا الحب إلى مرحلة متقدمة تسمى بالإعجاب، لكنها عادة ما تكون مصحوبة ببعض الحذر ومرحلة اللايقين، فالمحب يدرك بأن هناك انجذاب من نوع ما لكنه لا يعرف حجم هذا الانجذاب، ولا يستطيع التكهن بأنه ستكون هناك علاقة جديّة لكن في نظري أنه من خلال معرفة الأبراج يمكن السيطرة على الوضع فعلى سبيل المثال كان المحبوب من مواليد برج السرطان فاستناداً على رأي الخبراء أن هذا صاحب هذا البرج يكون هو المعجب الأول افتراضياً فكل نشاط يقوم به المحبوب يحظى باهتمام المحب لكنهم يرجحون أن برج السرطان يخشى من الانفتاح على الآخر وبالتالي يتطلب فإن مسألة الاعجاب تأخذ وقتاً طويلاً لديه، مثال آخر لو كان المحبوب من مواليد برج العذراء سيكون الأمر مرتبطاً بما لديها من معايير تقترب إلى الخرافية فهي تهتم لأمرك وتسعى لأن يكون المحب على قناعة تامة بأنها معجبة به، وهكذا الحال مع بقية الأبراج.

تأتي بعد ذلك مرحلة الألفة ورفع الكلفة وتطوير مشاعر المودة وصولاً إلى التوافق مع هذا الاخر ومشاركته في التفكير والانجاز والتخطيط وفي هذه المرحلة يقول الأولون إذا اكتملت الألفة ذهبت الكلفة، ثم تأتي مرحلة العشق وفي هذه المرحلة يغلب عليها أن تأخذ مساراً آخراً حيث ينشغل البال ثم تتطور العلاقة إلى أن تصل إلى مرحلة الشغف والتي قد يصل الأمر بالمحب أن ينقطع عن الطعام والشراب ويضطرب لديه النوم، ويرى الدكتور طارق الحبيب أن على الإنسان ألا يصل إلى المرحلة الأخيرة حتى يتأكد بأن المحبوب يستحق ذلك لأن العودة بعد أن تصل لهذه المرحلة ولو اكتشفت أن المحبوب غير مناسب ولا يستحق ذلك ستكون مستحيلة!

يرى بعض علماء النفس أن المرء إن كان في مراحل الحب الأولى ويشعر بأنه غير متزن عقليا، فهذا طبيعي، فهو تحت تأثير الهرمونات التي تجعله يشع بالنشوة والخطر والتهديد والإرهاق في وقت واحد، وهو ما نسميه الوقوع في الحب،
يتلاشى هذا الشعور بالتهديد كلما تحسّنت وتوطدت العلاقة بين الطرفين، وعندما تتأكد بأنه لن يتم التخلي عنك، وأن هذا الارتباط لن يؤذيك، يتطلب هذا الأمر وقتاً لتبنى الثقة بين الطرفين، لذا من الطبيعي أن تشعر بالقلق وعدم الأمان في بداية الشعور بالحب، وقد يخلق دماغك لك قصصاً درامية و مشاكل عاطفية تجعلك تشعر بعدم الأمان


يقول شمس التبريزي: “حياتك حافلة، مليئة، كاملة، أو هكذا يخيل إليك، حتى يظهر فيها شخص يجعلك تدرك ما كنت تفتقده طوال هذا الوقت تماماً مثل مرآة تعكس الغائب لا الحاضر، تريك الفراغ في روحك، الفراغ الذي كنت تقاوم رؤيته.”

لقد انتهينا من محاضرة هذا المساء سأختم لك مستشهداً ببعض ما يحضرني من قصص تروى أو أبيات شعر تحضرني يقول المتنبي:

أَرَقٌ عَلى أَرَقٍ وَمِثلِيَ يَأرَقُ                                    وَجَوىً يَزيدُ وَعَبرَةٌ تَتَرَقرَقُ

جُهدُ الصَبابَةِ أَن تَكونَ كَما أَرى                          عَينٌ مُسَهَّدَةٌ وَقَلبٌ يَخفِقُ

ما لاحَ بَرقٌ أَو تَرَنَّمَ طائِرٌ                                       إِلّا اِنثَنَيتُ وَلي فُؤادٌ شَيِّقُ

جَرَّبتُ مِن نارِ الهَوى ما تَنطَفي                           نارُ الغَضى وَتَكِلُّ عَمّا تُحرِقُ

وَعَذَلتُ أَهلَ العِشقِ حَتّى ذُقتُهُ                           فَعَجِبتُ كَيفَ يَموتُ مَن لا يَعشَقُ

وَعَذَرتُهُم وَعَرَفتُ ذَنبِيَ أَنَّني                                  عَيَّرتُهُم فَلَقيتُ فيهِ ما لَقوا

ويقول مجنون ليلي:

كتمت جنوني وهو في القلب كامن     فلما استوى والحب أعلنه الحب

ويقول شاعر معاصر" مقرن العضياني" في وصف محبوبته

أقبلت كالشمس بالشكل العمودي                     نورها يجهر عليه الكون كله

كل ما مرت على شاعر سعودي                           صب من شعره لها فنجال دله

سأترك لك حرية اختيار المرحلة التي وصلوا لها من الهيام، أما من حيث القصص فقد كان مجنون ليلى قد وصل كما يقول عنه المنفلوطي إلى مرحلة أنه يجلس في جنبات الحي منفرداً عارياً مذهوب اللُّب مشترك العقل يهذي ويخطط في الأرض ويلعب بالتراب يمر بديارها يقبل جدران حيِّها قال مترنماً :

أمرُّ على الديار ديار ليلى                أقبل ذا الجدار وذا الجدار

وما حب الديار شغفن قلبي         ولكن حب من سكن الديار

وبقي على هذا الحال هائم بحبها يأكل ما ينبت من بقل في الصحراء ويشرب مع الظباء إذا وردت مناهلها حتى هلك في أرض مقعرة مغبرة بين الصخور والأحجار.

ومن القصص التي أوردها لك شقاء قيس بلبنى بعد أن طلقها برًا بوالده ونزولا على حكمه حتى ذهب الحب به كل مذهب فهلك بين الوفاء للفضيلة والوفاء للحب.

أما قصة جميل وبثينة فقد عاتبه أباه عتاباً شديداً على حبه الشديد لها، فرد عليه: يا أبتِ هل رأيت قبلي أحداً استطاع أن يدفع عن قلبه هواه، والله لو أنني أستطيع أن أمحو ذكرها من قلبي لفعلت، ولكن لا سبيل إلى ذلك، وإنما هو بلاء ابتليت به!

وأختم لك بهذه القصة التي تعكس شقاء من يصلون لمرحلة الشغف إنها قصة عروة بن حرام وعفراء بنت عقال ومناصبة الدهر لهما وتقتطع الأسباب بينهما حتى أصبحت زوجاً لغيره حتى أصبح بعدها هائماً مختبلاً يرمي بنفسه المرامي، ويقذف بها في فجاج الأرض حتى بلغ منزلها ذات يوم فتنكر حتى زارها، وكان يظن أن زوجها لا يعلم ما كان بينهما فلما اعتلم أنه يعرف حقيقته وأنه على ذلك لا يتهمه ولا يتنكر له وأحسن ضيافته، فعزم على الانصراف حياء منه وقال لها: ياعفراء، أنتِ حظي من هذه الدنيا وقد ذهبت دنياي بذهابك فما قيمة العيش من بعدك، وقد أحسن هذا الرجل ضيافتي واحتمل لي ما لا يحتمله أحد لأحد حتى استحييت منه، وإني عالم أني راحل إلى منيتي، وما زال يبكي وتبكي حتى انصرف، وكانت قد زودته بخمار لها فسقط عاماً كاملا لا يتكلم مع أحد فكان إذا أغمي عليه يدس أنفه في خمارها فيفيق وعندما سئل عن ذلك أنشد قائلاً

كأنّ قطاة علقت بجناحها    على كبدي من شدة الخفقان

وظل كذلك حتى مات فلما بلغ خبره محبوبته استأذنت زوجها في أن تندب ابن عمها وتقيم له مأتماً فظلت تندبه ثلاثة أيام حتى اقتفت أثره في يومها الرابع.





التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !