في مقارنتها بين شخصيتي الراحل "نيلسون مانديلا" والرئيس اﻷمريكي "اوباما" ذكرت القناة الثانية في التلفزيون الفرنسي "أن ما هو مشترك بين الاثنين هو كونهما مارسا مهنة المحاماة وأن كلاً منهما كان أول رئيس أسود لبلاده والمقارنة تنتهي هنا...".
هذا صحيح، فكيف لنا أن نقارن بين رئيس أتت به "وول ستريت" وكافأها بأن أنقذ البنوك اﻷمريكية المفلسة على حساب دافع الضرائب اﻷمريكي وبين من قضى زهرة عمره في سجن نظام الفصل العنصري في روبن آيلاند وأتت به ٳرادة شعبية جارفة وثقت بنزاهته وبحكمته؟
"مانديلا" دخل التاريخ وهو زاهد بالسلطة وحقق خلال أربعة أعوام نهضة اجتماعية وحضارية حقيقية عبر الانتقال بجنوب أفريقيا من دولة منبوذة ومعزولة ٳلى نموذج يحتذي للتوافق بين اﻷعراق واﻷديان والنقل السلمي للسطة بأسلوب راق ومتحضر.
السيد "اوباما" تلخصت ٳنجازات حقبة رئاسته اﻷولى في اﻹعداد ﻹعادة انتخابه مرة ثانية...وفي رد الجميل ﻷصدقائه من عالم المال واﻷعمال الذين مولوا انتخابه أول مرة ولفرط سرورهم وتقديرهم لخدماته، أعادوا الكرّة ﻷربعة أعوام عجاف حتى 2016.
رئاسة "الرئيس اﻷسمر" تميزت بانتقال أمريكا التدريجي من موقع الدولة المحترمة والتي لديها بعض القيم ٳلى "صعلوك" سياسي تنحصر همومه في كيفية التهرب من التزاماته كقوة عظمى والفرار من كل موقع يتطلب حداً أدنى من الالتزام اﻷخلاقي.
"مانديلا" انطلق من رئاسة بلد معزول ومذموم وسار ببلاده في طريق الرخاء والتقدم محققاً ما سمي بالمعجزة الجنوب أقريقية، أما "اوباما" فقد حقق هو الآخر معجزة ولكن "بالمقلوب" فقد هوى ببلاده من موقع القوة اﻷعظم في كل المجالات ٳلى دولة ثانوية يديرها كما لوكانت "البرتغال" أو "الاورغواي"... لدرجة أن يغلق "السيسي" الخط بوجه قاطن البيت اﻷبيض، حتى رئيس "البانيا" تراجع عن تعهداته باستقبال الكيماوي السوري ولم يلق ذرعاً لاحتجاج "الرئيس اﻷسمر".
بعد أول لقاء بينه وبين السيد "اوباما" عاد الرئيس الفرنسي السابق "نيكولا ساركوزي" ٳلى بلاده وقد خاب أمله في الرئيس اﻷمريكي الذي كان قد انتخب حديثاً. بحسب أقوال "ساركوزي" لعارفيه فالسيد "اوباما الذي يبدو ودوداً وٳنسانياً لمن يراه عن بعد، هو في علاقاته الشخصية وحياته الخاصة رجل بارد ومتبلد العواطف واﻷحاسيس". أظهرت اﻷيام أن الابتسامة الكاريزماتية التي يتمتع بها السيد "اوباما" ليست أكثر من "عدة شغل" وأن سدرة المنتهى بالنسبة للرجل هي مستقبله الخاص وطموحه الشخصي.
آخر ٳنجازات "اوباما" في مأتم الراحل "مانديلا" لم تكن خطابه المكتوب بلغة منمقة والذي "يعلك" كالعادة، لكنها محاولاته الدؤوب لتجاذب أطراف الحديث، والمودة، مع رئيسة وزراء الدانمارك الحسناء "هيلي شميدت" أثناء مراسيم الجنازة وتحت سمع وبصر السيدة "ميشيل اوباما"...
"ابا ايبان" وزير خارجية ٳسرائيل الراحل لم يكن يتغيب عن أي جنازة رسمية وينتهز الفرصة للتعرف على المسؤولين ممن لديهم أهمية لبلاده ولم يكن يتورع عن ٳقامة صلات ومباحثات مع باقي المسؤولين حتى أثناء مراسم الدفن، الرجل كان يصف اﻷمر على أنه "جنازة عمل"...
يبدو أن السيد "اوباما" له ممارساته الجنائزية الخاصة، من يعلم، فقد تصبح هذه العادة موضة سائدة وحينها قد يجوز الحديث عن "جنازة غزل"...
أحمد الشامي فرنساahmadshami29@yahoo.com http://elaphblogs.com/shamblog.html
التعليقات (0)