مواضيع اليوم

جدل الأخلاق والدين في الفكر الحداثي المعاصر وضرورة صناعة الإنسان الإئتماني (طه عبد الرحمن نموذجاً)

ناجم مولاي

2020-01-13 07:29:45

0

« الحداثة مشروع لم يكتمل بعد، مشروع قابل للتعديل والتصحيح والتوجيه؛ واستبدال الوجه الكالح بابتسامة ملأى بالبشائر»." هابر مارس"

«فمادام الغرض من الأخلاق هو رسم الحياة الطيبة للإنسان فلا شيء يبلغ مبلغ الدين في الحرص على تحقيق هذا الغرض في عاجل الإنسان و آجله معاً »."طه عبد الرحمن"

·       مدخل:

من المعلوم لدى المتتبعين للشأن الفكري أن الفلسفة الأخلاقية الغربية شُيدّت أساسا على القطيعة مع الدين، إثر الصراع المرير الذي حدث منذ عصر الأنوار في أوروبا، بين رجال الدين والتنويريين، فكان أن أنتجتبمرور الزمن،نمطا من البشر يشكو من الهزال الروحي، ويعاني من الشرود الأخلاقي و القلق و اليأس والتشظي و اللاجدوى.

وقد دفع هذا الوضع الصادم ببعض المفكرين الإسلاميين المعاصرين إلى بناء مشاريع أخلاقية إسهاما منهم في درئ ما يتهدد المسلم المعاصر من مخاطر أخلاقية واجتماعية، قد تقوده إلى التيه والضياع كما قادت الإنسان الغربي قبله.

ومن أبرز هؤلاء نجد المفكر المغربي طه عبد الرحمن (1944م-) الذي يشتغل منذ أكثر من عقدين من الزمن على مشروع حضاري متعدد الجوانب قوامه سؤال الأخلاق. حيث توصّل بعد بحث وتأمل، إلى أن الأزمات الكارثية التي تعيشها الإنسانية، إنما هي في الأصل أزمة أخلاق لا غير. وعليه فإن الثورة التي يتعين القيام بها ابتداءً إنما هي ثورة أخلاقية، تعيد الإنسان إلى وضعه الفطري، وتوقفه على أصله الروحي.

وتأسيسا على ما سبق تأتي هذه المداخلة لتجيب عن التساؤلات الآتية:

1.     ما هي مظاهر الإفلاس الأخلاقي في الحداثة الغربية؟

2.     ما سمات المشروع الأخلاقي الذي يدعو إليه المفكر طه عبد الرحمن كعلاج للأزمة الأخلاقية؟

·       التأثيــل المفـاهيمي:

إن مداخلتنا تتطلب منا أن نحدد في البداية مصطلحاتها الأساسية؛ والتي التزمنا في تحديدها بأربع مصطلحات أساسية، و هي مصطلح: "الأخلاق"، "الدين" و"الحداثة" و "الإنسان الائتماني".

أ‌.       مفهوم الأخلاق:

-       الخلق في اللغة العربية: السجية، والطبع، والعادة، والمروءة، والدين[1].

يطلق الفرنسيون عبارة" Éthique"على الأخلاق، وهي تعني في انضباطاتها الفلسفية الخاصة أحكام التقدير عندما تنطبق على التمييز بين الخير والشر"[2].

- وعلم الأخلاق: هو النظر في أفعال الإنسان من حيث حسنها وقبحها، ومن حيث وجوب فعلها أو تركها؛ والأخلاق أيضا هي التصرفات من حيث حسنها أو قبحها، وعندئذ تكون الأخلاق حسنة أو سيئة([3]).

- وعلم الأخلاق: (Éthique- Ethics, Moral Philosophy) علم يبحث في الأحكام القيمة التي تنصب على الأفعال الإنسانية من ناحية أنها خيرا أو شرا، وهو أحد العلوم المعيارية وهو ضربان: "عملي" ويسمى "علم السلوك"، أو الأخلاق العملية، و" نظري" وهو الذي يبحث في حقيقة الخير والشر؛ والقيم الأخلاقية من حيث هي[4].

ب‌.    مفهوم الدين:

-       في اللغة العربية:الدين في اللغة العادة، والحال، والسيرة، والسياسة، والرأي، والحكم، والطاعة والجزاء ومنه: مالك يوم الدين، وكما تدين تدان[5]، أو هو العادة مطلقا[6].

- في اللغة اللاتينية:

الدين كلمة مشتقة من اللاتينية (Relegere) تعني (احترام وتكريس عبادة)، أو من الفعل (Religare) بمعنى الروابط : أي الدين هو وجود الصلة التي تربط الإنسان بالله  كمصدر لوجوده، كما ترجم ذلك التقاليد المسيحية[7].

وهو في الاصطلاح: "محمود يعقوبي" بأنه: "جملة متكاملة من القواعد الإلهية التي تهدي الناس بإتباعه باعتباره فهم المجتهد"[8].

ج. مفهوم الحداثة:

- في المعنى العام:"ينطبق على صفة ما، ومن المرجح أن يكون تميز من وجهة النظر هذه بالانتماء إلى المعاصرة؛ ويمكن وصف أي وقت "بالحديثة " إذا كانت تتميز على تلك التي سبقتها"[9].  

- في الاصطلاح:هي قطيعة معرفية مع الموروث حدثت في أوربا (قطيعة أوروبا مع تعاليم الكنيسة) حيث انفتحتالنخب الفكرية والعلمية على العلوم اليونانية والعربية منذ القرن (16م).

د. مفهوم الإنسان الإئتماني:

هو الإنسان الذي تبنى علاقته بالإله على مبادئ خمس حدد له المفكر عبد الرحمن طه، وكل مبدأ منها يعارض خاصية في واحد على الأقل من التصورات الدهرانية لعلاقة الإنسان بالله وهي:

-       مبدأ الشاهدية: مقتضاه هو أن الشاهدية الإلهية أصل التخلق.

-       مبدأ الآياتية: ومقتضاه هو أن اتصال الدين بالعالم عبارة عن اتصال آيات لا اتصال ظواهر.

-       مبدأ الإيداعية: ومقتضاه إن الأشياء ودائع عند الإنسان.

-       مبدأ الفطرية: ومقتضاه أن الأخلاق مأخوذة من الفطرة.

-       مبدأ الجمعية: ومقتضاه أن الدين بجمعيته أخلاق[10].

1.    مظاهر الإفلاس الأخلاقي في الحداثة الغربية.

حينما يتحدث طه عبد الرحمن عن الغرب لا يعني به مكانا جغرافيا محددا بأوروبا و أمريكا، ولا يومئ من خلاله إلى سمات شكلية ولونية وعرقية، ولكنه يقصد به ذلك النموذج الخلُقي والذهني والسلوكي الذي صنعته الحضارة الغربية وغزا الناس جراء تأثرهم بها. وعليه فإن الإنسان قد يكون مسلما أو بوذيا أو إفريقيا أو أسيويا أو ما إلى ذلك من الانتماءات الدينية والعرقية والجغرافية ولكنه مع هذا يكون غربيا بفكره وسلوكه[11].

 فالغرب إذن مفهوم مرتحل عبر شبكات الاتصال المختلفة، ووسائط الإعلام المتعددة، يتسلل إلى العقول حيثما كانت، ليحيلها إلى نماذج مستنسخة من الأصل الذي هو الإنسان الغربي، بكل ما يحمل ذلك الأصل من مواصفات التيه والتخبط والضلال.

والسؤال الذي يشخص أمامنا هو ما هي مظاهر هذا التيه الأخلاقي التي تميّز الإنسان الغربي ؟

1-1- التفكك الأسري:

كان الفتيل الأول لهذا الجحيم، هو تلك الدعوات التي ارتفعت في الغرب منادية بتحرير المرأة من خرافة الأسرة وخرافة الأمومة[12]، وتشجيع النساء على ترك أزواجهن وعدم العيش معهم على انفراد لأن الزواج مجرد قيد أوجده الرجل لمنفعته وللسيطرة على النساء[13]

لكن ما حدث واقعيا هو العكس تماما، فلا المرأة تحررت، ولا هي حققت ذاتها، وإنما كل ما تم تحقيقه هو فصلها كأمّ عن أبنائها وزوجها، وتحويل الأسرة التقليدية إلى كيان غريب أي " لا أسرة"[14]، وتغيير شخصية المرأة من كائن إنساني محترم إلى حيوان جميل[15]، وسلعة رخيصة تباع وتشترى مع أسهم الشركات، وترتفع قيمتها وتنخفض بحسب أسعار السوق.

وعندما تفككت الأسرة  الغربية تحوّل الجنس – الذي  كان من المفترض أن يمارس في أطره المشروعة اجتماعيا- إلى ممارسات شاذة مناقضة للفطرة الإنسانية ،و أصبحت المثلية الجنسية ضمن المألوف الاجتماعي[16]، وظهرت أنماط غريبة من الزواج كتلك التي تحدث بين المثليين حين يتزوجون فيما بينهم ويتبنوْن أطفالا ، كبديل عن الأسرة التقليدية [17].

وإذا كان هذا الوضع الاجتماعي من البشاعة بمكان، فإن الأبشع منه هو تبريره والتشريع له قانونيا ، بل وإحاطته بشيء من القداسة المزيفة، كما حدث في أمريكا حين تمّ  بناء كنائس يديرها وعّاظ شاذون جنسيا[18].

 وفي ضوء ما سبق  أضحى من العسير على الإنسان الغربي - في الوقت الحالي- أن يرمم منظومته القيمية خاصة وأنه دخل مرحلة تاريخية خطيرة أطلق عليها مرحلة ما بعد الحداثة، والتي اتسمت بالاستخفاف بالمرجعيات الروحية والدينية وفتحت المجال لكل فرد بأن يكون مرجعية نفسه، فتميعت الحياة، و دخل الناس في سديم مظلم جارف لا يُعرف أوله من آخره، وأصبحت دعوات بعض عقلاء الغرب للعودة إلى الأخلاق ،كحل لمشاكل المجتمع،  مجرد صيحة في واد، أو نفخة في رماد.  

إن أسرة ما بعد الحداثة  تعتبر من جنس أسرة الحداثة باعتبارها امتدادا لها ونداً لها في الوقت نفسه، ويتجلى هذا بوضوح من خلال نظرية الدور، أو الفعل الاجتماعي حيث انتقلت مركزية الدور في الأسرة المابعد حداثية من الرجل-كصانع للحداثة- في طابع مستبد إلى زيادة التمركز حول المرأة ولإيقاد نيران الصراع مع الرجل[19].

فالمرأة في الغرب حصلت على كثير من الحريات في مجالات عدة بعد صدور كناب "الجنس الثاني"-le Deuxième Sexe- لـسيمون دي بوفوار. وهذا جاء نتيجة للتفصيل المطلق للعلاقة بين أفراد الأسرة كأصغر وحدة اجتماعية، لذا لم يكن باستطاعة الأسرة أن تحفظ نفسها من الآفات الأخلاقية ولا من غيرها من التفككات في العلاقات الاجتماعية  في المجتمع الأوربي عموما والعربي على وجه الخصوص.

 فبالإضافة إلى الفردانية والعقلنة والمنفعة الأخلاقية  التي مست الحياة العربية في أوجهها المختلفة، نذكر أن الأسرة لم تسلم من إخطبوط العولمة ولا من شذوذه  القيمي من خلال تغير ما هو ثابت لأهم عنصر في المعادلة الحضارية متمثلا في الإنسان خصوصا  المرأة المسلمة التي شوهت العولمة صورتها من خلال أخطر آلياتها وهي الصورة الإعلامية، هادفة إلى التحكم في عقلها بإنشاء مؤسسات صهيونية في الدول العربية باسم "حقوق المرأة، المساواة بين الرجل والمرأة، العنف ضد المرأة..."وهذه المؤسسات هي التي تنخر في المجتمع المسلم لتدمير مبادئه وأخلاقياته، و تحويل المرأة من مربية أجيال إلى مستهلكة لماكياجهم وماركاتهم.

 وللأسف لم يسلم الرجل أيضا من سقوط تفكيره في شعارات حقوق الإنسان والديمقراطية المضللة و المدمرة لعقول الشباب وأخلاقهم وهذا بحجة تحرير الرجل والمرأة من ظلم الإسلام، والخروج به إلى عدل النظام العالمي الجديد الذي ترسم معالمه العقول الصهيونية بأسطورة وحيها المزيف.

1-2- الضلال الديني و النفاق السياسي:

لقد أسس العقل الغربي منظوماته المعرفية ونظرياته العلمية في الحقول التجريبية والإنسانية على القطيعة مع الدين رافضَا فكرة الإله، بسبب صراعه المرير مع الكنيسة وخطابتها المظللة.

وفي ضوء هذا المناخ الإلحادي، أو على الأقل المستهتر بالدين، ماتت الشخصية الغيبية التقليدية ذات الولاء لمطلق أخلاقي ثابت يتجاوز عالم المادة والتاريخ، وحلّت محلها الشخصية المتحررة من أية قيم أو غائية[20]، والتي عبر عنها الفيلسوف الألماني نيتشه (  - )بأقبح تعبير حينما أعلن موت الإله.

           وهكذا أصبح لاهوت موت الإله[21]هذا، هو العقيدة الجديدة التي صار الإنسان الغربي يدين بها و يرتل آياتها في معبد إله بديل، هو الإله ديونيسيوس، إله الخمر والمتع والملذات، ليتحول إلى كائن مارق متعال نحو الأسفل[22]يخلع أحواله الظلمانية على كل ما يحيط به، وينفخ في الأشياء فحيح مشاعره المدنّسة، وينزع القداسة من كل شيء Désacralisation،حتى من النص الديني، و كل ما يتعلق به.  

ومن تجليات مروق المجتمع الغربي عن الفطرة السليمة، انتشار الدجل السياسي في أوساطه، كتلك الأكذوبة التي تسمى الديمقراطية، والتي لم تكن في يوم من الأيام سوى خدعةالأقليةالتي تضع مجموعةمنالقوانينوالتدابيرمنأجلالحفاظعلىمصالحها، رافعة شعاراتخادعة،مثل الحريةوالحياةالكريمةوحقوقالإنسان، كقناع يخفي تحته وجها قذرا  تقاسيمه المال والأعمالو احتلال الشعوب المستضعفة[23].

لقد كان الإنسان الغربي يقدم نفسه منذ عصر نهضته - وما يزال - على أنه الكائن المتفوق على الآخرين، وأن له الحق الكامل في توجيهم إلى التحضر بحسب ما يشاء. فلا غرابة إذن أن نجده حتى على مستوى مفكريه الكبار، يبرر دعوى المركزية بمجموعة من النظريات في مجال الفكر و الأخلاق والحضارة، معتقدا أن الغاية من الوجود في هذا الكون ليس تحقيق مصلحة الإنسانية، وإنما تحقيق مصلحة الإنسان الأبيض، باستعباد البشر واستعمالهم كوسائل وأدوات.

ولذلك جاءت عمليات الغزو الاستعماري كتعبير عن تلك الحوسلة¨للطبيعة وللمادة البشرية©أي لبقية شعوب العالم[24].

لقد كان الاعتقاد السائد من قبل أن العلم موضوعيٌّ ومحايدٌ، لكن التطور العلمي والتقني أثبتا وهمية هذا الطرح، خصوصا بعد أن سُخرت التقنية لتحقيق رغبات سياسية واقتصادية وبالتالي وجد العالم نفسه اليوم أمام سياسة بلا مبادئ وعلم بلا أخلاق وفكر بلا قيم. 

وبموجب هذا، لم يعد صناع القرار العالمي يكتفون باتخاذ قرارات سياسية، بل أصبحوا يستهدفون التأسيس الفكري لمواقفهم وتصوراتهم، اقتناعا منهم بأن الفكر يجب أن يمهد الطريق لأية هيمنة سياسية واقتصادية. فظهرت مصانع الأفكار والتي تسخر للتبرير الأخلاقي للعديد من المواقف السياسية التي تتخذها بلدانها، سواء على مستوى السياسية أو العلم، مثل الحديث عن أخلاق الحرب، والمسؤولية الأخلاقية لبعض البلدان في نشر الحرية وتحقيق العدالة، وغير ذلك من المواقف المعلَّلة بالرغبة في إسعاد الإنسان[25].

وأكبر دولة في الغرب تمثل هذا الوضع المأزوم  هي الولاياتالمتحدة التي اعتبرها روجي غاروديGaraudyRoger (1913م-  )طليعة الانحطاط[26]،والدولةالأكثرإرهابافيالعالم،والأشدانتهاكالحقوقالإنسان على امتدادالتاريخ كلّه[27].  

إن الغرب وصل إلى حالة اغتراب رهيبة بعد أن اتّجه  وجهة مادية بحتة، وصاغ  عالم أفكاره  على أساس ذلك. لا بل إنه  يسعى عن قصد إلى نقل المجتمعات الأخرى إلى حالة اغتراب مماثلة أو أشد تعقيدا. وهو يسخّر لتحقيق تلك المهمة، منظومة عتيدة من مثقفيه وأدبائه وفنانيه ومفكريه ووسائله الإعلامية المختلفة، بالإضافة إلى أبواقه من بين جلدتنا والذين يسميهم طه عبد الرحمن "مفكرة الحداثة"[28].

إن هؤلاء المقلدة، ونتيجة لشعورهم بعقدة النقص "لا يجدون شناعة ولا حرجا في محاكاة المفكرين الغربيين فيما استحدثوه من أنماط تفكيرهم، ولا يتورعون في تسخير أقلامهم وأفهامهم للدعوة إلى صواب ذلك التقليد ووجوبه، وبث روحه في نفوس مواطنيهم، ظالمين لتاريخهم وتراثهم".[29]

وانطلاقا من هذا فإن المهمة الحضارية التي ندب الأستاذ طه نفسه لها كمثقف مسلم تتوزع إلى قسمين :

أ‌.        كشف مخادع الحداثة الغربية وتبيين آفاتها الأخلاقية على الإنسان.

ب‌.   تقديم مشروع أخلاقي إسلامي من شأنه صياغة إنسان ائتماني محصّن من تلك الآفات.

2.    أهم سمات مشروع طه عبد الرحمن الأخلاقي لعلاج أزمة الإنسان المعاصر: 

2-1- موقف طه عبد الرحمن من الحداثة الغربية:

تأتي مؤلفات طه عبد الرحمن الأخيرة - التي جاءت مع مطلع الألفية الجديدة - للفت الانتباه إلى أهمية التجربة الأخلاقية في التصدي للنزعات المادية الجاهلة. ويعتبر كتابه "سؤال الأخلاق" أحد أهم المفاتيح لقراءة مشروعهالفكري، كما تعتبر مؤلفاته اللاحقة شروحا وتوسيعا لمجمل أطروحاته في هذا الكتاب .

يذهب الأستاذ طه في وصف الحضارة الغربيةإلى أنها فتنت الناس بفتنتين هما: فتنة العقلانية، وفتنة التقنية مستندة في ذلك إلى أصلين أساسيين هما : أنْ لا أخلاق في العلم، و لا غيب في العقل[30].

 وعندما تجرد العلم من الأخلاق نشأت أزمة الصدق فيها، ولما بتر العقل عن كل ما هو غيبي تولدتأزمة القصد بها. وهاتان الأزمتان كافيتان وحدهما لجعلها حضارة متأزمة، على الرغم مما يبدو من تقدمها[31].

ومظاهر هذا التأزم تتجلى في هوس الإنسان الغربي بالجانب الاقتصادي وهوسه بالمنفعة المادية وجعلهما مقياساً وحيداً لكل تنمية وتطور، فطغى صوت التقنية والتجريب على كل صوت، وغلبت الآلية والتراكمية والإعلانية على عمليات الاتصال التي جاءت بها العولمة، وغابت الحكمة والمقصد عن كل نشاط علمي أو عملي[32]. فلا ترى إلا استخفافا بالأيتوس(الأخلاق)، ولا تشاهد إلا افتتانا باللوغوس(العقل)، وآية ذلك فيضان هذه السيول القولية التي ينشرها الإنسان الغربي ليغطي بها هول ما يخترع، ويخفي بها فداحة ما يصنع، فكانت تلك الحضارة كما -يصفها الأستاذ طه - حضارة قول[33].

حيث أن جانبها العقلي قطع الإنسان عن أسباب الترقي في مراتب الأخلاق، وشقها المعرفي فصله عن المعاني الروحية، والوجه القولي منها ضيق نطاقه و جمد حركته، أما مظهرها التقني فقد عمل على أسره و استبعاده، فكانت بحق حضارة ناقصة عقلا، وظالمة قولا، ومتأزمة معرفة، ومتسلطة تقنية[34]، أصابت الناس بآفات قاتلة من" التضييق"و"التجميد" و"التنقيص"[35].

فالتضييقفيهامرده إلى أنها حاصرت العقل وقيدت المعرفة بأن فصلتهما عن الأخلاق فلم يعد لهما متسع من التحرك إلا في حدود العالم المادي.

أما التجميد فقد دخل عليها من كونها اكتفت بالقوانين الوضعية التي أبدعها العقل البشري و أماتت القول الأخلاقي النابع من الدين بين الناس حتى لم يعد قادرا على التأثير فيهم ولا تحريك العلاقات بينهم.   

وفيما يتعلقبالتنقيص فسببه تجريدها الحياة من القول الأخلاقي واستبداله بالقول السياسي، إلى حد أن  صار كل من يتحدث عن الأخلاق يُتهم باللامعقول وبالضعف والسذاجة في مقابل من يتحدث عن السياسة[36].

وليس من شك أن منشأ هذه كل هذه الأزمات التي برزت في التطبيق  الغربي للحداثة هو الفقر الروحي والمعنوي الذي طبعها فضيَّق أفقها، وأفقد الإنسان فيها الإحساس بالمعنى و بالأمان والاطمئنان، وولَّد لديه الشعور بالخوف واللاجدوى.

والخلاصة التي ينتهي إليها الأستاذ طه هي أن الحداثة الغربية أنتجت للبشرية حضارة " ناقصة عقلا، وظالمة قولا، و متأزمة معرفة، ومتسلطة تقنية" [37].

ذلك هو حال التطبيق الغربي للحداثة. أما حالها في مجتمعاتنا الإسلامية فإنَّها -مع الأسف–  ليست إلا استنساخا من الأصل، فهي حداثة مقلِّدة لا إبداع فيها، حيث انطلت على كثير من مثقفينا وعي باطل مفاده أن التطبيق الغربي للحداثة هو التطبيق الأمثل  والأوحد  والحتمي الذي لا فكاك منه. وهذا شطط ما بعده شطط، ذلك أنالأستاذ طه عبد الرحمن يفرق بقوةبين واقع الحداثة، وروح الحداثة.

فالحداثة كروح ليست من صنع المجتمع الغربي، وإنَّما هي من صنع المجتمع الإنساني في مختلف أطواره، ولا يستنفدها تطبيق واحد، وهي قابلة للتحقق في مجتمعات أخرى غير المجتمع الغربي الحاضر ووفق سياقات وظروف خاصة.

و لذا فإنالحداثة الغربية كما هي عليه الآن، ما هي إلا واحدة من التطبيقات الممكنة لروح الحداثة. ولا يدل تراكم المعارف، ولا حتى تأخر التطبيق، بالضرورة، على الأفضلية ومزيد التحقق بروح الحداثة. و الدليل على ذلك أن التطبيق الغربي للحداثة -رغم أنه جاء متأخرا على كل التطبيقات السابقة- إلا أنه تضمن كثيرا من المفاسد والآفات، مثل ظهور الإشعاع النووي، وانتشار أسلحة الدمار الشامل، وتلوث البيئة، والاحتباس الحراري، والأزمات الأخلاقية المختلفة.

 وهذه الآفات جاءت مضادة لما وضعه أصحاب الحداثة أنفسهم من أهداف وتوقعات تتعلق بنشر القيم النبيلة وتحرير الإنسان وإسعاده، مما يُثبتبما لا يدع مجلا للريب، أن الإعوجاج الخلقي الذي أصابهم بما كسبت يد حداثتهم، بلغ تأثيره في النفوس حدّا لا تنفع في تقويمه أخلاق السطح التي وضعها فلاسفتهم الأخلاقيون لإزلة الشرور الأخلاقية التي لحقت بمجتمعاتهم، وترميم التصدعات الاجتماعية التي أصابت بناءهم[38].

إن تلك التصحيحات والتعديلات السطحية التي ما يفتؤون يدخلونها على هذا الجانب أو ذاك من معايب حضارتهم لم تعد تملك من القوة ما تقدر به على  درء ما لحقهم من سوءات أخلاقية " ولا أدل على ذلك من أنهم لا يكادون يفرُغون من إجراء هذه الإصلاحات أو تلك حتى تظهر لهم من تحتها إفسادات أتوها من حيث لا يشعرون، فيقومون إلى إصلاحها فيجدون مرة أخرى من الإفساد ما وجدوا من قبل. وهكذا من غير انقطاع" [39].

ونحن المسلمون يتعيــّن علينا - إن أردنا تجنب مخاطر التطبيق الغربي لروح الحداثة - أن نفكر في ابتكار حداثة إسلامية خاصة بنا، لأن الحداثة لا تنقل من الخارج، وإنَّما هي إبداع مبتكر من الداخل.

ومنيدعو من مفكرينا باسم الحداثة " إلى الكف عن الرجوع إلى التراث، وإلى الأخذ بالمعرفة الحديثة كما جاء بها الغرب، فإن دعوته لا تعدو كونها تستبدل مكان الانشغال بالتراث الأصلي، الانشغال بتراث أجنبي "[40]. وعلى هذا فإن تجديد  التراث –خاصة الأخلاقي  منه و الذي هو موضع دراستنا-  لا يعني الانشغال بالوافد وإهمال الأصيل، وإنما يعني الاجتهاد والإبداع انطلاقا من الجذور الثقافية للعالم العربي والإسلامي، دون الانغلاق داخل تلك الجذور.

وما يحفّزنا على هذا هو أننا نعيش في مرحلة الزمن الأخلاقي للإسلام، وهذا الزمن غنيٌّ بأبعاده الأخلاقية على مستوى الفعل، وسامٍ بمطالبه الروحية على مستوى العقائد والتصورات، وثري بمعانيه الإحسانية على مستوى المقاصد والنيَّات، وهو عين ما افتقدته- وتفتقده- حداثة الغرب[41].

2-2- علاقة الأخلاق بالدين عند طه عبد الرحمن:

يعتبر عبد الرحمن طه من الفلاسفة الذين نظروا في الصلة بين الأخلاق والدين انطلاقا من دراسة الفكر الأخلاقي عند الغرب- اليوناني، اليهودي، والمسيحي- منتقلا بعد ذلك إلى موضوع  الأخلاق في الفكر الإسلامي العربي، حيث انتقد استخدام المفكرين الإسلاميين لمفاهيم الأخلاق على نحو المنقول الفلسفي حذو النعل بالنعل الأمر الذي أدى إلى الجمود على ما نقلوه، فحُرموا أيما حرمان من ممارسة حقهم في الإبداع الفلسفي المختلف[42].

وقد سلك عبد الرحمن طه منهجا فلسفيا ليتطرق من خلاله إلى موضوع  الأخلاق والدين في الفكر الفلسفي على وجه الخصوص، ليذكرنا بفيلسوف أثيني عملاق في الفكر الإنسانية هو "سقراط" Socrate(470-400 ق-م) من خلال منهج الحوار والتوليد[43].

وهذا من خلال محاورة النصوص بعضها بعضا لينتج في الأخير -ومن مبدأ الاختلاف الفلسفي- نصا خاصا برؤيته الفلسفية لموضوعة الأخلاق والدين، والتي لا تنفصل عن مجاله التداولي.

ولذا نجده عندما يتكلم عن صلة الأخلاق بالدين بشكل مباشر يتناول الأخلاق في " الديانة المسيحية" من وجهة فلسفية نقدية لأخلاقها القائمة على مبدأين اتصف كلاهما بالخلط في مستويين:

- المستوى الأول:  الخلط بين المحبة الجسدية والمحبة الروحية. حيث جعلت محبة الإنسان للإله من جنس محبة الإنسان للإنسان

 - المستوى الثاني: الخلط بين المحبة الإنسانية والمحبة الإلهية. حيث جعلت محبة الإله للإنسان من جنس محبة الإنسان للإله.

إن الباعث على هذا الخلط في الأخلاق المسيحية الغربية فكرة التجسيد التي هي ركن الأركان في العقيدة المسيحية[44]

وانطلاقا من تناول موضوعة صلة الأخلاق بالدين عند القدماء أشار "عبد الرحمن طه" إلى أن الفلاسفة الأوائل أصابوا في نسبة الأخلاق إلى مجال "الإنسانيات" و"المعنويات" وأخطئوا عندما قصروها على هذين المجالين فقط، ولم يتعدوا بها إلى المجال الحقيقي لها والمتمثل –حسب طه عبد الرحمن -" في مجال "الدينيات" ،وهو المجال الذي يجمع إلى عنصر "الإنسانيات" وإلى "عنصر المعنويات" عنصرا ثالثا هو "الغيبيات"، وهو العنصر المغيّبلدى المفكرين الحداثيين  العرب، ممن أسسوا الأخلاق على العقلانية المجردة ،فكانت أخلاقهم  "أخلاق سطح" على حد تعبير طه عبد الرحمن[45]

ولو رجعنا  إلى تاريخنا الإسلامي  لوجدنا أن علماء الكلام قد تناولوا صلة الأخلاق بالدين منذ قرون عديدة المشكلة الأخلاقية بالبحث، حيث افترقوا بصددها إلى فرق ثلاثة كبيرة نختصرها هنا فيما يلي:

1.     فالأشاعرة: يقولون  إن الحسن ما حسّنه الشرع  والقبح ما قبحه الشرع . بمعنى أن العقل لا يدرك الحسن والقبح إلا بعد ورود الشرع بهما.

2.     أما المعتزلة: فذهبوا إلى أن الحسن والقبح صفتان ذاتيتان في الأشياء، يستقل العقل بإدراكها.

3.     وهنا فرقة ثلاثة: تقول بأن المأثورات حسنة بأمر الشرع، وأخرى حسنة في نفسها، كما أن بعض المنهيات قبيحة بنهي الشرع وأخرى قبيحة في نفسها[46].

والرأي الذي  يختاره طه عبد الرحمن هو رأي الأشعرية الجامع بين الأخلاق والدين ، وهو ذات أصل الذي بنى عليه مساهمته النقدية للحداثة الغربية.

إذا كان ما هو شائع أن التصوف ظاهرة دينية، والصوفي في أي ثقافة عادة ما يؤّول تجربته من منظور الدين الذي تربى عليه، فإنه ومن هذا المنطلق لا يمكن إغفال الدور الإيجابي للنظرية الصوفية في تأسيس الأخلاق، والتي أساسها أن  التقوقع حول الذات (النفس في بعده الظلماني) يؤدي إلى الأنانية التي هي مصدر الصراع والطمع والأنانية والعدوان وغيرها من الشرور والرذائل الأخلاقية.

إن دعوى تبعية الدين للأخلاق –كما يرى طه عبد الرحمن- تأسست في الفلسفة الحديثة من خلال النظريات الأخلاقية التي أتى على رأسها الفيلسوف الألماني "كانط" على أساس القول بـ: «مبدأ الإرادة الخيرة للإنسان»([47]).

ولا تكون الإرادة خيرة حتى تهتدي في جميع أفعالها بمقتضيات "العقل الخالص"، فانضباط الأخلاق بالعقل هو الذي يجعل من الذات إرادة خيرة ابتداء لا بواسطة غيرها، وإذا كانت الإرادة الخيرة إرادة عاقلة ،فإنها لا تتعلق إلا بالأفعال التي تأتي وفق الواجب كما يمليه عليها العقل.

 فبفضل "مبدأ الإرادة الخيرة" يصبح بناء صرح الأخلاق في غنى عن قاعدة" الإيمان"، يقول "كانط: "تبدو الأخلاق غير محتاجة إلى فكرة كائن مختلف وأعلى من الإنسان لكي يعرف هذا الإنسان واجبه، ولا إلى سبب فإذن بالنسبة للأخلاق فليست تحتاج مطلقا إلى الدين بل تكتفي بذاتها بفضل "العقل الخالص العملي"[48].

إلا أن المفكر عبد الرحمن طه رد على الحداثة الأخلاقية لكانط القائمة على أساس تبعية الدين للأخلاق معتبرا ما قدمه  هذا الفيلسوف ليس إلا علمنة للدين المسيحي،حيث أستبدل الإنسان مكان الإله مع قياس أحكامه على أحكامه.

 وعليه تصبح  العلمانية مجرد "ديانية" خفية مثلها مثل الديانية الجلية في الأخلاق المنزلة، لا تفترق عنها إلا في كون المستحق للتعظيم فيها صار هو الإنسان العيني وليس الإله العيني[49].

إن  كانط قد أسس الأخلاق على ميتافيزيقا عقلية إنسانية بدلا من ميتافيزيقا روحانية إلهية، جاعلا على من المحاججة مكونا رئيسيا للخطاب، بحيث يصبح الحجاج قوة أساسية للإقناع والإثبات، وهذه ميزة خطابات الحداثة الهادفة، إلى ادعاء صلاحية الخطابات المتداولة وإقناع المشاركين في النقاش بقبول هذه الصلاحية كما فعل كانط في عصره، وهذه الوضعية يدعوها هابرماس "بالعقلانية التواصلية" التي يبلور الحجاج من خلالها بوصفه عملية من حيث هو تدبير وإنتاج[50].

يرى  البعض أن "العقل الغربي" جاء بأفضل رؤية عن الإنسان، في حين يرى البعض الآخر  أن "الإسلام" هو الذي  جاء بأفضل رؤية عنه حيث منحه مشروعا حضاريا تتكامل فيها أبعاد مختلفة روحية وعقلية ومادية، تمكنه من  عمارة الدين والدنيا في كل العصور والأزمنة[51].

 و الدليل على هذا تأكيد الإسلام على بعض المقومات الأساسية في بناء الإنسان نوجزها هنا كما يلي:

1.     اهتمامه بالعلم والمعرفة والحث عليهما في كل النصوص القرآنية والنبوية .

2.     إعطاؤه مكانة مرموقة للعقل، بحيث لا توجد ديانة أو عقيدة قديمة أو حديثة أو معاصرة أعطت للعقل من المكانة والشرف والتعظيم كما أعطاها الإسلام.

3.     تحدث القرآن الكريم عن السنن والقوانين التاريخية والاجتماعية، التي تحكم حركة التاريخ، وسير المجتمعات في حركتها وسكونها، في تقدمها وتراجعها.

4.     عرض القرآن الكريم لأحد أهم العقبات التي واجهت حركات الأنبياء والرسل في جماعاتهم، وهي عقبة تقليد الآباء وإتباعهم بدون تعقل، وهذا كله دعوة لتحرير العقل وتنوير الفكر في أي زمان ومكان.

5.     تحفيز  الإسلام الإنسان المسلم على التطور المستدام الذي لا يتوقف عند حد معين.

6.     تأكيد النصوص الدينية على أن يكون الإنسان المسلم حاضراً وفاعلاً في عصره وزمانه، ومتمثلا شروط المعاصرة ومقتضياتها[52].

أما الفكر الغربي الحديث  فنجده يقيم حداثة الإنسان على العقل لوحده منتجا حداثات إنسانية بتكاملات منفصلة، منها ما هو روحي أو عقلي أو مادي ، وهذا جعل الإنسانية تعيش في صراع واضطراب نتيجة لعدم التوازن المتكامل في بناء هذا الإنسان الحديث المتمركز من زاوية واحد فقط.

ولذا نجد طه عبد الرحمن ينتقد هذه الحداثة المبتورة القائمة على العقل وحده فقط دون أدنى اهتمام بالخلق، حيث يقول: "ما أشد غفلة الإنسان الحديث حتى كأنه على ظاهر تقدمه العلمي والتقني الهائل، إنسان جهول! ألا ترى كيف أنه يقدم قليل النفع على كثيرة، وإن لم يقدم صريح الضرر على صحيح النفع، كما يفعل الجهلة من الخلق؟ وهل في الضرر أسوأ من أن يدعو إلى حقوق وحظوظ تخرجه من رتبة الإنسانية وتنزله إلى درك البهيمية، محتجا في ذلك بـأنه يتبع طريق العقلانية الواضح الذي هو وحده عنوان الإنسانية؟ "[53].

إن المتتبع لتاريخ الفكر الإنساني يدرك صحة هذا القول الطهاوي،فلو تأملنا ما أنتجه الفكر الفلسفي على أساس العقل لوجدنا أن الإنسان الحديث لم تزده "العقلانية" إلا ألماً وضيقا، فهي لم تحل أزماته قبل أو بعد الحرب العالمية الأولى، أو قبل أو بعد الحرب العالمية الثانية؛ وأكثر من ذلك أن "إنسان ما بعد الحداثة" سيجد نفسه أمام "اللاعقل" أو "اللاعقلانيات" إن صحت العبارة.

ثم إن  واقعنا  العربي اليوم المقلد للغرب لم يكسبه  العقل المجرد من الدين إلا جهلا متزايدا، و منه تتأكد عدم جدوى منطقية الإصلاح العقلي في تغير واقعنا لاجتماعي والاقتصادي والسياسي بل والثقافي أيضا ما لم يكن هنا "إصلاح أخلاقي" يكمّل" الإصلاح العقلي" في كل المجالات الإنسانية بمختلف أنواعها للنهوض والرقي بالأمم[54].

ف"الأخلاقية"– حسب طه عبد الرحمن - وليست "العقلانية"؛ " هي الأصل الذي تتفرع عليه كل صفات الإنسان من حيث هو كذلك. والعقلانية التي تستحق أن تنسب إليه ينبغي أن تكون تابعة لهذا الأصل الأخلاقي.

 بل إن طه عبد الرحمن يجعل من "شروط الحداثة الإنسانية" "العقلانية المسددة بالأخلاق" لا "العقلانية المجردة من الأخلاق"

وخطأ "المحدثين" في نظر "طه عبد الرحمن" أنهم حملوا "العقلانية" على المعنى الأول وخصوا بها الإنسان، والصواب أن "الأخلاقية" هي ما به يكون إنسانا وليست "العقلانية"[55].

إن الدين والأخلاق شيء واحد، فلا دين بغير أخلاق ولا أخلاق بغير دين[56]،كما أن الأخلاق أيضا ليست كمالات بمعنى زيادات لا ضرر على الهوية الإنسانية في تركها، وإنما هي ضرورات لا تقوم هذه الهوية بدونها، بدليل أن الإنسان لو أتى ضدها –أي ساءت أخلاقه- لعُدَّ لا في الأنام وإنما في الأنعام لقوله تعالى:﴿إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً[57].

والفكرة نفسها عبر عنها المفكر والفيلسوف الجزائري -رحمه الله - مالك بن نبي (1905-1973م)حينما سعى إلى حل المشكلات الحضارية في الأمة الإسلامية -والأمة الجزائرية على وجه الخصوص- محددا هذه المشكلات في عناصر ثلاثة (مشكلة الإنسان،مشكلة الوقت، مشكلة التراب). والأهم في هذه العناصر الثلاثة هو الإنسان المصاغ بالفكرة الدينية.

فحين تكلم مالك بن نبي عن المشكلة الحضارية في المجتمع الجزائري  خلص إلى أنها تتمثل في فقدان الرجال لذا قال :"يجب أن نصنع رجالاًيمشون في التاريخ مستخدمين التراب والوقت والمواهب في بناء أهدافهم الكبرى منبع الأخلاق وليس العقل- والفكرة الدينية متمثلة في الأخلاقية هي التي تنظم غرائز الإنسان تنظيما عضويا في علاقتها الوظيفية ببناء إحدى الحضارات، وهو عكس العقلانية المادية لـ كارل ماركس ومدرسته التي فسرت الحضارة أو الواقعة الاجتماعية تفسيريا ماديا، لكنها لم تفسر ما يحدث من تفكك في العلاقات الاجتماعية، وتلاشي للحضارات رغم عدم فقدانها وسائل الإنتاج  والحاجات الضرورية مثل الحضارة الرومانية[58].

فكل مظهر من مظاهر الحضارة يعود إلى الروابط الدينية الأولى التي بعثت الحضارة، وهذه حقيقة كل عصر وكل حضارة. فالإنسان والدين والحضارة، عبارة عن تفاعلية ثلاثية ضرورية لبناء مجتمع، أو أمة ما، بناءً متماسكاً ميزته الاستقلال والانفتاح في العقل والأخلاق والدين.

وإذا كانت الحداثة قد جعلت من "الإنسان" مركز الاهتمام الأول في الكون، وجعلت من "العقل" مصدرا لكل حقيقة وكل يقين، ورفضت الاعتراف بأي حقيقة من خارج وعي الإنسان، فإنها قد ظلمته بأن وضعته في مكانة فوق مكانته.

ولذا جاء فكر" ما بعد الحداثة" ليعبر عن فشل هذا التصور الذي وضعته "الحداثة "عن الإنسان، أ بعبارة أدق جاء ليكشف عن فشل مشروع الحداثة الغربي في جانبه الإنساني (الفلسفي، الأخلاقي، النفسي والاجتماعي)[59].     

 لقد تحول الإنسان في الفكر المعاصر من مشيد للحضارات ومبدع للثقافات إلى مجرد نسخة جديدة عن "سيزيف" على حد تعبير الأستاذ "عبد الرزاق الداوي" [60].

إن تصور الحداثة للإنسان لم يكن إلا تصورا زائفا في اعتقاد القائلين بموت الإنسان وأكذوبة لم يعرفها تاريخ الفلسفة من قبل، لدرجة سمى البعضُ "إنسان الحداثة" بـ: "إنسان الفلسفة" الذي هو على وشك الانقراض في تصور "إنسان ما بعد الحداثة" خصوصا التيار المتطرف والقائل بموت الإنسان.

إن إنسان ما بعد الحداثة لا يعترف بأي معايير أو قيم إنسانية، أو أخلاق موضوعية، أو غايات يطمح إليها [61].  

 2-3- المهمة الحضارية للإنسان الائتماني:

إن أغلب الباحثين يركزون على نقد الإسلام للحداثة، وليس على التقارب أو التباعد الموجود بينهما، وهذا رغم تعدد أوجه الحداثة الذي يعد مصدرا لتعدد خطاباتها، المستفزة والمتصادمة مع "الإسلام" من خلال "نقد التراث" و"نقد الهوية " و تغريب ا للثقافة، وتبعية لنموج المجتمع الأوروبي. و هذا ما جعل البعض يعتبر "الحداثة" وجها جديدا من أوجه الحرب ضد "الإسلام"، كون الطريقة  التي قدمت  بها الحداثة للمجتمع الإسلامي مماثلة  تماما لما قدمت بها في الغرب دون مراعاة خصوصيات فارقة ثقافيا وتاريخيا ودينيا، الأمر الذي أصاب "الحداثة" بالغربة في المجتمعات العربية الإسلامية[62].

ومن هذا التأسيس النقدي المنطلق من الربط بين "الحداثة والإسلام" كما فعل المفكر "طه عبد الرحمن"، نجد من يحاول الفصل بين "الحداثة والإسلام" و نخص بالذكر هنا الباحث" عبد المجيد الشرفي" الذي ربط مفهوم "الحداثة" بالمجتمع الأوروبي كونه الأكثر تقدما لا في المجال التكنولوجي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي، وفصل بين مفهوم "الحداثة" والمجتمع الإسلامي؛ مؤكدا أن الحداثة لم تقتحم الفكر والمجتمع الإسلامي ومؤسساته بفضل تطور ذاتي مماثل للتطور الذي حصل في الغرب وإنما تعرفوا عليها في شكل صدمة بدايتها بغزو "نابليون بونابرت" ونهايتها بالحملات الاستعمارية المحتلة للبلاد العربية[63].

لقد طرح  "ماكس فيبر" سؤاله القاتل: لمل تقدم الغرب على باقي المجتمعات في الربع الأول من القرن العشرين، أما المسلمون فقد طرحوا هذا السؤال متأخرين من قبيل أسئلة "شكيب أرسلان" و" الحسن الندوي" حول أسباب تقدم الغرب وتخلف المسلمين.

وجواب "ماكس فيبر" عن تساؤله هو: أن هذا الحدث الفريد حصل في الغرب دون غيره، لأن الغرب هو الفضاء الثقافي والاجتماعي الوحيد الذي تبلورت فيه عملية العقلنة، والتي هي بالنسبة لـ "ماكس فيبر" جوهر عملية التحديث مميزا بين ثلاث مستويات للعقلنة:

1-    والعقلنة التقنية والاقتصادية.

2-    العقلنة الإدارية والسياسية.

3-    العقلنة الثقافية  والفكرية[64].

أما في العالم الإسلامي فإن هذه المستويات ما هي إلا تقليد حداثة الغير، وليس حداثة تحديث نابع من رؤية عميقة للتراث، أو الواقع الاجتماعي التاريخي والسياسي والاقتصادي والثقافي.

وهذا ما جعل بعض المثقفين في الأوساط العربية يحكمون على حداثة المجتمع العربي الإسلامي المقلدة بأنها "حداثة معطوبة" لكونها تفتقد الشمولية في الرؤية[65].

فإذا كان تقليد الحداثة الغربية ذات المنطلقات المادية منهجاً وتنظيراً فالعقلانية العربية بهذا الشكل تسقط فيما سقطت فيه نظريتها الغربية، باعتبار العقلانية الغربية حصرت استخدام العقل في مجالات المادة فقط، وانتقلت به إلى الإنسان مثل (مجال: التقنية، الاقتصاد، الإرادة، السياسة، الثقافة والفكر).

ونتيجة لهذا الأمر سلب الإنسان العربي حقه في الاختلاف، خصوصا "الحق الروحي" بعدما أنسلب منه "حقه المادي"، حيث يستغرب المفكر "طه عبد الرحمن" الوضعية التي آلت لها الأمة الإسلامية اليوم رغم الخصوصيات التي تتميز بها الدين الحنيف عن باقي الديانات السماوية الأخرى، ورغم الجفاء الروحي الذي يعاني منه الفرد المسلم اليوم نتيجة لعدم تحمل مسؤولية الانتماء لهذا الدين، فصارت الأمة عاجزة مسلوبة لقوتين أساسيتين أحدهما نهب الخيرات المادية، والأخرى محو قيمها الروحية [66].

وعليه فإنه لا يمكن -حسب  طه عبد الرحمن- الخروج من هذه الأزمة إلا من زاويتين هامتين أحدهما (الحق في الاختلاف الفلسفي)، والثانية (الحق في الاختلاف الفكري) اللذان بنى عليهما اختلاف روح المجتمع العربي الإسلامي عن باقي المجتمعات الإنسانية.

إن طه عبد الرحمن ينطلق من مسلّمة هامة تُعتبر الحجر الأساس في مشروعه الأخلاقي، وهي أنه لم يعد في الإمكان اليوم "ولادة إنسان جديد من هذا الإنسان القديم الذي أنتجته هذه الحضارة الغربية، إلا بتحول خلُقي أشبه بالتحوّل الخلقي الذي تباشره التجربة الدينية في مرتبة التأييد[67]، أو ما سماها بـــــ "الائتمانية"[68].

إن ما تمتاز به هذه التجربة عن غيرها، أنها تُخرج صاحبها من طلب حظوظ السيادةعلى الكون إلى أداء حقوق العبودية لسيد الكون عزّ وجل، من خلال التحقق والتخلق بالصفات الحسنى ،و الاقتداء الحي بأخلاق الأنموذج الإنسانيِّ الأكمل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم[69].

ومع أن هذا المنهج التربوي، نخبوي، طويل المدة، عسير المسلك، إلا أن نتائجه أكثر ضمانا من غيره، لكونه يراهن على إنتاج الإنسان الكوثر[70]،الكثيرِ خيره، الطاهرِ قلبه، المترفعِ عن ظاهر الإثم وباطنه،المتشوفِ إلى تحقيق الكمالات في ذاته وفي محيطه.

إن هذا النوع من الناس لا يمكنه أن ينشأ إلا في رحاب أهل العقل المؤيد ممن تزكوا وفرغوا من تهذيب أنفسهم، فأصبحوا مؤهلين بدورهم لتربية غيرهم، وإصلاح مجتمعاتهم، لا بتعبئة النفوس واستنفار الجموع وقلب الأوضاع والمؤسسات، طمعا في الحصول على نتائج عاجلة، وإنما بتحقيق الأنموذج الصادق في ذواتهم بدءا، حتى يظهر من سنيِّ أفعالهم وزكيِّ أحوالهم ما يدعو غيرهم للاقتداء بهم في تغيير أنفسهم، والوصول إلى ما وصلوا هم  إليه[71].

ولعل أفدحعيب اعترى مختلف المناهج التربوية في المجتمعات الإسلامية أنها لم تول اهتماما يُذكر بهذا المنهج التزكوي، بل اكتفت بتعليم أخلاق السطحªفي مظاهرها العقلية والدينية، فخرّجت أجيالا تشكو من فقر روحي         و تعاني انحرافات نفسية واجتماعية لا حصر لها كحب الجاه، والتسلط، وحب التسيّد، والطمع، والأنانية، والرياء وغيرها من الأمراض، بالإضافة إلى التشوهات العقيدية التي وسـَمتْها بسبب تقليد المنظومة المعرفية الغربية.

ولذلك نجد أنفسنا اليوم في حاجة ماسة إلى تصفية قلوبنا من تلك الأمراض، وتطهير مداركنا من تلك التشوهات المعرفية المترسبة فينا، و استئناف الصلة ما بيننا و بين أخلاقنا الإسلامية العميقة، وذلك بالتدريبات المنظمة والمكثفة على القيام بالأعمال الشرعية على خير وجه، والمواظبة عليها والزيادة فيها بالقدر الذي يكفل لنا الخروج من الطبقات النفسية  والمعرفية المتراكمة، إذْ على قدر كثافة تلك الطبقات وغلظتها، تكون الأعمال الشرعية الضرورية لإزالتها[72]

لكن يجب التنبيه إلى أن تحقيق هذا المبتغى، مهمة ثقيلة لا يستطيعها الفرد لوحده، بل عليه أن يستعين بمن نهجوا قبله هذا المنهج، وذاقوا نتائجه، وهم أهل العقل المؤيد.

 هذا الأمر يحيلنا إلى الحديث عن مراتب العقلانية ومستويات أهلها في التعامل مع روح الدين، وهي كالآتي[73]:

أ‌.       مرتبة أهل العقل المجرد: وهم أهل الفكر الوضعي، ممن تجردوا عن الممارسة الدينية. أخلاقهم أخلاق جدل،  وعقلانيتهم أدنى العقلانيات. وهؤلاء غير مؤتمنين في تحقيق المشروع الأخلاقي المنشود، لكثرة ما يعتريهم من الشبهات و مجافاة الدين. 

ب‌.  مرتبة أهل العقل المسدد:وهم أرفع شأنا من سابقيهم لاتصالهم بالدين والتماسهم السداد المعرفي منه.أخلاقهم أخلاق موعظة،لكنهم -على اختلاف فئاتهم- لا يشترطون العمل التزكوي في إقامة أحكام الدين، لذلك ظل تدبيرهم التعبدي تدبيرا نفسيا لا تدبيرا روحيا. وما لم يرق الفاعل الديني إلى التدبير التعبدي الروحي فإنه لا يأمن من السقوط في حب الجاه والتشوف إلى السلطة، خدمة لذاته ولمصالحه. وبالتالي فإن هؤلاء لا يقدرون هم أيضا على إنتاج الإنسان الائتماني المرتجى لانشغالهم بظاهر الأخلاق، وإهمالهم لمطالب التزكية الروحية.

 ج. مرتبة أهل العقل المؤيد: وهم أهل التجربة الأخلاقية العميقة، أخلاقهم أخلاق الحكمة،ومنهجهم التربوي منهج  التزكية، لذا كانت عقلانيتهم أعلى العقلانيات وأسماها، حيث تجاوزوا مرتبة العقل المجرّد صارفين مفاسده، و ارتقوا فوق مرتبة العقل المسدد مجتنبين عوائقه وعيوبه. وهؤلاء هم المعنيون بصناعة الإنسان الائتماني المرتقب.

- والسؤال الذي يشخص أمامنا هو: من سيتولى الإشراف على تطبيق هذا المنهج الأخلاقي الروحي؟

إن من سيتولى تلك المسؤولية التربوية في بعدها التزكوي، والسهر على صناعة الإنسان الائتماني، ليسوا أولئك المفكرين المتجردين من الدين،الجامدين على ظواهر الأشياء، لا ولا حتى أولئك العلماء الواقفين على ظاهر الشريعة المحصورين في أخلاق السطح، بل همأهل العقل المؤيد، الذين اتصلت عقولهم بالشرع، وسُدِّدت غاياتهم بمقاصده، المتلقفون للخطاب القرآني في عمق معانيه، المتجاوزون لرسومه، المشتغلون بالله، الموصولة أقوالهم بأفعالهم، المرتبطة أعمالهم بالله، المستمدون معارفهم من حقائق الملكوت[74].

ذلك أن المسافة التي تفصلنا عن منابعنا الأخلاقية الإسلامية طويلة جدا، ولا يكفي في التحقق بها، مجرد قراءة ما لدينا من نصوص دينية، لأن تلك النصوص -على علو قدرها- لن تنقل إلينا ما تكتنزه من أحوال أخلاقية نقلا حيا مباشرا، وإنما الذي يحقق لنا هذا المطلب هو القدوة أو النموذج، الذي يبث الحياة في تلك النصوص ويجعلها تتكلم بأفصح لغة من خلاله أفعاله السديدة وأحواله الرشيدة. ولذا فإن حاجتنا إلى النموذج الحي تزداد في هذا العصر بقدر ازدياد تباعد الزمن بيننا وبين منابعنا الدينية الأولى[75].

وبناء على سبق نصل إلى أن الأخلاق الروحية، ليست علوما تدرس، ولا أقوالا تُسمع، وإنما هي سريان أحوال من نموذج حي متخلق، إلى متنمذج راغب في التخلّق.

يعتقد طه عبد الرحمن جازما –كما مرّ بنا- أن حضارة اللوغوس (وهي حضارة الغرب) قد أفلست أخلاقيا، وعمّت آفاتها الكون بأجمعه، ولم يعد للبشرية من مخرج إلا بناء حضارة جديدة يكون فيها السلطان للأيتوس(الأخلاق) بحيث تتحدد فيها حقيقة الإنسان -لا بعقله أو بقوله- وإنما بخلقه و بفعله[76].

ولا يوجد أي دينٍ –اليوم- مرشحٌ اليوم للقيام بهذا الدور ،وإمداد البشرية بمدد أخلاقي نقيّ كالدين الإسلامي، لأنه الدين الخاتم، والرسالة الجامعة، والمرجع الأقوم لكل العقول، آمنت بذلك أم أنكرت. وفي هذا الصدد يتوقع طه عبد الرحمن أن العالمَ سيشهد في المستقبل القريب حدثين كبيرين و هامين:

 - أحدهما، انهيار النظريات الأخلاقية و إفلاس الأنساق المعيارية التي توجه الحداثة الغربية، فيتسبب ذلك في فراغ أخلاقي رهيب.

- وثانيهما، ازدياد هروب الناس إلى الحياة الفردية الخاصة، فتنشأ عن ذلك الحاجة إلى أخلاق الباطن(الأخلاق الروحية).

وفي ظل هذين الحدثين يتعين على المسلمين أن يتحملوا مسؤوليتهم التاريخية بتقديم البديل الأخلاقي الإسلامي الحقيقي وإنقاذ البشرية، بصفتهم شهداء على الناس كما ورد ذلك في القرآن الكريم حيث قال الله تعالى:﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ[77].

ولن يكون البديل الأخلاقي الأنجع، سوى الأخلاق المؤيدة التي تعتبر،بحق، أقدر الأخلاق على تقويم حضارة القول، وتخليص الإنسان من سوءاتها[78].أوبعبارة أخرى إن أخلاق شق الصدر هي التي المرشحة لأن تكون منهجا لتجديد القلب الإنساني، وسببا في ميلاد عقل جديد[79].

لكن أليس من الجدير بنا نحن المسلمين أن نتمثل هذه الأخلاق في حياتنا ونتخذها سببا لحداثتنا المرتقبة أولا، قبل أن نقدمها كبديل أخلاقي للآخرين؟

سؤال وجيه يُحيلنا على إجابة مريرة، وهي أن الحركات النهضوية في العالم العربي والإسلامي - على اختلاف مشاربها- لم تُعر إلى حد الآن كبير اهتمام لهذا الجانب الروحي من الممارسة الإسلامية، بل راحت تتسابق نحو المجالات السياسية والاقتصادية مستعجلة تدارك التقدم الحضاري، معتقدة أن النهضة لا تتحقق إلا بمحاكاة الحداثة الغربية وأن "مآل التجديد الإسلامي رهين بإنشاء المؤسسات الصناعية والمراكز التقنية ووضع البرامج التحديثية وتجنيد الطاقات المادية"[80].

غير أن هذا الطرح  خاطئ من أساسه-حسب طه عبد الرحمن- وذلك للأسباب للآتية:

أ‌.        إن انتهاجه سيؤدي بنا إلى مزيد من التبعية للغرب، فضلا عن تعطيل الموروث الثقافي الإسلامي.

ب‌.  و سيصحّ هذا الطرح لو كان الغرض من التجديد أن نجعل المجتمع المسلم نسخة مطابقة للمجتمع الغربي. وليس هذا هو القصد من التحديث.

ت‌.  إن مسالك الغرب في التحديث بُنيت أصلا على أسس عَقدية تعارض الحقيقة الشرعية الإسلامية. ومتى أخذ بها المسلم أنشأت في قلبه -شاء أم أبى- توجهات تنزع عنه لباس الإيمان والتقوى، وأورثته -عاجلا أو آجلا- سلوكات تنسيه التعامل مع الله[81].

ث‌.  ثم إن انتهاج المجتمعات الإسلامية منهج التحديث على النمط الغربي سيحصرها داخل الأفق الذي ترسمه لها النماذج الغربية، فتقع في الانسلاخ عن هويتها[82].

ج‌.    وأخير فإن الغرب لن يترك المجتمعات الإسلامية تلتحق بركبه، بل سيسعى إلى تعطيلها، حتى تظل تابعة له خاضعة لأوامره[83].

فإذا ثبت لدينا مما سبق، أن التحديث الغربي مقطوع عن الغيب، مبتور عن الأخلاق، وإذا تبين لنا أيضا أن تقليده لن يجرنا إلا إلى التراجع والانسلاخ، تعيّن علينا أن نفكر –إذن- في نمط مغاير من التحديث لا يلحقنا منه الأذى، ولا يصيبنا منه عطب، و ذلك لا يكون إلا باستعادة الصلتين المفقودتين معا في الحداثة الغربية، وهما الصلة بين العقل والغيب، والصلة بين العلم و العمل، وذلك لا يكون إلا بشرطين: أحدهما تحقيق التخلق العميق، والثاني ترسيخ المعية الإلهية.

إن الحركات النهضوية العلمانية والإلحادية في العالم الإسلامي، ليست مؤهلة إطلاقا لتحقيق هذين الشرطين لأنها لا تؤمن أصلا بضرورة الدين الإسلامي في الحياة حتى في خطوطه العريضة، فضلا عن أن تهتم بتحقيق تلك المطالب الروحية الدقيقة منه، والتي لا ترى فيها سوى الانسحابية والرجعية والتخريف‏[84].

أما الحركات النهضوية الإسلامية، وهي التي من كان من المفترض أن تتولى تجسيد هذه المطالب، فقد وقعت في التسييس و لم تتمكن – رغم جهودها المعتبرة- من تربية رجال نماذج و قدوات إئتمانيين. ولذا فإنها مطالبة -إن أرادت أن تساهم في بناء حداثة إسلامية راسخة- أن تراجع منهجها الإصلاحي، و تتجنب الإفراط في التشييد الدنيوي والإدمان على العمل السياسي.

ولن يتأتى لها ذلك إلا إذا تبنت المشروع التزكوي الذي ينتج الإنسان النخبوي الائتماني المتحقق بالوحدة الأصلية بين التعبد والتدبير§الجامع  بين التخلق الخارجي و التخلق الداخلي، المتعبد لله في كل شيء وفي كل وقت وفي كل أين[85].

فلا حداثة إسلامية إذن إلا بتربية الإنسان الإئتماني، ولا منهج يصلح لتربيته إلا المنهج الأخلاقي التزكوي.

·       الخاتمة:

ختاما، نصل إلى أن الحداثة الغربية بلغت حالة من التأزم لم يعد يجدي في درئ مفاسدها إلا الحل الأخلاقي، هذا الحل الذي تعالت أصوات الحكماء في العالم للرجوع إليه، في إطار ما يسمى بالأخلاق العالمية. وعبثا يحاولون لأن تلك الأخلاق قد تكون بمثابة ترميمات وترقيعات آنية، ولكنها لن تجدي نفعا ما لم تؤسَّس على  الدين العالمي الخاتم الذي هو الإسلام، لأن الزمن الأخلاقي زمنه بلا منازع، ويستحيل أن يجعله الله دينا عالميا خاتما صالحا لكل الأزمنة، ولا يضمّنه من القيم ما ينفع البشرية ويخلصها من مصائبها. ومن هنا يبرز دور المسلمين في القيام بدورهم الشهادي على الناس، وتقديم البديل الأخلاقي لهم.

وحينما يتحدث طه عبد الرحمن عن أصحاب هذا الدور الريادي من المسلمين، لا يعني مقلدة الحداثة الغربية، المنبهرين بها، المتنكرين لدينهم، ولا حتى أولئك الذي وقفوا على ساحل الدين ولم يعرفوا منه إلا ظواهره ورسومه، بل إن المعنيين بهذه المهمة الحضارية هم أهل العقل المؤيد، الذين خاضوا التجربة الروحية بكل مقاماتها ،وتلقوا تربيتهم من الأصفياء العارفين المتصلين اتصالا حيا بالنموذج الحضاري الأكمل سيدنا -محمد صلى الله عليه وسلم-، فاستطاعوا بمنهجهم الروحي ذاك أن ينشئوا الإنسان الريادي الائتماني الكوثر.

 

الهوامش والإحالات:



[1]جميل صليبا،المعجم الفلسفي، الجزء1، دار الكتاب اللبناني، بيروت، 1982، ص 539.

[2]Gérard Durozoi-André Roussel,Dictionnaire de philosophie,Nathan. Imprime enFrance par I.M.E 2003, p, 392.

[3]محمود يعقوبي،معجم الفلسفة، الميزان للنشر والتوزيع، ط2، الجزائر،1998، ص 48.

[4]إبراهيم مذكور، المعجم الفلسفي، الهيئة العامة للشؤون والمطابع الأميرية، دط القاهرة ، 1983، ص 124.

[5]جميل صليبا، المعجم الفلسفي، ص572.

[6]خليل أحمد خليل، معجم المصطلحات الفلسفية،دار الفكر اللبناني، ط1، بيروت، ص78.

[7]Dictionnaire de philosophie, Op.cit. P.195.

[8] محمود يعقوبي، معجم الفلسفة، ص56.

[9]Dictionnaire de philosophie, Op.cit.P.115.

 طه عبد الرحمن، بؤس الدهرانية، النقد الائتماني لفصل الأخلاق عن الدين، الشبكة العربية للأبحاث والنشر،ط1، بيروت،2014، ص (93-103).[10]

[11]يراجع: طه عبد الرحمن، دين الحياء، من الفقه الائتماري إلى الفقه الائتماني، المؤسسة العربية للفكر والإبداع، ط1، بيروت2017.

[12]علي عزت بيجوفيتش، الإسلام بين الشرق والغرب ( ميونيخ: مؤسسة بافاريا للنشر والأعلام والخدمات، 1994)، ص258.

[13]Fr. Ted Colleten, " Family Is Key to Social Integration," Interim, May 1998, p.1

[14]James Kurth, "The American Way of Victory," National Interest, Summer 2000, p.5

[15] علي عزت بيجوفتش، الإسلام بين الشرق والغرب، مرجع سابق، ص 264.

[16]Jimmy Carter, Our Endangered Values:Americas Moral Crisis ( New York : Simon & Schuster, 2005) , p.69.

[17]زريق، قسطنطين، "حضور أمريكا في الذهن العربي، والحضور العربي في الذهن الأمريكي"، في الحياة، ع(12134)28ذو الحجة1416(16مايو1996).  

[18]عبد الوهاب المسيري ، الفردوس الأرضي، دار تنوير للنشر والطباعة، القاهرة، ط1، 2014، ص 140.

[19]أميمة أبو بكر وشرين شكري، المرأة والجندر، دار الفكر دمشق، سوريا، ط2، 2002، ص115.

[20]ينظر عبد الوهاب المسيري، الفلسفة المادية وتفكيك الإنسان، دار الفكر المعاصر، بيروت، لبنان،ط4، 2010 ص 36 ص 207.

[21]طه عبد الرحمن، بؤس الدهرانية، النقد الائتماني لفصل الأخلاق عن الدين، مرجع سابق، ص 85 بتصرف.

[22]طه عبد الرحمن، شرود ما بعد الدهرانية، المؤسسة العربية للفكر والإبداع، ط1، بيروت، 2016، ص45،49 50.

[23]ينظر: روجيهغارودي،وعودالإسلام،ترجمةذوقانقرقوط،دارالرقي،بيروت،ط1985 ،2 ،ص82 ،81. وكذا نعومتشومسكي،الربحمقدمعلىالشعبالنيوليبراليةوالنظامالعالمي،ترجمةلمىنجيب،الهيئةالعامة، السوريةللكتاب،دمشق،2001،ص150.

¨الحوسلة: مصطلح نحته عبد الوهاب المسيري مركب من كلمتين تحويل+ وسيلة، أي تحويل كل شيء إلى وسيلة. 

©يستعمل المسيري المادة البشرية، كتعبير يوحي بأن الغرب في جانبه المتسلط ينظر للآخرين على أنهم مادة، يتعامل معهم كما يتعامل مع الطبيعة لتحقيق مصالحه.

[24]ينظر: عبد الوهاب المسيري، الفلسفة المادية وتفكيك الإنسان، دار الفكر المعاصر، بيروت، لبنان، ط4، 2010، ص ص180،181، 185.

 http://bohothe.blogspot.com/2010/03/blog-post_30.html ينظر حسان الباهي، العلم بين الأخلاق والسياسة،[25]

[26]روجيهغارودي،الولاياتالمتحدةطليعةالانحطاط،ص118 .

[27]Roger Garaudy, Les Fossoyeurs, Edition de L’Archipel, Paris, N d édition 19, 1992,p72.

[28]ينظر: طه عبد الرحمن، بؤس الدهرانية، النقد الائتماني لفصل الأخلاق عن الدين، مرجع سابق، ص 131 وما بعدها.

[29]المرجع نفسه، الصفحة نفسها.

[30]طه عبد الرحمن، سؤال الأخلاق،مساهمة في النقد الأخلاقي للحداثة الغربية، المركز الثقافي العربي، ط1، الدر البيضاء، المغرب، 2000.ص ص 91، 92.

[31]المرجع نفسه، ص 113.

[32]المرجع نفسه، ص 26.

[33]المرجع نفسه، ص ص77، 89.

[34]طه عبد الرحمن،روح الحداثة،المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ط 2 ، 2009 ، ص90. وكذا:سؤال الأخلاق، ص 145.

[35]طه عبد الرحمن، سؤال الأخلاق،مساهمة في النقد الأخلاقي للحداثة الغربية،مرجع سابق،  ص80.

[36]المرجع نفسه، ص ص 78، 79 بتصرف.

[37]المرجع نفسه، ص 145.

[38]المرجع نفسه، ص 26.

[39]المرجع نفسه، ص 145

[40]طه عبد الرحمن، حوارات حول المستقبل، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، ط1، 2011، ص 12.

[41]طه عبد الرحمن،روح الحداثة، مرجع سابق، ص 35 وما بعدها.

[42]طه عبد الرحمن،سؤال الأخلاق،مساهمة في النقد الأخلاقي للحداثة الغربية،مرجع سابق،  ص30

[43]يراجع: النشار مصطفى، تاريخ الفلسفة اليونانية من منظور شرقي، ج2، دار قباء للطباعة والنشر، دط، القاهرة،2000، ص121 وما بعدها، ينظر أيضا:  La Lande ,Vocabulaire Technique de la philosophie , Presses,universitaires de France ,P305

[44]المرجع نفسه، ص21.

[45]المرجع نفسه، ص25

[46]طه عبد الرحمن، سؤال الأخلاق،مساهمة في النقد الأخلاقي للحداثة الغربية،مرجع سابق،  ص 35

[47]يراجع: كانط، أسس ميتافيزيقا الأخلاق، درا النهضة العربية، بيروت،1970.

[48]عبد الرحمن طه، سؤال الأخلاق، مرجع سابق، ص37.

[49]المرجع نفسه، ص 40.

[50]مانويل ماريا كاريلو، خطابات الحداثة، تر: إدريس كيثر، عز الدين الخطابي، منشورات دار ما بعد الحداثة، دط، فاس، 2001، ص6(من المقدمة).

[51]زكي الميلاد، الإسلام والحداثة، مؤسسة الانتشار العربي، ط1، بيروت، 2010، ص72.

[52]المرجع نفسه، ص 73.

[53]عبد الرحمن طه،سؤال الأخلاق،مساهمة في النقد الأخلاقي للحداثة الغربية،مرجع سابق، ص 13.

[54]المرجع نفسه، ص 13.

[55]المرجع نفسه، ص(13-14).

[56]المرجع نفسه، ص52 وما بعدها.

[57]القرآن الكريم،سورة الفرقان، الآية، 44.

[58]مالك بن نبي،شروط النهضة، تر: عبد الصبور شاهين وعمر كامل مسقاوي، دار الفكر للطباعة و التوزيع و النشر، دمشق، ص 61 وما بعدها.

[59]المرجع نفسه، ص63.

[60]سالم القمودي، الإسلام كمجاوز للحداثة وما بعد الحداثة، مؤسسة الانتشار العربي، ط 1، بيروت، 2008، ص(140،141).

[61]يراجع: عبد الرزاق الداوي، موت الإنسان في الخطاب الفلسفي المعاصر، دار الطليعة للطباعة والنشر، دط، بيروت، 1995.

[62]زكي الميلاد، الإسلام والحداثة، مرجع سابق، ص56.

[63]عبد المجيد الشرفي،الإسلام والحداثة، الدار التونسية للنشر، دط، تونس، 1991، ص30.

[64]محمد سبيلا، دفاعا عن الحداثة، (حوارات) منشورات الزمن، مطبعة النجاح الجديدة، دط ،الدر البيضاء، 2003، ص 51 وما بعدها.

[65]محمد بنيس، الحداثة المعطوبة، دار توبقال للنشر، ط1، الدار البيضاء، 2004، ص(42،43).

[66]يراجع: طه عبد الرحمن، الحق الإسلامي في الاختلاف الفكري، المركز الثقافي العربي، ط1، الدار البيضاء، المغرب، 2005.

[67]المرجع نفسه، ص 80.

[68]ينظر: طه عبد الرحمن. روح الدين، من ضيق العلمانية إلى سعة الائتمانية، الدار البيضاء، المغرب: المركز الثقافي العربي، ط1، 2012، ص503 وما بعدها.

[69]طه عبد الرحمن، من الإنسان الأبتر إلى الإنسان الكوثر، المؤسسة العربية للفكر والابداع، جمع وتقديم: رضون مرحوم، ط1، بيروت، 2016، ص15.

 المرجع نفسه، ص ص44، 45.[70]

[71]طه عبد الرحمن، روح الدين،من ضيق العلمانية إلى سعة الائتمانية،مرجع سابق، ص503 بتصرف.

[72]طه عبد الرحمن.، سؤال الأخلاق،مساهمة في النقد الأخلاقي للحداثة الغربية،مرجع سابق، ص 110 بتصرف.

[73]ينظر: طه عبد الرحمن، بؤس الدهرانية،النقد الائتماني لفصل الأخلاق عن الدين،مرجع سابق، ص 13. وكذا:سؤال الأخلاق، مرجع سابق، ص 69 وما بعدها. وكذا:العمل الديني وتجديد العقل، المركز الثقافي العربي، ط2، الدار البيضاء، المغرب، 1997، ص40 وما بعدها. وكذا: روح الدين،من ضيق العلمانية إلى سعة الائتمانية،مرجع سابق، ص448.

[74]ينظر: طه عبد الرحمن،: بؤس الدهرانية النقد الائتماني لفصل الأخلاق عن الدين، مرجع سابق، ص 13وكذا: من الإنسان الأبتر إلى الإنسان الكوثر، مرجع سابق ،الصفحات16 ،54 ،55.

[75]طه عبد الرحمن، العمل الديني وتجديد العقل، مرجع سابق، ص196.

[76]طه عبد الرحمن، سؤال الأخلاق،مساهمة في النقد الأخلاقي للحداثة الغربية،مرجع سابق، ص 146.

 القرآن الكريم،سورة آل عمران، الآية، 110. [77]

[78]المرجع نفسه، ص ص 86، 90.

[79]المرجع نفسه، ص 164.

[80]المرجع نفسه، ص 188.

[81]المرجع نفسه، ص 196. 

[82]المرجع نفسه، ص 195.  

[83]المرجع نفسه، ص 196. 

[84]ينظر: قويدري الأخضر، "العرفان بين الاستقالة والاستنارة"، مجلة الكلمة، بيروت، منتدى الكلمة للدراسات والأبحاث، العدد 89، (2015م)، ص 102 إلى 130.

§التعبد والتدبير:هما الدين والسياسة على الترتيب.

[85]انظر: طه عبد الرحمن، روح الدين،من ضيق العلمانية إلى سعة الائتمانية،مرجع سابق، الصفحات476،501،509.

ملاحظة 

 قدمت هاته الورقة البحثية ضمن فعاليات المؤتمر الدول للجمعية الجزائرية للدراسات الفلسفية - حول (سؤال الأخلاق اليوم) المنعقد أيام: 23-24 أكتوبر 2019 بقاعة المحاضرات التابعة لجامعة عبد الرحمان ميرة - قطب أبو داو- بجاية الجزائر 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !