تلخيص لكتاب سعيد بنكراد
"سميائيات الصورة الإشهارية"
"الإشهار والتمثلات الثقافية"
من إنجاز الطالب الباحث : الموجود مصطفى
مما هو معلوم أن سعيد بنكراد يعتبر من أبرز السيمائيين على الساحة العربية، وذلك لما له من قدرة على النقد والتأويل وكذا موهبته الرائعة والمدهشة في التحليل، والتي بفضلها استطاع اختراق مكنونات الإنسان في علاقته بالصورة الاشهارية وتمثلاته الثقافية .
هكذا يأتي هذا المقال كمحاولة لتلخيص أهم الأفكار والقضايا التي عالجها الدكتور بنكراد في مؤلفه "سميائيات الصورة الإشهارية، الإشهار والتمثلات الثقافية" .
وعلى العموم فهذا المؤلّف يحتوي على سبعة فصول أساسية وسأقتصر في هذا المقال على تلخيص الفصول الثلاثة الأولى، وذلك نظرا لأهميتها فهي تعالج أهم الآليات والوسائل التي يعتمدها السيميائي في مقاربته للصورة الإشهارية.
وعلى العموم فإن هذا الكتاب لا يود الحديث عن الدور الاقتصادي للإشهار ولا عن آليات التسويق والاستهلاك وقضايا الربح والخسارة، بل سيركز عن الجزء الاّ مرئي من عمليات الإنتاج والتسويق والاستهلاك، أي الاهتمام بالوجه الخفي والمسكوت عنه في عملية الإشهار، والتي تقود الفرد إلى الشراء ثم المزيد من الشراء، فغاية الإشهار الربح لكن هذا الأخير يعتمد وسائل غير مباشرة للبيع والترويج، فهو لا يكشف عن نفسه بشكل صريح وبعلانية، بل الإرسالية الإشهارية استراتيجية خاصة لصياغة مضامين وطرق عرضها، فهي لا تكتفي بعرض المنتوج المادي، بل تسعى الى جذب المستهلك والاشتغال على لا شعوره بغض النظر عن نفعية وجودة المنتوج، فالبيع والترويج والدعاية عمليات لا تقتصر على عرض المنتوج وتعداد محاسنه، فهذه العناصر وحدها غير كافية لإقناع المستهلك باقتناء هذا المنتوج أو ذاك، بل إن الإشهار هو في المقام الأول استنفار لطاقات انفعالية مبهمة داخل الذات المستهلكة، فما يعطي للمنتوج معنى ليس وجوده كشيء مادي فهو لا يستمد قيمته من ذاته، و إنما من خلال عين الرائي و التي تخلصه من وظيفته و تحوله إلى حلم و جمال و رؤى سحرية ، و الإرسالية الإشهارية تساعده على ذلك .
إن ما يحاول سعيد بنكراد أن يوضحه في هذه الدراسة هو عمليات الترويج لسلع الاستهلاك، ليس من حيث مردوديته الاقتصادية و لكن من حيث هو فعل ثقافي أولا، أي أن الأمر يتعلق بالبحث عن الدوافع التي تؤطر السلوك الفردي و تحدد له مراميه و توجهاته الخفية و المعلنة، أو ما سماه بنكراد باللاشعور الثقافي، وذلك أن الفرد يخضع بصورة قبلية و غير مرئية و غير مفهومة عقليا لبرمجة تمكن الفرد من التصرف بطريقة تتوافق مع وضعية ما، و بهذا ندرك بأن مصمم الوصلات الإشهارية لا يقف عند حدود الحاجات الاستهلاكية المباشرة بل يبحث في اللاشعور الجماعي و عن الرغبات المسكوت عنها، إن الإشهار يمتلك أسراره و آلياته الخاصة لاستدراج الفرد المستهلك لفعل الشراء، و هذا ما يسمى بالإقناع السري الذي يبحث في النفس الإنسانية عن السبل المؤدية إلى تعطيل ادوات المراقبة لتحرير الفعل من قيوده، و الدفع بالفرد إلى عالم الاستهلاك متحررا من كل الضغوط التي تفرضها المراقبة العقلية ، كل هذا من أجل تحقيق السيطرة على اللاشعور لتوجيه و تنميط سلوك الفرد، و يكفي أن نشير إلى الحضور الجسدي في الإشهار بكل ما يحيل عليه من إثارة جنسية، خاصة جسد المرأة، فالإشهار يستخدم الجسد و يستغل مختلف مناطقه من أجل توجيه العين و الوجدان، فالجسد الذي يقصده بنكراد ليس جسدا بالمعنى الحقيقي للكلمة و إنما هو موضوع إيروسي على تعبير جون بودريار، ليس ذلك الجسد الذي نصادفه في الشارع و لا حتى ذلك الذي نداعبه في السرير، إنه جسد نزعت عنه كل المناطق النفعية ليصبح دالا على وظيفة واحدة هي الوظيفة الإيروسية، أي منتجا للإستهامات أو مثيرا للرغبات، و هذا ما سيبرزه بشكل جلي سعيد بنكراد في الفصل الثالث في هذا الكتاب و الذي عنونه بنسائهم و نساؤنا.
هكذا يتم التركيز على الجمال و الإغراء في جسد المرأة بينما يركز الإشهار في النموذج الذكوري على المظهر الرياضي و اللياقة البدنية.
وخلاصة الأمر فإن الإشهار في قنواتنا لا يعبر عن حالة وعي، وليس تعبيرا عن ميل من الميولات المحددة للأهواء، بل يعكس حالة الهجانة الفكرية والحضارية.
هكذا يسعى هذا البحث إلى إبراز هذه الازدواجية التي يتمتع بها الإشهار والمتمثلة في محاولة التوفيق بين المتعي والنفعي وانعكاسها على بناء وجدان مستهلك تتجاذبه كل الأهواء، وتسعى هذه الدراسة من جهة سميائية للكشف عن آليات واسرار التدليل باعتباره الوسيلة الغير مرئية للتسلل إلى اللاشعور، فالقراءة السميائية هنا ستولي الاهتمام للتأويل ، فالمعنى لا يمكن أن يكون إلا إذا كان متواريا ومستعصيا على الضبط و الإمساك، وكلما توارى واحتجب كانت المطاردة قوية وكانت رحلة البحث عنه ممتعة.
هكذا يحاول بنكراد في هذا الكتاب إبراز أهمية السميائيات في كشف خبايا الصورة الإشهارية ودلالتها، وهذا ما نستشفه انطلاقا من الفصول الثلاثة الأولى والتي سنقتصر عليها في تلخيصنا هذا باعتبارها تبيان لأهم السبل و الآليات التي تمكننا من قراءة الصورة الإشهارية ومقاربتها، وذلك انطلاقا من نماذج مستمدة من واقعنا المغربي .
1- الإ
يبدأ بنكراد في هذا الفصل بالتساؤل التالي : كيف يمكن لصورة تتكون من عناصر بالغة التنافر من حيث المادة والتركيب ان تنتج معنى أو معاني؟
فالصورة عبارة عن تنظيم خاص لها دلالتها متجلية من خلال أشياء أو كائنات في أوضاع مختلفة، فالأشياء رغم اختلافها فهي في تفاعلها تعطي معنى ودلالة، فالصورة تختلف عن النص، بحيث يتوسل النص إلى اللغة لإنتاج المعنى بينما تستند الصورة إلى الأسنن ، فما يعطي للصورة دلالة هو الإدراك البصري الذي يحاول أن يحول الأشياء داخل الصورة من مستوى أنطولوجي وتقديمها على شكل علامات، ومن هنا اهمية الرؤية في إنتاج الأبعاد الرمزية.
فالصورة عبارة عن قراءة وتأويل لعالم الأشياء، إنها بناء مزدوج، بناء أول يقوم به المصور وأداته، وبناء ثان يقوم به المتلقي الذي يبحث في الصورة عن ذاته إنه يقرأ فيها احلامه وتاريخه، ومن هنا يطرح بنكراد مشكلة الدلالة في الصورة ، أي كيف يتحول الشيء إلى علامة وإلى نص ومعنى داخل هذا العالم المتنافر التكوين ؟ هنا يميز بنكراد بين الكلمات والأشياء، فلا يمكننا أن نتعامل مع الأشياء كما نتعامل مع الكلمات فالشيء أكبر من الكلمة إنه من حجم الجملة، ولهذا فإدراك الشيء يتم من زاويتين، إدراكه من زاوية الشكل الوجودي، وإدراكه من زاوية الفعل التدليلي.
إذن هناك مستويات في قراءة الصورة، مستوى الدلالة المباشرة ومستوى الدلالة الاحتمالية، وانطلاقا من هاته الزوايا يجب مقاربة الصورة الإشهارية والكشف عم الطريقة التي تبنى عبرها الإرساليات المتنوعة، فالصورة الإشهارية لا يمكن ان تتم بمنأى عن الموضوعات الثقافية التي تنتجها الممارسة الإنسانية، وبعيدا أيضا عن النماذج الاجتماعية المرتبطة بها، فالتركيب فيما بينهما هو ما يعطي للصورة الإشهارية دلالة واقعية.
فالصورة الإشهارية عبارة عن مضمون بصري ولساني حامل لواقعة إبلاغيه تستهدف حالة نفسية خاصة بشريحة معينة والدفع بها إلى شراء المنتوج، فهي ليست مجرد وصف للمنتوج بل هي تحديد لعلاقات وأنماط السلوك، وهنا يحيلنا بنكراد إلى الدراسة الميدانية التي قام بها حول زبدة ما كدور.
فالصورة تقدم لنا عالما إنسانيا يتكون من مجموعة من العناصر( الفرن الفتيات الزبدة......) فكل عنصر له موقع داخل سجل ثقافي خاص يحيل إليه.
ويحدد لنا بنكراد ثلاث مستويات من التسنين في الصورة الإشهارية:
1- المستو
2-
3- المستو
ومن جهة اخرى ينتقل بنكراد إلى إبراز غايات الصورة الإشهارية وإرغاماتها للمتلقي على فعل الشراء، فالصورة الإشهارية صريحة في التدليل والتأويل والغاية، فكل العناصر الموظفة في الصورة يجب أن تقود على تحديد مدلول كلي يقود المستهلك من المحسوس إلى حياة ممكنة، أو حياة محتملة أو حياة على شكل أوهام لا تنتهي، فالقوة الضاربة للصورة الإشهارية تكمن في خلق استراتيجية النمذجة، أي ان الفرد لا يدرك إلا من خلال النموذج في كامل قوته، هكذا إذن يخلص بنكراد إلى أن العين تحول المنتوج إلى مثير نفسي يستحضر عبره كل الوضعيات التي ترغب في الوصول إليها، فهي تستحضر أوهاما ورغبات مكبوتة، فالشعار الإشهاري يسعى إلى خلق وضع نفسي : (كن اكثر غنى أكثر سعادة.)
بعد ذلك سينتقل المؤلف إلى إبراز بأن الأمر يتعلق في الوصلة الإشهارية بتطبيع وضعية تعد في عمقها نتاجا لبناء اجتماعي، ويعود هذا البناء إلى مقومين أـساسين تستند إليهما الصورة الإشهارية من اجل البرهنة والتدليل:
1-
2- ينطلق الإشهار من دال كلي إلى مدلول كلي يقود المتلقي إلى استخراج المدلول الوظيفي المعبر عن جودة المنتوج، أي حينما يكون المتلقي أمام الصورة فإنه لا يتوقف ليدرك ما تقوله الإرسالية عن المنتوج، وإنما يتوقف عند إحالات ودلالات الشيء، ولذلك يرى بنكراد أن قراءة الصورة الإشهارية يتطلب إعادة النظر في أشياء الصورة وفق أسنن ليست بالضرورة مطابقة لسنن المسنن، وذلك أن تعدد الدال وتنوعه يوحي بوجود مدلولات صغرى هي ما يشكل العمق الثقافي والإيديولوجي للإرسالية.
ويختتم بنكراد هذا المحور بمثال لصورة إشهارية يبين من خلالها من جهة نمط اشتغال الدال الكلي والمدلول الكلي وكذا إنتاج الأثر الإيديولوجي عبر الوحدات الصغرى للصورة من جهة ثانية، ويتعلق الأمر بإشهار لأحد انواع الزيوت زيت لوسيور ، بحيث يرى بأن هذه الوصلة الإشهارية تتكون من إرساليتين الأولى لغوية والثانية بصرية، فهذه الإرسالية الإشهارية تقدم نفسها بشكل بريء وطبيعي فهي وصف لحالة مشابهة لآلاف الحالات الأسرية التي تفضل استعمال لوسيور، ويدعونا بنكراد لقراءة الصورة وذلك بتجاهل المنتوج، ومحاولتنا الاقتصار على تحديد الدلالات الممكن توليدها انطلاقا مما توفره الصورة في مظهرها المباشر، فإننا سنجد أنفسنا أمام عوالم ثقافية وأيديولوجية متنوعة تقوم على صياغة أجزاء الحياة عبر التمثيل الصوري وذلك من خلال استعادة عصارة القيم المتحكمة في وضعية شعب أو طبقة أو طائفة عرقية ، أي تحديد العناصر المكونة لما يطلق عليه الإبيستيمي.
ويخلص بنكراد إلى أن ضبط آليات التدليل داخل عالم الصورة يمر عبر ضبط القضايا التي تطرحها دلالة الأشياء في الحياة وفي الصورة وتحديد موقعها من العلاقات الاجتماعية، فضبط آليات التدليل يعد خطوة جبارة نحو ضبط آليات التناسل الأيديولوجي في رسم الصورة.
2- الصورة الإشهارية بين المرجعية والجمالية والمدلول الإيديولوجي.
يسعى هذا الفصل الى الكشف عن آليات الإرسالية الإشهارية ومدى تأثيرها ووقعها على المتلقي، وبناءا عليه يركز بنكراد في هذه المسالة على ملاحظات اساسية :
1. الهوية والتمثل البصري : فالصورة الإشهارية في طريقة إنتاجها ووقعها على المتلقي لا تتأتى من الأشياء ذاتها أي من مرجعها المباشر بل هي وليدة العلاقات التي تدركها النظرة هذه الأخيرة التي تؤلف بين العناصر الموضوعة للرؤية، فما يهم مصمم الصورة الإشهارية ليس ذلك المعطى الجاهز وما له من تأثير نفعي بل في دلالته ، أي استعادة للموضوعات الثقافية المتداولة بين الناس.
فالمنتوج قبل ان يكون مادة للإشهار والتداول فهو يحتوي على اسم أي على هوية هي أساس وجود المنتوج وضمان تداوله وتذكره واستهلاكه ن، ويجب أن ترتبط هذا الاسم بوجدان المتلقي المستهلك وتحويله إلى مثير نفسي يحتكم اليه السلوك ، ولعل مفهوم الماركة هو أساس لوجود المنتوج والتعرف عليه فهي تحدد هوية المنتوج، فالهوية ليست خصائص فيزيولوجية مباشرة بل هي طريقة في الوجود وطريقة في إنتاج المعنى .
2. المرجعية والمعنى الجاهز: إذا كان الهدف من الوصلة الإشهارية هو بلوغ فعل الشراء عن طريق مجموعة من المبررات والتحفيزات النفسية التي تؤدي بالمستهلك إلى اقتناء المنتوج، فإن طرق ووسائل بلوغ ذلك تختلف من مرجعية إلى اخرى فعرض المنتوج يحتاج إلى انتقاء الشريحة المستهدفة وانتقاء الفضاء والشخصيات والأوضاع المحتضنة له.
ومن هنا يميز في مضمون الإشهار بين نوعين أو أسلوبين : إشهار مرجعي مباشر ، وآخر غير مباشر، ولكل منهما هويته وطريقته الخاصة في صياغة الوصلات الإشهارية، فالأول ينطلق من الأشياء الملموسة الجاهزة معترف بها اجتماعيا وثقافيا، وله خصائصه وهي على الشكل التالي :
ü المظهر السردي : عبارة عن تلبية لحاجة أو جواب عن سؤال طال أمده ولهذا يدخل المنتوج كحل لهذه العقدة، فصاحب الإشهار يعمل على سرد ما قبل ظهور المنتوج باعتباره مرحلة مشكلة وبعد ذلك يظهر المنتوج كجواب وحل لهذه المشكلة.
ü المظهر التشخيصي أو التصويري: أي تقديم المنتوج للمستهلك وذلك بتشخيصه لكي يدرك دون مجهود في القراءة والتأويل، أي ارجاع كل ما هو مجرد الى الحسي مثال الحب، الطيبوبة، هذه المفاهيم يجب تشخيصها لكي يسهل على المستهلك إدراكها.
ü المظهر الوصفي : فالمنتوج في اطار منطق الإشهار المرجعي يحتاج إلى وصفة تكشف عن خصائصه، ففعل الشراء يحتاج الى سلسلة من المعلومات التي تقدمها الوصلة الإشهارية عن المنتوج وعن مدى أهميته وموقعه في الحياة اليومية للمستهلك.
ü التطابق بين اللفظ والصورة: أي ارفاق الصورة بإرسالية لغوية تشرحها أي ألا تخرج الصورة عن الهدف المرسوم.
هكذا إدن نخلص إلى أن هذه الخصائص الأربع لهذا النوع من الوصلات الإشهارية تلعب دورا أساسيا في استمالة جمهور عريض من المستهلكين يتميزون بثقافة محدودة ، وذلك بتركيز على المعطى الثقافي المباشر الذي لا يكلف العين أي عناء.
وبالإضافة الى هذا النوع من التواصل الإشهاري يمكننا الحديث أيضا عن نوع آخر وهو الإشهار الجمالي الذي لا يقف عند المنتوج كشيء، ولا يلتفت الى وظائفه وخصائصه كما أنه لا يقوم بأيه مقارنة بين هذه المؤسسة ومثيلاتها، إنه يكتفي فقط بربط اسم بقضية انسانية نبيلة كالدفاع عن البيئة وقضايا الجمال الإنساني، أي الإحالة الى عوالم مسكونة بالحلم والشعر والأسطورة والخيال، فهذا النوع من الوصلة الإشهارية يتحاشى الإرسالية المباشرة في الإحالة لأنها في نظره روتينية ومملة، وللخروج من هذا العالم، على الإشهار أن يخلص فعل الشراء من هذا الملل وأن يضفي غطاء الأحلام عن الأشياء.
ومن هنا نخلص الى أن الوصلة الإشهارية تميز في العالم الإنساني بين نوعين من القيم : قيم استعمالية وأخرى أساسية، فالقيم الاستعمالية هي قيم منبثقة من مادية الأشياء وهي تحيل الى النفعي والوظيفي الذي يؤثث ما يوجد خارج الذات، انها قيم تعول على الأبعاد الوظيفية الاستعمالية للمنتوج ودوره في الحياة اليومية للمستهلك، كأن تقول بأن المسحوق س يصبن احسن .....أما القيم الأساسية فهي قيم تخص الهوية الحضارية للفرد لا المنتوج فالوصلة الإشهارية هنا تستهدف سائق السيارة لا السيارة...
3- الغاية الإشهارية والمدلول الإيديولوجي : يعني ان لكل وصلة اشهارية غاية أيدولوجية، يعني أن أي واقعة هي حاملة لبعد غير مرئي، فالمعطى الجاهز المباشر يحمل أيضا مدلولات مسكوت عنها، فعبر المظهر الطبيعي للكائنات والأشياء يتسلل المظهر الثقافي الإيحائي ، فالوصلة الإشهارية لا تقول مباشرة اشتروا المنتوج ولكن تعتمد احالات تتسلل في غفلة من شعور المتلقي.
ونخلص الى أن المنتوج الشيء يتأرجح بين الاستعمال والدلالة أي بين بعده الوظيفي وبين احالاته الرمزية، ان المعنى ليس منبثقا من مادة الشيء ولكنه وليد لما تضفيه الممارسة الإنسانية الى ما يشكل المظهر الطبيعي للواقعة أو الشيء، إن المنتوج لا دلالة له إلا في علاقته مع النسق الثقافي وهذا التداخل يقود الى تحويل الثقافي الى كيان طبيعي، وهذا التحول من الثقافي الى الطبيعي هو ما يشكل أيدولوجية العصر.
3-نسائهم ونسائنا
تمثلات المرأة في الإشهار المغربي
في هذا الفصل سيحاول سعيد بنكراد أن يبرز لنا مجموعة من الملاحظات الخاصة بالوضع الثقافي والاجتماعي للذات النسائية سواء المرأة المحلية أو الوافدة ، أي الصورة التي تحضر فيها المرأة في الوصلات الإشهارية باعتبارها رمزا للتبادل الاجتماعي والثقافي فالمرأة تحيل على مجموعة من العوالم المجردة سواء بجسدها أو اللغة التي نعبر عنها فهي تحيل الى المتخيل الإنساني .
1- الذات النسائية بين الوظيفة والإغراء
انطلق سعيد بنكراد في هذا السياق من مسلمة مضمونها وجود روابط وثيقة بين الاستعمال الاجتماعي للسان، و الاستعمال الاجتماعي للجسد، و سيحاول إثبات هذه المسلمة انطلاقا من نماذج مستقاة من الاشهار المغربي، فإذا تمعنا الاشهار في قنواتنا فقد نكشف أن هذا الاشهار تتقاسمه امرأتان، الأولى بملامح عربية محلية ، والأخرى بملامح أجنبية فهي تمثل البعد الإغرائي و تعيش في متخيل المستهلك على شكل موضوع جنسي، فتارة تحضر المرأة في صيغة محلية من خلال لباسها و ضحكتها ،(كالجدة و الأم ) فالمتلقي قادر على التماهي مع هذه الوضعية، و من جهة أخرى تحضر المرأة أيضا في صيغة اجنبية تقصي المحلي و تعوضه بصور شتى من المكبوتات، و هي حالات للتماهي الوهمي إنها امرأة الأفلام، و هذا التباين بين حضور المرأة يكمن في نوعية المنتوج الموضوع للعرض .
و يرى بنكراد بأن حضور نسائنا باعتبارهن إسنادا الى غايات إشهارية و اضحة تقصي أي تعبيرية جسدية سوى تلك الطاقة المرتبطة بالبرهنة على صلاحية المنتوج، و من جهة أخرى تحضر نساؤهم في الحالة التي يحيل فيها الاشهار إلى أشياء تحتفي بالذات كأشياء اللذة ، المتعة و الإغراء كالعطور و النهديات.
و بهذا فالجسد هو الممر الضروري نحو استجلاء حالات العرض و التداول، فعبر الجسد العريض يأتي المعروض إلى المتلقي و يتسلل إلى لا شعوره ، فما يتسلل إلى اللاشعور ليس هو المادة الاستهلاكية، و إنما هو صور مرتبطة بهذه المنتوجات ، فالنهدية مثلا لا تخفي النهد بل تكشف عنه ، و العطر لا يفوح و إنما يجلب عشيقا أو زوجا ، فالإشهار لا يكتفي بالترويج فقط بل يسهم في بلورة و بناء الهوية الاجتماعية للفرد و يحدد حاجاته و رغباته، فالوصلة الاشهارية تحدد الطريقة التي يتم من خلالها صياغة قيم تتحكم في اليومي المباشر و تعيد إنتاجه، و أخرى تغطي مناطق الاغراء و اللذة و التمتع بمفاتن حسناوات خارج حدود المؤسسة و إرغا ماتها.
و انطلاقا من هذه الملاحظات العامة سيقدم لنا بنكراد مجموعة من الوقائع الفعلية التي تمكننا من تحديد وجود الذات النسائية من خلال إحالتها على العالم اليومي من جهة، وعالم اللذة من جهة ثانية ،فلكل عالم نمط جسدي نسائي خاص و هذا ما نستشفه من خلال الوصلات الاشهارية التي تقدمها التلفزة المغربية ،إذ بسهولة ندرك وجود تقسيم للأدوار بين ذات نسائية محلية ، و أخرى وافدة أسندت لها مهام الإغراء.
و خلاصة الأمر فإن هذا التمييز بين ذاتين نسائيين، هو تمييز مضمر لاشعوري بين حاجتين تصعب المصالحة بينهما، حاجة معلنة تتعلق بالاستقرار و الطمأنينة و الخلود ،و حاجة مضمرة تكمن في الاغراء و الرغبة و المتعة ،و التي لا تعترف بأي قيود، و لتحقيق الأولى نستنجد بنسائنا ، و لإرضاء الثانية نأتي بالوافد و الغريب(نساؤهم).
التعليقات (0)