مواضيع اليوم

تحدي حلب

أحمد الشامي

2012-08-16 17:37:09

0



مع تطور المعارك في حلب وضواحيها والارتفاع المتزايد لكلفة الصراع خاصة لدى المدنيين العزل الواقعين بين سندان الثوار ومطرقة النظام، سوف يجد سيد قصر المهاجرين نفسه قريباً أمام خيار صعب، فٳما الاستمرار في التصعيد والوقوع في شرك حرب المدن، أو القبول بخسارة المدينة الثانية في سوريا و محاولة تحجيم هذه الخسارة.
اﻷكيد هو أن النظام لن يعترف بخسارة حلب بسهولة وسوف يقاوم دون هوادة، لكن من المستبعد أن يستنزف النظام قوات احتياطيه الاستراتيجي من الحرس الجمهوري ونخبة الفرقة الرابعة ويرسلها ٳلى حلب ﻷن هذا الخيار سيجعل ظهره مكشوفاً في دمشق. اﻷغلب أنه سيترك قواته المحاصرة في حلب تقاتل مع ٳسنادها بما تيسر وٳمدادها بما يقدر على ٳيصاله، آخذا بعين الاعتبار أن قواته داخل حلب تقاتل وظهرها ٳلى الحائط وهي لا تقاتل فقط من أجل "بشار" ولكن دفاعاً عن حياتها.
من هنا يمكن فهم الخطأ التكتيكي الذي وقع فيه الثوار حين أعدموا علناً مجموعة من زبانية اﻷسد من "آل بري" وحين يمارسون القتل خارج ٳطار المعركة المشروعة. ٳعدام "آل بري" لم يأت لا في الوقت ولا في الظروف المناسبة، بصرف النظر عن مشروعية هذا اﻹعدام ومبرراته. اﻷكيد أن السيد "زينو بري" المحكوم باﻹعدام لتسعة مرات على اﻷقل، لم يكن من صنف الملائكة، لكن ٳعدامه هو وابنه بالشكل الذي جرى عليه جاء رسالة ٳلى شبيحة اﻷسد وقواته أن "هذا هو ما ينتظركم" فلا مجال لا للاستسلام ولا للانسحاب. معنى هذا اﻹعدام هو أن النصر في حلب، بالنسبة للثوار، قد يعني ٳبادة كل زبانية اﻷسد وهذا ربما يكون "هدية" غير مباشرة للأسد وتشجيعاً لقواته على القتال حتى النهاية.
بالنتيجة، وكما كانت رعونة اﻷسد وغباؤه السياسي هما أفضل حلفاء الثورة، فقد يخطر للأسد وعصابته أن يستفيدوا، هم أيضاً، من نقاط ضعف المعارضة وأخطائها !!
ماذا يعني هذا الكلام على أرض الواقع ؟
يعني هذا أن هناك خيارات جديدة أمام اﻷسد متأتية مما تقترفه الثورة من أخطاء ومن عثرات المقاومين على اﻷرض ومن تشتت المعارضة السياسية والعسكرية، ٳضافة ٳلى ما يحصل من تخويف للأقليات ولعلمانيي سورية وحتى للمعتدلين من مسلميها عبر محاولة البعض فرض "حكم شريعة" مبهم يستلهم الممارسات الطالبانية في أفغانستان و"الشباب" في الصومال. حالياً، تعج صفحات الانترنيت بالشكاوى من سرقات و"زعرنات" يمارسها أفراد غير منضبطين ومن اللصوص وبعض بقايا الشبيحة الذين تحولوا، بقدرة قادر، ٳلى "ثوار" وجباة "لضرائب ثورية" ما أنزل الله بها من سلطان. ضحايا هؤلاء لن يطول بهم اﻷمر قبل أن يستغيثوا من أجل "عودة اﻷمان".
في حين أمكن للثوار ٳدارة البلدات والقرى الصغيرة والمتوسطة بكفاءة معقولة كونها تتمتع بنسيج مجتمعي قائم على القرابة واﻷعراف والوشائج العائلية والعشائرية، سيكون اﻷمر مختلفاً في حالة المدن الكبرى. الصلات العائلية تأثرت بممارسات النظام في البلدات الصغيرة ولكن لدرجة أقل من المدن الكبيرة التي تم تدمير نسيجها المجتمعي و فقدت تماسكها البنيوي حين أصبح "النظام" اﻷخطبوطي بكل تماهياته هو "اللحمة" و"اﻷمن" اللذين يسمحان بالعيش في ظروف مقبولة في التجمعات السكانية الكبيرة. في غياب الآليات المجتمعية والاقتصادية الطبيعية، أصبح "النظام" هو المتحكم في كل مناحي حياة السوريين وصار حجر الزاوية في الحياة اليومية خاصة داخل المدن السورية الكبرى. سيكون الغياب المفاجئ لهذا النظام تحدياً كبيراً للثوار في المناطق المحررة من حلب وخاصة في حالة انكسار قوات اﻷسد هناك.
ٳضافة ٳلى المشاكل المعيشية التي تحتاج لحل سريع والتي سيواجهها الثوار، سيكون عليهم ضمان حقوق وأمن المواطنين في المناطق المحررة وحمايتهم من "الزعرنة" و من هجمات قوات اﻷسد ومن القصف الذي ستمارسه هذه القوات... فهل استعد الثائرون لمواجهة هذه المعضلات وهل أجروا اتصالات مع الجار التركي لتأمين اﻹمداد الحيوي لحلب وجوارها ؟
حتى هذه اللحظة، تبدو استراتيجية النظام السوري مفتوحة على كل الاحتمالات، معركة حلب ليست، على ما يبدو، قضية مبدئية ولا هي مسألة حياة أو موت بالنسبة للعصابة اﻷسدية، فالنظام لا يجد حرجاً في التصرف "كميليشيا" طائفية فائقة التسليح وليس كدولة مسؤولة عن مواطنيها وحدودها. هذا التطور "الميليشياوي" للنظام، والذي بدأ مع قصف "بابا عمرو" بالدبابات، تؤكده لا مبالاة النظام حين تعلق اﻷمر بمنافذ حدودية "سيادية" مع تركيا واكتفاء النظام بالاحتفاظ بمنفذ بري مع عراق "نوري المالكي". بالمقابل، سارع النظام لاجتياح دمشق وضواحيها فور أن تهدد نفوذه في العاصمة، في حين تخلى عن مناطق واسعة في شمال وشرق سوريا. بالنسبة لنظام العصابة "سوريا المفيدة" تبدو في طور التقلص وهي تشمل الآن شريطاً ممتداً من الجولان المحروس من قبل الصديق اﻹسرائيلي، حتى أراضي المحمية العلوية المنتظرة، مروراً بدمشق وحمص وحماة.
ما يؤكد ذلك هو أن "الميليشيا" اﻷسدية تفاهمت مع ميليشيات كردية صديقة وسلمتها أجزاء واسعة من شمال شرق سوريا بما يهدد وحدة اﻷراضي السورية. بهذه الخطوة زرعت العصابة اﻷسدية بذور الصراع بين الثوار السوريين واﻷكراد الحالمين بالانفصال وكذلك بين اﻷكراد وتركيا، هذا مقابل تخفيف الضغط على النظام وسحب قواته المرابطة هناك وضمان ولاء العناصر الكردية في قوات اﻷسد المنتشرة في باقي أرجاء البلاد. ٳضافة ٳلى ذلك، تضمن العصابة اﻷسدية بخطوتها هذه أن يكون اﻷكراد هم البادئون بمشروع تفتيت سوريا والذي سيمهد اﻷرض للمحمية العلوية.
نظام اﻷسد، الذي "يوزع" اﻷرض السورية على من يرغب، والذي سبق له وتنازل عن الجولان ولواء اسكندرون، قد يكون يفكر في "خيار ثالث" هو "التخلي" عن حلب وجوارها للجار التركي ٳن رغب هذا اﻷخير بذلك، دون المجاهرة باﻷمر، مقابل المحافظة على وجود النظام في باقي أرجاء سوريا.
في حال عجز النظام عن المحافظة على حلب واستردادها "بثمن" مقبول من طرفه، ورفض اﻷتراك مقايضته، ستجد العصابة في دمشق نفسها أمام واحد من خيارين:
اﻷول هو التصعيد المستمر باستخدام الطيران والمدفعية بكثافة وبقوة نارية شديدة، تجعل ما حصل في حمص "نزهة" مقابل ما ينتظر حلب، مع عدم استبعاد استعمال السلاح الكيماوي لاسترداد المدينة. هذا الخيار مكلف للغاية و محفوف بالمخاطر بالنسبة للعصابة اﻷسدية، دون أن تكون هناك فائدة حاسمة ترتجى من هذه المخاطرة بالنسبة "للميليشيا" اﻷسدية التي "طلقت" السياسة والاقتصاد و التزمت منطق الغلبة الطائفية وموازين القوى والربح والخسارة.
في حال استرد النظام السيطرة على مدينة حلب، بعد تدميرها، فلن يكون في وسعه لا ٳعادة تعميرها ولا ضمان مستلزمات الحياة للباقين من مواطنيها. ستكون حلب، مثل اﻷحياء المدمرة في حمص، مصدر أرق للنظام وتربة خصبة للثورة والعمليات المسلحة ضد قوات اﻷسد الذي أدرك أنه لن ينتصر وأن فرصته المثلى للنجاة هي في أن "تنهزم" الثورة أو أن تنحصر في حلب وجبل الزاوية.
استعمال النظام المكثف للطيران و للسلاح الكيماوي قد يعرضه لضربة خارجية سوف تقصم ظهره، فالعالم، وتركيا على اﻷخص، لن يقدرا على السكوت على هذا الاستفزاز اﻷسدي. حتى الروس وٳسرائيل لن يكون بمقدورهم تغطية جرائم اﻷسد خاصة ٳن استعمل السلاح الكيماوي على بعد كيلومترات من الحدود التركية بما سيكون بمثابة "دعوة" للناتو كي يتدخل لحماية تركيا من جار أخرق.
لاسترداد حلب، دون محوها ودون استعمال السلاح الكيماوي، ربما يحتاج اﻷسد للاستعانة بقوات برية من "حزب حسن نصر الله" و الحرس الثوري اﻹيراني وهو ما بدأت طلائعه بالتكشف مع عودة جثامين قتلى الحزب اﻹلهي الذين "مارسوا الممانعة" في حلب، كذلك في اﻷعداد الغفيرة من "الحجاج" اﻹيرانيين من الذكور أقوياء البنية والذين تنبهوا لواجب زيارة اﻷماكن المقدسة في أحرج اﻷوقات !!
مع ذلك، قد لا يكفي هذا الدعم اﻹيراني المستتر واللبناني وحتى الصدري العراقي لاسترداد درة الشمال السوري، فهل تتدخل ٳيران علناً وتجتاز قواتها المناطق السنية العراقية وصولاً لحلب ؟ هذا يعادل ٳعلان حرب على سنة العراق وعلى تركيا و"أصدقاء سوريا" من عرب وأجانب، لن يتمكن شبيح موسكو من تمريره. حتى ٳسرائيل ستجد من الصعب ابتلاع وقوع سوريا اﻷسد لقمة سائغة في فم المنافس اﻹيراني بما يخل بتوازن القوى بين "العدوين" اللدودين.
لكن، لماذا كل هذا العذاب في حين يمكن للأسد وزبانيته الاكتفاء بقصف المدينة عن بعد وٳحالة حياة ساكنيها جحيماً ؟ في مقدور اﻷسد اﻷخذ بالخيار الثاني ثم انتظار تعثر الثائرين وخلافاتهم. بٳمكان اﻷسد محاصرة المدينة من الجنوب والغرب بما يمنع امتداد الثورة نحو حماة وحمص ونحو مناطق "الطائفة الكريمة" العصية على الثورة والتي تبدو، حتى الساعة، قانعة بحكم آل اﻷسد. بالطبع، هذا الخيار يتضمن تدمير المدينة "بالتقسيط" وبما لا يثير نخوة العالم الذي اعتاد على رؤية الدم السوري النازف.
في هذه الحالة، بمقدور اﻷسد انتظار ظهور التشققات في صفوف الثوار والاستفادة من انقساماتهم بين ألوية وكتائب لا عد لها ولا حصر، والتمتع بتصريحات "قادة الفنادق" النارية واتهاماتهم المتبادلة. لن يطول اﻷمر، ٳن تم حصر الثورة ومنجزاتها "بتحرير حلب" وانفتاحها على الجار التركي قبل أن تتبادل الكتائب المتنافسة الشتائم ثم العيارات النارية.
في حين يتوحد الثوار في رغبتهم بالتخلص من النظام، يعجز قادة هؤلاء عن بناء سلوك موحد ناهيك عن تصور واضح للدولة التي يريدون بناءها، فهناك من يريد قيام دولة دينية وآخر يريد دولة علمانية وآخرون يريدون دولة "نص نص" مثل اﻹخوان الذين قاموا بٳنشاء "ميليشيا" خاصة بهم. لنا في ٳعدام آل بري الذي تم دون علم وموافقة الجيش الحر واختطاف مذيع اﻹخبارية السورية ثم قتله وهو ما أدانه الجيش الحر أيضاً أمثلة على ما قد يحدث في المستقبل.
في حال لم يتفق المقاتلون على اﻷرض على خطة طريق وأسلوب عمل موحد لجميع الكتائب تحت لواء الجيش الحر وتحت قيادة ميدانية واضحة ومسؤولة، تلتزم الاحتكام في نهاية المطاف ٳلى مبادئ الديمقراطية والاقتراع العام، فستكون خلافات المعارضة الخارجية وتجاذباتها الكوميدية أشبه بنزهة مقارنة مع ما قد يحدث في حال انقسام القوى الثورية المسلحة على اﻷرض وفي ظل الوجود المكثف للسلاح والمسلحين من كل صوب.
لن نستبعد حينها أن يبحث بعض أطراف الثورة عن الدعم الخارجي سواء من قبل النظام اﻷسدي الذي حاربوه أو من قبل الجار التركي وغيره...
لكي لا يحصل هذا اﻷمر الكارثي، ينبغي على كل الفصائل المقاتلة الالتزام "بوثيقة شرف" موحدة والاعتراف بقيادة عسكرية واحدة، على اﻷرض، وليس في الفنادق والمؤتمرات.
أحمد الشامي http://www.elaphblog.com/shamblog ahmadshami29@yahoo.com
بيروت اوبسرفر : الخميس 16 آب 2012
http://www.beirutobserver.com/index.php?option=com_content&view=article&id=81283:chami&catid=39:features
 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات