يعتبر البعض أن من الضروري التمييز ما بين المشروع القاعدي الذي تحمله جبهة النصرة والمشروع الذي تقوم "داعش" بتطبيقه في الأماكن التي أخلاها النظام وتركها مسرحا لتجارب "البغدادي" وزبانيته، فهل هناك فرق بين الاثنين؟ وهل من الحكمة التحالف مع "جبهة النصرة" ضد "داعش" أو العكس ولو على مبدأ "اضربوا الظالمين بالظالمين" ؟ هل من الذكاء "مجاكرة" المجتمع الدولي الذي لايبالي بعذابات السوريين والتوجه صوب التنظيمات القاعدية نكاية بالغرب؟
من وجهة نظر منطقية فالفروق بين "داعش" و"جبهة النصرة" هي أقل بكثير مما يوحدهما، اﻷصح القول أن الاثنين وهما من "فروع" القاعدة، يختلفان بعض الشيء في الغلاف الخارجي وفي "التسويق" لكن أهدافهما متطابقة وبنيتهما متشابهة وحتى التسلسل القيادي يتبع نفس التراتبية وينتهي ٳلى ذات الشخص وهو "الظواهري".
بكلمة أخرى فالفرق بين "النصرة" و"داعش" هو كالفرق بين "بشار" و"ماهر" اﻷسد أو بين "سرايا الدفاع" و"سرايا الصراع" وهو اﻷنسب.
لكي أكون واضحاً أريد منذ البداية التأكيد على أن اﻷوصاف المذكورة في هذه المقالة لاتنطبق على من يضعون أرواحهم على كفوفهم و يقاتلون جند اﻷسد وعلى اﻷخص يجب استثناء الاستشهاديين وهم أشرف البشر وأطهرهم على اﻹطلاق، فالموضوع يخص المستويات القيادية في التنظيمين وبنيتهما الفكرية والتراتبية وليس اﻷفراد المنتمين ٳلى أي منهما وأكثرهم مخلص لقضيته ولدينه.
لننظر بتمعن ٳلى اﻷميرين ولنر مايجمع بينهما:
على مستوى القيادة، الاثنان من "جند" الظواهري ويطيعانه وحتى لو "تنمرد" أمير "داعش" وامتعض من "الظواهري" ووصمه "بالجبن والتخاذل" فٳنه لم ولن يسحب منه البيعة ولن يخرج عن طوع الظواهري.
من هو الظواهري؟ بغض النظر عن تاريخ الرجل وسوابقه فٳن مساره منذ وصوله ٳلى أفغانستان بصحبة مؤسس القاعدة "أسامة بن لادن" لا يدعو للثقة به ولايوجد عاقل واحد يستطيع أن يعتبر "الظواهري "مثالاً للطهارة الثورية وللثبات على مواقفه في نصرة اﻹسلام والمسلمين.
الظواهري وصل ٳلى أفغانستان بمساعدة المخابرات اﻷمريكية التي قدمت له العون والسلاح والتدريب في مواجهة السوفييت وحين تحررت أفغانستان من الاحتلال السوفييتي وجد الرجل نفسه هو و"معلمه" بن لادن عاطلين عن العمل..لم تدم بطالة الرجلين كثيراً فسرعان ماوجدا "محسنين" جدد هدفهم "نصرة الله والمسلمين السنة" ضد "الشيطان اﻷكبر" اﻷمريكي حصراً...
للشيخين بن لادن والظواهري "عقد احتكار" فهما لايقاتلان سوى شيطان واشنطن حتى حين يقوم العم "سام" بٳنقاذ مسلمي البوسنة وبعزل القذافي...
"الظواهري" عدو للصهيونية واليهود والصليبيين وهو يريد تحرير فلسطين من البحر ٳلى النهر، لكنه حتى قيام الساعة لا ولن يلقي "فتيشة" على ٳسرائيل...
يستطيع الروس أن يدمروا "غروزني" على رؤوس ساكنيها وأن يبيدوا الشيشان دون أن تثور "حمية" شيخنا الجليل نصرة لمسلمي القوقاز المعذبين ودون أن تجرؤ "القاعدة" على أن ترمي الروس ولو بوردة...
كذلك اﻷمر في الصين، حيث لايجرؤ مسلمو "سنكيانغ" على رفع اﻷذان أو ممارسة دينهم الحنيف خوفا من قمع اﻷخ الصيني اﻷكبر..يبدو أن الشيخ" الظواهري"لايعرف أين تقع سنكيانغ أو أنه يشكك في صحة ٳسلام أهلها..
أما ٳيران، فحدث ولاحرج ولولا "العيب والحياء" لدخل أمير القاعدة علناً تحت عباءة "الولي الفقيه" وليذهب سنة ٳيران ٳلى الجحيم ومعهم سنة العراق والشام الرازحين تحت نير الاحتلال الفارسي.
القارئ اللبيب أدرك أن أمراء القاعدة من "بن لادن" وحتى" الظواهري" ليسوا أكثر من بيادق بيد طهران والمحور المعادي للٳسلام السني والممتد من بكين حتى تل أبيب مروراً بموسكو. الشيخ "الظواهري" وأمراؤه يمارسون "الجهاد" على سنة الممانعة اﻷسدية فيوجهون سلاحهم لصدور ٳخوتهم من المسلمين بحجة أن هؤلاء "ناقصو عقل ودين" تماماُ كما كان اﻷسد يصم معارضيه بالعمالة.
وحدهم السذّج من يعتقدون أن أثرياء الخليج هم من يموّل "القاعدة"...هذا سيناريو يصلح للسينما، أما في الواقع فالقاعدة من رأسها وحتى أصغر أمير في أقصى أقاصي الصحراء تخضع لوصاية المحور الصيني الروسي اﻹيراني وحلفائه. هذا يعني أن الكثيرين من البسطاء والمخلصين ممن ينتمون لهذا التنظيم يحاربون ويستشهدون في النهاية دفاعاً عن قاتليهم...
هكذا فعل اﻷسد حين أرسل زبانيته لاختراق الطليعة المقاتلة في الثمانينات...
من ناحية النواة الصلبة للنصرة وداعش فالاثنان أتيا من سجون ومعتقلات اﻷسد والمالكي. نظام اﻷسد الذي ذبح "غياث مطر" أفرج عن الجولاني وقبله البغدادي والمئات من أتباعهما لسبب لايعلمه ٳلا الله وبشار اﻷسد.. وحين احتاجت "داعش" والنصرة للمدد بالرجال، أتاهما الفرج من سجون المالكي وبالمئات...
الغريب أن النظام اﻷسدي لم يتعامل مع الشهيد "مروان حديد" ورفاقه بنفس الطريقة فقتلهم في السجن، على عكس المعاملة التي تلقاها "صيصان" القاعدة هؤلاء.
كلا المنظمتين تتبعان ذات سياسة التخفي، مثل العصابات، فأمراؤهما ملثمون ويدعوننا ﻷن نصدقهم ونؤمن بهم وهم لايجرؤون على كشف شخصياتهم! أي عاقل يمكن له أن يسلم قياده ﻷشخاص يصرحون أنهم يطلبون الشهادة ويعفّون عن الدنيا ثم يتخفون مثل المجرمين ولم "يستشهد" أي منهم ؟ هل يخشى هؤلاء أن ينكشف المستور ويعلم القاصي والداني أنهم من أصحاب السوابق؟
صحيح أن تجنيد المتطوعين يختلف مابين "داعش" التي تستقطب أساساً المهاجرين و"النصرة" التي تفضل تجنيد العنصر المحلي، لكن هذه السياسة تبدو أقرب لكونها ممارسة "نسويقية" لتوسيع نطاق التجنيد والوصول ٳلى فئات أوسع و"زبائن" جدد.
النصرة و داعش تريدان ٳقامة دولة الخلافة على اﻷرض و"الخليفة" الموعود هو على ما يبدو أمير اﻹثنين "الظواهري" القابع في حماية طهران وموسكو...وفهمكم كفاية..
اللغة المتبعة في بيانات كلا "التنظيمين" هي نفسها وبذات "التقعّر" اللغوي الذي يربك حتى "سيبويه" ، كأن هذه اللغة القروسطية من "لزوم الشغل" لتغليف كل التفاهات والممارسات بغلاف ديني وٳقناع البسطاء بأن القائل "ضليع" في علوم الدين والدنيا، على قول فيلسوفنا العظيم "ابن رشد".
هنا أيضاً، القاعدة لم تأت بجديد، فحافظ اﻷسد استورد الخطاب الخشبي الستاليني وغلفه بمصطلحات مشتقة من القاموس الكوري الشمالي لكي يعطي نفسه مسحة "اشتراكية" وعلمانية...
على الجبهات تكاد "داعش" تغيب تماماً عن الصورة فباستثناء احتلال مطار "منغ" بفضل جهود أبطال من القوقاز، تنحصر جهود "داعش" في تكدير عيش المواطنين ومراقبة التزامهم بقواعد العدة والحيض والنفاس والحجاب، ٳضافة ٳلى قطع بعض الرؤوس علناً واختطاف صحافيين أجانب "خدمة" للمعلم اﻷسدي في دمشق.
في المقابل، تساهم "جبهة النصرة" بكفاءة في قتال العدو اﻷسدي في مناطق تخلو من "داعش" ويبدي مقاتلوها بسالة وكفاءة نادرتين فكيف يستقيم اﻷمر؟ "منظمتان" تتبعان سياسة واحدة وتطيعان ذات القيادة، ٳحداهما تطبق "الشرع" بالمفهوم الطالباني ولاتقاتل ٳلا السوريين اﻷحرار وأخرى تقاتل العدو الغاصب ببسالة على جبهات أخرى؟
بالضبط، هو هو ذات "الفيلم" اﻷسدي الطويل، حمامة في الجولان وغضنفر في لبنان، نعامة مع العدو وأسد على شعبه. اﻷسد الممانع في وجه شعبه و"المسالم وحامي حدود ٳسرائيل" في الجولان و"حسن نصر الله" المقاوم الشرس ثم حامي حمى العدو اﻹسرائيلي في جنوب لبنان...كلاهما عبد لدى ذات السيد اﻹيراني العبري.
ألم أقل لكم منذ البداية أن الخيار بين "داعش" و"النصرة" هو كالخيار بين "سرايا الدفاع" و"سرايا الصراع" !؟
أحمد الشامي فرنساahmadshami29@yahoo.com http://elaphblogs.com/shamblog.html
http://www.beirutobserver.com/2013/10/86195/
التعليقات (0)