أتت الخطوة السعودية برمي القفاز في وجه "الزعران" الخمسة الكبار في مجلس اﻷمن كخطوة محكمة ومتقنة تشير ليس فقط ٳلى غضب سعودي مكبوت ولكن ٳلى نفاذ صبر المملكة في وجه مؤسسة دولية تستثني بشكل كامل سدس البشرية من المسلمين السنة لصالح مجموعة من الدول المتهالكة والفاقدة للأخلاق والمسؤولية.
باستثناء الموقف الفرنسي الذي حافظ على بعض ماء وجهه، أتت مواقف باقي اﻷعضاء الدائمين في مجلس اﻷمن مخزية وبعيدة كل البعد عن المحافظة على اﻷمن العالمي.
الصين تستعمل مقعدها الدائم "كبازار" لضمان أسواق لمنتجاتها ولمقايضاتها التجارية، أما بريطانيا فلم تعد "عظمى" منذ صوت مجلس العموم ضد تدخل انجلترا لحماية السوريين بعد استعمال الغاز في الغوطة. الاتحاد الروسي هو مهزلة حقيقية فهو محكوم من قبل عصابة من الشبيحة على رأسهم قاتل محترف يرى نفسه وريثاً للقيصر "ايفان الرهيب". في هذه الدولة العجائبية، يمتلك مائة شخص ثلث الدخل القومي! كيف لهذه المافيا أن تهتم بالسلم الدولي وهي التي لاتصدر سوى النفط والغاز والسلاح ؟ بكلمة أخرى "روسيا العظمى" هي "قطر عظمى" مع سلاح نووي ودون أن يكون لدى مسؤوليها لاتهذيب القطريين ولاحتى "تواضعهم".
أمريكا استعملت "الفيتو" على الدوام لحماية ربيبتها "ٳسرائيل" وغزت العراق دون مبرر ودون غطاء قانوني. صحيح أن خلع نظام الطاغية "صدام" كان أمراً جيداً لكنه أتى للأسباب الخاطئة وفي التوقيت غير الصحيح، فقد كان من الواجب الانتهاء من نظام البعث في العراق فور تحرير الكويت. بعد الرئيس المغامر جاء الرئيس "اوباما" الذي ارتقى "بالصعلكة" السياسية ٳلى مستوى جعلها السمة اﻷساسية لرئاسته فبعد الفرار من العراق وتسليمه ﻹيران، وبعد نسيانه لملف السلام والاستيطان جاء الرجل ليتاجر بدماء السوريين وليبادلها بكيماوي اﻷسد.
السعودية التي صمتت على الدوام رغم الصفعات الكثيرة التي تلقاها العرش السعودي منذ أيلول 2001 ربما تكون قد قررت شرب "حليب السباع" وأن ترد على اﻹهانات المتلاحقة التي وجهها لها "أصدقاؤها" قبل أعدائها عبر رفضها الدخول لمجلس اﻷمن، بعدما سعت لذلك على مدى عامين وبعدما انتخبت بأغلبية ساحقة.
بعد اتهام اﻷمريكيين للسعودية بالوقوف وراء "القاعدة" التي وضعت نفسها في خدمة محور "طهران موسكو" وأساءت للسنة بأضعاف ما أساءت لغيرهم، جاء الاستهتار اﻷمريكي بالدور والمصالح السعودية على طول الخط وفي كل المناسبات لصالح التفاهم اﻷمريكي اﻹيراني على حساب العرب والسنة. بعد الفرار من العراق وتسليمه لرجل "طهران" هناك والتغاضي عن النووي اﻹيراني وتهميش السلطة الفلسطينية، ثم دعم اﻹخوان والسكوت على المشاغبات القطرية أتى الدور اﻷمريكي التخريبي في سوريا بالتفاهم مع الروس، انتهاء "بتلزيم" سوريا للولي الفقيه ليكون القشة التي قصمت ظهر البعير.
قبل الخطوة السعودية اﻷخيرة، كان الغياب السعودي والعجز عن الفعل هو مايميز السياسة السعودية التي بدت غارقة في سبات "بريجنيفي" تخرج منه بين الفينة واﻷخرى عبر تصريح هنا وامتعاض هناك. مع ذلك، كانت هناك مؤشرات على بدء افتراق سعودي عن الحليف اﻷمريكي الذي اعتبر مملكة "آل سعود" تابعاً هامشياً وغير مؤثر وهي السياسة التي بلغت أوجها مع الرئيس اﻷسمرالانعزالي والانتهازي.
أول تلك المؤشرات العلنية بدأ مع الانقلاب المصري المدعوم سعودياً، بعد ٳفشال المخطط اﻷمريكي القطري لوضع الثورة السورية في عهدة المجلس الوطني "اﻹخواني" تلاه الضغط السعودي على الشقيق القطري اﻷصغر والمشاغب لتحجيم دوره والتخلص من الشيخ "حمد بن جاسم" وكاريزميته التي جعلت دور قطر أكبر من حجمها بكثير.
وماذا بعد؟ أصبحنا نعرف مالذي "لا تريده" السعودية ولكن مالذي تريده المملكة التي أصبحت فجأة في قلب مستقبل المنطقة ؟ هل قررت المملكة أن "تصحو" وتواجه التحديات المحيطة بها وبموقعها؟
انهيار الدور السعودي وفشله سيعني ليس فقط نهاية مرحلة "العروبة" بمآسيها وكوارثها لكنه سيعني أيضاً أن مستقبلنا جميعاً سوف يتقرر في طهران، واشنطن، موسكو وتل أبيب مع ٳمكانية "استشارة" الجار التركي من وقت لآخر. بكلمة أخرى ففشل السعودية سوف ينعكس على العالم العربي خاصة والسني عموماً سواء أعجبنا اﻷمر أم لم يعجبنا.
بعدما نجحت السعودية في ٳجهاض المشروع اﻹخواني صار لزاماً عليها أن تقدم مشروعها الخاص للعالم السني وأن تخرج من ٳطار ردود الفعل ٳلى الفعل والمبادرة. هذا يعني الخروج من السياسة البراغماتية والحذرة التي ميزت الممارسات السعودية حتى اليوم في اتجاه طرح مشروع نهضوي متماسك وشامل.
بعدما تمكنت المملكة من "التعايش" مع المشروع الصهيوني عبر التجاهل المتبادل وبرعاية الحليف اﻷمريكي، يبدو الحلف الٳيراني الروسي وقد صارت له اليد العليا في المنطقة في وجود غض بصر ٳسرائيلي ولامبالاة أمريكية.
لاتستطيع المملكة السعودية الاستمرار في سياسة النعامة في وجه الامتداد الفارسي الزاحف، ٳيران نجحت تقريباً في مسعاها لتشكيل ٳمبراطورية فارسية شيعية متماسكة وموحدة خلف الولي الفقيه ومسلحة نووياً في حين تكتفي المملكة بالشجب والتنديد وخسارة الموقع تلو الآخر. نظرة سريعة على الواقع الميداني في سوريا تكفي ﻹدراك مدى تقلص الدور السعودي.
التحدي الذي تواجهه مملكة آل سعود أكبر بكثير من مجرد مقعد لشاهد زور في مجلس أمن عاجز فمصير المملكة هو على المحك و"الربيع" المقبل قد يكون في الرياض، ولوبعد حين، وبنكهة فارسية ممجوجة.
الانتصار في هذه المواجهة يقتضي جهوداً جبارة وقفزة نوعية في الممارسة السياسية الخارجية والداخلية للملكة ٳضافة ٳلى التوجه نحو تنويع مصادر السلاح والبحث عن صداقات وتحالفات جديدة تنهي الاعتماد المطلق على حليف واحد، فاقد للأمانة والمصداقية.
دون خطوات جدية تؤكد استقلالية المملكة ورغبتها في الارتقاء ٳلى مستوى التحدي، ستبقى الخطوة السعودية نوعا من "فش الخلق" اﻹعلامي على سنة "الشاطر اردوغان"...
أحمد الشامي فرنساahmadshami29@yahoo.com http://elaphblogs.com/shamblog.html
http://www.beirutobserver.com/2013/10/86802/
التعليقات (2)
1 - حمار
حمار القرن - 2013-10-31 02:31:50
انت حمار ومسجل رسمي او منافق لمحطات البنزين
2 - شَغْلة أبوك .. لا يِغْلبوك
وليد الحلبى - 2013-10-31 18:03:59
شَغْلة أبوك .. لا يِغْلبوك قال لي أبي : فيما يُحكى من الحكايات أنّ شابّاً دأَبَ على سؤال أمّه عن مهنة أبيه الذي توفّي قبل أن يراه،وكانت الأمّ دوماً تُجيبُه بأنّها لا تعرف ماذا كان يعمل أبوه،ومع استمرار السؤال نفسه والإجابة نفسها استقرّ في ذهن الشاب بعد أن أعيتْه الحيلة بأنّ في الأمر سرّ. هذا الشاب جرّبَ كثيراً من المهن والأعمال ولم يفلح في أيٍّ منها ليعودَ في كلّ مساءٍ للمنزل متذمّراً من حظّه العاثر مردّداً ذات السؤال على أمّه أملاً في أن يجدَ طريقاً ليعملَ مثلما كلن يعملَ أبوه، لكنّ جواب الأمّ كان سدّاً منيعاً دون هذه المحاولة المتبقّية له في عالم الأشغال والأعمال. في صباح يومٍ من الأيام واتَتْ الفِكرة الذهبية عقلَ هذا الشاب ليستحثَّ أمّه على إفشاء السرّ الذي أرّقه فوقَ أرقه من انسداد أبواب الرّزق في وجهه، قال الشاب لأمّه وهو يخرج من المنزل أودّ أن يكونَ غداؤنا اليوم “رز وعدَس” فما كان من والدته إلا أن هيأتْ ما طلبه ابنها الوحيد منها انتظاراً لقدومه ظهراً . وعلى مائدة الغداء وقد وُضَع “المعدوس” في إناء يليق بكرامته وقدْره عندَ أهل الحجاز وبُخار النّضج يفوح من ذلك الطّعام الفاخر، فجأة أخذَ الولد بيدِ أمّه ملتقطاً لها بسرعة مطبقاً عليها وأغرقَها بالكامل في الطّبخة التي ما زالت تلفظُ أنفاس الغلَيان،وقالَ لأمّه وهي تصيحُ من الألم لن أُخرجَ يدَك حتى تُخبريني ماذا كانَ أبي يعمل؟.. باقى المقال بالرابط التالى http://www.ouregypt.us/imvestigation/invest84.html