تتوالى الجمع في سوريا الرازحة تحت حكم نظام قاتل و تتعدد أسماء الجمع، ومنها ما هو مستغرب، في حين تبقى الفوضى سيدة الموقف في هذا البلد الجريح.
النظام يعد بدستور "فائق الديمقراطية" و يتشدق بحديث اﻹصلاح متحاشيا التطرق ٳلى تداول السلطة ثم يرسل زبانيته لقتل كل من تسول له نفسه المطالبة بهذا اﻹصلاح أو الاعتراض سلمياً على حكم اﻷسد ! القائمون على ٳعلام الثورة السورية من جهتهم يطالبون بٳسقاط النظام، وبدولة القانون، ثم يشجعون عمليات الجيش الحر الذي يقتل طياري اﻷسد دون تمييز و لا يكتفي بالدفاع عن المتظاهرين العزل كما طلب منه المجلس الوطني.
المسكوت عنه في أمر القائمين على " ٳعلام " الثورة السورية هو الطابع الاسلامي السني الغالب على تسمية الجمع و تحاشي هؤلاء الناشطين للغوص في تفاصيل شكل النظام الذي يتمنونه لبلادهم بعد سقوط اﻷسد ، و هو ما يبدو أمرا مؤكداً طال الزمان أو قصر. يتناسى هؤلاء أن سوريا الاستقلال التي بنيت بسواعد النخبة السورية و ببطولات مناضلي الثورة السورية الكبرى قامت على التعايش و رفض الطائفية و القبول بالآخر وفق مبدأ "الدين لله والوطن للجميع " وأن نظام اﻷسد مرفوض ﻷنه انقلب على كل هذه المبادئ.
مع ذلك، لم يجد القائمون على ٳعلام الثورة ولا حتى يوم جمعة واحداً يخصصونه لهذا الشعار المفروض أنه متفق عليه بين كل السوريين على اختلاف طوائفهم ! لا يجد المتظاهرون حرجاً في رفع علم الاستقلال لكن أحداً لا يرفع شعار الاستقلال الذي توحد عليه السوريون بكل طوائفهم و أعراقهم.
ليس مقبولاً أن يستمر القائمون على التغطية اﻹعلامية للثورة و خاصة على تسمية الجمع في فرض أجندتهم على المنتفضين و في استغلال رغبتهم في التخلص من نظام القمع اﻷسدي رافعين شعارات ﻷيام جمع "على مزاجهم " . هذا يعادل القفز على الثورة و "السلبطة " على الحراك الشعبي دون وجه حق.
هؤلاء اﻷشخاص مدركون أن الحراك الثوري لن يتوقف مهما كان اسم الجمعة المقبلة، فهل هم يستغلون غضبة الثائرين لفرض ٳرادتهم على المنتفضين ؟ يتبرع هؤلاء الناشطون بٳعطاء شرعية ثورية لحراك عسكري خارج عن ٳطار التنسيق الثوري المعترف به تحت غطاء المجلس الوطني، ثم يستنتجون أن هذا الحراك مشروع و مطلوب شعبياً بدلالة أن الناس تظاهرت تحت شعار "الجيش الحر يحميني" !! في حين أن هذا الجيش يحتاج لمن يحميه وٳلا لما طلب الحظر الجوي.
على هذا المنوال هل علينا أن ننتظر جمعة "الوفاء للشيخ المجاهد العرعور" تليها جمعة "قطع لسان من يرفض التدخل التركي اﻹسلامي" ثم جمعة "جهاد النصيريين الكفار " انتهاء بجمعة "عقاب أهل الذمة" ؟ الناس ستتظاهر مع و دون شعار، فليس للثائرين على اﻷرض وقت يضيعونه في هكذا مماحكات. لكننا نريد أن نسأل هؤلاء وبصراحة : هل يظنون أن الناس يموتون من أجل رحيل واعظ السلطان"البوطي" لاستبداله "بكاره الفرس والمجوس" الشيخ العرعور؟ أم أن الشعب يثور من أجل دولة قانون، دولة لكل أبنائها دون تمييز ؟
كي لا تنتهي الثورة السورية ٳلى شعارات ما أنزل الله بها من سلطان، لا بد من أن تكون الجهة الوحيدة المخولة بوضع شعارات للثورة هي المجلس الوطني الذي يجب أن يعمل بشفافية وبوضوح.
ماذا سيكون الفرق ٳن ذهب الفريق بشار اﻷسد و أتى العقيد رياض اﻷسعد ؟ مع كل الاحترام لشخص و تضحيات اﻷخير ولغيره من المنشقين، أليست أكثر كوارث البلاد متأتية من تسلط العسكر على السلطة و من غياب دولة المؤسسات ؟ أليس نظام اﻷسد المكروه و الطائفي ٳفرازاً للتسلط العسكري و الفئوي و تغييباً لدولة القانون؟
لا نشكك في وطنية و شجاعة كل الضباط المنشقين عن جيش النظام اﻷسدي و أولهم الشهيد حسين الهرموش و العقيد اﻷسعد، مرورا بكل اﻷبطال الذين يدافعون عن مواطنيهم العزّل، لكن ما لم ينضو هؤلاء جميعاً تحت لواء المجلس الوطني الذي ارتضته غالبية الثائرين ممثلاً للحراك الشعبي، فٳنهم يخاطرون بأن يصبحوا مجرد "أمراء حرب" و بيادق يتلاعب بها النظام اﻷسدي بشكل غير مباشر.
لكي يكون الجيش السوري الحر جزءاً فاعلاً من الحراك الثوري السوري فعلى كل ضباطه و أولهم العقيد رياض اﻷسعد أن يعلنوا ولاءهم وخضوعهم ﻷوامر و توجيهات المجلس الوطني وٳلا فقد يكون ضررهم أكثر من نفعهم. لا يكفي قيام "لجنة تنسيق " بين الطرفين قد تزيد البلبلة بدلاً من أن تقللها. الشعب السوري قال كلمته فهو يريد دولة قانون و دولة مؤسسات وفي دولة القانون و المؤسسات يخضع العسكر ﻹرادة السلطة السياسية و لا "ينسقون" معها.
المجلس الوطني، من جهته، عليه أن يتخذ موقفاً واضحاً من موضوع المنشقين ومن الدور المناط بهؤلاء دون أن يخشى في الحق لومة لائم. على المجلس أن يدين بوضوح ما بعده وضوح قتل الطيارين السوريين، أو أن يفسر دوافع هذه الجريمة، و أن يرفض بالمطلق قتل اﻷبرياء من أي جهة كانوا و أن يندد بالهجمات على كل من لا يشارك مباشرة في قتل المحتجين.
حين يتمكن المنشقون من حماية المتظاهرين العزل و من تأمين اﻷحياء السكنية و حمايتها من زبانية اﻷسد و يبقى لديهم "فائض" من القوة عندها لكل حادث حديث.
ثم، أين عنوان المجلس الوطني ؟ هل هو في فنادق أوربا وتركيا أم في صالونات الدوحة و القاهرة ؟
هل نسي المجلس أن هناك أرضاً سورية "محررة" و معترف بها من قبل دولة ذات سيادة ، ٳنها سفارة الجمهورية العربية السورية في طرابلس الغرب بليبيا وهي أرض سورية قانوناً. صحيح أن الوضع الليبي ليس مستقرا وجذاباً بما فيه الكفاية و فنادق ليبيا ليست مريحة كتلك اﻷوربية، لكن من اختار التنطع للحراك الثوري عليه أن يرتقي لمستوى تضحيات شعبه و أن يتحلى بحس مسؤولية تجاه من وثقوا به. ٳن لم يقدر، فليدع المسؤولية ﻷهلها و ليرحل فلا أحد يريد قادة للثورة بدوام جزئي أو في وقت فراغهم.
الطبيعة تكره الفراغ، وصمت المجلس الوطني مجلجل و غيابه عن الساحة اﻹعلامية يجعلنا نشكك بوجوده أصلا، سوى بعض نتف من مقالات هنا و هناك. نخشى أن يكون هذا المجلس "مُقتراً" في حديثه ٳلى شعبه كمثل الرئيس الوريث، الذي اكتفى بثلاث خطابات و بمقابلتين أو ثلاثة مع الصحافة اﻷجنبية خلال ثمانية أشهر، فلا وقت لديه ليضيعه في التوجه ٳلى "رعاياه" ولسان حاله يقول أن "هؤلاء لا يفقهون".
بلى، ٳنهم يفقهون و ينتظرون من المجلس الوطني الموقر أن يبدي احتراماً أكثر لمواطنيه و أن يتوجه لهم بالخطاب مباشرة و بشكل دوري ٳن لم يكن يومياً فالمواطنون ينتظرون من المجلس الوطني أن يبّرد جراحهم و أن يواسيهم وأن يصرح لهم بحقائق اﻷمور وأن يضع الجميع أمام مسؤولياتهم.
هل عجز جهابذة المجلس الوطني عن أن يخصصوا بضع دقائق من وقتهم الثمين يومياً لمواطنيهم ﻹبلاغهم بما يقومون به و لدعوتهم للمشاركة في نشاطات المجلس و لرفع معنوياتهم ؟ لا نطالبهم بساعتين يومياً مثل الشيخ العرعور الذي " يعيد ويفتق " في خطابه الطائفي الكاره للآخر، لكن لماذا يترك المجلس الوطني "الخطاب العرعوري" وحيداً في الساحة ؟
هل رفضت كل اﻷقنية "المعادية " للنظام منح الناطق باسم المجلس (هل هناك ناطق باسم المجلس الوطني السوري ؟ ) بضع دقائق يومية يتوجه أثناءها بالحديث لشعبه ؟ فليطلع علينا ٳذاً رئيس المجلس و يفضح تخاذل هذه اﻷقنية عن ٳيصال خطاب المجلس الوطني ٳلى من ينتظره. أم أن وجهاء هذا المجلس مشغولون بالحديث مع الكبار في هذا العالم و لا وقت لديهم لمخاطبة شعبهم ؟
عليهم ٳذاً أن يعلموا أن الديمقراطية تعني أن هناك " كبيراً " واحداً في هذا العالم بالنسبة ﻷي مسؤول سياسي وهو شعبه الذي ينتخبه، يعطيه ثقته أو يسحبها منه. على المجلس الوطني مثله مثل الهيئة العامة للثورة السورية و مثل الجيش السوري الحر والقائمين على هذه الجهات، أن يرتقوا ٳلى مستوى المسؤولية و أن يثبتوا بأفعالهم أنهم يستحقون الثقة التي يوليهم ٳياها الشعب السوري العظيم.
في مقالة سابقة أوضحنا أننا نخشى أن نقول في شأن الثورة السورية أنها "أطهر ثورة و أردأ معارضة ".
نأمل أن يكذّب المقبل من اﻷيام هذا القول.
د. أحمد الشامي بيروت اوبسرفر 1 كانون اﻷول 2011
ahmadshami29@yahoo.com
http://www.elaphblog.com/shamblog
التعليقات (0)