مواضيع اليوم

اﻷسد وحساب الدم اﻷمريكي

أحمد الشامي

2012-04-11 20:58:47

0



تعددت محاولات العاملين في السياسة والمقالات التي حاولت فهم وتفسير الموقف اﻷمريكي من الثورة السورية، فالبعض ممن لا يثق بالعم سام يعتبرون أن السياسة الخارجية ﻹدارة "اوباما" تهدف للمحافظة على نظام الأسد في دمشق ﻷنه "مجرب" ويمكن الوثوق به لحماية أمن ٳسرائيل وهو رأي نراه ضعيفاً. آخرون يعتقدون أن "اوباما" لا يفكر سوى بٳعادة انتخابه ولا يريد التورط في نزاعات جانبية ليست مهمة للمصالح اﻷمريكية لكي يكرس وقته وجهده للاقتصاد وﻹصلاح حال اﻷمريكيين.
في اعتقادي أن الموقف اﻷمريكي في الشأن السوري لا يمكن فصله عن مجمل السياسة اﻷمريكية الراغبة في ضمان استمرار التفوق اﻷمريكي وضمان مصالح أمريكا وأصدقائها، ٳضافة ٳلى ٳضعاف أعدائها وكل من ينافس أمريكا أو يمكن له أن يزعج القوة الكبرى في العالم.
بعدما اعتدنا على ممارسات ارتجالية وغير متروية كانت شائعة في عهد الرئيس "المؤمن" جورج بوش الصغير، تبدو سياسة الرئيس "اوباما" على بعد سنوات ضوئية من اندفاع وغوغائية سابقه. الرئيس "اوباما" يبدو مندرجا في ممارسة السياسة الخارجية وفق مبادئ أرساها قبله رؤساء ديمقراطيون وجدوا أنفسهم في ظروف صعبة. لنتذكر أن الرئيس "روزفلت " كان أكثر انشغالاً "بصفقته الاجتماعية " منه بالحرب العالمية الثانية التي كانت دائرة في اوربا. روزفلت رفض مساعدة البريطانيين رغم توسلات "تشرشل " له بالتدخل للحد من التوسع النازي الذي كان قد تقاسم أوربا كلها مع "ستالين ". رغم أن اليابان كانت قد احتلت أجزاء واسعة من آسيا و اوقيانوسيا، اكتفى "روزفلت " بفرض "عقوبات اقتصادية " على امبراطورية الشمس الساطعة.
بعض ألسنة السوء تقول "لو لم تقم اليابان بقصف بيرل هاربور، لرّبما كان روزفلت قد بقي على الحياد طيلة الحرب العالمية ولوجد نفسه فيما بعد في عالم تتقاسمه دول المحور و تتحارب فيما بينها...". آخرون يعتبرون أن "روزفلت " انتظر اللحظة المناسبة للدخول في الحرب بأفضل الشروط ولكسبها مع أقل الخسائر. موقف روزفلت الانعزالي واللا أخلاقي في بداية الحرب ساهم في تشويه صورة أمريكا وعكر عليها انتصارها في الحرب العالمية الثانية.
من يومها، يجهد صاحب القرار اﻷمريكي في تجنب الظهور "ببلادة " روزفلت ويحاول عدم الوقوع في اندفاعية ومثالية "وودرو ويلسون". الرئيس اﻷمريكي السابق "بوش الصغير" كان الرئيس اﻷمريكي اﻷكثر اندفاعاً وغوغائية دون منازع.
في اﻹطار السوري، كل شيء يدفع ٳدارة "اوباما " ٳلى الترقب والانتظار دون التدخل بشكل مباشر. لا بد أن سيد البيت اﻷبيض مسرور بمشاهدة أعداء ومنافسي أمريكا وهم يغرقون في الدماء السورية. ليس فقط أعداء أمريكا ومنافسوها من يعانون، بل أصدقاؤها المقصرون والكسالى أيضاً.
لا مانع لدى "اوباما" من أن يرى اﻷسد محشوراً في الزاوية ، فاﻷسد الابن ، بذكائه المشهود، وضع نفسه في فم المدفع حين جعل من سوريا القاعدة الخلفية لقتلة الجنود اﻷمريكيين في العراق. اﻷسد نجح في كسب العداء اﻷمريكي دون مقابل يذكر في حين تمكن سيده اﻹيراني من كسب النفوذ في العراق دون أن يتورط في معاداة اﻷمريكيين هناك بشكل مباشر.
تركيا، التي رفضت مرور القوات اﻷمريكية الغازية للعراق عبر أراضيها ثم رفضت التعاون مع اﻷمريكيين هناك، تعض أصابعها ندماً وهي ترى عدم اكتراث "اوباما" بمطالبها في الشأن السوري بل واستصغار"الرئيس اﻷسمر" للدور التركي في المنطقة. كذلك عرب الخليج، الذين تعاملوا بفتور مع الوجود اﻷمريكي في العراق ولم يساهموا في الجهد اﻷمريكي الحربي هناك لا مباشرة ولا بشكل غير مباشر، هؤلاء يدفعون اليوم ثمن "تقصيرهم " في مساعدة العم سام وثمن مساهمة بعض رعاياهم في سفك الدم اﻷمريكي في العراق. عرب الخليج يرون النفوذ اﻹيراني يتصاعد ويهددهم أكثر فأكثر بما يفرض عليهم الهرولة ٳلى واشنطن.
نفس الشيء فيما يخص العراق والذي تغرق نخبه في التمزق بين كتل متحاربة فيما بينها، تتوزع بين جماعات خاضعة للنفوذ اﻹيراني وأخرى كارهة له. العراق المنغمس في عنف مذهبي دون وازع فقد "التوازن" الذي كان اﻷمريكيون يؤمنونه. أصبح واضحاً أن علة العنف في العراق ليست مرتبطة بالاحتلال اﻷمريكي لهذا البلد بل هي سابقة له ولاحقة عليه.
السنة العرب الذين حاربوا اﻷمريكيين في العراق، يدفعون من دمهم ثمن سيادة النفوذ اﻹيراني في بلاد الرافدين وامتداده ٳلى سوريا اﻷسد. خروج أمريكا من العراق لم ينه حربه اﻷهلية ولا هو وضع حدا للعنف فيه بل على العكس تركه لقمة سائغة للفوضى وللمنافقين. رئيس وزراء العراق اللاشرعي، نوري المالكي، الذي رفض التفاهم مع اﻷمريكيين، تعرى حتى من ورقة التوت حين تصرف بزندقة مجاهراً برفضه للتدخل الخارجي في سوريا ! هذا يؤكد أنه مجرد دمية في يد اللاعب اﻹيراني وليس جديراً بأن يتحدث باسم الدولة العراقية.
الروس فرحون بدورهم الدولي المستعاد كدولة "كبرى" تمتلك حق الفيتو، ناسين أن هذا الحق ٳلى زوال وأن استعمالهم له بهذه الخفة يؤكد عدم جدارتهم اﻷخلاقية بأن يكون لهم دور رئيس في تقرير مستقبل العالم ، مثلهم مثل الصين التي تتعامل مع الدماء السورية بعقلية البازار دون أي اعتبار لقيم أو أخلاق. السلاح الروسي، وهو السلعة المصنعة الوحيدة التي تبيعها روسيا، أظهر أنه لا يصلح سوى للقمع الداخلي و أن أي دولة تحترم نفسها وشعبها لا يصح لها أن تشتري هذا السلاح. لا مانع لدى السيد "اوباما" من أن يرى العالم أجمع "العهر" الروسي والوجه القبيح للشبيح "بوتين" والمافيا التي تحكم روسيا عبره.
ٳيران من جهتها والتي ترى نفسها كدولة عظمى تصدر المقاومة والثورات وتفرض هيمنتها "الناعمة" على المنطقة أصبحت دولة مكروهة من مليار مسلم سني وغارقة في دماء اﻷبرياء، مثلها مثل روسيا بوتين والصين. بدل أن يكون نظام اﻷسد في خدمة مخططات ٳيران، صار نظام الشبيحة في دمشق عبئاً على نظام الولي الفقيه المحاصر اقتصادياً وسياسياً. الدور اﻹيراني القذر في سوريا أصبح دليلاً على "الخطر اﻹيراني" على المنطقة، فٳيران بدل أن تبحث عن حل وتهدئ من جماح اﻷسد وتكبح اندفاعه للقتل المجاني، تتلذذ برؤية الدم السوري المسفوك، الدم السني خاصة. "أحمدي نجاد" انضم بجدارة، مثل اﻷسد، ٳلى حلقة القتلة والتي ضمت قبله صدام حسين وشارون.
حتى ٳسرائيل، التي فرحت بالورطة اﻷمريكية في العراق، وجدت نفسها محرومة من ٳمكانية الضغط على اﻷمريكيين بعد انسحابهم من هناك و ما عاد بمقدورها الاختباء وراء العداء العربي ﻷمريكا "الاستعمارية". نتنياهو اضطر لفضح تواطؤه مع نظام الشبيحة وللركض ﻷمريكا طالباً "تخفيف الضغط الكلامي عن نظام اﻷسد..." فلماذا يستعجل العم سام التدخل في سوريا ما دام الجميع يهرعون ٳلى واشنطن ويؤدون فروض الطاعة لسيد البيت اﻷبيض ؟
لنتصور ماذا كان سيكون رد فعل العرب لو كانت أمريكا تدخلت في سوريا فور وقوع الثورة ؟ كان العرب سيهبون للدفاع عن "نظام الممانعة الذي يتعرض لهجمة أمريكية وقحة...".عدم الفعل اﻷمريكي فضح كل ألسنة الممانعة والمقاومة التي كانت "تبيع" العداء ﻷمريكا بالجملة والمفرق.
لماذا يكلف الرئيس اﻷمريكي نفسه ماتكره في حين يكفيه ٳطلاق تصريحات مجانية على مبدأ "طاسة باردة وطاسة ساخنة " ﻹبقاء بازار الدم السوري مفتوحاً ولترك نظام اﻷسد "يستوي " على نار هادئة لا تطال المصالح اﻷمريكية الحساسة وأولها النفط ؟
السؤال الذي يطرح نفسه في هذه الحالة هو هل بٳمكان سيد البيت اﻷبيض البقاء في مجال "الغموض البناء" في حين تستعر النار في بلاد الشام وٳلى متى ؟ من المستبعد أن يرسل نظام الشبيحة صواريخه لقصف واشنطن أو أن تهاجم السفن اﻹيرانية بيرل هاربور، لكن هل هذا يعني أن البرود اﻷمريكي في الشأن السوري نهائي وأن لا مصلحة أمريكية في سقوط اﻷسد ؟ هل يطيق سيد البيت اﻷبيض أن ينجو اﻷسد من القفص الذي وضع نفسه فيه ويعود لمشاغبته المعتادة ، هذه المرة بلا ضوابط ؟
هل ينسى "اوباما" حساب الدم اﻷمريكي المفتوح مع نظام اﻷسد منذ 1983 والذي بلغ الذروة في حرب التفجيرات ضد المارينز في العراق ؟
هل ينتهي اﻷمر بالسيد "اوباما" للاعتراف أن نظام اﻷسد لم يسفك فقط دماء السوريين والعرب بل أنه سفك من الدماء اﻷمريكية أكثر مما سفك "أسامة بن لادن" ؟
أحمد الشامي http://www.elaphblog.com/shamblog ahmadshami29@yahoo.com
نشرت في بيروت اوبسرفراﻷربعاء 11 نيسان 2012 http://beirutobserver.com/index.php?option=com_content&view=article&id=74258:assad&catid=39:features
 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات