تشكل انتفاضة القدس محطة مهمة في تاريخ النضال الفلسطيني الطويل، بعدما انطلقت وسط حالة من التأزم المتشعبة، إن على صعيد تجمد المفاوضات بين السلطة والاحتلال، أو تعقد مسار العلاقات الوطنية الداخلية في ظل بقاء الانقسام، ووصوله إلى داخل البيت الفتحاوي (عباس ودحلان).
وتكمن أهمية هذه المحطة، أنها جاءت لتبدد حلمًا إسرائيليًا، أراد التقاط هذه اللحظة المأزومة، في ظل البيئة الإقليمية المتفجرة، التي تراجع معها الاهتمام بالقضية الفلسطينية، فلم تعد القضية الأولى ولا المركزية، فالكثير من الأنظمة منشغلة بحماية نفسها، وشعوبها منشغلة بلملمة أشلائها وسط بحور الدم والتناحر، أو مواجهة كرب الحياة بعد أن ضاقت الأرض بما رحبت بفعل السياسات السياسية والاقتصادية والأمنية لبعض الأنظمة ذات الصبغة العسكرية
.
الحلم الإسرائيلي، الذي كان يتشكل عبر السنوات الماضية من خلال سياسة فرض الأمر الواقع عبر حملات التهويد والاستيطان في القدس المحتلة، تمهيدًا لاكتماله بفرض التقسيم الزماني والمكاني في المسجد الأقصى، كواقع مفروض بسياسة الأمر الواقع القهرية، وذلك تمهيدًا للحظة الحاسمة لتقويض أركان المسجد وبناء الهيكل المزعوم مكانه، ووجدوا في كل هذه المعطيات بيئة مناسبة للبدء بوضع اللمسات الأخيرة على المرحلة الخامسة من خطته السداسية لفرض السيطرة على المسجد.
الخطة الإسرائيلية الخطيرة التي تم العمل عليها على مدار سنوات، ظن القائمون عليها أن التصريحات العلنية لمفكر مصري بحجم يوسف زيدان، على قناة إعلامية مصرية، والتي جاء فيها أن المسجد الأقصى في القدس المحتلة، ليس هو المسجد الذي ورد في سورة الإسراء، وبالتالي لا قداسة ولا مكانة كبيرة له، تعكس وجود اختراق خطير لوعي الأمة عبر هذا التزييف، ما يسهل عليهم المضي في تنفيذ مخططاتهم.
هذه الخطة التي تسرب الحديث عنها، عبر أروقة الإعلام الإسرائيلي، وتتمثل مرحلتها الخامسة في إيجاد موطئ قدم للمتطرفين اليهود في المسجد الأقصى، وهو ما بدأ يظهر مؤخرًا عبر تكثيف عمليات الاقتحام للمسجد حتى أن شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي وحده شهد، حسب تقرير مقدسي، اقتحام 887 إسرائيليًا للمسجد الأقصى، منهم 703 مستوطنين متطرفين، 76 دليل سياحي، واثنين من موظفي "سلطة الآثار" و106 من مخابرات الاحتلال، إضافة إلى دخول 13889 سائحًا أجنبيًا.
مراحل الخطة التي تحققت حتى الآن شملت إنشاء بنية تحتية لليهود، وهذا أمر وصل إلى مرحلة متقدمة بإنشائهم 102 من الكنائس اليهودية، كلها حول المسجد الأقصى (لم تكن موجودة قبل عام67)، يليها توسيع عمليات الحفريات، التي وصلت 56 حفرية عملاقة شملت أنفاقًا وحفرًا لإيجاد إثباتات مزعومة حول وجود آثار للهيكل.
أما المرحلة الثالثة، التي تحققت فتمثلت في إنشاء مؤسسات تلمودية لتعليم المتطرفين كيفية أداء الواجبات نحو الهيكل، وتعليمهم كيفية أداء الطقوس المختلفة، والرابعة إتمام التصاميم الهندسية لما يسمى "قدس الأقداس" و"الشمعدان"، وحددت مكانهما في أرض الأقصى، كل ذلك تمهيدًا للحظة الحسم بتقويض المسجد وإبراز معالم الهيكل المزعوم.
بالانتفاضة المتفجرة التي تدخل شهرها الثالث، بثقة وثبات، متحدية ثلاث محاولات إجهاض من وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، يبدو أن الحلم الإسرائيلي تبدد فعلًا، أو في طريقه إلى ذلك، فقد أثبت المقدسيون ابتداءً، ومعهم فلسطينيو الداخل، الحاضرون في ساحات المسجد الأقصى دومًا استعدادًا للبذل والتضحية في مواجهة الخطة الإسرائيلية.
كما أن الشباب الفلسطيني، في كل ساحات الوطن، لا سيما الضفة والقدس، أثبت فشل الرهانات على إخراجه من المعادلة، وبدد هو الآخر كل ما بذل لصناعة الفلسطيني الجديد، فخاض غمار المواجهة وحقق التحامًا في الميدان، عجزت عنه قيادته الرسمية والفصائلية. ولم يكن غريبًا أن يتقدم فتيان وفتيات في عمر الزهور، ليدافعوا عن قدسهم وحلمهم، في الحرية والاستقلال، وليوصلوا رسالة للجميع، أن قدسي أرضي وطني شرفي لن يدنس، أجود بدمي ولن تمر أحلام بني صهيون.
مائة واثنان وعشرون شهيدًا مضوا حتى الآن، في قافلة الشهداء، بينهم خمسة وعشرون طفلًا وخمس نساء، فيما غيرهم الآلاف، يعاهدون من خلال مشاركتهم في المواجهات الميدانية، أو تنفيذ العمليات الفردية التي لم تتوقف، على الاستمرار في ذات الدرب، فقدسنا ووطنا غال ودونهما ترخص الأرواح والدماء.
كتبت على صوت ألترا
التعليقات (0)