كثيرة هي المناسبات التي يمر بها الانسان في حياته ، و أكثر المناسبات انفعالا هي مناسبات اللقاء بعد طول فراق ، و مناسبات الفراق و الوداع بعد طول تفاعل و تجاور و تلاقي .
و في محيط العمل تكثر هذه المناسبات و ما يعتريها من انفعالات إنسانية تطفو على سطح السلوك الانساني على شكل احتفاء بوداع صديق أو رفيق أو زميل عمل ، أفنى سنوات عمره بين ظهرا نينهم كل صباح .
إن سنوات العمل الطويلة تخلق نوع من الألفة الشخصية و التعود ، و التعاون ، و المشاركة في الأفراح و الأتراح .
إن الزمن في محيط العمل يمتلئ بالأحداث التي تترك أثرها على الأفراد في تفاعلهم ، و تعاضدهم ، و حتى تنافرهم بشكل فردي أو جماعي .
إن الحدث ليس بمروره الزمني بل بإنطباعاته على المشتركين في الحدث، و هذه الانطباعات تبقى في الذاكرة ، و تنبعث أحداثها و ذكرياتها من آن لآخر
سنوات من التفاعل اليومي العادي في العمل ، سنوات من التفاعل الاجتماعي سنوات مشحونة بالمد و الجزر في العلاقات الجماعية ، في العلاقات الأثنينية التجاورية ، فيصبح لكل فرد موقعه ، ليس العملي فحسب ، بل الاجتماعي ، و يترك أثره النفسي على من حوله ، و في حالة الوداع تتلاطم المشاعر حسب قوة و تفاعل الشخص الايجابي مع المجموع .
و بهذا يبدو أن الوداع هو الخسارة بحسب قوة التجاور و التفاعل الفردي .
في الوداع يصبح الكل نقي ، نقي من الأخطاء ، نقي من مسالك الابتعاد ، في حالة الوداع تنقرض السلبيات ، و تتعزز الايجابيات ، في الوداع تتعزز المشاعر الانسانية بأحلى صورها، البسمة النقية ، الدموع ، الوعود التواصلية ، الغفران ، العفو ، التسامح .
في الوداع يظهر الانسان الحقيقي بإنسانيته ، بجماعيته ، اجتماعياته الرحبة ، تطفو على وجهه التعبيرات المختلف، التي ترخي بأثرها على القدرة على الحديث ، و تعطل لغة الكلام ، و تطغي لغة المشاعر الانسانية التي يكتشف الانسان فيها بعجز اللغة عن التعبير عما يريد االاٍفصاح عنه ، هذا هو الوداع ، أرقى تفاعل إنساني بين زملاء العمل الواحد ، من تعليم أو صحة ، أو خدمة اجتماعية .
الوداع تاريخ من ...... الى الآن ، و هو أشمل من اللقاء ، أكثر عمقا , فاللقاء يسير في اتجاه واحد ، تصور للمستقبل الغائب على أمل ان تجلب أحداثه السعادة و السرور و البهجة على الموجودين بفعل القادم ، الذي يجري استقباله الآن ، استقبالا مشحونا بالتصورات و التوقعات السعيدة ، و لكن لا تخلو من التوقعات الغير سعيدة أيضا .
و بهذا فاللقاء يختلف عن الوداع في أن الوداع نسيان للسلبيات ، و مراكمة و تذكر الايجابيات ، و الاحساس بخسارة هذا الكم التاريخي التراكمي التأثيري في حالة الفقدان ، الوداع .
التعليقات (0)