مواضيع اليوم

الماركسية وأساليب النضال الثورية

عيسى رمضان

2012-02-06 09:32:34

0

الماركسية اللينينية هي أيديولوجيا ثورية هادفة الى تغيير المجتمع نحو الأفضل .وهي بهذا تتحزب للطبقات المضطَهَدة من أجل ازالة الظلم الطبقي في المجتمع , وفي غمرة النضال ضد الطبقة السائدة تقوم بمناصرة أي انسان يقع عليه أي ظلم سواء كان قوميا أو عرقيا أو دينيا في المجتمع .
إن الماركسية تعتبر أن أي ظلم أو قهر تمارسه السلطة سواء كانت ملكية أو جمهورية أو طبقة سائدة على طبقة أو قومية أو نحلة دينية هو تكريس وترسيخ لظلم أكبر يهدف الى إطالة عمر وسيطرة الطبقة أو السلطة الظالمة سواء كانت عائلية أو ملكية أو طغمة عسكرية .
فما هي أساليب الماركسية النضالية من أجل إزالة ظلم الانسان لأخيه الانسان ؟
إن أساليب النضال الماركسية متعددة , فهي تتدرج من النضال البسيط مثل نشر التذمر والاحتجاج داخل مصنع أو مؤسسة وصولا الى الاحتجاج العلني الجماهيري , ومن الاضراب القصير الأجل الى الاضراب الطويل الأجل وصولا الى العصيان المدني الشامل .
وقد يتطور الاحتجاج أو الإضراب حتى يصل الى الصدام مع السلطة , وتكون نتيجته سقوط ضحايا من المحتجين .
ولما كانت الماركسية تنطلق من الفلسفة المادية الجدلية التي تؤمن بالتغيير التدريجي التراكمي وصولا الى الطفرة , أي الإنقلاب الكيفي .من هنا كانت الطفرة , القفزة في المجتمع هي الثورة , أي الانقلاب الثوري التي من خلاله تستولي الطبقات المظلومة على زمام الإمور في الدولة , وتصبح المؤسسة العسكرية والادارية تحت سلطة كوادرها الحزبية المنظمة , تحت قيادة الحزب الثوري المسترشد بالنظرية الماركسية اللينينية.
وانطلاقا من هذا الفهم , يجب على الحزب الماركسي اللينيني أن تكون لديه الجاهزية المادية والمعنوية لاستخدام تكتيك الصدام المسلح , حيث ان خبرة الثورات والنضالات العمالية تؤكد أن الطبقات القابضة على السلطة سواء كانت اقطاعية أو برجوازية هي التي تبدأ باستخدام السلاح ضد المحتجين , ضد المضربين , وأن أنظمة الحكم السائدة لا تتخلى عن السلطة بسهولة , وهي تستخدم السلاح ضد العمال عند أول احتجاج في المصنع أو المؤسسة الانتاجية .
إن هذا السلوك المعروف والمؤكد يفرض على الحزب الماركسي أن يملك السلاح وأن تكون له مليشيا حزبية لديها الجاهزية التنظيمية والتكنيكية _ نوعية السلاح _ لاستخدام تكتيك المواجهة المسلحة ضد مراكز الشرطة والسجون والمراكز الحكومية التي تتحكم في تحركات الجيش .كما ويجب حينما تحين اللحظة الحاسمة تحريك الكوادر الحزبية داخل المؤسسة العسكرية والجيش لخلق انشقاقات في الجيش لصالح الثورة في اللحظة المناسبة وقد تكون الحاسمة حينما يكون الحزب قد عقد العزم على الاستيلاء على السلطة .
أن الاستيلاء على السلطة هي مسألة مركزية لتطبيق المشروع الماركسي ولتغيير الأُسس الاقتصادية التي تجعل من وجود طبقات مالكة لوسائل الانتاج أمرا ممكنا وتفرض سيطرتها على المجتمع وتستأثر هي وعائلاتها بالخيرات المادية في البلاد .
فمن أدبيات الحزب الماركسي اللينيني ,أن هناك تناقض في المجتمع بين طبقات مُستغِلة وطبقات مُستَغلَه , وأن ظروف البلاد ونوعية الحكم تفرض طريقة حل هذا التناقض .
إن هناك أساليب نضالية متعددة تبدأ من انتهاج الاسلوب السلمي الذي من مظاهره النشاط الدعائي لصالح برنامج الحزب وعقد الندوات التوضيحية في المؤسسات الانتاجية والتعليمية والصحية , وقد يصل الى تنشيط التذمر الإحتجاجي والتحريض على الاضراب والتظاهر لتحقيق مكاسب أولية وبسيطة لصالح العمال .
كما يجب على الحزب الدخول في الجمعيات والمؤسسات العاملة بشكل رسمي في البلاد واستغلال الانتخابات للوصول الى المراكز المؤثرة فيها ومحاولة خلق تواصل اجتماعي بين الحزب والجماهير.
وهناك التكتيك المسلح الثوري والذي يفرص على الحزب امتلاك السلاح وتدريب كوادر ليكون لديها الخبرة الكافية في حالة الوصول لمرحلة الصدام الذي لا مفر منه في أغلب الأحيان , والذي تحكمه ظروف تطور النضال , تطور نوعية الصدام مع السلطة الحاكمة .
من هنا كانت ظروف كل بلد على حِدة , وحسب تطور مؤسساتها الادارية والعسكرية هي التي تحكم شكل النضال الذي يجب أن تمارسه الأحزاب الماركسية , هي التي تحكم نوعية التكتيك الذي يجب أن يُمارس لتحقيق الأهداف ولو خطوة , خطوة وجذب الجماهير الغفيرة لصالح برنامج الحزب الاجتماعي .
ففي بلد مثل النرويج والدنمارك وغيرها من دول أوروبا والتي تطورت مؤسسات الدولة فيها الى درجة تسمح بالانتقال السلمي وتسليم أجهزة الدولة لحزب الطبقة العاملة , ففي مثل هذه الدول التي تملك قاعدة اقتصادية واجتماعية تؤهلها للانتقال السلمي من خلال تكتيك الانتخابات , يجب على حزب الطبقة انتهاج التكتيك السلمي وترجيح كفة أساليب النضال الهادئة على الأساليب العنيفة .
أما في البلدان الأقل تطورا في مؤسسات الدولة , ـ بل هناك دول لا يسمح فيها بتكوين مؤسسات ولا جمعيات ولا نوادي ولا مؤتمرات ولا تظاهرات ولا اضرابات , ويظهر السلاح ويسيل الدم عند أقل احتجاج ـ في مثل هذه الدول لا مفر من التحضير القوي لإنتهاج تكتيك العنف الثوري المسلح والدخول للمؤسسة العسكرية والشرطة والمخابرات ومحاولة استمالة وجذب كوادر عسكرية لصالح برنامج الحزب الماركسي , واتباع إسلوب التربص الحذر , التآمري الذي يسير مع الدعاية الثورية بين الجماهير , وحينما يصل التراكم التذمري الى مداه , أي حينما تصل الجماهير الغفيرة الى قناعة أنها لم تعد تستطيع العيش ضمن هذه الظروف , لا تستطيع أن تتعايش مع السلطة القائمة , ويتكون لديها استعداد للتضحية , فهنا لا بد من الثورة , ولا يجب التأخر عنها , بل يجب عدم التردد والدخول فيها بكل قوة , والضرب بكل عنف في كل الاتجاهات لإلحاق الهزيمة بالطبقات الحاكمة والاستيلاء على السلطة . قال ماركس : " إننا لا نريد شفقة ولا رحمة من الطبقات البرجوازية, وحينما يأتي دورنا سيكون العنف الثوري مريرا ".
هذا هو المنهج النضالي الذي يجب أن تسترشد به الأحزاب الماركسية اللينينية, وأن تدرس ظروفها الذاتية بوعي ومسئولية ثورية واجتماعية بوصفها الممثلة الواعية والثورية للجماهير المضطَهَدة والتي يقع عليها عبء التغيير الثوري وبناء المجتمع الجديد .
كما يجب ألا يقع الحزب في الحرفية النظرية والتمسك بنصوص وأقوال لماركس وانجلز قيلت عن بلدان تطورت فيها الرأسمالية لدرجة عالية , فلكل بلد ظروفه الخاصة وفق مستوى تطوره .فالغرق في الحرفية النظرية أحيانا تجعل الحزب في واد والجماهير في واد آخر, والتالي لا يستطيع القبض على اللحظة المناسبة في التطور النضالي الثوري مما يجعل الجماهير تسبقه في طموحاتها الثورية , وهذا يتيح الفرصة لقوى أُخرى لاغتنام الفرصة وقيادة الجماهير واستلام السلطة .
كما أن الخيلاء الثورية , اليسارية الطفولية قد تطفو على سطح الحزب وتجره الى صدام مع السلطة دون أن يكون لديه الجاهزية التنظيمية والتكنيكية والتحضير الجماهيري الكافي لهذه الخطوة , مما يُدخله في مواجهة غير متكافئة مع السلطة المسلحة , ويتم القضاء على كوادر حزبية , يحتاج الحزب الى سنوات طويلة لتعويضها .
ينطلق النهج المعادي للماركسية , بأن هناك نصوصا قالها معلما الطبقة العاملة لا يجب الخروج عنها . إنهم يريدون للماركسية أن تكون حرفية , ميكانيكية في كل الظروف , أي ممارسة نفس الأساليب في كل المجتمعات بحرفية مطلقة . انهم يدفعون الحزب الماركسي الى حالة فقدان اتجاه في اللحظة المناسبة , وعدم المؤالفة بين الامكانيات الذاتية والظروف الموضوعية والتي تحكمها ظروف البلد الاقتصادية و الاجتماعية والفكرية .
انهم يدعون الحزب الماركسي في البلد المتطور – بلدان أوروبا _ أن ينتهج الاسلوب الثوري المسلح دون مراعاة لمستوى تطور مؤسسات الدولة . ويدعون الى انتهاج الاسلوب السلمي في بلد تعشعش فيه الديكتاتورية والعنف في كل مؤسسات الدولة .
ان التربية الفكرية المتواصلة للكادر التنظيمي القائمة على ديناميكية النظرية الماركسية هي الضامن الأكبر لعدم الوقوع في مرض الحرفية الفكرية أو مرض الخيلاء الثورية , وكلاهما قد يضع الحزب في مآزق من الصعب الخروج منها .
 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !