المؤسسة الدينية ودورها في الحفاظ على الهوية الوطنية
(من واقع التحديات إلى أفق العلاج)
تمهيد:
في ظل التغيرات – السياسية والاقتصادية والسياسية والدينية و...- التي يعرفها مجتمعنا المحلي والإقليمي اليوم والمرتبطة بالعلمنة والحداثة، ينكشف لنا الخلل المتمثل في فشل المؤسسات القائمة على ذلك في إيجاد الحلول الناجعة لإرشاد وتوجيه ما ينبغي إرشاده وتوجيهه لا سيما المؤسسة الدينية البالغة الأهمية في أدوارها ووظائفها.
وانطلاقا من مقولة عالم الاجتماع الفرنسي " دوركهايم" : « أن المؤسسة الدينية هي وحدها القادرة على أن توحد البشر في مستوى تصوراتهم ومشاعرهم », وعلى هذا الأساس فالمؤسسة الدينية إلى جانب العمل الجمعياتي و المؤسسات الغير الدينية في المجتمع المحلي والإقليمي تحمل على عاتقها الإحاطة الاجتماعية والنفسية بالإفراد والمجتمعات على اختلاف مجالاتها التداولية (اللغة – التربية – العادات والتقاليد- الدين...)؛ ويعرف كل منا أنه في مجال البحث الاجتماعي يعتبر الإلزام الديني والعقائدي فوق كل القوانين الوضعية التي تحاول فرض سيطرتها على الفرد والمجتمع معا.
ومنه تأتي أوراق هذه المداخلة لتحاول الإجابة على جملة من التساؤلات:
1- ما هي التحديات التي تواجهه المؤسسة الدينية في الحفاظ على مقومات الهوية الوطنية ؟
2- ما هي الأساليب والوسائل التي ينبغي على المؤسسة الدينية توفرها لترسيخ قيمنا الأخلاقية في الأذهان وحماية ووقاية شبابنا لا سيما المراهق منه ؟
3- كيف يمكن للمؤسسة الدينية أن تعزز روح المواطنة الحقيقية حتى تكون في ذات الفرد الولاء والانتماء للوطن وفكرة التسامح مع الآخر؟
4- هل المؤسسة الدينية كفيلة بنفسها في توجيه وترشيد سلوك الفرد والمجتمع أم أن هناك مؤسسات غير دينية تحمل على عاتقها المسؤولية نفسها من خلال قيامها بأدوارها الحقة ؟
التأثيــل المفـاهيمي:
وإذا كنا قد حددنا عنوان هذه المداخلة بـ : المؤسسة الدينية ودورها في الحفاظ على الهوية الوطنية– من واقع التحديات إلى أفق العلاج ، فإن الاشتغال بهذا العنوان يتطلب منا أن نحدد في البداية مصطلحا ته الأساسية و التي التزمنا في تحديدها بمصطلحات ثلاثة أساسية لضرورة تداولهما في مقدمة هذه المداخلة ؛ و هما مصطلح: " الدين"," المؤسسة " و"المؤسسة الدينية ".
1- مفهوم (الدين):
(في الفرنسية Religion - وفي الإنكليزية Religion- وفي اللاتينية Religio )
1-1- في اللغة العربية:
الدين في اللغة العادة, والحال, والسيرة, والسياسة, والرأي, والحكم, والطاعة والجزاء ومنه: مالك يوم الدين, وكما تدين تدان, (1) أو هو العادة مطلقا. (2)
1-2- في اللغة اللاتينية:
- الربط بين شيئين (كونين, الله والإنسان مثلا). (3)
- الدين كلمة مشتقة من اللاتينية (relegere) تعني (احترام وتكريس عبادة) أو من الفعل (religare) بمعنى الروابط : أي الدين هو وجود الصلة التي تربط الإنسان بالله كمصدر لوجوده ، كما ترجم ذلك التقاليد المسيحية. (4)
1-3- في الاصطلاح:
- في الفلسفة:
- عرفه الباحث "محمود يعقوبي" بأنه: "جملة متكاملة من القواعد الإلهية التي تهدي الناس بإتباعه باعتباره فهم المجتهد». (5)
1-4- كرنولوجيا مفهوم الدين: (6)
- عند الفلاسفة القدماء: يطلق على وضع إلهي يسوق ذوي العقول إلى الخير؛ والفرق بين الدين والملة و المذهب: إن الشريعة من حيث هي مطاعة تسمى دينا, ومن حيث إنها جامعة تسمى ملة؛ ومن حيث أنها يرجع إليها تسمى مذهبا. و قيل أن الفرق بين الدين, والملة, والمذهب, إن الدين منسوب إلى الله, والملة منسوبة إلى الرسول, والمذهب منسوب إلى المجتهد.
ويطلق لفظ الدين على الشريعة, وهي السنة أي ما شرعه الله لعباده من السنن والأحكام.
- وعند الفلاسفة المحدثين: لفظة الدين لها أربعة معاني:
1- الدين جملة من الإدراكات والاعتقادات والأفعال الحاصلة للنفس من جراء حبها لله, عبادته إياها, طاعتها لأوامره.
2- والدين هو أيضا: الإيمان بالقيم المطلقة والعمل, كالإيمان بالعلم والإيمان بالتقدم؛ ففضل المؤمن بهذه القيم كفضل المتعبد الذي يحب خالقه ويعمل بما شرعه.
3- وفي القرن 18م أطلق مصطلح الدين الطبيعي ( Religion naturelle) على الاعتقاد بوجود الله وخيريته, وبروحانية النفس وخلودها, وبإلزامية فعل الخير من جهة هو ناشئ عن وحي الضمير ونور العقل, والفرق بين هذا الدين والدين الوضعي (Religion positive) أن الأول قائم على فعل الوحي الضمير والعقل, بينما الثاني قائم على وحي إلهي يقبله الإنسان من الأنبياء والرسل.
4- وفي الأخير الدين مؤسسة اجتماعية تضم أفراد يتحلون بالصفات التالية:
- قبولهم بعض الأحكام المشتركة, وقيامهم ببعض الشعائر.
- إيمانهم بقيم مطلقة, وحرصهم على توكيد هذا الإيمان وحفظه.
- اعتقادهم أن الإنسان متصل بنواة روحية أعلى منه, مفارقة لهذا العالم أو سارية فيه كثيرة أو موحدة.
ومن معاني الدين عند الفيلسوف "دوركهايم" :« أنه مؤسسة اجتماعية قوامها التفريق بين المقدس وغير المقدس, ولها جانبان أحدهما روحي مؤلف من العقائد والمشاعر الوجدانية والأخر مادي مؤلف من الطقوس والعادات». (7)
2 - مفهوم المؤسسة:
2-1- في اللغة:
ترادف لفظة " المؤسسة " العربية (في الفرنسيةInstitution – وأيضا في الإنجليزية Institution) وتعني في اللغة الفرنسية: « مفهوم مركزي في علم الاجتماع البناء تعني المبادئ التي تحكم الحياة الاجتماعية للجماعة, أو دستور الدولة تنظيم الناتجة الاجتماعية ( ولها وظائف عامة مختلفة)». (8)
والمؤسسة في الحياة العامة تعارض الطبيعة ومرادفة للثقافة: يقال عن شيء مؤسسة عندما « تكون أعمال الناس بها متميزة عن الأعمال الطبيعية».(9)
2-2- في الاصطلاح:
- في الفلسفة:
«هي كل ما أنشأته قوانين الدولة من أصول المعاملات والهيئات لتسير مختلف الوظائف التي تقتضيها الحياة الاجتماعية وهي تختلف عبر الزمان والمكان». (10)
3 - مفهوم المؤسسة الدينية:
3 -1- في اللغة :
يطلق على لفظة المؤسسة الدينية في اللغة الفرنسية (Institution Religieuse) وتعني:
3-2- في الاصطلاح:
3-2-1- في علم الاجتماع:
المؤسسة الدينية تعني:« نسق من المعايير والأدوار الإجمالية المنظمة التي تواجه الحاجة الدائمة إلى الإجابة على الأسئلة النهائية المتصلة بهدف الحياة وبمعنى الموت», وهي تختلف عن المؤسسة السياسية(Institution Politique ) والتي تعني:« المؤسسة الاجتماعية أو مركب المعايير الاجتماعية والأدوار التي تعمل على تدعيم النظام الاجتماعي وممارسة القوة من أجل ضمان الامتثال لنسق الدولة القائم ». (11)
المؤسسة الدينية في ظل تحديات الواقع:
1- مؤسسة الدين والإرهاب:
يعتبر تحدي الإرهاب من أهم التحديات التي تواجه مؤسسة الدين على المستويين المحلي والإقليمي, وتكمن خطورة موضوع الإرهاب ى في الوقت الحاضر في أن أعداء الإسلام يتهمون الدين الحنيف بأنه يدعو إلى الإرهاب والقتل والفوضى؛ وأنه لولا الأساليب الإرهابية التي يتبعها الإسلام لما أنتشر الدين الجديد في أجاء المعمورة. (12)
لكن الإسلام في مواقفه إزاء الإرهاب في تحديد ثوابته ينطلق من ثلاثة عناصر في الفكر الإسلامي تتجسد في (القرآن الكريم, السنة النبوية الشريفة, والشريعة الإسلامية السمحاء):
- موقف القرآن الكريم من الإرهاب: جميع آياته تأخذ السلم معيارا في جميع العلاقات بين الشعوب والأمم والدول, (13)
مثل قوله تعالى: { أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجدلهم بالتي هي أحسن أن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين }. (14)
وقوله أيضا: { يأيها الذين أمنوا أدخلوا في السلم كافة, ولا تتبعوا خطوات الشيطان أنه لكم عدو مبين}. (15) والآيتان يحملان شعار من الواجب أن يكون مبدأ من مبادئ عمل مؤسسة الدين, الأول الدعوة إلى الحق بالحكمة والموعظة الحسنة, والثاني حل النزاعات سلميا وعدم اللجوء إلى العنف والتهديد.
- موقف السنة النبوية من الإرهاب : نجد في سيرة الرسول الأعظم- صلى الله عليه وسلم- أيضا دعوة إلى السلام والآمان المناهض للإرهاب, وبث خصال الرحمة والشفقة وهذا ما نكتشفه من خلال النصيين التاليين: عن العزيز بن صهيب عن أنس عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: :« ما من مسلمين التقيا بأسيافهما, إلا كان القاتل والمقتول في النار». (16) ؛ وقوله أيضا: « من حمل علينا السلاح فليس منا». (17) , وهذه الخصال تعمل مؤسسة الدين على بثها من خلال تعليمها للنشء داخلها والعمل على غرسها كقيم إنسانية أصيلة لا تمت بعداوة لأي مخلوق فوق وجه هاته المعمورة .
- موقف الشريعة الإسلامية السمحاء من الإرهاب: وقفت الشريعة الإسلامية من خلالها مؤسساتها على الصعيد المحلي والإقليمي موقفا رافضا لجميع أشكال العنف والإرهاب التي تهدد المواطنين وسلامتهم وهذا ما يوضح قول المشرع الإسلامي: « أن العنف ثمرة العنف لأنه لن يقتصر على الأعداء فقط, بل يتعداهم إلى الأصدقاء ». (18), وإذا أردنا أن نمثل بمؤسسة الدين نذكر هنا أن الشريعة التي يلتزمها رجال الأزهر مناهضة للإرهاب وناقدة له في جميع الأحوال ترفض الإرهاب ضد الآخرين بغض النظر عن كونهم مسلمين أو غير مسلمين. (19)
ورغم هذا فالإسلام يتلقى تهم وأكاذيب باطلة جاءت على لسان بعض علماء الاجتماع الغربيون أمثال ( يوشيم واك وماكس فيبر وروبرتسن سميت..) مفادها إن الإسلام بعد انتشاره في الجزيرة العربية تحول من دين سماوي إلى دين يدعو إلى العنف و الإرهاب والقتال والحرب والتوسع العسكري. (20)
وإدعاء كهذا ليس له ما يثبته, ذلك أن الإسلام كدين وكمؤسسة من خلال مبادئه وأخلاقياته وتعاليمه وممارساته إنما هو دين إنساني مسالم لقوله تعالى:{ وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله أنه هو السميع العليم}, (21) حتى أن انتشار الإسلام كان بمنطق الإقناع والإيمان بالمبادئ لا بالقوة والإكراه لقوله تعالى: { لا إكراه في الدين وما على الرسول إلا البلاغ المبين, فذكر إنما أنت مذكر ليست عليهم بمسيطر}. (22)
والموقف العلمي هنا لا يجعلنا نبرأ الدين ولا مؤسسته مما قد يحدث في الواقع المحلي والإقليمي اليوم - ونحن نعلم أن تهم الإسلام ازدادت خصوصا بعد تفجيرات الحادي عشر أيلول 2001 في الولايات المتحدة الأمريكية وتفجيرات لندن وفرنسا وإسبانيا ومصر, فاتهمت الجالية الإسلامية من طرف المغرضون والتي راح ضحيتها الآلاف من البشر. (23)
بدليل أن الدين قد يكون سببا من أسباب العنف والإرهاب لا سيما أن كان الفرد متعصبا ومتحيزا لدينه أو طائفته الدنية ضد الأديان والطوائف الأخرى ، وهذا ليس معناه الحقيقي أن الدين ولا مؤسساته هو سبب الإرهاب بل الأشخاص الذين يتعصبون و يتحيزون له نتيجة تربيتهم الدينية والأخلاقية وتنشئتهم الاجتماعية والسلوكية والحديث يجري داخل المجتمع المحلي أو خارجه. (24)
ولو مثلنا ما يجري اليوم في العراق أين غاب دور مؤسسة الدين الإسلامي, وأتضح ما أسماه المرحوم "محمد أركون" "الإسلام الشعبي", بدليل التعصب الديني والطائفي, حيث أن هناك بعض أهل السنة يتعصبون للسنة ضد الشيعة, وبعض الشيعة يتعصبون للشيعة ضد السنة؛ وهذا ما يدفعهم إلى الاقتتال فيما بينهم في أقل ما يمكن القول عنها إنها "حرب العصابات", ومنه تخلص إلى الطائفية أو العرق وهو سبب مهم من أسباب العنف والإرهاب. (25)
2- العلمنة ومؤسسة الدين في الجزائر:
تتجلى سمات الخطاب اليوم أنه خاضع للماضي وللمشاكل السياسية الحالية لا اتجاه الدين, وهذا واضح منذ الاستقلال (1962) إن القوى الاجتماعية والإيديولوجية لم تكن تتجه كلها على نمط واحد بعد استلام السلطة من قبل مجموعة المجاهدين. (26) حيث سيطر الخطاب العلمي على الخطاب الديني مثل ما هو مشار إليه عند الباحث "هنري سانسون" في دراسة بعنوان " الجزائر مجتمع طائفي ومع ذلك علماني" (27)
فالتيارات والصراعات كانت قد ظهرت سابقا أثنا الحرب وسط صفوف "جبهة التحرير الوطني"
حول الشخصية الإسلامية أو الجزائرية للبلاد بمعنى هل هي إسلامية أم جزائرية ؟ حيث برزت تيارات أهمها :
- تيار العروبة: المنتصر سابقا في مصر بمجيء "جمال عبد الناصر".
- تيار علماء الدين: المشدد على الانتماء الإسلامي للبلاد ضمن خط "السلفيين الإسلاميين".
- أقلية خجولة: تحدثت عن انتماء الجزائري للجزائر, أي الجزائر جزائرية حيث وجدت نفسها معزولة قليلا أو كثيرا من الناحية الإيديولوجية عن (العروبة والسلفية) رغم أصداء فكرة "الجامعة الإسلامية" التي كانت تصل إلى السكان بواسطة "علماء الدين"؛ ولكن هؤلاء أنفسهم كانوا يتلقون المعارضة من طرف السكان الجزائريين أنفسهم".(28)
هذا ما يبن أن مؤسسة الدين لم تلعب حينها دورا يمكن الوصول إلى درجة إن الإسلام لم يكن يمتلك فيها نفس التواجد الواحدي والعقائدي والإيديولوجي الذي يتخذه المجتمع الجزائري غدية الاستقلال بسب لانبثاق الدولة المركزية والقوية للسلطة وأرادت السلطة المركزية كرد فعل على الاستدمار تأكيد انتمائها الحماسي للعروبة والإيديولوجية الإسلامية أكثر بكثير من انتمائها للإسلام كما يقول المرحوم" محمد أركون" أنه رد فعل أكثر مما هو تحمل مسؤولية الواقع الجزائري للنواحي الاجتماعية والثقافية والتاريخية بشكل جاد ومتزن, أو تحمل مسؤولية من قبل دولة حرة فعلا.
حيث نجد مجتمعنا اليوم في تطوره لا ينأى- في اعتقاد "محمد أركون"- عن الضغوطات الخارجية وأولها الإستدمارية أو الإيديولوجية العروبوية المبالغة فيها أحيانا؛ أو يتم بمنأى عن إيديولوجيا إسلام معين ومنصور على أنه دعامة كلها للمقاومة الإمبريالية الإستدمارية. (29)
فالوضع الثقافي في الجزائر المعاصرة اليوم يبدو كأنه جزائري شرعا, رغم الفراغ الثقافي الذي خلفه الاستدمار في تحقيق الهوية الوطنية ومن بينها بالطبع اختيار الإسلام دينا للدولة واللغة العربية لغة وطنية, وما يعبر عن هذه الطموحات التي يقل نظيرها اليوم نسبيا عنه في فترات سابقة في التغيير, والمشكل الأساسي في التغيير هنا أن مشروع الإصلاح المتكامل للثقافة الوطنية أصطدم بضرورات الواقع القياسية المتمثلة في نمطين أساسين: (30)
- اشرأب السكان بالنماذج الغربية: المنسابة خلال مئة وثلاثين عاما من التعمير الإستدماري مما جعل ثابتة سوسيولوجية تشكل انسلاخا ثقافي في دمغ السكان المدنيين خصوصا المقتربين إلى النماذج الغربية من أمثالهم الريفيين.
- الضرورات الاقتصادية: وهذا يتضح من إلزامية انفتاح التصنيع على أوسع تكنولوجيا العالم الخارجية ولم يكن ممكن إستراد وسائل التصنيع التقنية دون إستراد عقلية المبادرة, الملازم لللإستراد الأول, حيث أدى وجود هذه التقنيات إلى إشتراء المجتمع لهاته التقنيات والبعد على المزارع والأراضي الخاصة به، وهذا يجعلنا أمام الجدل الثنائي بين الأصل والمعاصر والخاص والعام ...والذي يتطلب هنا موقفا موحدا بين جميع مؤسسات المجتمع بما فيها المؤسسة الدينية.
3- الإسلام والجنوسة:
هذا التحدي يتضح في البلدان العربية الإسلامية من خلال نقطتين أساسيتين في القرن 20م: (31)
- سيادة الاعتقاد بأن التحرير الوطني يجب أن يتقدم على تحرير النساء, مادام الأخير يقود إلى التبعية للغرب من خلال الاستهلاكية والحط من قدر النساء (كعامل داخلي).
- الوعي بعدم تقبل الغرب للمؤسسات الأسرية الإسلامية وانتقاده لها (كعامل خارجي).
أذن نجد البعض يرفض"الأدب الغربي" المحط من قدر المرأة المسلمة العربية, ويدعو إلى الأدب العربي الإسلامي المؤكد على دور المرأة بدلا من دورها كمصدر للغواية تتلاعب بحياة الرجال وتمنعهم من أداء فرائضهم الدينية؛ وهنا ينبغي للمؤسسة الدين أن يكون لها وعي بزيادة الفراغ بين الطبقات الوسطى خصوصا ما بين النساء غير العاملات, لنتيجة تضاؤل الإنتاج المنزلي ولذا يتطلب هنا تحويل طاقتهم إلى النشطات الدينية والخيرية العامة المواجهة للصالح العام, وهكذا تجمع المؤسسة الدينية ضمن إيديولوجيتها مزيجا من الالتزام الديني والسخط الأخلاقي والمشاركة السياسية ؛ عكس التشريعات التي تبنتها الحكومات بخصوص قانون الأحوال الشخصية الذي يؤثر على حياة النساء، وأنه على مؤسسة الدين في مسؤولياتها أيضا مراعاة البحث عن هوية عربية إسلامية أصيلة؛ وعدم الفصل بين الدين والدولة خصوصا عندما يتعلق الأمر بقانون الأسرة, والإحساس بأن الغرب ما يزال يسيطر على التنمية الاقتصادية والثقافية. (32)
أنواع المؤسسات الدينية في الجزائر(وظائفها وأدوارها):
1- المسجد:
إن الأسرة الإسلامية اليوم لم تعد في عصرنا الراهن كما كانت من قبل المؤسسة التربوية الرئيسية في تنشئة الأبناء بل أصبحت هناك مؤسسات أخرى تشارك الأسرة في هذا المجال لكن المسجد كمؤسسة دينية يبقى أهمها قيمة في بناء الشخصية الإسلامية من خلال التنشئة الاجتماعية السوية للأبناء.
و إن كلمة "مسجد" من الناحية اللغوية تطلق على كل مكان يسجد فيه, وبعد بعثة الرسول – صلى الله عليه وسلم- أصبح يطلق على المكان المخصص لإقامة الصلوات الخمس, وكان أول ما فعله الرسول عندما هاجر إلى المدينة مع أصحابه هو تشيد أول مسجد في الإسلام وهو" مسجد قباء"
وهذا ما ينبأ على مكانة المسجد الاجتماعية, الثقافية, الاقتصادية والسياسية الهامة في المجتمع كمؤسسة فاعلة.
- وظائفه: (33)
- قيامها بمهمة تفسير النصوص الدينية وتعاليمها وشرحها بين أتباع الدين ومعتنقيه.
- أداء الصلوات والطقوس الجماعية في أماكن العبادة المختلفة كشعيرة توحد بين المسلمين, وتؤدي إلى التماسك والتضامن الاجتماعي بينهم. .
- الدعوة إلى التمسك بأدآب الدين بين أفراد المجتمع باعتبار الدين أداة رئيسية من أداوت الضبط الاجتماعي في المجتمع.
- يؤدي الدين دورا غاية في الأهمية فيما يتعلق بالتماسك والتضامن الاجتماعي, وكذا التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع.
- دور حفظ القرءان الكريم, ومدارسه المنتشرة في الريف والمدن حيث تسهم في تحفيظ القرءان لدى الناشئة وإكسابهم القيم الدينية وتعريفهم بخالقهم, وكان المسجد منتدى يلتقي فيه جميع أفراد هذه القبائل التي كانت تعيش قبل الإسلام قبائل متنابذة ومتشاحنة، وعليه يمكن القول: بأن المسجد أول مؤسسة اجتماعية أبتكرها الإسلام لتكون بيتا لله وللمسلمين يتشاورون فيه أمور دينهم ودنياهم, كما يعتبر أيضا بيتا للتجارة والقضاء والعلم والمعرفة.
- كما يلعب دورا في تشكيل الشخصية الإنسانية المؤمنة المتكاملة من حيث التوجيه والإرشاد في مجال الدين والدنيا معا في التشريع والعبادات والمعاملات.
- تدريب المسلمين على التعاون والعمل الجماعي الذي هو أساس بناء المجتمع, وتدعيم كيانه ويبصر المسلمين بأهمية الوحدة الإسلامية لا سيما في موسم الحج وزيارة الحرمين الشريفين.
والأمثلة عن تجسيد هاته الأدوار غنية في أرض الواقع المحلي والإقليمي مثل ما قام به كل من:
- الأزهر الشريف (361هـ -972 هـ): المؤسس من طرف الدولة الفاطمية, والقائم بدور نشر المذهب الفاطمي الإسماعيلي, والدور قامت به نفسه "دار الحكمة " في مصر بالإضافة إلى تدريس القرءان وتدريس علوم أخرى مثل الفقه والحديث والتفسير والنحو ومجالس الوعظ وحلقات الذكر.
- المسجد الجامع: الذي شيده "أبو جعفر" بجوار القبة الخضرة وأعاد بناؤه "الرشيد" الذي لعب دورا -
بارزا في إثراء الثقافة والمعرفة الإسلامية.
- جامع الزيتونة: لعب أيضا دورا هاما في نشر العلم والمعرفة الدينية في تونس كجامع " الأزهر" في مصر وجامع" القرويين " بفاس بالمغرب.
وعليه يتضح لنا إن المساجد والجوامع في العالم الإسلامي لعبت دورا حيويا في نشر تعاليم الدين الإسلامي وصقل مقومات الشخصية الإسلامية من ( دين ولغة وعادات وتقاليد...), والاهتمام بتدريس كل العلوم لا سيما (النحو والفقه و التفسير..) التي ترتبط بالدين الإسلامي لتحقق وحدة فكرية ودينية في ربوع العالم الإسلامي؛ وبهاته الأساليب والوسائل التي توفرها المؤسسة الدينية تعمل على ترسيخ قيمنا الأخلاقية في الأذهان وحماية ووقاية شبابنا لا سيما المراهق منه, كما يمكنها أن تعزز روح المواطنة الحقيقية لديه حتى تكون في ذات الفرد الولاء والانتماء للوطن وفكرة التسامح مع الآخر؛ والشيء نفسه يمكن قوله عن الزاوية كمؤسسة دينية ثانية فاعلة في المجتمع المحلي والإقليمي أيضا.
2- الزاوية: (34)
الزاوية هي صمام أمان في مجال العقيدة, وقد ملئت الفراغات الإيديولوجية؛ وبالتالي وقفت أمام الاندثار الحضاري للمجتمع, كيف لا وهي التي في أحضانها بعثت الدولة وبويع الأمير، وآمن المخلوع والمهزوم والمظلوم, وحرر العبد وفك الأسير وإكرام الجائع وإجابة السائل, وفيها انطفأت نيران الفتن وسويت النزاعات, وأبرمت الأحلاف إضافة إلى تطوير العمران وازدهار الفنون اللغوية كالشعر والحفظ على التوازن الروحي و الذاكرة التراثية للأمة.
- وظائفها:
تتعدت وظائف الزوايا في الجزائر وشابهت كثيرا مثيلاتها في باقي دول الوطن العربي, وسنعرض لأهمها مع ذكر أمثلة من خلال الزوايا في الجزائر وخصوصا في الجنوب الغربي منها:
1- كونها مركز إشعاع ديني: بحيث أن الهدف الأساسي هو خدمة الدين ونشره وتخرج منها خيرة العلماء الكبار في علوم الفقه والشرع مثل:
- عبد الكريم بن محمد بن أبي التواتي التمنطيطي.
- الشيخ محمد البكري بن عبد الكريم.
- الشيخ سيدي عمر بن عبد القادر التنيلاني.
- الشيخ محمد عبد الرحمان بن عمر التنيلاني.
- الشيخ محمد بن عبد الرحمان البلبالي.
- الشيخ محمد بن محمد العالم الزجلاوي.
- والدراسة داخل الزاوية غير محددة وتتوقف المدة على استيعاب المواد المقررة للحفظ.
2- الوظيفة الاجتماعية: تعددت مساهمة الزوايا اجتماعيا ومن الخدمات المتعددة كانت:
- تساعد القراء والمعوزين حيث تفتح أبوابها للفقراء والمساكين الذين يجدون المأوى والمأكل بها.
- القيام بعمليات الصلح في حالة وقوع النزاعات, فكان يتم الانتقال من الزاوية بالتهليل إلى القصور لإقامة الصلح.
3- وقامت بوظائف أخرى متعددة (صحية, زراعية واقتصادية) نذكر أهمها هنا:
- أدوار صحية كجمع وقتل الحشرات الضارة المتواجد في القصور.
- بعضها أختص بركب الحجيج لوقوعها على الطريق مثل (زاوية الحاج بلقاسم بقورارة وزاوية أبي نعامة بأقبلي).
- ساهمت في تنظيم التعاون بين الأفراد في القرية مثل (التويزة التي يتعاون فيها جميع الناس).
مساهمة الزاوية الكبيرة في إيجاد عمل مستقر لكثير من الأشخاص سواء داخل الزاوية أو في البساتين و الأراضي التي تملكها خارج القصر.
وإذا أردنا أن نستدل من الواقع مباشرة نأخذ كمثال:
- زاوية كنتة: أنشأت في بداية الأمر لأغراض تعليمية ثم عنت بعد ذلك بأدوار روحية وثقافية ثم اقتصادية وتجارية وجعلت من الصحراء بحرا آمنا للعلاقات التجارية وهمزة وصل بين المغرب العربي وغرب إفريقيا.
- الزاوية الرقانية: لعبت نفس الأدوار التاريخية في الثقافة والتجارة وتلقين الأدوار الرقانية للأتباع.
- زاوية تاسفاوت الجورارية: في عهد الإمام المغيلي لعبت دور الجهاد ضد اليهود وحركاتهم التجارية والاقتصادية, وعملت ضد تهويد الاقتصاد المحلي فأنشأ الشيخ "سيدي موسى" و" المسعود الشيح الروحي" لهذه الزاوية أسواقا موازية لأسواق اليهود بتيميمون؛ ولازال أثر هذه الأسواق موجودا إلى يومنا هذا فنجد أثر لسوق يسمى " سيدي موسى".
- زاوية تاسفاوت البكرية: هي من ضمن الزاوية البارزة بالمنطقة , تخرج منها جملة من العلماء وذلك سر انتشار فروعها التي تجاوزت حدود الوطن لتدخل تونس وليبيا, ولها دورا إصلاحيا لا يستهان به.
- الزاوية البلبالية: بملوكة وكوسام امتازت بوظيفة القضاء, وتتلمذ في مدارسها مشايخ الزاوية الكرزازية.
دور مؤسسة الدين في الخدمة والرعاية الاجتماعية:
إن المتتبع لتاريخ نشأة التفكير الاجتماعي منذ الدراسات الاجتماعية عند الشرقيين الأقدمين ونقصد هنا (الصينيين, والهنود, والمصرين القدامى مرورا بالفكر الاجتماعي عند اليونان الأقدمين والفكر الاجتماعي الروماني والوسيطي والفكر الاجتماعي عند العرب؛ (35)
نقف عن تلك الأهمية المحورية التي أكتسبها الدين كمؤسسة اجتماعية فاعلة في كل المراحل التطورية التي عرفتها هاته المجتمعات ولازالت متواصلة حتى اليوم من خلال جملة من الأدوار:
- دور مؤسسة الدين في الخدمة الاجتماعية:
إذا كان الدين أحد مقومات الثقافة في الشعوب بصفة عامة, فإن للدين الإسلامي الدعامة الأولى في تنظيم المجتمع الإسلامي لما أشتمل عليه من مبادئ تحدد مستوى المعاملات بين الناس, ومن نظم تحمي هاته المبادئ وتجعلها واقعية وليست مجرد توصيات أو توجيهات؛ كما أنه لم يقتصر على المواعظ والوصايا الأخلاقية فهذا لا يؤثر غالبا في عموم الشعب إلا إذا صاحبته قوانين واضحة تحدد الواجبات وتحميها. (36)
ومن هنا يتضح التشريع الإسلامي متماسكا مع بعضه البعض, ونجاحه متوقف أيضا على المؤسسات الاجتماعية الأخرى في أداء أدوارها الفاعلة.
- دور مؤسسة الدين في الرعاية الاجتماعية:
تسعى الرعاية الاجتماعية في إطار الدين الإسلامي ومؤسساته إلى الحفاظ على تراث المجتمع الذي يتضمن مجموعة القيم والعادات والتقاليد والدين السائدة بين أفراد المجتمع, كما يتدخل في تحديد وتوجيه أنماط السلوك وصور وأشكال التفاعلات الدائرة بين أفراد المجتمع, وهذا ما نلمسه من خلال مبادئ الرعاية الاجتماعية في الإسلام: (37)
- الوحدة في سبيل السلام العالمي, (وجعلناكم شعوبا...)
- الشورى, ( وأمرهم شورى بينهم...), ( وشاورهم في الأمر...)
- المساواة والعدالة الاجتماعية, (وإذا حكمتم بين الناس فاعدلوا هو أقرب للتقوى...)
- التعاون, (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان..)
- التكافل الاجتماعي (أدبي, علمي, دفاعي, التكافل ضد الجرائم الأخلاقي, الاقتصادي, في العبادة, الحضاري, المعيشي...) ومن أهم مجالات الرعاية الاجتماعية الإسلامية نذكر باختصار:
- مجال الأسرة (أسلوب الزواج, حقوق الزوجين, نفقة الحضانة والصغار والزوجة المطلقة, العلاقة مع الأبناء).
- مجال المرضى والمعاقين(الوقاية من المرض, النظافة, العطف على المريض).
- مجال الأيتام.
- مجال المسنين.
مواقف غربية اتجاه الدين ودوره كمؤسسة:
- الاتجاه السلبي:
أن البحث في الثقافات الغربية المتعلقة بدراسة الإنسان جعلنا نكتشف العديد من النظريات النفسية والاجتماعية و الوجودية، التي ليس في خدمة الإنسان ولا المجتمع على حد سواء بل حتى أنها معارضة للدين على وجه الخصوص؛ وإذا أردنا على سبيل المثال لا الحصر نذكر مثلا:
- فرويد: نادى ببهمية الإنسان, لخص الإنسانية في حافز جنسي.
- كارل ماركس: نادى ببهمية التاريخ, ولخص التاريخ في عامل اقتصادي, والسياسة الاقتصادية مرتكزة على العقل المادي فقط.
- هربرت ماركوز: نادى الجميع بالخروج إلى مجتمع اللذة الذي تباح فيه المحظورات والاستمتاع الجنسي والعاطفي والجمالي بلا رادع من دين أو خلق أو تقاليد, والتمرد على نداء العقل والمنطق ونقاء القلب وصفاء الروح؛ وللأسف الشديد نرى الثقافة الغربية تتفق تماما مع أراء هؤلاء اليهود الذين يفسدون في الأرض كما يقول "محمد حسين فهمي" في كتابه ( الرعاية الاجتماعية, ص (232-233))
:« لقد أفسدوا المجتمع العربي في جميع جوانبه وأنتشر الإلحاد والخمور المخدرات وهتك الأعراض والفسق وكل أنواع الانحلال والأمراض الخبيثة, وشتان بين هاته الثقافة والثقافة الإسلامية التي تحافظ على جسم الإنسان وعقله, وتحافظ على شرفه وكرامته, كما تحافظ على العلاقة بين الإنسان وربه, وبالتالي هي تحافظ على العلاقات الطيبة بينه وبين غيره من أفراد المجتمع ؛كما تحافظ على أن يتمتع بالدنيا ويتمتع بالآخرة وتحقق له السعادة فيهما».(38)
- الاتجاه الإيجابي:
يعتبر"دوتوكفيل" (1805-1859م) من بين كلاسيكي علم الاجتماع الأديان في كتابه: "الديمقراطية في أمريكا " لاحظا الحياة الاجتماعية الأمريكية بنظرة ثاقبة فلاحظ دور الدين المهم في تشكيل الديمقراطية وتطويرها, وحسب "دوتوكفيل" أن الدين كمؤسسة سياسية في الولايات المتحدة الأمريكية يشعر بالرغبة إلى المجتمع الجمعي على أساس " الإيمان العقائدي" في ما يختص بالدين من خلال قوله :« للبشر إذا مصلحة مشتركة في تكوين أفكار ثابتة حول الله والروح وواجباتهم العامة تجاه الخالق وتجاه بعضهم البعض, لا شك في هذه النقاط الأولية قد يضيع أعمالهم كلها في يد الصدفة ويحكم عليهم إلى حدا ما بالفوضى والعجز». (39)
ويكفينا شرفا ودلالة على عظمة الإسلام أن يعترف بذلك الغربيون أنفسهم إذ يقول "برنارد شو":
« إني أرى الإسلام دين أوربا في أواخر القرن العشرين», وقال "جوته" عندما أدرك حقيقة الإسلام: «إن كان هذا هو الإسلام أفلا نكون مسلمين». (40)
آفاق العلاج:
من خلال مقدمة هذا البحث, ومحاولة استقراء الواقع تأمليا يمكننا أن نقدم جملة من الآفاق التي عسى أن تكون توصيات يمكنها الاستفادة منها في الخروج من أزمة مؤسسة الدين في واقعنا اليوم؛ وفي ظل التحديات التي يعرفها والمتمثلة فيما يلي:
- استعادة الأدوار والوظائف الأصلية, والتي كانت تمتلك المؤسسة الدينية بفترة ليست بعيدة عن زمن انحطاط العالم الإسلامي بسقوط الخلافة العثمانية وقيام الدولة التركية الحديثة.
- العمل على التوحيد العقائدي داخل الدين الواحد وفرض فكر الانسجام والتناسق بين أمم الوحي (أمة الكتاب).
- خوض المؤسسة الدينية المعركة السياسية والإعلامية والإبداعية الفكرية.
- فتح مستوى الحوار بين الثقافات حتى الحوار الذي يتجاوز الثقافات الخصوصية.
فلم يعد للمرء أن يصل إلى بر الأمان, والخلاص عن طريق طائفة دينية؛ أو أمته القومية وحدها فقط؛ وإنما ينبغي علينا أن نتجاوز الإشكاليات و "القيم" "والهويات" التقليدية الموروثة داخل كل جماعة أو أمة أو طائفة أو مذهب وينبغي أن نوسع نقد القيمة ونعممه أكثر حسب ما قال المرحوم "محمد أركون", (41) وأن كنا لا نتبنى كل مواقفه باسم العلمنة لا سيما ما له علاقة بقدسية نصوص القرءان الكريم والسنة النبوية الشريفة.
خـــاتـــمة:
مما سبق يمكننا استنتاج أن المؤسسات التربوية التقليدية الزوايا, المساجد, والكتاتيب...- كمؤسسات دينية- من جهة كونها ممانعة ثقافية لتحصين الذات العربية ضد آليات العولمة والتنميط الثقافي، لعبت دورا مهما في الحفاظ على مقومات الشخصية والهوية الوطنية ولازالت لحد الآن؛ وإن كان هنا فتورا نسبا في وظائفها وأدوارها اليوم, وهذا راجع في اعتقادنا لطبيعة علاقتها مع المؤسسات الاجتماعية الأخرى تكميلا للدور المناط بها, فلا سبيل لوحدة اجتماعية متناسقة ومنسجمة خارج هاته التفاعلية, والتي نراها أكثر ضرورة من السابق في ظل التحديات التي يعرفها واقعنا اليوم, وهذا ودلالة على أن المؤسسة الدينية ليست كفيلة بنفسها في توجيه وترشيد سلوك الفرد والمجتمع, وأن هناك مؤسسات غير دينية تحمل على عاتقها المسؤولية نفسها من خلال قيامها بأدوارها الحقة مثل المؤسسات (السياسية والاقتصادية والثقافية والتربوية ...الخ)؛ والتي تتماشى مع القيم والمبادئ الإنسانية التي ينعم بها الدين الإسلامي دون غيره من الأديان التي قدست أصحابها العقل البشري وأهملوا الوحي الإلهي في علاقته بالإنسان والوجود.
- فما هي الميكانيزمات التي ينبغي للمؤسسة الدينية – العربية الإسلامية- التمتع بها في ظل فكرة صدام أو صراع الحضارات كفكرة متشائمة يعرفها العالم اليوم, وهل يمكننا القول أن فكرة العولمة كفكرة متفائلة تلغي دورا وأهمية هاته المؤسسة في تكوين مجتمع عالمي منسجم ومتناسق في وحدة إنسانية فاعلة ومتفاعلة اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا وثقافيا؟
ـــــــــــــــــــــــــــ
الإحالات و الهوامش:
1- جميل صليبا, المعجم الفلسفي, دار الكتاب اللبناني, جزء الأول, دط, بيروت, 1982, ص572.
2-خليل أحمد خليل, معجم المصطلحات الفلسفية, دار الفكر اللبناني, ط1, بيروت, 1995, ص78.
3- المرجع نفسه, ص78.
4-Gérard Durozoi-André Roussel-DICTIONNAIRE de philosophie. Gérard Durozoi-André Roussel .Nathan. Imprime en France par I.M.E 2003, P.195
5-محمود يعقوبي, معجم الفلسفة, الميزان للنشر والتوزيع, ط2, الجزائر 1973, ص56.
6-جميل صليبا, المعجم الفلسفي, ص(572-573).
7-المرجع نفسه. ص573.
8-Gérard Durozoi-André Roussel-DICTIONNAIRE de philosophie, P.205.
9-Ibid. P 205.
10- محمود يعقوبي, معجم الفلسفة, ص10.
11- فاروق مداسي, قاموس مصطلحات علم الاجتماع, دار مدني للطباعة والنشر, دط, الجزائر,2003, ص (233-224).
12- أبو زهرة محمد, الافتراءات ضد الإسلام, القاهرة, مطبعة الأنجلو المصرية, دط, 1989, ص 112.
13- إحسان محمد الحسن, علم الاجتماع العنف والإرهاب, دار وائل, ط1, 2008, ص 56.
14- سورة النمل, الآية 125.
15- سورة البقرة, الآية 207.
16- معروف بشار,المسند الجامع, المجلد2, مطبعة الأوقاف دار الشؤون الدينية, دط, بغداد. 1986, ص255.
17- المصدر السابق, ص 33.
18- عسر إبراهيم, بلوغ المرام من أدلة الإحكام, للإمام ابن حجر العسقلاني, دار العلوم الحديثة, بيروت, 1987, ص299.
19- القبنجي علاء الدين, سايكولوجية العنف في العراق, مجلة النبأ, المستقبل للثقافة والنشر,عدد 48 , 2000 , ص11).
- 20 Iqbal, M . The construction of religions thoughtin Islam Karachi, 1946, P27.
21 - سورة الأنفال, الآية 63.
22- سورة الغاشية, الآية 22.-
23- Aczel, G, the Fallacy of charges Against Islam, Neps2 a bag News Paper, Budapest, 2005, P, 3.
24- Wickham, M .F. Religion and terrorism. London the Press .2002 .P, 9.
25- إحسان محمد الحسن, علم الاجتماع العنف والإرهاب, ص, 124.
26- محمد أركون, العلمنة والدين الإسلامي (الإسلام, المسيحية, الغرب), دار الساقي, ط3, بيروت, 1996, ص16.
27- Henri Sanson, Algérie ,société confessionnelle et pour tant Iaîque centre thomas more, No, 53 .
28- المرجع السابق, ص (16-17).
29- المرجع السابق, ص20.
30- نور الدين طوالبي, التغير الاجتماعي في الجزائر- البحث عن الهوية الثقافية, ديوان المطبوعات الجامعية, الجزائر, ط1, 1988, ص 62.
31- إيفون يزبك حداد وجون ل. إسبوزيتو؛ الإسلام والجنوسة والتغير الاجتماعي, تر: أمل الشرقي ومر: فؤاد سروجي, الأهلية للنشر والتوزيع, ط1,الأردن, 2003.
32- المرجع السابق, ص (48- 74).
33- راجع: مديحه محمد سيد إبراهيم, علم الاجتماع الديني, دار الفكر العربي,بيروت, دط, دس.
34- ولاية أدرار, أدرار تاريخ وتراث, نشرة بمناسبة الملتقى الوطني الأول الشيخ سيدي محمد بن لكبير يومي: 23-24 جوان 2010, ص(12-14).
35- راجع صلاح شروخ, مدخل في علم الاجتماع, دار العلوم والنشر والتوزيع, دط, عنابة, 2005, ص(28-90).
36- محمد سيدي فهمي, الرعاية الاجتماعية الإسلامية, دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر, دط, الأسكندرية, 2006,ص 47 وما بعدها.
37- المرجع نفسه, ص(47-216).
38- المرجع نفسه, ص (232-233).
39- جان-بول ويليم, الأديان في علم الاجتماع, تر: بسمة بدران, المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع, ط1, 2001, ص(21 و228).
40- محمد سيدي فهمي, الرعاية الاجتماعية الإسلامية, ص 233.
40- محمد أركون, العلمنة والدين الإسلامي (الإسلام, المسيحية, الغرب), ص 85 وما بعدها,
قدمت أوراق هذه المداخلة في الملتقى الوطني المنظم من طرف: مخبر العلوم الأنسانية والإجتماعية بجامعة معسكر أيام : 24 / 25 ماي2011
التعليقات (0)