كالعادة جلست مع صديقي عشية يوم ممطر نحتسي الشاي بنكهة الزعتر ، منشغلين بالحديث حول مواضيع مختلفة، وبين الفينة والأخرى نسترق النظر إلى الشاشة وسرعان ما نواصل الحديث .. فجأة وجدنا أنفسنا نقطع الكلام ونتطلع لمشاهدة الكاميرا الخفية التي تبثها القناة، وكأننا ننتظر مثل هذه الفرصة فتابعنا الأحداث علنا نحظى في النهاية بضحكة تفجر وتحلحل تجاعيد وجهينا التي آثرت الانغلاق منذ مدة. تسابقت الأحداث وتأزم الموقف وحوصر الممثل الضحية وارتفعت نسبة الادرنالين في دمه وكدنا نسمع نبضات قلبه المتسارعة بل انتابنا شعور بالخوف ألا يصاب الضحية المسكين بمكروه . وحين أضيق عليه الخناق وبلغت القلوب الحناجر خرج المسكين عن آدميته وتحول إلى وحش كاسر يهاجم بما ملكت يمينه على هؤلاء المتطفلين .فلم يشفع له ما يعانيه من ظروف قاسية ليأتي إليه من يستغل بؤسه وسذاجته ل (إضحاك الناس) ويقال له في النهاية (كاميرا خفية) ظل صاحبنا لفترة قبل أن يستوعب الموقف وكذا زميله الذي تسلح بأداة حادة . وفي الأخير دنا المتطفل وعانقه ليوهم المشاهد بان الضحية بخير وراض عن المشهد فيصافحه ،مصافحة باردة كالثلج وابتسامة هي أشبه بالبكاء .
لاحظت علامات الغضب تطغى على ملامح صديقي وأردف قائلا : ما ذنب هذا المسكين ، ما قدو فيل زادوه فيلة؟
. وبمناسبة الحديث عن الفيل، شاهدة كاميرا خفية لضحايا أُوهموا بأنهم ربحوا جائزة كبيرة ليفاجأوا بالفيل-الجائزة- مقيدا في معصمهم، وقد تكون أول مرة رأوا فيها الفيل . فكيف سيكون رد فعل من كان فيهم يفزع لمجرد رؤية صرصار مع إمكانية الفرار وإذا به يجد الفيل –الجائزة- مقيدا في معصمه ولا ت حين مهرب...
أكيد هناك ضحايا كثر لمثل هذه المواقف من مصاب بسكتة قلبية أو جلطة دماغية أو التعجيل بمرض السكر إضافة إلى ارتفاع ضغط الدم وأمراض أخرى مزمنة وحتى من سلم في تلك اللحظة فلن ينجو من تبعات ما يمكن تسميته بأعراض أمراض الكاميرا الخفية..
أحس صديقي بالملل وضاقت عليه المقهى بما رحبت فاستأذن، على موعد اللقاء غدا بعيدا عن التلفزة و.. رجعت إلى المنزل فتحت الانترنيت وبحثت عن الكاميرا الخفية عند الغير، المرجع الذي أردنا محاكاته ،فأسانا إليه . بعد استعراض مقطعين وجدتني اضحك بملء في، وفي الحال تبدد التوتر الحاصل معي في المقهى . بحثت عن الفرق بين كامرتنا الخفية وكامراتهم ،فألفيت بونا شاسعا من حيث الشكل والمضمون:
الكاميرا الخفية عندنا تذهب عند الناس وتحاصرهم في حياتهم وأرزاقهم ..، أما عندهم فتصادفهم في الشارع وتنفس عنهم
الكاميرا الخفية عندنا طبقية مثل أغلب البرامج تستهدف الطبقات الفقيرة وتعرض بل لا تجرأ على مزاحمة الأثرياء بينما عندهم تصادف من يمشي في الشارع كائنا من كان.
الكاميرا الخفية عندنا تختار الأماكن المنغلقة :في المتجر في المقهى في المنزل أما عندهم فهي تنعم بالحرية في فضاء مفتوح في الشارع في الحديقة..
الكاميرا الخفية عندنا تحترم الخطوط الملونة بينما عندهم لا تعرف الألوان إلا للتعبير والاستمتاع بالجمال..
الكاميرا الخفية عندهم ترفه عن المواطن وتشحذ ذكاءه أما عندنا فتهدد الإنسان في حياته وماله وتزيد من بلادته
عندنا لا يكتشف المرء انه ضحية الكاميرا الخفية إلا بعد بلوغ قمة الإزعاج والضيق وارتفاع الضغط الدموي وان يكون مرشحا للسكتة قلبية أما عندهم فهي عفوية ومرغوبة وتترك أثرا حسن للذكرى
عندنا الكاميرا الخفية عنيفة تنتهي بالضرب أو الهروب هلعا ونجاة من خطر محدق وعندهم تشيع المرح والحبور بل يحس الضحية بالامتنان تجاهها.
عندهم الكاميرا الخفية تمتاز بالإبداع والذكاء وتجعل المشاهد يتفاعل ايجابيا مع الأحداث بينما عندنا مكبوتة وانتهازية وتضايق في الغالب على المشاهد
.....
التعليقات (0)